العراقيون ينقسمون بشأن الانتخابات.. ديمقراطية حقيقية أم إعادة تدوير؟

هذه هي الانتخابات التشريعية السادسة منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003
حالة من الترقب والقلق تسود العراق مع بدء التصويت الخاص بالأجهزة الأمنية والعسكرية في الانتخابات البرلمانية، والذي سيستمر حتى الساعة السادسة مساء بالتوقيت المحلي.
وانطلقت في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 عملية التصويت في الانتخابات العراقية التشريعية السادسة منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003؛ حيث تجرى مرحلتها الأولى الخاصة بقوات الأمن والجيش ونزلاء السجون والمستشفيات، البالغ عددهم أكثر من مليون و300 ألف ناخب.
وقالت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات البرلمانية في العراق: إن نسبة المشاركة في التصويت الخاص بالأجهزة الأمنية والعسكرية بلغت 60 بالمئة حتى ظهر اليوم.
ويهدف التصويت الخاص إلى تمكين منتسبي القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الذين سيضطلعون بمهمة تأمين مراكز الاقتراع في يوم التصويت العام في 11 نوفمبر، من ممارسة حقهم الدستوري.
ويتنافس في الانتخابات 7 آلاف و743 مرشحا، بينهم 5 آلاف و496 رجلا وألفان و247 امرأة، بينما يحق لنحو 21 مليون ناخب الإدلاء بأصواتهم لاختيار 329 عضوا في مجلس النواب، الذي يتولى انتخاب رئيس الجمهورية ومنح الثقة للحكومة.
وبدأت الدورة الحالية لمجلس النواب في 9 يناير/ كانون الثاني 2022، وتستمر 4 سنوات حتى الثامن من الشهر نفسه لعام 2026.
ووفق القانون العراقي، يجب إجراء الانتخابات التشريعية قبل 45 يوما من انتهاء الدورة البرلمانية. ويضم البرلمان الحالي 320 نائبا، وتملك أحزاب وتيارات شيعية الغالبية فيه.
وتتقاسم السلطات الثلاث مكونات عراقية مختلفة؛ إذ تعود رئاسة الجمهورية تقليدا إلى الأكراد، ورئاسة الوزراء إلى الشيعة، بينما يتولى السنة رئاسة البرلمان.
وتباينت ردود فعل الناشطين عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي “إكس” و"فيسبوك" حول الانتخابات العراقية؛ إذ ينظر البعض لها على أنها مجرد مسرحية وإعادة تدوير للوجوه القديمة وعملية تفتقر للنزاهة والشفافية. موضحين أن الأحزاب التقليدية تُسَيطر على المشهد السياسي.
فيما يرى فريق آخر أن الانتخابات خطوة إيجابية وفرصة لتحقيق تغيير حقيقي في البلاد من خلال اختيار ممثلين جدد يمثلون مصالح الشعب العراقي ويشاركونه في صنع القرار. معربين عن أملهم أن تسهم في تعزيز الديمقراطية والشفافية والنزاهة في الحكومة.
وسلط ناشطون الضوء على منجزات وإخفاقات حكومة محمد شياع السوداني، وانقسموا لفريقين الأول يدافع عنه ويشير إلى أنه عمل على تحسين الوضع الاقتصادي وتعزيز الأمن، والثاني يستنكر استشراء الفساد وأزمة انقطاع الكهرباء وغياب الإصلاح المؤسسي وزيادة الديون.
وبرز الحديث عبر وسوم عدة أبرزها #الانتخابات_العراقية، #السوداني، #العراق_ينتخب، وغيرها، عن التوقعات السياسية للعملية الانتخابية وفق المعطيات والشواهد واستشراف المستقبل السياسي للعراق، والتحديات التي تنتظر الحكومة الجديدة.
واجب وطني
وتحت عنوان "الانتخابات البرلمانية العراقية 2025"، قال كرارة الناجي، إنه يوم جديد في مسيرة الوطن، تُجسّد فيه إرادة الشعب واختياره لمستقبله. مؤكدا أن المشاركة في الاقتراع حق وواجب وطني، ومسؤولية أمام العراق وأمام الأجيال القادمة.
