رغم التوتر المتصاعد بينهما.. لماذا عينت الجزائر قنصلين جديدين بالمغرب؟

12

طباعة

مشاركة

بارتياح شديد وتفاؤل كبير، تلقى الشعبان الجزائري والمغربي، إعلان السلطات الجزائرية تعيين قنصلين جديدين لها في المغرب، رغم الأزمة الدبلوماسية المتواصلة منذ شهور طويلة بين الجارين.

ويرى مراقبون أن تعيين القنصلين الجديدين في المغرب يدل على رغبة الجزائر في تعزيز العلاقات وتحسين التعاون الثنائي في مختلف المجالات.

فيما يرى آخرون أن “تغيير القناصلة بين الجزائر والمغرب حركة عادية، تفرضها الإجراءات الروتينية للبعثات الدبلوماسية”.

تحسين الأداء

وأعلنت وزارة الخارجية الجزائرية، في 26 مارس/ آذار 2024، تعيين قنصلين جديدين لها في المغرب، بكل من مدينتي الدار البيضاء (شمال) ووجدة (الشرق).

وأفاد بلاغ الخارجية بأن هذه التعيينات "تستهدف تفعيل الجهاز الدبلوماسي، وتحسين أداء العمل الدبلوماسي، في ظل الرهانات الحالية، وضمان رعاية أمثل للجاليات، على أن تصبح التعيينات سارية بمجرد إتمام الإجراءات التنظيمية المطلوبة".

وأعلنت خارجية الجزائر تعيين هشام فرحاتي على رأس القنصلية العامة للبلاد في وجدة، المجاورة للحدود الجزائرية، كما جرت تسمية بلغيث جودي قنصلا عاما في الدار البيضاء، وهو المنصب الذي يتولى تنسيق المهام الدبلوماسية مع المغرب، في غياب السفير.

ولدى المغرب في الجزائر، قنصليتان في الجزائر العاصمة ووهران.

من جانبه، رأى رئيس "المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني"، عبد الرحيم منار اسليمي، قيام الجزائر بتغيير قنصليها بمدينتي وجدة والدار البيضاء، "سابقة في تاريخ العلاقات الدولية".

وقال اسليمي في تغريدة على منصة "إكس" في 28 مارس، إنه "لم يحدث أن قامت دولة بتغيير قناصلتها في دولة تقطع معها العلاقات الدبلوماسية". 

ولفت المحلل السياسي المغربي إلى أن ما قامت به الجزائر "يدل على أمرين اثنين".

يتعلق الأول، بـ"اعتراف بخطأ جزائري جسيم ارتكبته خارجية عطاف في رد فعلها المبني على أخبار تم تداولها في وسائل التواصل الاجتماعي بخصوص نزع ملكية إقامات لاعلاقة لها باتفاقية فيينا والوضع القانوني لبناية سفارة الجزائر".

أما الأمر الثاني، وفق اسليمي، فيحمل إشارة على أن دبلوماسية الجزائر "تبحث عن وساطة لها مع المغرب".

وقال إن التغيير في قناصلة وجدة والدار البيضاء، معناه أن الجزائر "تريد إعادة العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، خاصة أن النظام العسكري أدرك خسارته في كل المجالات منذ قطع العلاقات مع المغرب"، بحسب قوله.

رسالة واضحة

من جانبه، قال مراسل إذاعة "مونت كارلو" الدولية في الجزائر، فيصل مطاوي، إن "هذا التعيين جاء في سياق حركة شملت 24 سفيرا و15 قنصلا عاما وتسعة قناصلة، يهدف لتنشيط الجهاز الدبلوماسي للبلاد، وفي خضم علاقات مقطوعة بين المغرب والجزائر منذ 2021، إلا أن العلاقات القنصلية تبقى قائمة".

ولفت مطاوي في مداخلة على قناة "فرانس24" في 29 مارس، أن "هذا التعيين قد يكون في إطار تخفيف حدة التوتر بين الجانبين".

