اعتقالات وفصل من العمل ومنع التظاهر.. هكذا قمعت إسرائيل عرب 48 المتضامنين مع غزة

12

طباعة

مشاركة

رغم مساعيهم للخروج في مظاهرات لرفض إبادة غزة أو تهجير سكانها، إلا أن رد فعل أهالي فلسطين المحتلة عام 1948 (يحملون جنسية إسرائيلية) مازال ضعيفا مقارنة بحرب مايو/أيار 2021 حين خرجوا يدعمون المقاومة واصطدموا مع اليهود المتطرفين.

ويرجع ذلك إلى تعامل الاحتلال معهم هذه المرة بصورة أشد ضراوة امتدت من الاعتقال والإبعاد عن قراهم وملاحقتهم قضائيا وفصلهم من العمل أو الجامعات، إلى التهديد بإسقاط الجنسية، فضلا عن الاعتداء عليهم وترهيبهم وحرق منشآتهم.

وواجه عرب 48، منذ 7 أكتوبر 2023، واحدة من أشرس موجات الملاحقات والاضطهاد التي اتخذت أشكالاً أكثر قمعاً بشكل صريح، وشملت اعتقالات واستدعاءات للتحقيق وحرمانا من التعليم وفصلا من العمل بشكل تعسفي، بموجب أدلة واهية كاذبة.

وعلى غرار سياسة تكميم الأفواه في الغرب، تعامل الاحتلال مع فلسطينيي 48 بنفس الأسلوب وأسوأ، ومنع حرية التعبير عمن طالبوا بوقف العدوان على غزة، رغم أنهم يفترض أنهم "مواطنون إسرائيليون" عرب.

اشتكى العديد منهم في تصريحات لصحف عربية وعبرية داخل الاحتلال من تعرضهم لـ"خطاب كراهية"، ووصفهم بـ"الخونة" وتوعدهم بنكبة جديدة، مثل أهالي غزة، على غرار نكبتهم الأولى حين طردتهم العصابات الصهيونية من أرضهم عام 1948؟

ومنذ اندلاع الحرب في غزة، تم اعتقال أكثر من 110 فلسطينيين ممن يطلق عليهم "عرب إسرائيليون" بتهم تتعلق بـ"حرية التعبير"، بحسب مركز "عدالة" القانوني لحقوق الأقلية العربية في الكيان الإسرائيلي.

وقال المركز إنه تم تقديم 100 شكوى ضد الطلاب العرب الإسرائيليين، وتم استدعاء 74 منهم لجلسات تأديبية، وتم طرد ثلاثة طلاب، بدعاوى أنهم يؤيدون المقاومة في غزة، لأنهم طالبوا بوقف إطلاق النار!

ويشكل فلسطينيو الأرض المحتلة 1948 حوالي 20 بالمئة من سكان إسرائيل ويخضعون للنظام الإسرائيلي رسميا في جميع مناحي الحياة.

ماذا حدث؟

لعدم وجود مدرسة عربية للأطفال المصابين بمرض التوحد داخل الاحتلال، اضطر الفلسطيني الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية "فادي الجمل" لإدخال ابنه "فجر"، 10 سنوات في مدرسة يهودية إسرائيلية.

لكنه فوجئ عقب اندلاع القتال في غزة بطرد المدرسة ابنه المصاب بالتوحد في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 بتهمة "دعم حركة حماس" وفق ادعاء المدرسة.

قال لموقع "سكاي نيوز عربية": اتصلوا بي من المدرسة فجأة وقالوا لي إنهم طردوه لأنه تحدث عن حركة حماس أمام الطلاب، لكن اتصالا هاتفيا أكد أنه طُرد لأنه "عربي"، وتهمة تأييده حماس لفقت لإيجاد تبرير لقرار طرده.

قصة "فجر" ليست الوحيدة التي تمثل الهجمة الشرسة التي مارستها المؤسسات الإسرائيلية كافة ضد فلسطينيي الداخل الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية بموجب الولادة لكنهم فلسطينيون في الهوية والانتماء.

حيث تم طرد عشرات الطلاب العرب من المدارس والجامعات الإسرائيلية بدعوى دعمهم حماس، لمجرد أنه طالبوا بوقف إطلاق النار، وجرى طرد موظفين فلسطينيين من أماكن عملهم، واشترطت شركات في التعيين ألا يكون المتقدم "عربيا".

وأكدت وكالة الأنباء الفرنسية" في 20 أكتوبر، تعرض العديد من عرب إسرائيل والفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة بشكل يومي للطرد من العمل أو السجن بسبب منشورات كتبوها على مواقع التواصل أيدوا فيها تضامنهم مع أهالي غزة.