وأضاف: "صوتك أمانة.. فكن إيجابيًّا وشارك في صناعة التغيير نحو عراقٍ آمنٍ مزدهرٍ يسوده العدل والكرامة".
وقالت زينب التكميجي: "أبشر يا وطن؛ فزعتنا يوم الانتخابات لاختيار الشخص الأنسب للمسؤولية، إيمانًا بأن المشاركة واجب وطني وأخلاقي يعكس انتماءنا وحرصنا على مستقبل الوطن".
وأكدت فاطمة الحسيني، أنه “من الواجب شرعا انتخاب الإنسان النزيه الذي يمثلني في قبة البرلمان والذي عنده غيرة على المذهب”. وفق تعبيرها.
إعادة تدوير
ورفضا للانتخابات العراقية برُمّتها، رأى الأكاديمي محمود شمس الدين الخزاعي، أن العملية الانتخابية أشبه ما تكون بحاوية نفايات حديثة.
وبين أن الحاوية تحتوي نظام تدوير النفايات داخلها، فكلما رميت فيها شيئا من النفايات، وجدت النفايات السابقة نفسها ولكن بشكل مختلف. وفق تعبيره.
وقال المغرد علي، إن الانتخابات العراقية مجرد لعبة لإعادة التدوير التالف وإرجاعه، مضيفا أن "عشرين سنه نفس الوجوه التي لا تخدم العراق إنما تخدم إيران ومصالحها".
وتساءل: "متى يصحى الشعب العراقي.. سني شيعي كردي.. جميع الشعب ويختاروا رئيس وحكومة تحبه وتخدمه وترجع إلى الحضن العربي؟".
وأكد آخر أن "الانتخابات في العراق ما هي إلا إعادة تدوير للوجوه القديمة والطبقة السياسية الفاسدة.. صناديق الاقتراع لم تجلب التغيير، بل أكدت استمرار الوضع القائم". قائلا: إن “الوضع بعد 11 نوفمبر ليس كما قبله!؟”
وقال محمود سواد: إن الانتخابات العراقية مجرد مسرحية لتشريع الاحتلال الإيراني بأدواته المعروفة مرة أخرى. مبينا أن العراق في طريقه ليكون دولة فاشلة فاسدة لن تقوم لها قائمة. وفق تقديره.
استشراف المستقبل
وقال الباحث الاقتصادي زياد الهاشمي: إن الحكومة القادمة سترث تركة ثقيلة وملفات صعبة أولها الإنفاق الهائل والعجز المتضخم والديون الكبيرة المتزايدة، في ظل أسعار نفط منخفضة لا تلبي كامل متطلبات الموازنة.
وأشار الهاشمي إلى وجود فساد مؤسسي كبير ومستفحل وسيطرة حزبية ومسلحة من خلال مكاتب اقتصادية وأذرع مالية تغولت في مؤسسات الدولة وتعتاش على المال العام، لم تستطع حكومة السوداني تحجيمها وتخليص الدولة من أذاها.
ولفت إلى أن الدينار في وضع مرتبك أمام الدولار، ونظام مصرفي متقادم وعشرات المصارف المعاقبة وخطة إصلاح لم يتم تنفيذها حتى الآن، وأطراف قوية تعرقل ذلك من خلف الكواليس.
ومن ضمن الإرث المتروك للحكومة القادمة، رصد الهاشمي قطاعا خاصا شبه مهمل وغير مدعوم حكوميا وينتظر مبادرات تفتح الباب بشكل صحيح للاستثمار والتطوير والتوسع ويسهم في مسار التنويع الاقتصادي المدرّ للعوائد، ويستقطب جيش العاطلين عن العمل من الشباب.
وسلط الضوء على ملف المئات من المشاريع غير المنفذة بسبب نقص السيولة أو غياب الممولين أو ضعف الجدوى الاقتصادية، ومنها مشاريع طريق التنمية ومترو بغداد، وإنشاء وتأهيل عشرات المصانع.
