العفو الملكي بالمغرب.. لماذا استبعد معتقلي “حراك الريف”؟
"حتى الآن لا توجد أي أخبار عن ناصر الزفزافي ورفاقه في حراك الريف"
فرحة مطبوعة بالحزن بعد عفو ملكي مغربي عن صحفيين بارزين في ملفات أثارت جدلا خلال سنوات سابقة، وذلك بعدما استثنت معتقلي “حراك الريف”، وفي مقدمتهم ناصر الزفزافي.
ووسط دعوات لطي هذه “الصفحة الأليمة” تطرح التساؤلات حول أسباب هذا “الإقصاء” والرسائل منه بعدما كانت المؤشرات تتجه إلى إغلاق هذا الملف الذي فتحت صفحاته منذ 2016.
تجاوزات سلطوية
وأصدر العاهل المغربي محمد السادس، في 29 يوليو/ تموز 2024 عفوا عن 2476 مدانا في ملفات قضائية، وشمل العفو صحفيين معتقلين أبرزهم توفيق بوعشرين، وعمر الراضي، وسليمان الريسوني،
وصدر عام 2021 حكم بسجن الراضي 6 سنوات في تهمتي "اغتصاب وتخابر"، بينما كان يقضي الريسوني عقوبة بالسجن لخمس سنوات منذ 2020، وبوعشرين صدر بحقة عام 2018، حكما بالسجن 15 سنة بتهم “جرائم جنسية”.
في حين أكد حقوقيون وإعلاميون مرارا أن الثلاثة حوكموا بسبب آرائهم وعملهم الصحفي.
وعبر حقوقيون وإعلاميون وأكاديميون عن ترحيبهم بهذه الخطوة، في منشورات على منصات التواصل الاجتماعي.
ورأى رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، عبد الكبير اخشيشن، أن "العفو الذي شمل مجموعة من الصحفيين والنشطاء، رسالة تهدف إلى تعزيز مسار الإصلاحات المنتظرة بجرعات تمكن من إعادة التقدير للممارسة المهنية النبيلة".
وأشار في تصريحات صحفية إلى أنه "سبق للنقابة الوطنية للصحافة المغربية أن عبرت في مناسبات عديدة عن أن (حوادث السير) التي تعرض لها الجسم الإعلامي قد أضرت به كثيرا، وأثرت سلبا على صورة بلادنا التي أحرزت خطوات مهمة وكبيرة في مجال الحريات".
من جهته، قال الصحفي إسماعيل عزام إن "كل هذا الاحتفاء من الناس على فيسبوك بالعفو الملكي عن الصحفيين والمدونين المعتقلين يؤكد شيئا رئيسا".
وأضاف في تدوينة عبر فيسبوك في 30 يوليو أن "المؤكد أن آلة التشهير لم تنجح في تضليل الناس.. كل ما تم إنفاقه ضاع في صحف ومواقع وقنوات تلتهم جزءا من المال العام".
واستطرد: “عندي يقين أن المغاربة عموما عندما يدركون مكان الحق.. لا شيء سيغير رأيهم. أما الطبالة وجوق المداحين، فهم لا يخلقون سوى الضجيج، والدليل أنهم تائهون الآن، لا يدرون هل يركبون موجة الاحتفاء؟ أم يسارعوا أولا لحذف تدويناتهم ومقالاتهم وفيديوهاتهم القديمة؟”
وأعرب “الحزب الاشتراكي الموحد” عن ارتياحه الكبير للإفراج عن الصحفيين والمدونين “ضحايا التضييق الممنهج على حرية الرأي والتعبير”. وإسقاط الأحكام والمتابعات القضائية في حق آخرين.
وطالب في بيان صادر عنه في 31 يوليو، برد الاعتبار لهم على ما “عانوه من حرمان ومعاناة جسدية ونفسية”، وإعادة إدماجهم الفوري وتمتيعهم بالرعاية الاجتماعية، وكذا عموم المفرج عنهم من ضحايا التعسفات والتجاوزات السلطوية".
ووفق آخر تصنيف عالمي لحرية الصحافة نشرته منظمة "مراسلون بلا حدود"، يحتل المغرب المرتبة 129 من بين 180 دولة شملها التصنيف.
غير مكتملة
هذا العفو عن الصحفيين قابله استغراب لدى المواطنين من عدم شمله لقادة “حراك الريف” بعدما كانت الآمال معقودة على طي صفحة ملف مزعح حقوقيا وبدء مرحلة جديدة.
وأعربت فتيحة الشريبي، والدة الصحفي المفرج عنه عمر الراضي، عن سعادتها بالعفو الملكي.
وقالت الشريبي لوكالة "الأناضول" التركية في 30 يوليو، إن فرحة الإفراج عن صحفيين ومدونين "غير مكتملة"، لأن الحقوقيين كانوا ينتظرون إفراجا شاملا عن قادة حراك الريف أيضا.
بدوره، كتب الإعلامي علي المرابط، أن العفو الملكي "غير مكتمل".
وأضاف في تغريدة على منصة “إكس” في 30 يوليو "حتى الآن لا توجد أي أخبار عن ناصر الزفزافي ورفاقه في حراك الريف، رغم أن الإشارات القوية التي أرسلت قبل أيام قليلة فقط".
وتعود بداية "حراك الريف" إلى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2016، حين لقي بائع السمك محسن فكري مصرعه بمدينة الحسيمة (شمال) طحنا في شاحنة نفايات، بعدما ألقى رجال الشرطة أسماكه فيها بحجة أنها ممنوعة، ما دفع الشاب إلى إلقاء نفسه احتجاجا.
مقتل فكري شكّل شرارة لاحتجاجات شملت مدن وقرى ما يعرف بمنطقة "الريف" في الشمال المغربي، طالبت بتحقيق تنمية في المنطقة، ورفع "الظلم" الاجتماعي عنها.
