"الشرق الشيوعي معقل لليمين المتطرف".. قراءة في نتائج الانتخابات الألمانية

"رغم ذلك، لا يزال حزب البديل من أجل ألمانيا مستبعَدا من خيارات الحكومة"
أثبتت الانتخابات العامة المبكرة في ألمانيا والتي أجريت في 23 فبراير/ شباط 2025 أن جراح سقوط جدار برلين في نوفمبر/ تشرين الثاني 1989 لم تلتئم بعد، فما زال الشرق والغرب يعيشان في واقعين مختلفين.
وجراء هذا الانقسام، تمكن اليمين المتطرف من السيطرة على شرق البلاد.
وقالت صحيفة "الإسبانيول" الإسبانية: إن النجاح الساحق الذي حققه التحالف المكوَّن من ائتلاف الحزب الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي في الانتخابات البرلمانية الألمانية “لا يمكن أن يحجب الفجوة الهائلة التي أظهرتها النتائج بين شرق البلاد وغربها”.
وفي حين فاز حزب "فريدريش ميرز" في أراضي ألمانيا الغربية السابقة بفارق ملحوظ، فقد تفوق عليه اليمين المتطرف في الشرق، والذي نجح في فرض نفسه في مناطق مثل ساكسونيا أو تورينجيا أو براندنبورغ وفي مدن مثل كيمنتس أو كوتبوس، التي يزيد عدد سكانها عن 100 ألف نسمة.
وأظهرت النتائج الرسمية الأولية تقدم “تحالف الاتحاد المسيحي الديمقراطي” بحصوله على نسبة 28.6 بالمئة من الأصوات، وحل حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف في المركز الثاني بحصوله على 20.8 بالمئة من الأصوات، بزيادة 10.4 بالمئة عن الانتخابات السابقة.

تقسيم واضح
وأشارت الصحيفة الإسبانية إلى أن الأسباب كثيرة ومتنوعة، ولكنها تتعلق في الإجمال بالشكوك الشرقية في الديمقراطية الليبرالية والعديد من سنوات الاستياء تجاه الغرب والاتحاد الأوروبي.
كما أن هناك عاملا مهما، ألا وهو أن غالبية الناخبين الذين اختاروا حزب أليس فايدل، البديل من أجل ألمانيا، هم دون سن 44 سنة، وهي الفئة العمرية التي شاركت بأكبر عدد من الأصوات في جميع أنحاء البلاد.
وعرفت هذه الفئة باستيائها وإحباطها من الحكومة الألمانية.
ورغم أنهم لم يعيشوا في ظل الاستبداد الشيوعي، إلا أنهم يحاولون الانتقام من الإهانات الماضية من خلال مغازلة الشعبوية النازية الجديدة.
وعلى مدى عقود من الزمن، كانت ألمانيا الشرقية السابقة بمثابة أرض خصبة لظواهر عديدة، على غرار ظاهرة الحزب اليميني المتطرف، البديل من أجل ألمانيا.
ولا يتعلق الأمر بالعديد من البيانات الموضوعية، بل يتعلق بالجانب التاريخي للمنطقة.
وعلى سبيل المثال، لا يعدّ الشرق اليوم أكثر فقرا مما كان عليه قبل 35 سنة، ففي الواقع، تقلصت الفجوة بين اقتصاد المنطقتين بشكل كبير.
ورغم أن الأجور أعلى في المنطقة الغربية، إلا أن المعيشة أقل غلاء في الشرق.
وأضافت الصحيفة أن اليمين المتطرف لم ينتصر في كامل البلاد، نظرا للنتائج التي سجلت في الغرب الألماني.
وليس من قبيل المصادفة أن يدعو مناصرو الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى التصويت لصالح فايدل؛ لأن مبادئهم متشابهة: معاداة شرسة لليبرالية، والدعوة إلى وطن تقليدي نظرا لمعاناته من حالة انحدار مزعومة، وإدانة "غزو" مزعوم للمهاجرين الذي يكسر انسجام الألمان.
وأشارت الصحيفة إلى أن ألمانيا الشرقية صوتت لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا مدفوعة بالانتقادات تجاه الاتحاد الأوروبي.
وقد نجح حزب البديل من أجل ألمانيا في استغلال هذا الاستياء إلى أقصى حد وتحويله إلى أصوات.
وذكرت الصحيفة أن الاتحاد الأوروبي يمثل تلك القوة الخارجية التي تفرض القوانين وتخطط الاقتصاد، مثلما فعل الشيوعيون سابقا، زيادة عن ذلك، يمثل الاتحاد التنوع مقابل وحدة الأمة، التي يدافع عنها الألمان.
ويضع الاتحاد الأوروبي حصصا لقبول الأجانب الذين يستطيعون خلق مشاكل أمنية، من وجهة نظرهم، وكما يقال في كل البلدان، "سرقة وظائف السكان الأصليين".