وقال مدير جمعية "مساواة" الحقوقية، جعفر فرح، لوكالة الأنباء الفرنسية: "تم منذ بدء الحرب فصل نحو 150 عاملا وحوالي 200 طالب وطالبة (عرب) من جامعات ومعاهد مختلفة" لأسباب تتعلق بإبداء آراء متضامنة مع قطاع غزة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وصدر في 18 أكتوبر بيان عن رؤساء الجامعات الإسرائيلية موجه إلى وزير التربية والتعليم، يوآف كاش، قالوا فيه "إنهم يقومون بدورهم بمحاسبة القليلين الذين يعبرون عن تضامنهم مع منظمات الإرهاب".

وقد تعرضت البروفيسورة نادرة شلهوب كيفوركيان يوم 29 أكتوبر لحملة تحريض عنصرية، بعد نشر الجامعة العبرية رسالة تطالبها بتقديم استقالتها في أعقاب توقيعها على عريضة تطالب بوقف الحرب وحماية حقوق الأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين.

وهي عريضة وقع عليها أكاديميون من مختلف أرجاء العالم، لكن لأنها عربية تحمل هوية إسرائيلية جرى استهدافها.

وتعمل شلهوب كيفوركيان في الجامعة العبرية منذ 26 عامًا، في كلية علوم الإجرام، ولها أكثر من 130 منشورا وكتابا ومقالات علمية نشرت في أفضل الجامعات العالمية.

كما أكد مستشفى في "بيتح كيفا" طرد طبيب فلسطيني الأصل بعد وضعه منشورا "يدعم الإرهاب" على أحد حساباته وفق مزاعمهم في إشارة لدعمه غزة.

وطُردت معلمة عربية من مدرسة ثانوية في مدينة طبريا بعدما وضعت "لايك" على صفحة "عين على فلسطين" على موقع "إنستغرام".

ودأبت الجامعات ومعاهد التعليم الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر على نشر بيانات على مواقع التواصل الاجتماعي مفادها بأنها "لن تتهاون مع التحريض".

موجهة الرسائل للطلاب العرب، ومطالبة الطلاب المشاركة بالإبلاغ عن زملائهم ممن يشاركون منشورات التعاطف مع غزة أو أي منشور يمكن أن يفسر على أنه "تحريض".

وبادر آلاف الطلاب الإسرائيليين بالتحريض ضد زملائهم العرب وما كتبوه على صفحاتهم الشخصية في منصات التواصل، سواء خلال أيام الحرب أو من سنوات سابقة، لينتهي الأمر بالطرد والحرمان من التعليم أو بالإيقاف المؤقت أو التوبيخ والإنذار.

ونقل موقع "سكاي نيوز عربية" عن يوسف طه، من "مركز الهيئة العربية للرابطة الطلابية" بإسرائيل أن "الجامعات الإسرائيلية أصبحت تلعب دور الحاكم والشرطي بدلاً من دورها كمؤسسة أكاديمية، وحولت الطلاب الإسرائيليين إلى مُخبرين لديها للإبلاغ عن زملائهم الفلسطينيين الذين يتشاركون معهم مقاعد الدراسة".

طه أكد أن أكثر من 150 طالب فلسطيني بهوية إسرائيلية تضرروا بشكل مباشر من هذه الملاحقات منذ بداية الحرب، وعدد من الأساتذة العرب الذين عبروا عن موقفهم ضد الحرب على غزة ولاقوا هجوما مشابها من زملائهم وإدارة الجامعة.

فيما قال "مركز عدالة القانوني"، إن الإجراءات التأديبية المتخذة ضد الطلاب أتت في معظم الحالات "بسبب تعبير الطلاب عن تضامنهم مع الأهل في غزة عبر اقتباس آيات قرآنية، وهي أفعال تقع ضمن نطاق حرية التعبير والدين". 

وعلقت على ذلك صحيفة "هآرتس" اليسارية في 18 أكتوبر، قائلة إن "حالة الطوارئ المفروضة حاليا في إسرائيل تشكل أرضا خصبة لانتهاكات الحقوق الفردية، وفي المقام الأول حرية التعبير".

قالت في افتتاحيتها إن المدعي العام للدولة، عميت إسمان، يدعم إجراءات "التحقيق والاعتقال والملاحقة القضائية ضد أي شخص ينشر كلمات ثناء للفظائع"، في إشارة إلى ما قامت به حركة حماس.

وأكدت أن "مواطنين عربا عبروا عن مواقف مخالفة للتوجه العام (الإسرائيلي المعادي لحماس) تم فصلهم من وظائفهم".

وأن "بلدية رحوفوت على سبيل المثال، طلبت من متعهدي مشاريع البناء في المدينة التوقيع على إقرار بعدم وجود عمال عرب في الموقع"!