وأشار الهاشمي أيضا إلى وجود مشكلة مياه كبيرة وتدنّي مناسيب الأنهر، أدخلت العراق في حالة فقر مائي خطير، وتسببت في انخفاض الأراضي الزراعية من 8 ملايين دونم قبل عشرين سنة إلى 3 ملايين دونم حاليا.
ولفت إلى أن قطاع الخدمات ضعيف ومتهالك وغير مُدرّ للعوائد، بداية من النقل العام إلى الطرق والجسور إلى الخدمات الطبية إلى أنظمة الصرف الصحي وأنظمة الضرائب والجمارك والجباية بأشكالها كافة، والتي تحتاج لإعادة هيكلة وتأهيل كامل.
وأكد الباحث الاقتصادي وجود مشاكل اجتماعية كبيرة، وانتشار للمخدرات، واستمرار حالة الفقر والعوز، وتدهور المنظومة القيمية، وتفوق العشائرية والعصبيات الثانوية على روح المواطنة والقانون.
وقال: إن هناك علاقات ملتبسة وغير متوازنة مع دول الجوار، لا سيما تركيا وإيران والكويت، بما يتعلق بملفات الطاقة والكهرباء والمياه والتجارة والحدود البحرية.
وأضاف: "شبكات عراقية مدعومة ومتغلغلة داخليا تنشط في المشاركة بتهريب النفط الإيراني المعاقب دوليا؛ حيث شكلت هذه الحكومة لجنة تحقيق منذ مدة ولم تظهر نتائجها لحد الآن!".
وأكد أنه بسبب ضخامة تلك الملفات وتعقيداتها، فمن غير المتوقع أن تستطيع الحكومة القادمة التعامل بجدارة معها ومعالجتها وتخليص العراق من تبعاتها.
وخصوصا أن الحكومة القادمة ستكون، كما يُعتقد، مقيدة بمعيار الولاء للأحزاب السياسية وجماعات السلاح. وفق تقديره.
وأكد الكاتب إياد الدليمي، أن الحكومة الجديدة التي ستنبثق من الانتخابات العراقية 2025، أمامها خيار واحد، وهو حصر السلاح بيد الدولة وتفكيك كل المليشيات المسلحة، محذرا من أنه بغير ذلك، فإن الخيار الآخر سيكون مُرًّا وصعبًا.
وقال: إن إعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط الجديد تستدعي عدم وجود أي مليشيات خارجة عن نطاق سيطرة الدولة المركزية. مؤكدا أن ترتيبات المنطقة تقتضي ذلك.
وأضاف الدليمي: "ليس مهما أن هناك رغبة إيرانية ببقاء هذه المليشيات؛ فإيران ونفوذها في حالة انحسار، وهي تدرك ذلك.. فإما أن تدفع أتباعها للانخراط (في الدولة) أو للمواجهة، وفي كلا الحالين هي خسارة إضافية لنفوذها المنحسر أصلا".
ورأى ضياء أبو معارج الدراجي، أنه بعد عقدين من العمل الديمقراطي، تقف انتخابات 2025 أمام مفترق طرق بين ترسيخ الدولة القوية، أو استمرار مهازل الدائرة السياسية ما بعد 2014.
وأكد أن تجربة العراقيين مع الانتخابات لم تكن سهلة، لكنها صنعت وعيًا سياسيًا ناضجًا يرى بوضوح أين يجب أن تذهب أصواته وأين يجب ألا تُمنح الثقة.
وأضاف الدراجي، أن ما بين إصرار المشاركين واحتجاج المقاطعين، وإرشاد المرجعيات الدينية، تقف البلاد على أبواب انتخابات جديدة قد تكون الأكثر أهمية بعد 2005 و2014 و2018 و2021.
