عزلة متزايدة.. كيف تقض المقاطعة الأكاديمية مضاجع إسرائيل؟

داود علي | 4 months ago

12

طباعة

مشاركة

تعاني إسرائيل منذ سنوات من موجات المقاطعة الدولية، لكن ما حدث في المرحلة الأخيرة عقب عدوانها الغاشم على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يشير إلى تحول جذري في هذه الحملة.

وبدأت جامعات ومؤسسات أكاديمية أوروبية وشخصيات عالمية مرموقة ومؤثرة، اتخاذ خطوات حازمة لوقف التعاون مع الاحتلال، وهو ما يمثل خطوة تهديد كبيرة لأهداف إسرائيل البحثية.

صدمة هرتسوغ

ونشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في 10 يوليو/ تموز 2024، تقريرا تحدثت فيه عن المقاطعة ضد إسرائيل وامتدادها إلى زوايا جديدة.

وأشارت الصحيفة إلى أن حملة المقاطعة باتت أشد قوة داخل الأوساط الأكاديمية، مما يعرض قطاع البحث العلمي الإسرائيلي للخطر.

وأوردت أن القلق من المقاطعة الأكاديمية امتد إلى قادة إسرائيل، حيث انتقد زعماء دولة الاحتلال جهود المقاطعة، حيث قال الرئيس الإسرائيلي السابق إسحاق هرتسوغ في مؤتمر اقتصادي في مايو/ أيار 2024، إن “أعداءنا يحاولون عزلنا من أجل إيذائنا” وفق زعمه.

ولفتت الصحيفة إلى أن الإسرائيليين لم يعودوا موضع ترحاب في العديد من الجامعات الأوروبية، إضافة إلى أن مشاركتهم في المؤسسات الثقافية والمعارض الدفاعية أصبحت خاضعة لمزيد من القيود.

ويشار إلى أن المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل هي جزء من حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات.

تلك الحملة في أساسها بدأت قبل سنوات طويلة، تحديدا عام 2005، وهي لا تستهدف الأفراد الإسرائيليين فقط، بل المؤسسات الحكومية والخاصة أيضا.

من جانبها، نشرت صحيفة "ذا ماركر" العبرية المتخصصة في شؤون الاقتصاد، تقريرها في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2023، عن المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل وآثارها. 

ونقلت عن باحث إسرائيلي (لم تذكر اسمه) وصفته بأن له علاقات أكاديمية واسعة في الخارج، قوله "لقد ثار العالم الأكاديمي والعلمي ضدنا".

واستطرد قائلا إن “هناك بالفعل حالات لباحثين إسرائيليين أبلغوا من قبل زملائهم في الخارج بإنهاء التعاون معهم، وإن آخرين رفضت نشر مقالاتهم دون تفسير”. 

وذكر أن العواقب ستكون وخيمة وأن الوضع يمثل تهديدا قويا بـ"تخلف الأبحاث في إسرائيل عن الركب العالمي".

وأخذ التقرير بشهادة البروفيسورة الإسرائيلية ريفكا كرمي، وهي رئيسة منظمة "العلم في الخارج" التي تساعد علماء الاحتلال في جميع أنحاء العالم.

وأقرت كرمي بوجود مقاطعة سرية تشمل رفض قبول منشورات الباحثين الإسرائيليين وتحكيمها، أو رفض عروض حضور مؤتمرات في إسرائيل أو وقف دعوة الباحثين الإسرائيليين إلى المؤتمرات واللقاءات البحثية. 

مصدر قلق

كما قدمت صحيفة "ذا ماركر" وصفا لطبيعة نظام التعليم العالي في العالم، وأشارت إلى أنه مبني برمته على التعاون بين الزملاء من مختلف البلدان.

فإذا كان هناك مجموعة كبيرة من الباحثين ذوي الأجندة المعادية لإسرائيل، ومجموعة أخرى يخشون التعبير عن الدعم لإسرائيل، فإن هذا يؤثر في الحياة الأكاديمية الإسرائيلية بمجملها.

ولفتت إلى أن المقاطعة السرية تحديدا “تعد مصدر قلق كبير لآلاف الباحثين الإسرائيليين في الخارج”.

كذلك يواجه الباحثون داخل الأراضي المحتلة ضررا مهنيا، منها العثور على مؤسسة بحثية في الخارج تقبلهم للتدريب الداخلي ونشر مقالات مشتركة مع باحثين في الخارج، والكتابة لمجلات رائدة وتقديم طلبات المنح للجامعات الكبرى وحتى تقييم الزملاء من الخارج للترقية في المراتب الأكاديمية.

ذلك تحديدا ما أعلنت عنه البروفيسورة الصهيونية راشيل ألترمان، المحاضرة في مجال تخطيط المدن والقانون في مدينة التخنيون (داخل حيفا)، وعضو الأكاديمية الوطنية الإسرائيلية للعلوم، من أن فرص قبول الباحثين الإسرائيليين للحصول على درجة الدكتوراه في الخارج انخفضت منذ بداية العدوان على قطاع غزة، بنسبة 10 بالمئة.

