حملها فريق أمني.. ماذا وراء رسالة بايدن إلى قيس سعيد بعد انقلاب تونس؟
"التسريع بتعيين رئيس للوزراء والعودة إلى الديمقراطية البرلمانية" هذه أبرز مطالب واشنطن من الرئيس التونسي قيس سعيد خلال زيارة وفد أميركي رفيع المستوى له في قصر قرطاج.
الزيارة التي تأتي في وقت هام من المشهد التونسي جاءت برئاسة نائب مستشار الأمن القومي الأميركي جوناثان فاينر إلى العاصمة تونس، 13 أغسطس/ آب 2021.
منذ 25 يوليو/ تموز 2021، تشهد تونس انقساما سياسيا حادا، عقب قرار سعيد إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتجميد اختصاصات البرلمان لمدة 30 يوما، ورفع الحصانة عن النواب، ولاحقا إقالة مسؤولين وتعيين آخرين.
غالبية الأحزاب التونسية رفضت قرارات سعيد الاستثنائية، واعتبرها البعض "انقلابا على الدستور"، بينما أيدتها أخرى رأت فيها "تصحيحا للمسار"، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية تعيشها البلاد .
الدعوة الأميركية جاءت إثر تأخر سعيد في تعيين رئيس للحكومة أو ووضع خارطة طريق مثلما تعهد بذلك.
زيارة الوفد الأميركي أثارت جدلا في تونس؛ إذ اعتبرها مراقبون خطوة في اتجاه الضغط على قيس سعيد للعودة إلى المسار الديمقراطي والتراجع عن قراراته الأخيرة.
لكن رآها آخرون لا تمثل ضغطا مباشرا على سعيد بقدر ما هي ترقب حذر لما ستؤول إليه الأوضاع في تونس، ودعما أميركيا غير مباشر للرئيس التونسي.
رئيس الجمهورية #قيس_سعيد يستقبل وفدا رسميا أمريكيا ترأسّه مساعد مستشار الأمن القومي السيّد جوناثان فاينر والذي كان محمّلا برسالة خطية من قبل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السيّد جوزيف روبينيت بايدن. #TnPR pic.twitter.com/uIEpFuaH6B
— Tunisian Presidency - الرئاسة التونسية (@TnPresidency) August 13, 2021
ضغط غير مباشر
في هذا الإطار يقول الخبير التونسي في الشؤون السياسية والإستراتيجية خالد عبيد: "زيارة الوفد الأميركي لقيس سعيد يمكن قراءتها على أن إدارة بايدن لم تشأ أن تمارس ضغطا مباشرا على رئيس الجمهورية".
ويضيف لـ"الاستقلال": "هذه الزيارة أراد منها الوفد الأميركي التعرف على حقيقة ما يحدث على الأرض في تونس، ومحاولة فهم النوايا الحقيقية لسعيد".
عبيد يعتقد أن "أهم دلالة في هذه الزيارة هي أن الملف التونسي تنظر إليه واشنطن كملف أمني باعتبار أن الوفد الأميركي كان أمنيا بامتياز".
وبشأن دلالات الزيارة يوضح: "نستنتج من خلال ما صدر عن الرئاسة التونسية وعن البيت الأبيض عن الزيارة أن واشنطن لم ترفض ما حدث يوم 25 يوليو/ تموز 2021، لكنها تراقب بعين حذرة ما يحدث".
ويشير إلى أن "موقفها مرتبط بمدى الالتزام بتعيين رئيس وزراء وليس رئيس حكومة، وفق بيان البيت الأبيض، وأيضا مدى احترام المسار الديمقراطي، دون أن يعني ذلك أن أميركا تريد عودة الوضع لما كان عليه".
وحول إمكانية مضي أميركا في ضغوطات أكبر على قيس سعيد حال استمر الفراغ الحكومي وجرى تمديد تجميد البرلمان، يرى عبيد أن "فترة الفراغ الحكومي لن تستمر طويلا، والأمر سيحسم قبل نهاية أغسطس/ آب 2021،".
ولا يعتقد أن "تذهب الأمور نحو ممارسة ضغوط إضافية بهذا الموضوع بالذات أو بشأن خارطة الطريق".
ويشدد عبيد على أن "خارطة الطريق سيعلن عنها قريبا، ورئيس الوزراء سيجري تعيينه قبل خارطة الطريق، وبعد ذلك تعلن خارطة الطريق، وهي واضحة بالنسبة لرئيس الجمهورية منذ اتخاذه قرارات".
