تهديدات إسرائيل باستهداف المنشآت الإيرانية.. كيف تهز أسواق النفط؟
“قليلة هي العيون التي تراقب بحذر سوق النفط”
تهديدات إسرائيل بالانتقام من إيران، والتصعيد المحتمل الذي قد يعقب ذلك، هز أسواق الطاقة التي كانت تعيش حالة من الاستقرار.
وقالت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية إن "العيون التي تراقب بحذر سوق النفط قليلة، في وقت تنتشر فيه إشارات مقلقة بأن صناعة النفط الإيرانية، إن لم يكن المنشآت النووية الإيرانية، قد تكون على قائمة الانتقام الإسرائيلي".
ارتفاع الأسعار
وأكدت المجلة أن "الرئيس الأميركي جو بايدن، غذى هذه التكهنات أخيرا عندما أجاب على سؤال حول خطط إسرائيل لمهاجمة منشآت النفط الإيرانية المحتملة بقوله: نناقش ذلك".
وفي غضون دقائق من تصريحات بايدن، ارتفعت أسعار النفط، إذ صعد خام برنت، وهو المعيار العالمي، إلى ما يقرب من 78 دولارا للبرميل، بزيادة أكثر من 5 بالمئة في اليوم.
وقالت فورين بوليسي: "منذ أن أطلقت حماس هجومها الكبير على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي أشعل مواجهة من الضربات الصاروخية والعمليات البرية، بقيت أسواق الطاقة في حالة سكون، ولم يُسمع لها صوت".
وأضافت: "أشهُر من الصراع العنيف والمستمر بين إسرائيل وحماس في غزة، وأخيرا بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، إلى جانب مواجهتين مباشرتين بين إسرائيل وإيران، لم تؤثر على أسواق النفط بأي شكل يُذكر".
واستطردت: "إذ لا يزال سعر النفط الخام أدنى مما كان عليه قبل عام، بل وحتى أقل مما كان عليه قبل عامين".
واستمر هذا الهدوء رغم الحملة المستمرة التي يقودها الحوثيون، والتي كادت أن تغلق البحر الأحمر أمام حركة الشحن التجاري بشكل شبه كامل، بل ووصلت إلى حد استهدافهم عدة ناقلات نفط.
ووفق المجلة، فإن الكثير من ذلك يمكن تفسيره بحقيقة أن سوق النفط تتمتع بإمدادات جيدة، فقد عملت منظمة "أوبك بلس" على الحد من إنتاجها؛ للحيلولة دون انزلاق الأسعار إلى مستويات أقل بسبب تراجع الطلب العالمي على النفط الخام.
وكما قال نائب رئيس شركة "فورين ريبورتس" الاستشارية، ماثيو ريد، فإن "المخاطر الجيوسياسية المتعلقة بالنفط لا تزال موجودة، لكنها في سبات، إذ إن عاما من الصراع لم يؤثر بعد على كميات النفط المعروضة في السوق".
واستدركت المجلة: "لكن هذا الوضع قد يتغير في القريب العاجل؛ لأن الهجوم الإسرائيلي على مرافق النفط الإيرانية قد يحمل إشارات مختلفة".
وأوضحت أن "التأثير النهائي سيعتمد على ما إذا كانت إسرائيل ستضرب منشآت نفطية إيرانية أم لا، وما إذا كانت طهران ستنفذ أي عمليات انتقامية، وكيفية استجابة منتجي النفط العالميين للصدمة المحتملة".
خاضعة للتقييم
بدوره، قال رئيس الشؤون الجيوسياسية في شركة "إنيرجي أسبكتس" البريطانية، ريتشارد برونز: "إذا كانت هناك نية إسرائيلية لضرب البنية التحتية للطاقة في إيران، فإن هناك بعض العوامل التي ستخضع للتقييم".
وأوضح "منها ما إذا كانت الضربة ستؤثر على السوق الإيرانية الداخلية، أم على موانئ تصدير النفط التي يمكن أن يكون لها تأثيرات أكبر بكثير على السوق العالمية وتداعيات أوسع".
فعلى سبيل المثال، فإن الهجوم الشامل على جزيرة "خارج"، مركز تجارة النفط الإيرانية، سيحرم إيران من الإيرادات الضرورية من صادراتها النفطية التي تصل إلى 1.7 مليون برميل يوميا.
لكن ذلك سيكون على حساب ارتفاع أسعار النفط (والبنزين) على الجميع -وفق المجلة- بما في ذلك الأميركيون الذين يفصلهم أسابيع عن انتخابات حاسمة.