مواقع التواصل

تقرير مطول لمجلة "فورين بوليسي" أوضح إن فلسطينيي 48، الذين بقي منهم 156 ألف فلسطيني داخل أرضهم المحتلة عقب حرب 1948، وأصبحوا لاحقا مواطنين إسرائيليين، وبلغ عددهم حوالي 2 مليون نسمة يتعرضون بشكل يومي لـ "الطرد من العمل أو السجن بسبب منشورات على مواقع التواصل تتضامن مع قطاع غزة.

ذكرت المجلة في 7 نوفمبر/تشرين ثان 2023 أن الحرب في غزة تضغط على "عرب إسرائيل" بشكل متزايد، ويتعرض طلاب وعمال للفصل والتحقيق بسبب ملاحقات قضائية واتهامات بالتحريض على الإرهاب.

وقالت الشرطة الإسرائيلية في بيان بتاريخ 27 أكتوبر، إنها ألقت القبض على "أكثر من 100 مشتبه به بالتحريض، وتم تقديم 24 لائحة اتهام في إجراءات سريعة ضد المحرضين".

وأضافت: "تمت إزالة أكثر من 300 منشور يشجع على العنف والتحريض والدعم والانتماء إلى منظمات إرهابية، منها 146 ملف تحقيق تم فتحه بعد أن تبين أن المنشورات يشتبه في تحريضها ودعمها لمنظمة إرهابية".

الممثلة الفلسطينية التي تحمل هوية إسرائيلية "ميساء عبد الهادي" كانت إحدى هؤلاء الضحايا، حيث تم اعتقالها وسجنها باتهامات من بينها "التحريض على الإرهاب".

وذلك بسبب منشورات لها على مواقع التواصل الاجتماعي أعربت فيها عن تضامنها مع قطاع غزة، بحسب "وكالة الأنباء الفرنسية" في 24 أكتوبر.

ونشرت عبد الهادي على صفحتها على فيسبوك صورة لجرافات تهدم السياج الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل وكتبت عليها ساخرة "دعونا نتبع أسلوب برلين"، فاعتقلتها الشرطة الإسرائيلية وأيدت وزارة العدل الإسرائيلية في 29 أكتوبر اتهامها بالإرهاب.

أيضا فوجئت المغنية دلال أبو آمنة، وهي طبيبة وباحثة في علم الأعصاب في مدينة حيفا أيضا، حين توجهت إلى مركز الشرطة لتقديم شكوى بعد أن تلقت مئات رسائل التهديد بالقتل من اليهود لها ولعائلتها، باعتقالها لأنها نشرت تعليقا على فيسبوك".

قالت محاميتها للوكالة الفرنسية: "وضعوا الأصفاد في يديها وقدميها... وتعاملوا معها بإهانات وإذلال ليخيفوا الناس ويلقنوهم درسا عبر دلال"، أي بعدم النشر عن غزة، لمجرد أنها كتبت منشورا باللون الأسود قالت فيه "لا غالب إلا الله"!!

وانتهي الأمر بالقضاء الصهيوني بافتراض ما كتبته "منشورا تحريضيا"، وتغريمها نحو 625 دولارا، والأمر بعدم كتابتها أي شيء يتعلق بحرب غزة لمدة 45 يوما.

وتقول صحف الاحتلال إنه يوميا تنشر الشرطة بيانات عن اعتقال أشخاص كتبوا أو وضعوا إشارت إعجاب (لايك) فقط على محتوى أو صورة يعدونها"تحريضية"، مثل أشرطة فيديو لإسرائيليين قتلوا خلال هجوم حركة حماس.

وقالت الشرطة الإسرائيلية 18 أكتوبر، إنها "أوقفت 76 شخصا" من القدس الشرقية المحتلة "للاشتباه بارتكابهم جرائم تحريض على فيس بوك ودعم منظمات إرهابية". 

ومن بين هؤلاء محامية من القدس وطباخ يعمل في مطعم إسرائيلي تم فصله وخطيب في مسجد.

وضمن المتهمين بهذه التهمة أيضا الناشطة والأسيرة السابقة "عهد التميمي"، التي اعتقلتها القوات الإسرائيلية من منزلها بقرية النبي صالح في الضفة الغربية المحتلة، بدعوى التحريض على مواقع التواصل ضد إسرائيل ودعم غزة.

وسلط تقرير لشبكة "سي إن إن" الأميركية في 5 نوفمبر الضوء على "الخوف" الذي يعيش فيه الفلسطينيون في القدس والضفة الغربية وذلك "بعد القبض على العشرات بسبب التعبير عن تضامنهم مع غزة" ضد العدوان الصهيوني.