وعن احتمالات تمديد تجميد البرلمان، يقول: "في نظري البرلمان انتهى ولن يعود، والبرلمان الذي نعرفه قبل 25 يوليو/ تموز 2021 لن يرجع".
ويتوقع: إن وجد برلمان "فسيكون بعد انتخابات تشريعية سابقة لأوانها (مبكرة) وهي ربما جزء من خارطة الطريق التي ينوي رئيس الدولة قيس سعيد الإعلان عنها".
تدخل خارجي
في المقابل، يعتبر المحلل السياسي والأستاذ في الجامعة التونسية محمد ضيف الله أن "ما وقع في 25 يوليو وضع تونس في دوامة التدخل الخارجي وليس أميركا فقط".
ويوضح لـ"الاستقلال"، أن "هناك دولا عربية ومشرقية عبرت عن مساندتها لما حصل في 25 يوليو، وفرنسا كذلك، وبعض الدول الأخرى التي لديها مصالحها في تونس (لم يسمها)".
ويضيف أن "زيارة الوفد الأميركي تظل في هذا الإطار، فكثير من الدول تتدخل في الشأن التونسي، وهذا من سلبيات الفترة الماضية"، مضيفا أن "ذلك لا يعني أن تونس جزيرة منعزلة عن محيطها الإقليمي والدولي".
ضيف الله يعلق على الموقف الأميركي مما يحدث في تونس، ويلفت إلى أن "ما أعلن من موقف يبدو واضحا، وهو دعوة قيس سعيد إلى تعيين رئيس للوزراء والعودة إلى الديمقراطية البرلمانية بمعنى العودة إلى البرلمان وعدم تجاوزه".
ويعتقد أن "الأولوية الأميركية هي تعيين حكومة تعنى بالجانبين الصحي والاقتصادي، كما أن الوفد الأميركي لم يكتف بلقاء الرئاسة بل التقى أطرافا بالمجتمع المدني لم يعلن عن هويتهم"، معتبرا أن "في ذلك نوعا من الضغط على سعيد".
المحلل السياسي تساءل: "هل كان موقف مصر والسعودية والإمارات ذات الارتباط المتين مع واشنطن من أحداث تونس مستقلا عن الموقف الأميركي؟".
ويعتقد أن "هذه البلدان العربية تقوم بدور المناورة للدور الأميركي، وربما جاء تدخل واشنطن لتعديل موقفها فقط وليس موقفا رافضا لما حدث يوم 25 يوليو".
ويجزم بأن "الدعوة الأميركية لخارطة طريق في إطار قبول ما حدث، وأن واشنطن توافق على تعديل الدستور بتغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي، وكذلك إدخال تعديلات على القانون الانتخابي".
مساندة سعيد
ويذهب ضيف الله إلى اعتبار أن "أميركا تتدخل في الشأن التونسي لتساند قيس سعيد بدافع أن كثيرا من التونسيين ينادون بنظام رئاسي وهو مطلب الرئيس".
ويعتبر أن "إدارة بايدن أعطت الضوء الأخضر لسعيد كي يتخذ قرارات 25 يوليو، ودليل ذلك أنه وفي يوم 12 يوليو/ تموز 2021 أي قبل 13 يوما من قرارات سعيد، حذرت أميركا رعاياها من التوجه إلى تونس".
الأكاديمي التونسي يضيف: "صحيح أن التحذير كان مبررا بإمكانية حصول عمليات إرهابية أو تفشي كورونا في تونس، ولكن الحقيقة أنهم كانوا يتوقعون إجراءات 25 يوليو".
ويجزم بأنه "لا يجب المراهنة كثيرا على الموقف الأميركي أو القول إنهم ضغطوا على سعيد فهذا ليس صحيحا".
ويرى أن "البلدان الغربية لا تتدخل في الدول من أجل مصلحة الشعوب بل تتدخل من أجل مصالحها فقط، وتتدخل متى ما اقتضت مصلحتها ذلك".
ويوضح أن "واشنطن عندما تتدخل في تونس يعني أن لها حلفاء آخرين لهم مصالح بها، وعندما تقدم نفسها كعامل ضغط على قيس سعيد، فذلك لأجل مصالحها وإرضاء حلفائها الرافضين لإجراءات سعيد مثل، تركيا وقطر".
ويؤكد ضيف الله أن "دعوة أميركا سعيد لتشكيل حكومة لا يعد ضغطا كبيرا، بل ربما دعوته بإعادة الديمقراطية البرلمانية يعتبر ضغطا"، مشيرا إلى أن "أميركا قدمت تطمينات لسعيد بأن يمكنه تغيير النظام السياسي مثلما يريد".