ورصد ملامح المشهد السياسي قبيل انتخابات 2025، ومنها ارتفاع الوعي الانتخابي؛ إذ يميز العراقي اليوم بين الشعارات والقدرة الفعلية على الإنجاز، ولم يعد الانتماء الحزبي كافيًا، بل يُسأل المرشح: ماذا فعلت؟ وأين كنت حين احتاج الناس إليك؟
وأشار الدراجي إلى عودة الثقل السياسي التقليدي، حيث عادت الأحزاب الكبيرة للواجهة بعد أن أثبتت التجربة أن القوى الصغيرة دون ظهير شعبي لا تستطيع إدارة الدولة.
ولفت إلى حضور الحشد الشعبي بمشهد سياسي ناضج، والمشاركة ضمن أطر قانونية وشرعية، في وعي جماهيري بأن من قاتل ضد الإرهاب يحق له أن يقاتل في ساحة السياسة.
وقال: إنه بات واضحا بعد نتائج 2021، أن المقاطعة تُسلم القرار لغير أصحاب التمثيل الحقيقي، والجمهور الذي قاطع شَعَر بفقدان التأثير.
ولفت إلى وجود تنافس داخلي شيعي– شيعي، موضحا أن لا خلاف على الوجود الشيعي كأغلبية، بل الخلاف على شكل القيادة ونموذج الدولة.
وأكد وجود تنافس سني جديد، وصراع بين مشروعين: مشروع دولة وطنية، ومشروع تحالفات خارجية وخطابات إعلامية مليئة بالاستفزاز الطائفي، مشيرا إلى أن اقتراب إعادة توزيع النفوذ بين أربيل والسليمانية، وتغير بوصلة الناخب الكردي من الولاء الحزبي إلى البحث عن خدمة وكرامة اقتصادية.
جدل السوداني
وفي تباين لردود الفعل حول حكومة السوداني، وجَّه الإعلامي رامي اللامي، تساؤلين لرئيس الوزراء: “أين موازنة 2025؟، ومن أين تم تمويل حملتك الانتخابية؟”
وخاطب الخبير الإستراتيجي بسام شكري “السوداني” الذي وصفه برئيس وزراء نظام مليشيات العراق، قائلا: "صحيح أن الثعلب له تاريخ طويل من المغامرات لكن كل مغامراته مع الدجاج، لن تفوز في الانتخابات ولن تجد الوقت الكافي لتنجو بنفسك".
وأضاف مخاطبا السوداني: "اجتماعك مع مبعوث الرئيس ترامب لا يعني أنك ستفوز بالانتخابات.. الثعلب يبقى ثعلبا ولن يصبح أسدا".
وفي المقابل، قالت مها باقر: إنه خلال ثلاث سنوات فقط تغير العراق ميدانيًا، ليس بالكلام بل بالأرقام، مؤكدة أن السوداني حين وعد بالخدمات نفّذها، وبنى أكبر فريق خدمي ميداني بتاريخ البلد الحديث: (فريق الجهد الخدمي والهندسي) الذي تحوّل إلى رمز للعمل الفعلي.
ورأى المحلل السياسي علي البيدر، أن ما يحسب للسوداني أنه أول رئيس وزراء نجح بإقامة التعداد السكاني. لافتا إلى أن الأخير أشار خلال لقائه بصحيفة نيوزويك الأميركية إلى جملة إنجازات حققها خلال وجوده بالسلطة وفي مقدمتها رؤية العراق 2050 التي وضعت البلاد أولا في كل شيء.
ولفت إلى أن السوداني يشعر بالفخر حيال ما أنجزه وفي مقدمة ذلك تجنيب العراق دائرة الحرب ومنع استخدام أراضيه كمنطلق للاعتداء على أي طرف.
وعرض محمد جاسم صورة لساحة عدن في العاصمة قبل وبعد التطوير، قائلا: "حين تتحول الوعود إلى أفعال، وحين يُقاس الفرق بالإنجازات.. حكومة السيد السوداني حوّلت ساحة عدن من أزمة مرورية إلى واجهة حضارية لبغداد".















