على صفيح ساخن.. هل تنفجر الجبهة الداخلية بالأردن جراء العدوان على غزة؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

منذ اندلاع عملية "طوفان الأقصى" وما أعقبها من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، يعيش الشارع الأردني حالة من الغليان المتصاعد، يعبر عنه باحتجاجات ضخمة، ردت عليها السلطات باعتقالات نالت العديد من المتظاهرين بتهم التجمع غير القانوني، والتخريب.

وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أطلقت المقاومة الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى" ضد الاحتلال الإسرائيلي، جرّاء الانتهاكات المستمرة بحق الفلسطينيين ومقدسات المسلمين، قابلها الأخير بهجمات عنيفة استهدفت المدنيين وتدمير قطاع غزة بما فيه.

وأعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة عن استشهاد أكثر من 15 ألف فلسطيني، 70 بالمئة منهم نساء وأطفال، وإصابة عشرات الآلاف جراء الغارات الإسرائيلية المستمرة.

احتقان متصاعد

ومع تنامي الأزمة الإنسانية في غزة، يتزايد الغضب في شوارع الأردن، فالإضافة إلى الاحتجاجات الحاشدة كل يوم جمعة، كانت هناك مظاهرات شبه يومية بالقرب من سفارة إسرائيلية وسفارات الدول الغربية وفي مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، بالعاصمة عمّان.

وبحسب تقرير لمجلة "فورين بوليسي" نشرته مطلع ديسمبر، فإن "الغضب الشعبي من مختلف ألوان الطيف السياسي، وضع حكومة الأردن- التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الأميركية- في موقف صعب".

والأردن، الحليف الرئيس للولايات المتحدة، هو ثاني أكبر متلق للمساعدات الأميركية بعد إسرائيل، حيث يتلقى 1.45 مليار دولار سنويا، ومن هنا فإن اعتماد المملكة الهاشمية على واشنطن يثير تحديات داخلية.

ولفتت "فورين بوليسي" إلى أن "النظام الملكي الأردني يواجه الآن التحدي المتمثل في الحفاظ على علاقاته مع الولايات المتحدة وإسرائيل، في الوقت الذي يتعامل فيه أيضا مع الاضطرابات الداخلية المتزايدة".

وبحسب المجلة، فإن الأردن يشعر بقلق خاص بشأن التهجير القسري للفلسطينيين، وعند قيام دولة الاحتلال عام 1948، هُجّر مئات آلاف الفلسطينيين، ولم يسمح لهم بالعودة، ولجأ كثير منهم للمملكة، وباتت موطنا لأكثر من مليوني لاجئ، ونصف السكان من أصل فلسطيني.

ونقلت عن الخبير الأردني طارق التل، قوله إن "رد الفعل في الغرب كان داعما بشكل موحد تقريبا لإسرائيل. إنه يفتح أسئلة محرجة حول ما يفعله الأردن كنظام ملكي موالٍ للغرب. فهو على حبل مشدود، وسيكون من الصعب الهبوط بسلام".

وأكد التل أن "الأردنيين يدعمون غزة مثلهم مثل الفلسطينيين. هناك خطاب قومي متماسك يستطيع التغلب على الانقسام المجتمعي الذي يلعب عليه النظام عادة"، لافتا إلى أن الاستمرار في العمل (مع إسرائيل) دون أخذ الرأي العام في الحسبان، "قد يشكل خطرا على النظام الحالي".

ومع تصاعد الضغوط الداخلية، كثفت الحكومة جهودها لاحتواء الغضب الشعبي، ومنعت المظاهرات في وادي الأردن وقرب المناطق الحدودية.

فيما أطلق الأمن الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين الذين حاولوا اقتحام سفارة إسرائيل في عمّان، وأوقف وصولهم إلى سفارات واشنطن والدول الأوروبية.

كما جرى اعتقال العديد من المتظاهرين بتهم التجمع غير القانوني، والتخريب، والإخلال بالنظام العام، والاعتداء على رجال الأمن والموظفين العموميين. وطالب المتظاهرون بالإفراج عن جميع المعتقلين، مرددين "كفى اعتقالات" في الشوارع.

"طابور خامس"

لكن رئيس الوزراء بشر الخصاونة، رد على مطالبات الإفراج عن المعتقلين، بالهجوم على ما أسماه بـ"الطابور الخامس" في الداخل، والذي يعمد إلى التشكيك في المواقف الرسمية للأردن حيال العدوان الإسرائيلي على غزة.

وقال خلال مداخلة له بمجلس النواب الأردني في 16 نوفمبر، إنه "لا يوجد في الأردن معتقلو رأي ولا خلافه، ونعطي الحرية التي سقفها السماء، في التعبير عن التضامن المطلق والكامل لقطع الطريق على الطابور الخامس".

وأوضح الخصاونة أن الموقف الأردني متحد وواضح خلف الموقف المتقدم والطليعي الذي يقوده العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني لوقف الحرب في غزة وكشف الجرائم التي تصنف على أنها جرائم حرب.