وذكرت ألترمان أن “الباحثين الإسرائيليين أو كبار اليهود الذين يدعمون إسرائيل، ويعملون في الخارج يشعرون بالتهديد ويخافون من التحدث والتعبير عن الدعم لإسرائيل”.

تلك الحالة جعلت كبار الأكاديميين الإسرائيليين في وضعية قلق مستمر، وهو ما قاله البروفيسور إيتاي هاليفي، من قسم علوم الأرض والكواكب في معهد وايزمان والرئيس الحالي لأكاديمية الشباب الإسرائيلية، عندما أورد أن "هناك شعورا بالعزلة المتزايدة، إلى جانب الانتقادات وانعدام التعاطف تجاه إسرائيل".

وفي السياق ذاته، حذرت العقيد "بنينا شارفيت باروخ"، رئيس برنامج القانون والأمن القومي في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، من أن “إسرائيل تتعرض لذروة هجوم سياسي وإعلامي وجماهيري ضدها، يتجاوز في حجمه وخطورته جميع الحملات السياسية والإعلامية التي تعرضت لها سابقا”.

وأشارت إلى أن "إسرائيل" تتجه نحو التحول إلى دولة خاضعة للعزلة الدولية، بسبب ظهور ظاهرة شيطنتها، مما أدى إلى تدهور مكانتها الدولية.

وحذرت باروخ من أن "فشل إسرائيل في التعامل بنجاح مع هذه الحملة، قد يؤثر على اقتصادها وأمنها القومي، ويضر بتحقيق أهداف المعركة العسكرية في قطاع غزة، ويؤدي إلى التراجع على الجبهات كافة".

مؤسسات إجرامية 

والسؤال الذي يطرح نفسه في ظل هذه المعركة المتصاعدة بين الاحتلال والعالم الأكاديمي الرافض لممارساته، لماذا يتضامن هذا العالم مع فكرة المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل؟ وعلى أي أساس اتخذوا موقفهم وبعضهم لا ينتمي للعالم العربي والإسلامي. 

أجاب عن ذلك تقرير نشرته وكالة "الأناضول" التركية الرسمية في 5 مارس/ آذار 2024، عندما أوردت أن الجامعات الإسرائيلية "متواطئة في الجرائم" بحق الشعب الفلسطيني.

وتلعب تلك الجامعات دورا أساسيا في تطوير المعرفة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، وهي جزء لا يتجزأ من الاستعمار الاستيطاني ونظام الفصل العنصري داخل الأراضي المحتلة. 

لذلك قام معهد “ملبورن” الملكي في جامعة التكنولوجيا بأستراليا بإعلان إلغائه عقدا مع شركة تصنيع الأسلحة الإسرائيلية (Elbit Systems).

وجاء هذا القرار بعد حملة ضغط واجهها المعهد، بناء على دعوة من اتحاد نقابات أساتذة وموظفي الجامعات الفلسطينية.

كما قامت أربع جامعات نرويجية أخيرا بإنهاء تعاونها مع جامعات إسرائيلية، وجمدت جامعة أوسلو اتفاقيات للتبادل الطلابي والأكاديمي مع جامعة حيفا الإسرائيلية، وقررت عدم توقيع اتفاقية تعاون مع أي جامعة إسرائيلية مستقبلا.

على نفس النسق مضت جامعة بيرغن للهندسة المعمارية في النرويج، حيث ألغت اتفاقيتي تعاون مع أكاديمية "بتسلئيل" الإسرائيلية للفنون بسبب ارتباطاتها بجيش الاحتلال ودورها في تصميم الزي والمعدات العسكرية التي يستخدمها.

وأنهت جامعة جنوب شرق النرويج اتفاقيات للتعاون مع جامعة حيفا وكلية هداسا الأكاديمية في إسرائيل، واستندت في قرارها إلى الهجمات التي تشنها إسرائيل على غزة والوضع الإنساني المأساوي الذي يعيشه سكان القطاع، وتجاهل إسرائيل لأوامر محكمة العدل الدولية.

وفي 22 أبريل/ نيسان 2024، استجاب المجتمع الثقافي والأكاديمي الإيطالي لدعوات المقاطعة، حيث قام أكثر من 1700 أكاديمي وباحث إيطالي بطرح هذه القضية في الوعي الوطني.

وذلك من خلال رسالة مفتوحة إلى وزارة الخارجية الإيطالية، وتدعو هذه الوثيقة إلى وقف التعاون الصناعي والعلمي والتكنولوجي مع إسرائيل. 

وقال الموقعون إن هذا التعاون قد يدعم تطوير التقنيات ذات التطبيقات المدنية والعسكرية المزدوجة، بما في ذلك التقنيات البصرية للقتال. 

كما أكدوا أنه بدون بنود صريحة تمنع الاستخدام العسكري للأبحاث المشتركة، فإن هذه الاتفاقيات تخاطر بانتهاك القوانين الدولية والإنسانية من قبل إسرائيل، وقد تستغل إسرائيل هذا التعاون الأكاديمي في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.