شركة غامضة ورجل مشبوه.. ماذا وراء أكبر صفقة نفط بين أبوظبي وجوبا؟
"الشركة الإماراتية ستحتكر فعليا نفط جنوب السودان بأسعار مخفضة لمدة 20 عاما"
تثير صفقة النفط التي وقعتها حكومة جنوب السودان في ديسمبر/ كانون الأول 2023، مع شركة إماراتية غامضة مخاوف بشأن احتمال حدوث احتيال ما.
ويدير الشركة الغامضة رجل يدعى "عادل العتيبة" ويسمي نفسه أيضا "حمد بن خليفة"، ويشتبه بتورطه في جرائم مالية دولية.
وتعد هذه الصفقة واحدة من أكبر الصفقات النفطية المسجلة في إفريقيا خلال السنوات القليلة الماضية، وسط مخاوف من تداعياتها.
رجل مشبوه
ووقع جنوب السودان عقدا مع شركة صغيرة في دبي تدعى “HBK DOP” (حمد بن خليفة لإدارة المشاريع) للحصول على قرض بقيمة 12 مليار يورو تسدد قيمته بالنفط.
وبموجب الصفقة تم منح الشركة الإماراتية فعليا احتكارا بأسعار مخفضة لمدة 20 عاما لنفط جنوب السودان، والذي يمثل 90 بالمئة من إيرادات البلاد.
ويرأس الشركة عادل العتيبة الذي يقدم نفسه على أنه أحد أقارب الرئيس الإماراتي محمد بن زايد.
وبحسب تقرير مجلة "أفريكا إنتيليجنس" في 18 يونيو/ حزيران 2024، فإن القرابة بين ابن زايد والعتيبة تقتصر على أن جده الأكبر هو ابن عم بعيد لمؤسس الإمارات زايد بن سلطان آل نهيان.
كما أنه لا أحد من أفراد عائلته يشغل أي منصب رسمي في الحكومة الإماراتية، لكن العتيبة غير اسمه إلى حمد بن خليفة بن محمد آل نهيان، واستخدم هذا الاسم في تعاملاته التجارية يسبقه لقب "الشيخ" الشرفي والذي يرى كثيرون أنه غير مستحق.
ويعيش العتيبة مع زوجته وأطفاله الأربعة في أبو ظبي، لكنه نادرا ما يظهر فيها أو يحضر حفلات العشاء في دبي.
وفي أسفل وثائق الصفقة المكونة من ثلاث صفحات، التي صدق عليها وزير مالية جنوب السودان آنذاك باك برنابا شول، يظهر توقيع العتيبة باسم "الشيخ حمد".
بينما يشرف على هذا الاتفاق بنيامين بول ميل، أحد المستشارين الأكثر نفوذا لرئيس جنوب السودان سلفا كير، بينما لا تزال شروطه النهائية قيد التفاوض.
وقالت المجلة الفرنسية إنه يبدو أن جنوب السودان لم يتحر جيدا حول شركة (HBK DOP)، وهي شركة غامضة بالكاد يعمل موقعها الإلكتروني، ويختبئ خلفها عدد كبير من رجال الأعمال ذوي السير الذاتية المبالغ فيها.
من بين هؤلاء المواطن الكيني أنور ماجد حسين، الذي عمل سابقا مع زعيم المعارضة الكينية رايلا أودينغا، والمصرفي المالي محمد ديالو.
وفي تعاملاتهم التجارية، يتباهى جميع هؤلاء بمراجع مشكوك فيها ويختلقون في بعض الأحيان سيرا وظيفية مع شركات وهمية، وجميعهم جمعتهم الإمارات بشكل أو بآخر للدخول في هذه العملية المثيرة للجدل بجنوب السودان.
اسم مضلل
الأخطر أن العتيبة له أنشطة وسوابق دولية خطيرة، بعضها متعلق بالاحتلال الإسرائيلي.
ففي ديسمبر/ كانون الأول 2020، كشفت شركة الاستخبارات المالية الإسرائيلية "Megiddo" عن إجراء تحقيق مع عادل العتيبة بمسماه "الشيخ حمد" بصفته مشتريا محتملا لنسبة 50 بالمئة من أسهم نادي "بيتار القدس" الإسرائيلي لكرة القدم، مقابل 32 مليون دولار.
واكتشفت الوكالة أن شركة HBK تتكون من شركات يزعم أنها تعمل في قطاعات مثل العملات المشفرة والطاقة المتجددة، لكنها في الواقع لا تمتلك سوى القليل من الاستثمارات.
وفي هذا السياق، علم أن الشركة تشمل الهيئة العربية لتنمية الاستثمار (AIDA)، التي تتشابه الأحرف الأولى من اسمها مع هيئة أبوظبي للاستثمار (ADIA).
بدورها، نشرت الصحافة العبرية بعض النتائج التي توصلت إليها وكالة “Megiddo” ما أثار غضبا شديدا.
وخدع العتيبة العديد من الشركات في آسيا وأوروبا منذ عام 2019، كما شارك في بريطانيا في إدارة شركتين مع سنسر سيكفيت، وهو قبرصي حكم عليه في بريطانيا بالسجن لمدة سبع سنوات بتهمة الاحتيال في عام 2013.