وأشار إلى أنه لا يوجد أي خط فاصل بين الموقف الشعبي والرسمي إزاء جرائم الاحتلال بحق الأهل في غزة والضفة الغربية المحتلة.

وتابع: "في كل مكان يوجد طابور خامس، حتى بين ظهرانينا موجود، وهناك ضرورة للتصدي له مجتمعين وبيد واحدة"، داعيا إلى أهمية "التنبه له ومن كل مساعيه وعمله الدؤوب الخبيث والمنظم ليحرف البوصلة باتجاه أن تنتقل حالات من التوتر إلى الداخل".

وأضاف الخصاونة "نقول لهم إنهم خاسئون إن ظنوا أنهم يستطيعون أن يدقوا أي أسافين في وحدتنا الوطنية بالمملكة الأردنية الهاشمية".

في هذا الجانب، أكد رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، خالد شنيكات، خلال تصريح لقناة "الحرة" الأميركية في 7 نوفمبر، أن "عمّان تخشى من موجة لاجئين جديدة من هذه الحرب، إذا ما تواصل التصعيد الإسرائيلي سواء في غزة أو الضفة الغربية، وهو أمر مرفوض تماما".

وأضاف شنيكات أن "خيارات تجاوز التواصل الدبلوماسي والتعاون الأمني والاقتصادي بين الأردن وإسرائيل تبقى مطروحة في ظل الأهداف الإسرائيلية الخطيرة، خاصة ما يتعلق بسياسات العقاب الجماعي التي تؤدي مباشرة إلى توتر شعبي بالأردن".

وأشار إلى أن "هناك مساعي نحو الدفع لصدام كلي مع إسرائيل في ظل حالة فقدان الأمل من هذه العلاقة" التي يقول: إن الكثيرين باتوا يرون أنها "لم تحقق النتائج المرجوة، وهكذا قد تذهب عمان نحو اتخاذ القرار المناسب على ضوء السلوكيات الإسرائيلية التي لا تراعي هذه العلاقة".

"صفيح ساخن"

وعن مدى تحمل الجبهة الداخلية الأردنية في ظل غليان شعبي متصاعد مما يرتكبه الاحتلال في غزة، قال الباحث العراقي في شؤون الشرق الأوسط، عماد الزوبعي، إن "تفجر الأوضاع الداخلية في الأردن أمر مستبعد حاليا- رغم أنها على صفيح ساخن- وذلك لأسباب عدة".

وأوضح الزوبعي لـ"الاستقلال" أن "من ضمن الأسباب التفاف عشائر الأردن حول الملك والبحث عن الاستقرار الأمني، رغم أن مسألة العلاقات بين عمّان وتل أبيب تُعد جرحا وإهانة للمشاعر الأردنية، وهذه قديمة وليست وليدة الوضع الراهن، وبالتالي هذه العلاقة لن تصدمهم".

وأضاف أن "الأردن كنظام وموقع جغرافي- وليس من ناحية شعبية- يعد بالنسبة للغرب دولة وظيفية يجب أن توفر الحماية لإسرائيل، وبالتالي إذا حاول التحرك بشكل مثير للريبة فسيصبح بمهب الريح، ثم يدخلون عليه المليشيات من العراق وسوريا ولبنان".

وشدد الزوبعي أن "هذا الهاجس لا يخيف فقط النظام في الأردن، وإنما الشعب الأردني يخشى بشدة تكرار مصير سوريا والعراق، لأن البلد سيصبح بين الكيان الصهيوني من جهة، وبين إيران ومليشياتها من جهة أخرى، لذلك أعتقد أن الجبهة الداخلية ستبقى متماسكة".

وأردف: "هذا لا يعني أن الشعب الأردني يرضى بمواقف السلطات من الحرب على غزة وعلاقتها مع الاحتلال الإسرائيلي، وإنما لإدراكهم أن الجبهات المحيطة بهم غير آمنة سواء في سوريا أو لبنان أو العراق، وبالتالي النظام الأردني يدرك أن هذا الأمر يخفف من حدة النقمة الشعبية ضده".

وكان الملك الأردني عبد الله بن الحسين، قد عبّر صراحة نهاية أكتوبر عن مخاوفه من أن يؤدي العدوان على غزة إلى نزوح جديد للفلسطينيين إلى المملكة.

وبين أن "المملكة تطلب الآن الحصول على عتاد ودعم دفاعي أميركي متطور بسبب المخاوف من احتمال تورط إيران ووكلائها أكثر في أي صراع أوسع نطاقا قد ينشب في الشرق الأوسط"، وفق ما نشرت وكالة رويترز البريطانية.

وكانت آخر مرة نشرت فيها الولايات المتحدة الأميركية هذا النظام بالأردن في عام 2013 عندما أثار الصراع المتفاقم في سوريا مخاوف من اندلاع حرب في المنطقة قد تهدد المملكة، وهي واحدة من أكثر حلفاء واشنطن ولاء في الشرق الأوسط.