في المقابل، فإن الضربات الإسرائيلية لمجمعات التكرير التي تنتج البنزين للسوق المحلية الإيرانية، من شأنها أن تلحق الضرر بطهران في الأمد القريب، لكنها لن تثير ردود فعل قوية في الأسواق العالمية.
وهنا سؤال كبير يطرح نفسه: “ما الذي قد تفعله طهران ردا على هجوم مباشر على شريان اقتصادها أو على استقرارها الداخلي؟”
وأجابت "فورين بوليسي" بأن "هناك العديد من منشآت النفط المعرضة للخطر في المنطقة والتي قد تضربها إيران، مع العلم أن الخيارات المتاحة لاستهداف قطاع الطاقة في إسرائيل نفسها تعد محدودة جدا".
وترى أن "المنشآت النفطية في السعودية ودول الخليج قد تكون أهدافا للهجمات الإيرانية".
ولفتت المجلة إلى أن "منشأة معالجة النفط السعودية الضخمة قد تعرضت في بقيق للقصف عام 2019 إما بطائرات مسيّرة تابعة للحوثيين أو بصواريخ إيرانية، وهو ما قد يؤدي -إن تكرر- إلى تفاقم تأثير أي صدمة في أسعار النفط".
وقال برونز: "يوجد العديد من المنشآت الحيوية للطاقة في مختلف أنحاء المنطقة، ومن الصعب جدا حمايتها من الهجمات، حيث لا تتوفر لديك شبكة الدفاع الجوي الإسرائيلية متعددة الطبقات في كل مكان".
توازن السوق
وبحسب المجلة، فإنه "بالنسبة لإيران، وكما كان الحال منذ عقود، فإن الخيار الأكثر تطرفا هو محاولة إغلاق مضيق هرمز الحيوي، نقطة الاختناق المائية في قاع الخليج الفارسي والتي تشكل الممر لبرميل واحد من كل أربعة براميل من النفط الخام تشحنها ناقلات النفط".
وتابعت: "فهذا المسار تسلكه إيران والعراق والكويت والسعودية لتصدير معظم نفطها، وإغلاقه قد يكون مدمرا".
وقدرت شركة "كلير فيو" (ClearView) أن إغلاق مضيق هرمز لفترة طويلة، بالألغام أو الصواريخ، من الممكن أن يرفع الأسعار إلى ما يقرب من 100 دولار للبرميل.
والجدير بالذكر أن إيران "هددت بإغلاق مضيق هرمز مرات عديدة وعلى فترة طويلة لدرجة أن تهديداتها، حتى الأخيرة منها، باتت لا يؤبه لها".
وفي هذا السياق، قال ريد إن "إغلاق المضيق، أو محاولة إغلاقه، هو الخيار النووي، وسيكون بمثابة انتحار من إيران، وسيكون بمثابة إعلان حرب على الاقتصاد العالمي، وعلى جيرانها، وعلى أصدقائها بما في ذلك الصين، التي تشتري معظم النفط الإيراني".
فيما قالت المجلة: "بالطبع، لا توجد إيران وصناعتها النفطية في فراغ، خاصة أن سوق النفط تتمتع عموما بإمدادات جيدة".
وتابعت: "على الورق، فإن المنتجين الكبار مثل السعودية لديهم قدرة إنتاج نفط احتياطية كبيرة، يمكنهم الاستعانة بها لتعويض أي نقص في براميل النفط الإيرانية، وبالتالي منع الأسعار من ارتفاع مبالغ فيه".
واستدركت: "لكن عمليا، فحتى معظم البراميل السعودية يجب أن تمر عبر مضيق هرمز، كما أن الرياض ليست حريصة على الدخول وسط نزاع بين إسرائيل وإيران، بعد اتفاقها مع طهران عام 2023 لإعادة العلاقات بينهما".
وقالت المجلة: "بعد أن قضوا عام 2023 في جهود حثيثة للحفاظ على توازن السوق ودعم أسعار النفط، فمن المحتمل أن يتوخى المنتجون الكبار -مثل السعودية- الحذر، قبل اتخاذ أي خطوات سريعة لسد أي فجوات محتملة في السوق".
وأكد برونز أنه "توجد طاقة إنتاجية احتياطية كبيرة جاهزة، لكن السؤال لا يتعلق بكمية هذه الطاقة أو سرعة استخدامها، بل بالشروط التي ستؤدي إلى اتخاذ قرار بتفعيلها".
وأشار إلى أن "هناك رؤية تقول بأن استخدام الطاقة الاحتياطية يجب أن يكون استجابة لفقدان الإمدادات، بدلا من أن يكون إجراء استباقيا".