ووصل الأمر إلى تفتيش شرطة الاحتلال تليفونات مواطنين فلسطينيين وانتهاك خصوصيتهم في الشوارع لمعرفة مدى تعاطفهم مع حماس، واعتقال بعضهم وتوجيه تهم بالإرهاب لهم، لأنهم كتبوا رسائل على فيسبوك تعبر عن ذلك!

حيث نقلت "سي إن إن" عن الشابة الفلسطينية دعاء أبو سنينة (22 عاما)، وهي واحدة ممن تم اعتقالهم، قولها إنها "شعرت بالصدمة بعدما وصلت قوة إسرائيلية مكونة من حوالي 15 عنصرا إلى منزلها في القدس الشرقية، يوم 23 أكتوبر 2023.

أضافت أنهم أبلغوها أنها قيد الاعتقال وطلبوا الحصول على هاتفها، مستطردة: "حينما سألت عن السبب، بدأ ضابط الشرطة في دفعي وخطف الهاتف من يدي".

فتش الضابط حسابات "أبو سنينة" على تيك توك وفيسبوك، لكنها لم تكن تمتلك أيا من التطبيقين، قبل أن يبحث عن تطبيق "سناب شات"، وهو الوحيد الذي تستخدمه الشابة الفلسطينية.

وأضافت لـ"سي إن إن": "لاحظ أنني لم أنشر أي شيء، فبدأ في فحص تطبيق واتساب، وكنت قد نشرت آيات من القرآن، ويبدو أن هذا ما كان يبحث عنه، فقالوا إنني أحرض على الإرهاب".

المظاهرات ممنوعة

عكس ما جرى عام 2021، منع الاحتلال الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل من تنظيم مظاهرات ضد الحرب الحالية على غزة، وأعلن مفوض الشرطة كوبي شبتاي منع "المظاهرات ضد الحرب".

تشديد شرطة الاحتلال على منع المظاهرات، دفعها لاعتقال قيادات سياسية بمدينة الناصرة بينهم حنين زعبي ومحمد بركة، ورئيس حزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، سامي أبو شحادة، لاعتزامهم التظاهر لرفض إبادة غزة.

الاحتلال زعم أن المظاهرة التي كانت مقررة يوم 9 نوفمبر "قد تؤدي إلى التحريض والإضرار بالسلام العام"، ولم يتردد في اعتقال "محمد بركة" نفسه رغم أنه رئيس لجنة المتابعة العليا للمواطنين العرب في إسرائيل، وهي أعلى هيئة تمثل الفلسطينيين في الداخل المحتل، مع آخرين.

اعتقال قيادات عربية بينها رئيس لجنة المتابعة، #محمد_بركة، ورئيس حزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، #سامي_أبو_شحادة، ومنع تنظيم مظاهرة ضد #الحرب_على_غزة.

_ تصوير: زكريا حسن - "عرب 48" pic.twitter.com/XcL8rsRAaJ

— موقع عرب 48 (@arab48website) November 9, 2023

كما اعتقلت شرطة الاحتلال فلسطينيين من عرب 48 لأنهم تظاهروا أو عارضوا إبادة غزة وطالبوا بوقف إطلاق النار منهم الناشط السياسي بسام شيخ يوسف من قرية الطيبة، وكبلتهم رغم أنهم حصلوا على موافقة قانونية على المظاهرة.

وقال "يوسف" لموقع "عرب 48" في 8 نوفمبر 2023 بأن "هدف الشرطة زرع الخوف في نفوس المواطنين العرب"، لعدم التظاهر ضد العدوان علي غزة.

أوضح أنهم "يحاولون إسكاتنا من خلال الاعتقال والتحريض على الشخصيات المعروفة، ويحاولون إعادتنا إلى الحكم العسكري".

وفي 8 نوفمبر صادق الكنيست الإسرائيلي، في القراءة الثالثة، على قانون يجرم مشاهدة "المحتوى المؤيد للإرهاب" وصوت لصالح القانون 13 عضو كنيست مقابل اعتراض أربعة أعضاء، بحسب موقع "عرب 48".

ويحظر هذا القانون على من يحمل الجنسية الإسرائيلية وبينهم فلسطينيو الأرض المحتلة 1948 "مشاهدة محتوى إرهابي"، وذلك في إشارة لحظر مشاهدة فيديوهات كتائب القسام بتقدير أن القانون الإسرائيلي يعدها "منظمة إرهابية"

وقال المتحدث باسم الكنيست إنه سيتم الحكم "على أي شخص تثبت إدانته بارتكاب هذه الجريمة بالسجن لمدة عام واحد".

الكلمات المفتاحية