الانقسام اليهودي وتحديات الأقليات.. ما فرص المرشح المسلم لعمدة نيويورك؟

جماعات يهودية إصلاحية، إضافة إلى إسرائيليين مقيمين في نيويورك، أعلنوا دعمهم لممداني
يبدو أن الطريق ممهدة أمام زهران ممداني، المرشح المسلم لمنصب عمدة مدينة نيويورك، ليصبح أبرز مؤيد لفلسطين يتولى منصبا منتخبا في المدينة التي تعد الأكثر يهودية خارج إسرائيل، مما يثير قلقا واسعا في الأوساط اليهودية.
مع اقتراب موعد انتخابات عمدة نيويورك، العاصمة الاقتصادية للولايات المتحدة، المقررة في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، وتشير استطلاعات الرأي لاحتمال فوزه، بدأت حملة تحريض يهودية ضده، تستغل اتهامات بـ"معاداة السامية" لمحاولة إسقاطه.
بعد فشل المحاولات التي دعمها رجال أعمال يهود ويمينيون لإقصائه، عبر دعم مرشحين منافسين مثل "أندرو كومو" و"كورتيس سليوا"، بدأت حملة اتهامه بأنه يهدد حياة يهود نيويورك.
انتشرت بيانات وعرائض من مئات الحاخامات اليهود تعارض فوزه، مع تساؤلات حول تداعيات "صعود رئيس بلدية معادٍ للصهيونية" في أكثر مدينة يهودية بالولايات المتحدة.
لكن المفارقة أن جماعات يهودية إصلاحية، إضافة إلى إسرائيليين مقيمين في نيويورك، أعلنوا دعمهم لممداني، وفق صحف إسرائيلية، استنادا إلى برنامجه الخدمي والاجتماعي والاقتصادي الذي يَعِد بتحسين أوضاع سكان المدينة.
وتجاوز الاهتمام بالانتخابات أحياء نيويورك الخمسة ليشمل المجتمعات اليهودية والمسلمة في أنحاء الولايات المتحدة، معبراً عن تغيرات في وجهات النظر تجاه إسرائيل وغزة والقضايا الداخلية الأميركية.

معاداة إسرائيل أم السامية؟
مع اقتراب موعد الانتخابات، بدأ خصوم زهران ممداني توجيه اتهامات قوية له، مثل دعمه للإرهاب، وزعم منافسه "كومو" أنه سيفرح لو شهدت نيويورك هجومًا مشابهًا لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
تصاعدت النقاشات حول اتهامات "معاداة السامية" في الأيام الأخيرة من السباق على منصب عمدة المدينة، خاصة مع تزايد فرص فوز ممداني المسلم، بحسب تقرير صحيفة "واشنطن بوست" في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2025.
وأطلق بعض رؤساء الطوائف اليهودية في نيويورك تحذيرات موجهة للناخبين اليهود بعدم التصويت له، بحجة القلق من مواقفه تجاه إسرائيل والجالية اليهودية، التي عدوها تهديدًا لأمنهم.
تصدرت الحملة تصريحات الحاخام "إليوت كوسجروف" من كنيس بارك أفينيو في مانهاتن، والحاخام "عمييل هيرش" من كنيس ستيفن وايز الحر، اللذين ركزا على اتهامه بإشعال "نيران التعصب" ضد حق إسرائيل في الوجود.
وادّعيا أن رفض ممداني الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية يُعد إنكارًا لشرعية إسرائيل، وأن نيته اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إذا انتُخب يعد أمرًا مروعًا، وفقًا لشبكة "فوكس نيوز" بتاريخ 22 أكتوبر/تشرين الأول 2025.
وقد وقع ما بين 800 – 1000 حاخام وطلاب لاهوت يهود، وفق تقديرات مختلفة، على رسالة مفتوحة ضد ممداني تعده تهديدًا "لسلامة وكرامة اليهود في كل المدينة"، وفق صحيفة "جويش انسيدر"، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2025.
زعم بعض الحاخامات اليهود أنهم يرونه تهديدًا لسلامتهم، بحجة رفضه لدولة دينية "يهودية" في إسرائيل، ووصفوا خطابَه عن إسرائيل بأنه "خطير" واتهامه تل أبيب بارتكاب إبادة جماعية في غزة بأنه "أجج معاداة السامية".
ونفى ممداني بشدة الاتهامات الموجهة إليه بالتحريض على معاداة السامية في مواقفه بشأن الصراع في غزة، مؤكدًا أنه سيركز كعمدة على مكافحة معاداة السامية وغيرها من أشكال الكراهية، مع زيادة تمويل برامج منع الجرائم بنحو تسعة أضعاف.
كما ادعى 650 حاخامًا في بيان مشترك معارض له، أن المرشح المسلم "يدعم الجهاد العالمي ويناقض حق إسرائيل في الوجود".
ورد ممداني قائلاً: "لم أدعم الجهاد العالمي قط، ولم أتحدث عنه أبدًا"، واتهم خصومه بمحاولة النيل منه لأنه "أول مرشح مسلم يوشك على الفوز في هذه الانتخابات".
المفارقة أن قلق الجالية اليهودية لم يكن بسبب قدرته على إدارة نيويورك وخدمة سكانها، بل بسبب مواقفه السياسية مثل رفضه الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية وانتقاده لحرب غزة.
ورغم التحريض العنصري الذي نال لون بشرته وأصوله الإفريقية، استمر ممداني في التقدم بقوة في استطلاعات الرأي، مما دفع خصومه للتلويح بشكل أكبر باتهامات "معاداة السامية".
حقق زهران ممداني فوزًا مفاجئًا في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لمنصب عمدة نيويورك في يونيو/حزيران 2025، ما عزز فرص فوزه خاصةً مع أن غالبية سكان المدينة ينتمون للحزب الديمقراطي.
واستخدم معارضوه اليهود وسائل تحريض وحشد متنوعة، منها رسائل مفتوحة وتوقيعات حاخامات، وعظات وخطب في دور العبادة تحذر من "معاداة الصهيونية وتهديد سلامة اليهود".
كما شملت الحملات الإعلامية منشورات وإعلانات مدفوعة في صحف ومواقع محلية يهودية، وبيانات من منظمات يهودية مثل AJC وJNS وJTA.