صحيفة "الخبر" الجزائرية وفي تفاعل مع إعلان الخارجية قالت إن "تغيير الجزائر لسفرائها، تكون قد أرسلت رسالة سياسية واضحة تفيد بالرغبة الأكيدة والإيجابية لطي صفحات الأزمة وسوء التفاهم".

ورأت في مقال نشرته في 29 مارس 2024، أن "هذه الحركة وصفها دبلوماسيون بأنها خطوة سيادية تؤكد الروح الإيجابية الكاملة التي تحدو الجزائر لعلاقات تشاور مستمرة مع دول الساحل والجوار"، 

وأعربت عن الأمل في أن "يتلقى قادة هذه الدول الرسالة الجزائرية بطريقة صحيحة وسليمة وبروح إيجابية أيضا، خاصة وأنها خطوة تدخل في سياق تجديد قنوات الاتصال الدبلوماسي بين الجزائر وهذه الدول التي تجمعها معها حزمة رهانات وتحديات سياسية وتطلعات اقتصادية وأمنية مشتركة".

وفي إشادة بالقرار قال المدون المغربي، نور الدين البكاري: "الجزائر تعين قنصلين في مدينتي وجدة والدار البيضاء، نتمنى الأفضل بين الدولتين الشقيقتين الجارتين".

وأضاف داعيا في تدوينة نشرها عبر "فيسبوك" في 30 مارس، "اللهم ألف بين قلوب المسلمين".

قرار لائق

ويأتي تعيين الجزائر لقنصلين جديدين لها بالمغرب، تزامنا مع أزمة دبلوماسية جديدة بين البلدين اندلعت منتصف مارس 2024، عقب قرار الحكومة المغربية نزع ملكية عقارات محيطة بمقر وزارة الخارجية بالرباط، بهدف توسيع مقرات المصالح التابعة لها، من بينها عقارات تعود ملكيتها للدولة الجزائرية.

وكان مكتب رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، قد استقبل مشروع قرار صادر عن وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، يتعلق بنزع ملكية 3 عقارات مملوكة للدولة الجزائرية، من أجل توسيع مبنى وزارة الخارجية، وفق ما جاء في الجريدة الرسمية.

ويتعلق الأمر بمشروع مرسوم بإعلان "المنفعة العامة" تقضي بتوسعة مبانٍ إدارية لفائدة وزارة الخارجية في الرباط، وبنزع ملكية العقارات اللازمة لهذا الغرض وفق ما جاء في في العدد 5811 من نشرة الجريدة الرسمية الخاصة بالإعلانات القانونية والقضائية والإدارية، الصادرة بتاريخ 13 مارس 2024.

وحددت الوثيقة 6 عقارات لهذا الغرض، الثلاثة الأولى منها مملوكة لـ"الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية"، والتي ستُنزع ملكيتها باقتراح من وزارة الاقتصاد والمالية، وبعد استشارة وزير الداخلية، وبناء على القانون 81-7 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت الصادر بتاريخ 6 مايو/ أيار 1982.

مصادر دبلوماسية مغربية تحدثت لوسائل إعلام محلية في 15 مارس 2024 أفادت بأن خارجية الرباط تقدمت لدى السلطات الجزائرية عام 2022 بطلب لشراء مبنى تابع لها مجاور لمقر الوزارة، على أساس أنه بقي شاغرا منذ تغيير مقر السفارة الجزائرية في الرباط، وذلك في إطار مشروع لتوسعة مكاتب الوزارة المغربية.

وبعد أن احتجت الجزائر على قرار الرباط، أكد وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، أن المغرب اتخذ قرارا "لائقا"، مشيرا إلى أن الموضوع "قد انتهى".