حرب أوكرانيا
ودعم الاتحاد الأوروبي والغرب بشكل عام أوكرانيا بملايين اليوروهات في حربها ضد روسيا، بحسب صحيفة "الإسبانيول".
وفي العديد من أجزاء شرق ألمانيا، كما هو الحال في ويسكونسن أو مونتانا، يطالب السكان باستغلال هذه الأموال لدعم الاستهلاك المحلي.
ويضاف إلى كل هذا القدر الهائل من المعلومات المضللة، وحقيقة مفادها أنه من السهل "عدم الثقة في الأقليات في مجتمع لم يعتد عليها بعد".
ونظرا لكل هذه العوامل، أصبح من السهل فهم انتصار حزب البديل من أجل ألمانيا في الشرق.
وأوردت الصحيفة أن ألمانيا انفتحت على العالم في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين وشهدت ظاهرة الهجرة الإفريقية على نطاق واسع منذ السبعينيات.
إلا أن ألمانيا حافظت على حالة "النقاء" التي جعلت من الصعب عليها استيعاب الموجات المتعاقبة من المهاجرين واللاجئين التي شهدتها حتى الآن في القرن الحادي والعشرين.
وبعيدا عن العواقب الاقتصادية لهذه الهجرة، ومثلما هو الحال في كل البلدان الغربية تقريبا، فقد تم تغذية المشاعر الجماعية في مواجهة "عدو خارجي مفترض".
وبالإضافة إلى ذلك، هناك قضايا تتكرر من بلد إلى آخر.
على سبيل المثال، يميل التصويت في المناطق الريفية -حيث يتمركز عدد أعلى بكثير في الشرق- إلى تبني مواقف معادية لأوروبا ومعادية للعولمة.
في المقابل، لا يدرك الناخب في المناطق الحضرية -وهو أكثر حضورا في الغرب- بنفس الطريقة الضرر الذي يمكن أن تخلفه السياسات الزراعية والحيوانية التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي على جيوبهم.
ويتمثل أكبر دليل على ذلك في مدينة لايبزيغ الشرقية الكبرى، التي شهدت مرة أخرى انتصارا لليسار.
وأشارت الصحيفة إلى العلاقة المتناقضة بين الشرق الألماني وروسيا.
ومن ناحية، إذا كان هناك من يعرف مخاطر الإمبريالية الروسية، فهم على وجه التحديد مواطنو جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة.
ومن ناحية أخرى، بالنسبة للشباب، فإن هذه الإمبريالية هي شيء من الماضي.
وأمام القلق الذي يشعر به اليوم، لا ينظر الشباب في الشرق إلى نفوذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعين سيئة، أو على الأقل لا يفهم تماما أن بوتين هو عدوه، على عكس ميرز أو المستشار أولاف شولتز.
في المقابل، تقترح فايدل رفع جميع العقوبات ضد موسكو وجميع المساعدات إلى كييف، وتؤكد هذه الحقيقة موقف اليمين المتطرف تجاه بوتين.
باختصار، لفهم ما حدث في تورينجيا أو ساكسونيا أو براندنبورغ عام 2025، لا يكفي مجرد النظر إلى الحاضر.
في الواقع، مهّد لرواج اليمين المتطرف عملية طويلة، ولقيت في الظروف الحالية الوقت المناسب.
وتستفيد فايدل وترامب ورئيس وزراء المجر فيكتور أوربان وشركاؤهم من هذا الخوف والاستياء؛ حيث إنهم رعاة الكراهية وهم يعرفون كيفية التعامل بشكل جيّد.
وفي ألمانيا، لم يفوّت حلفاؤهم الفرصة للاستفادة من هذه الأجواء الملائمة.
وقالت الصحيفة الإسبانية: “في الواقع، مثّل تقدم حزب البديل من أجل ألمانيا نتيجة للديناميكيات السياسية المتغيرة في ألمانيا”.
ويمثل نجاحهم رسالة احتجاج واضحة ضد سياسات الحكومة الفيدرالية ومطالبة بتغييرات هيكلية في المنطقة.
علاوة على ذلك، نجح الحزب في حشد ما يقرب من مليوني ناخب من الممتنعين السابقين عن التصويت، مما يدل على الدعم الشعبي المتزايد.
ورغم هذا الصعود، لا يزال حزب البديل من أجل ألمانيا مستبعدا من خيارات الحكومة بسبب رفض الأحزاب الرئيسة عقد اتفاقيات معه.
ولكن ترسيخه كقوة مهيمنة في ألمانيا الشرقية يشكل تحديا للمشهد السياسي الوطني وقد يؤثر بشكل كبير على انتخابات 2029، خاصة إذا فشلت الأحزاب التقليدية في تقديم استجابات فعالة للمشاكل التي تهم المواطنين، بحسب صحيفة “الإسبانيول”.