يهود مع المرشح المسلم
على عكس أعضاء الجالية اليهودية الذين رفعوا شعار معاداة السامية ضده، دعم اليهود التقدميون واليساريون ومنظمات يهودية تقدمية مثل Bend the Arc و"يهود من أجل زهران" (JFREJ) زهران ممداني.
ركز هؤلاء على حشد الناخبين اليهود التقدميين لصالحه، معتبرين أن القضايا المحلية مثل الإسكان والنقل والعدالة الاقتصادية وسياساته الاجتماعية ومكافحة العنصرية والفقر أهم من صراعات الشرق الأوسط.
وجاء دعم هذه المنظمات للمرشح المسلم انطلاقًا من تقديرهم لسياساته التي تخدم سكان نيويورك، وعدوا انتقادات الحاخامات المحافظين مجرد "محاولة سياسية لحرمانه من الفوز بأغلبية أصوات التقدميين اليهود".
وتُعد نيويورك موطن أكبر جالية يهودية خارج إسرائيل، وأيضًا تضم أكبر عدد من المسلمين في أميركا، حيث يركز مؤيدوه من المسلمين واليهود التقدميين على تحسين الخدمات ومكافحة الفساد وسيطرة المليارديرات على المدينة.
خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، برزت منظمتان يهوديتان ضد إسرائيل:
الأولى: "الصوت اليهودي من أجل السلام" (Jewish Voice for Peace)، التي تضامنت مع غزة ونظمت سلسلة مظاهرات واحتلت مبنى في الكونغرس احتجاجًا على جرائم إسرائيل. كانوا يرفعون شعارات مثل: "يجب ألا تقتل إسرائيل باسمنا"، و"ليس باسمنا (أي يهود أميركا)"، و"لن يحدث ذلك (المجازر في غزة) مرة أخرى أبدًا".

الثانية: "IfNotNow" أو "مؤسسة السلام في الشرق الأوسط"، المعروفة أيضًا باسم "مقاتلون من أجل السلام"، وهدفها كيهود أميركيين إنهاء الدعم الأميركي لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي، والمطالبة بالمساواة والعدالة ومستقبل مزدهر للجميع.
نظرًا لتشارك هذه المجموعات مع ممداني في رفض العدوان على غزة، فقد دعموه في الانتخابات التمهيدية التي فاز بها في يونيو 2025، ومن المتوقع استمرار دعمهم له رغم مواقفه المعارضة لإسرائيل.
وأكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2025، أن 40% من اليهود والإسرائيليين في نيويورك ينوون التصويت لممداني. وقال بعضهم إنه "ليس معاديًا للسامية ولا عدوًا"، على عكس ادعاءات مجموعات يهودية أخرى.
وأظهر استطلاع لمركز بيو للأبحاث أن نحو 7 من كل 10 يهود أميركيين من الحزب الديمقراطي يؤيدون المرشح المسلم. كما كشفت دراسة لصحيفة "واشنطن بوست" في سبتمبر 2025 عن رفض واسع لسلوك إسرائيل في حرب غزة، وتراجع ارتباط الشباب اليهودي بإسرائيل.
بحسب استطلاعات حديثة أخرى، يدعم اثنان من كل خمسة يهود أو إسرائيليين ممداني كمرشح لعمدة نيويورك، لكن كثيرين منهم يفضلون عدم الإعلان عن دعمهم بسبب انتقاداته الحادة لإسرائيل، حسب "يديعوت أحرونوت".