كما عمل العتيبة مع رجلي أعمال إيرانيين مقيمين في دبي، هما رحمة الله بختاري موسى وهداية الله بختاري موسى، اللذان يشتبه المحققون الماليون الأميركيون في انتهاكهما لـ"قانون العقوبات ضد طهران".
ولا يغفل أن من مهندسي الصفقة المثيرة للجدل رجلا من جنوب السودان يدعى بول ميل.
ورغم العقوبات الأميركية التي فرضت عليه عام 2021، يظل بول ميل، أحد أقطاب صفقة "النقد مقابل النفط" مع العتيبة.
وهو في الدائرة الخاصة المقربة من الرئيس سلفا كير، وهو ما يفسر سر استقطاب الإمارات له.
ويسافر بول ميل بشكل متكرر إلى دبي حيث تعيش زوجته، ويقيم منذ منتصف مايو في فندق جميرا بيتش الفخم هناك.
وهو عضو مؤثر في مجلس إدارة شركة "Nilepet" الحكومية واليد اليمنى لكير في مجموعة من القضايا بما فيها النفط، كما يواصل التفاوض حول الصفقة مع شركة عادل العتيبة.
وضع مخيف
وخوفا من العواقب المحتملة لمثل هذا الاتفاق على الاقتصاد الهش في جنوب السودان، تراقب المؤسسات المالية الكبرى مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الوضع عن كثب.
ويسعى جنوب السودان، الذي يعتمد بالفعل على هذه الكيانات، إلى الحصول على دفعة جديدة من صندوق النقد الدولي بقيمة 250 مليون دولار لمساعدته على التعامل مع أزمته الاقتصادية، فضلا عن تلقي مساعدات في يناير 2024 بلغت 114 مليون دولار.
وبالنظر إلى الوضع الاقتصادي العام فجنوب السودان وإسقاطه على الصفقة مع الإمارات، سيتم العلم لماذا يقلق المجتمع الدولي؟
ففي أبريل/ نيسان 2024 أكد المدقق العام لجنوب السودان ستيفن ووندو أن هذه الأموال أنفقت بشكل غامض.
وفي مايو 2024، وضع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي شروطا للحصول على قرض جديد، كما أن جنوب السودان على بعد أسابيع من التخلف عن سداد دين بقيمة مليار دولار لبنك قطر الوطني.
ومع إصرار المجتمع الدولي على التزام جنوب السودان بالشفافية المالية، إلا أن سلطات جوبا لا تتجاوب بشكل جيد مع هذا الشرط.
كانت هذه إحدى النقاط الشائكة الرئيسة في بيع شركة بتروناس الماليزية لأصولها النفطية في جنوب السودان لشركة "سافانا إنرجي" البريطانية.
بينما يعارض سلفا كير هذه الصفقة البالغة قيمتها 1.25 مليار دولار بشدة، والتي تتطلب بعض الشفافية المالية من جوبا.
النفط إلى دبي
ربما يفسر استغلال الإمارات لأزمات جنوب السودان الاقتصادية ودفعها بتلك الشركة المجهولة إلى غمار سوق النفط هناك، أن جوبا تقف على حافة الإفلاس، حيث انقطعت 80 بالمئة من صادراتها النفطية بعد أن تضرر في فبراير/ شباط 2024 خط الأنابيب الذي يربط حقول نفط أعالي النيل بالبحر الأحمر، بسبب الحرب الدائرة في السودان.
ولمواجهة خطر وقوع مثل هذه الكارثة الاقتصادية، والتي يمكن أن تشكل تحديا مباشرا لقيادته، يبحث الرئيس سلفا كير عن إستراتيجية للخروج من هذه الحالة.
في المقابل، استغلت الإمارات عن طريق العتيبة، هذا الوضع مشكِّلة مصدر قلق كبير لشركاء جنوب السودان، خاصة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
ووفقا لتقرير وكالة "الشرق بلومبيرغ" في 26 أبريل 2024، يبلغ حجم الصفقة نحو ضعف الناتج المحلي الإجمالي لدولة جنوب السودان التي مزقتها المجاعة والنزاعات.
وخصص 70 بالمئة من الأموال للبنية التحتية، وفق المستندات التي اطلع عليها المحققون.
وأكملت أن قرضا إماراتيا بهذا الحجم، الذي قارب 5 أضعاف الدين الخارجي الحالي للبلاد، قد يعيق إيرادات جنوب السودان من النفط لسنوات عديدة على الأرجح.
وفي 30 أبريل 2024، أصدرت صحيفة "الراكوبة" المحلية السودانية، تقريرها عن تلك الصفقة تحت عنوان "الإمارات تشتري نفط جنوب السودان للعشرين سنة القادمة".
وقالت إن "الإمارات بدورها في الفترة الأخيرة فتحت آفاق الاستثمارات المتعددة بين النفط والموانئ سواء كانت في إفريقيا أو غيرها".
وأضافت أن "الصفقة لن تؤثر على مجريات صناعة النفط في جنوب السودان فحسب، بل ربما تحدث ثورة في صناعة النفط العالمية حيال سعر البرميل في البورصات العالمية".
ثم اختتمت بتساؤل: “ما هي الخطة تجاه ذهاب نفط جنوب السودان بأكمله تقريبا إلى دبي؟”