وأسفرت تلك الاحتجاجات التي استمرت على مدى 10 أشهر عن اعتقال نشطاء وقيادات "حراك الريف"، وحكم عليهم بين 2017 و2018 بأحكام راوحت بين 20 سنة سجنا نافذا، وسنة واحدة، بتهم بينها "المس بالسلامة الداخلية للمملكة".
بدوره “الحزب الاشتراكي الموحد” أبان عن قلقه من الاستثناء الذي نال معتقلي حراك الريف تقديرا لخصوصيته وحساسيته.
وجدّد مطالبته في البيان بإطلاق سراح جميع معتقلي الحراك الشعبي المغربي، وعلى رأسهم معتقلو حراك الريف الذي “تأكد مسعاهم في فضح فساد تجار الانتخابات الذي تأكد مع متابعة العشرات منهم اليوم”، وعدها “خطوة لمصالحة تاريخية مع المنطقة”.
ورأى الحزب أن المغرب في حاجة إلى “حوار وطني حقيقي بهدف تجاوز إكراهات ومعوقات الديمقراطية والتقدم من أجل وطن ديمقراطي يتسع للجميع”.
وعن أسباب هذا الاستثناء، قال مسؤول أمني لـ"الاستقلال" إن “قادة حراك الريف رفضوا بعض الشروط التي قدمت لهم حتى يشملهم العفو الملكي، لأنه لا يمكن أن يكون هناك عفو دون المرور من خطوات أهمها كتابة طلب العفو وتسليمها للمديرية العامة للسجون”.
وأضاف المسؤول، رافضا ذكر اسمه كونه غير مخول له التصريح للإعلام، أن “ملف حراك الريف سيتم حله في أقرب وقت نظرا لما يعرفه المغرب في الفترة الأخيرة من تحولات كونه مقبلا على استحقاقات قارية ودولية (في إشارة لكأسي إفريقيا والعالم) ولا بد أن يصل لهذه الأهداف في جو عام أفضل”.
وفي سياق متصل، قال الرئيس السابق لـ"العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان"، عبد الرزاق بوغنبور: "كنا نأمل أن يشمل هذا العفو كل المعتقلين المتابعين في قضايا الرأي والتعبير".
وأضاف بوغنبور لموقع "الحرة" الأميركي في 30 يوليو، أن “هذا العفو يطوي صفحة من تاريخ المغرب كانت تمثل وصمة عار في الملف الحقوقي قبل أن يأتي القرار الملكي الشجاع ليصحّح الوضعية، متمنين أن يكون مقدمة انطلاق لإصلاح باقي الملفات”.
وبينما يشدّد الحقوقي المغربي على أهمية الخطوة وإيجابيتها، يوضح أنها "تبقى ناقصة ما لم تشمل باقي معتقلي حراك الريف".
مؤشر إيجابي
وفي هذا الصدد، قالت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، في بيان، إن هذه الخطوة “تعد مؤشرا إيجابيا على رغبة صادقة لطي مختلف الملفات التي تثير نقاشات مرتبطة بقضايا حقوقية”.
وأعادت التذكير بضرورة تصفية الأجواء الحقوقية، وذلك بإطلاق سراح باقي المعتقلين على إثر الاحتجاجات الاجتماعية بالجسيمة خلال سنة 2016، وباقي المدونين وكل المتابعين على خلفية ملفات ذات بعد حقوقي وإنساني.
في المقابل، عبرت منظمة “الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان” عن تطلعها إلى “استكمال هذه الخطوة بتمتيع ما تبقى من معتقلي حراك الريف بعفو ملكي يطوي هذه الصفحة الأليمة ويبعث الأمل مجددا”.
وتابعت في بيان أن هذا الأمر من شأنه أن يقوي “المناعة الوطنية والجبهة الداخلية ويُوطِّد الثقة والأمل في المستقبل ويُعطي دفعة قوية في ترسيخ الممارسة الديمقراطية ودعم جهود التنمية، التي لا تُزهر إلا في تربة الحرية وسيادة القانون”.
بدوره، قال منتدى الكرامة لحقوق الإنسان في بلاغ صدر 30 يوليوز 2024، “تلقينا بارتياح كبير القرار الملكي بالعفو الذي شمل عددا من الصحفيين والحقوقيين والنشطاء، بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش”.
وأشاد المنتدى بـ“هذه الخطوة النبيلة، ذات العمق الإنساني والحقوقي، والتي نستبشر بها خيرا لتشمل باقي الملفات الحقوقية العالقة، ومنها ملف حراك الريف”.
وعبرت الهيئة ذاتها، في أن تكون هذه المبادرة “مقدمة لصفحة جديدة لانفراج حقوقي وتوجها لتوسيع وتحصين مجال الحقوق والحريات بما يعزز موقع المغرب ومكانته جهويا ودوليا”.
جدير بالذكر أن تظاهرات حراك الريف آنذاك أسفرت عن اعتقال نشطاء قدّرت جمعيات حقوقية عددهم بالمئات. وأفرج لاحقا عن معظم المعتقلين بعد انقضاء مدد سجنهم أو بموجب عفو ملكي.
ولا يزال ثمانية منهم معتقلين، أبرزهم، ناصر الزفزافي، ونبيل أحمجيق، المحكومان بالسجن 20 عاما، لإدانتهما بتهم عدة بينها "التآمر للمسّ بأمن الدولة".
وسبق أن دعت أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية محلية ودولية إلى الإفراج عنهم منتقدة أحكاما "قاسية"، في حين شددت السلطات المغربية دوما على أن محاكمات هؤلاء النشطاء “احترمت المعايير الدولية”.