وقال عطاف في لقاء صحفي نقلته وكالة الأنباء الجزائرية، في 26 مارس 2024، إن “الموضوع أثاره المغاربة ونحن قمنا بالرد، هم اتخذوا القرار وتعده ”قرارا لائقا"، معتبرا أن الموضوع "قد انتهى في فصله هذا".

و في أغسطس/آب 2021، أعلنت الجزائر عبر وزير خارجيتها السابق، رمطان لعمامرة،  قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، وصرح الوزير بأن "قطع العلاقات نافذ من اليوم".

ومنذ أن أعلنت الجزائر، من طرف واحد، قطع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر، وفي ظل غياب السفير الجزائري عن الرباط، أصبحت قنصليتها في الدار البيضاء هي ممثليتها الدبلوماسية الرئيسة، بهدف خدمة المواطنين الجزائريين في المغرب، وأيضاً التواصل مع الرباط.

واتهمت الجزائر  الرباط بـ"أعمال عدائية"، وهو قرار عدته المملكة “غير مبرر إطلاقا"، وأوقفت الجزائر تدفق الغاز عبر أنابيب إلى إسبانيا كانت تمر بالأراضي المغربية. 

وفي وقت لاحق، مُنعت الطائرات المغربية من عبور المجال الجوي الجزائري.

وتصاعدت حدة التوتر بين البلدين وسط تراشق إعلامي وحرب كلامية، لدرجة أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، صرح بأن القطيعة بين البلدين "وصلت إلى نقطة اللاعودة".

صراع قديم

ويعود الصراع بين الجزائر والمغرب إلى ستة عقود، حيث نشبت “حرب الرمال” بين البلدين في أكتوبر / تشرين الأول1963؛ بسبب مشكلات حدودية. 

واستمرت الحرب أياماً معدودة قبل أن تتوقف نتيجة وساطة بادرت بها كل من جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليا).

وملف إقليم الصحراء الغربية تسبب في تعقيد الأزمة بين الجزائر والمغرب بشكل غير مسبوق، ويعد من أهم الملفات الشائكة بين المغرب من جهة، وجبهة "البوليساريو" والجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم‎ من جهة أخرى.

ويشهد إقليم الصحراء منذ 1975 نزاعا بين المغرب و"البوليساريو"، منذ إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده بالمنطقة؛ حيث تقترح الرباط حكما موسعا تحت سيادتها، فيما تدعو الجبهة إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر‎.

وقال المحلل الجزائري، محمد أوكادو، إن "بيان وزارة الخارجية الأخير حول التعيينات الدبلوماسية الجديدة، حركة سياسية إيجابية خاصة أنها شملت دولا لها أزمات دبلوماسية مع الجزائر، وأبرزها المغرب ومالي، وهي نقطة إيجابية لبدء حلحلة بعض الرواسب التي اعتملت جراء مواقف سياسية".

ورأى أوكادو لـ"الاستقلال" أن "التعيينات قد تعد لخدمة المواطنين وتسهيل أمورهم الإدارية، لكن دبلوماسيا يجب استقبالها والنظر إليها بأنها رسالة تشير إلى أن الجزائر تركت الباب مفتوحا لأي تطورات مستقبلية".

وأكد أن "الجزائر والمغرب رغم الخلافات السياسية الشديدة إلا أن الأولى التزمت بالقواعد الدبلوماسية، لاحتواء أي تصعيد أكبر في التوتر الموجود، لا سيما أن الحركة الدبلوماسية شملت منطقة الساحل تحديدا التي شهدت هي الأخرى أزمة عنيفة بعد التطورات في تلك الدول أبرزها مالي".

ولفت أوكادو إلى أن "هذه التعيينات والتعديلات شملت 28 سفيرا و3 قناصل عامين و3 قناصلة، يمكن وصفها بالثورة الدبلوماسية لقرار جزائري حكيم يرغب في إضفاء نفس متجدد على علاقاته مع دول القارة انطلاقا من التحولات المتسارعة والتموقعات التي تعرفها المنطقة".