ضد إسرائيل لا اليهود
ووعد ممداني بمحاسبة نتنياهو واعتقاله إذا دخل نيويورك بناءً على قرار المحكمة الجنائية الدولية، كما تعهد بسحب استثمارات المدينة من السندات والشركات الإسرائيلية، وحل المجلس الاقتصادي النيويوركي الإسرائيلي.
وأكد نيته إعادة تعريف معاداة السامية لاستثناء معاداة الصهيونية، وتخفيف الإجراءات ضد المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين.
ونقل تقرير موقع "فورورد" اليهودي عن احتمالية أن يصبح ممداني أول عمدة مسلم لمدينة نيويورك بفضل فريق شبابي محترف من اليهود ساعده في هزيمة خصومه. ويضم فريقه خبراء يهوداً عملوا على حشد الدعم داخل الجالية، مع اجتماعات مستمرة مع زعماء يهود، ووعد بمعالجة تصاعد معاداة السامية في المدينة.
تستند حملته على وعود بجعل المدينة أكثر قدرة على التحمل، من خلال خطوط حافلات مجانية، ورعاية أطفال شاملة، وتجميد الإيجارات، إلى جانب برنامج لمتاجر بقالة تديرها المدينة، وزيادة الضرائب على الأثرياء.
ومع أن موقفه من إسرائيل، ورفضه الاعتراف بها كدولة يهودية، ودعمه حقوق الفلسطينيين، أثار غضب جزء من الجالية اليهودية، إلا أن البعض الآخر حوّل النقاش إلى جدل حول معاداة السامية وكراهية الإسلام.
وقال ممداني عبر حسابه: "حلم كل مسلم هو أن يُعامل ببساطة كما يُعامل أي مواطن نيويوركي آخر".
المليارديرات اليهود

لأن برنامج المرشح المسلم يهدد مصالح مليارديرات نيويورك، غالبيتهم من اليهود، سعى هؤلاء لتقديم دعم مالي ضخم لخصومه وشن حملات دعائية لتخويف الناخبين من انتخابه عمدةً للمدينة.
يخشى رجال الأعمال اليهود الأثرياء من التحولات الاقتصادية المحتملة التي قد تطرأ على المدينة في حال فوزه، ما دفعهم للتكتل وضخ أموال ضخمة ضده.
نشرت صحيفة "بيزنس إنسايدر" في 27 أكتوبر 2025 قائمة بـ26 مليارديرًا، معظمهم يهود صهاينة، منهم 16 من نيويورك والباقي من خارجها، أنفقوا أكثر من 22 مليون دولار منذ الانتخابات التمهيدية في يونيو 2025 بهدف إسقاط ممداني.
ومن أبرزهم: مايكل بلومبرج، بيل أكمان، أليس والتون، ستيف وين، وعائلة لودر، الذين أنفقوا مبالغ كبيرة في محاولة لمنع فوزه.
ضخ المليارديرات اليهود المؤيدون لإسرائيل أموالاً ضخمة في مجموعات هدفها إيقاف صعود ممداني، أبرزها "Fix the City" المؤيدة لكومو والتي جمعت 7.3 ملايين دولار، و"Defend NYC" المناهضة لممداني وجمعت نحو 2.5 مليون دولار.
مصدر قلقهم الرئيس كان تصريحات ممداني ضد سطوة الأثرياء، وسياسته القائمة على تقليص نفوذهم، حيث قال صراحة: "لا ينبغي وجود مليارديرات في نيويورك"، واقترح فرض ضريبة 2٪ على من يتقاضى أكثر من مليون دولار سنويًا.
مخاوفهم تتعلق بإمكانية إحداثه اضطرابًا في بيئة الأعمال، بسبب سياسات تشمل: تجميد الإيجارات، فرض ضرائب أعلى على الشركات الكبرى، تشغيل المواصلات مجانًا، وكبح الأرباح في السوق العقارية.
وغالبية هؤلاء المليارديرات يملكون استثمارات ضخمة في القطاع العقاري والشركات في نيويورك، ما يجعل سياسات ممداني تهديدًا مباشرًا لمصالحهم الاقتصادية.
المصادر
- Zohran Mamdani’s mayoral candidacy stirs Jews in New York – and beyond
- Over 800 rabbis speak out against Mamdani as threat to ‘safety and dignity of Jews in every city’
- Israelis in New York voting for Mamdani: 'He’s not antisemitic and not an enemy'
- Jewish New York’s reckoning with Zohran Mamdani: ‘He’s become a vehicle for our tensions’
- NYC rabbis warn Democratic socialist mayoral candidate 'poses a danger' to Jewish New Yorkers
- 850+ US rabbis sign letter opposing Zohran Mamdani and the ‘political normalization’ of anti-Zionism
- Meet the Jewish insiders hoping to help Mamdani get elected as mayor
- The list of billionaires spending big in a last-ditch effort to keep Zohran Mamdani from becoming NYC mayor
















