خطوات غامضة.. تعرف على تاريخ الصدر مع المراوغات السياسية بالعراق

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

رصد مقال نشرته وكالة الأناضول التركية للكاتبين بيلغاي دومان ومحمد ألاجا دور مقتدى الصدر، في الحالة السياسية العراقية، لأنه، حسب وصفهما، "أكثر الشخصيات نفوذا، كونه قائد تحالف سائرون، أقوى كتلة ببرلمان بغداد".

الصدر، في قرار مثير للجدل في 15 يوليو/ تموز 2021، قرر عدم المشاركة في الانتخابات المبكرة المقرر إجراؤها في أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

شخصيات مهمة في الحركة انسحبت من السباق بعد قرار الصدر، وجرى حل الهيئة السياسية المسؤولة عن إدارة الشؤون اليومية للكتلة النيابية الصدرية بالبرلمان وإعطاء التوجيهات على القرارات والتشريعات البرلمانية.

قرار الصدر الذي يصفه الغرب بأنه "صانع الملوك"، بالانسحاب من الانتخابات بشكل مفاجئ يظهر أنه لا يمكن التنبؤ بالسياسي الشيعي وخطواته، كما يكشف عن ديناميكيات سياسية واجتماعية مختلفة، بحسب الوكالة التركية الرسمية.

وأردف الكاتبان: "إذ ليس من قبيل الصدفة أن القرار جاء بعد فقدان 92 شخصا أرواحهم في حريق اندلع بأحد المستشفيات في الناصرية في 13 يوليو/ تموز 2021، ووقت انقطاع التيار الكهربائي من البلاد".

كذلك لقي 82 شخصا حتفهم في حريق مماثل في مستشفى ببغداد في أبريل/ نيسان 2021، ليصبح التيار الصدري هدف انتقادات واسعة في الرأي العام العراقي وبوسائل التواصل الاجتماعي.

سيناريوهات متعددة

قال دومان وألاجا: "وبالنظر إلى أن وزيري الصحة والكهرباء قريبان من التيار الصدري، أثارت الأحداث الأخيرة التساؤلات والنقاش حول إمكانيات وقدرات التيار".

وأضافا: "لهذا يمكن القول بأن قرار الصدر هذا ما هو إلا مناورة تهدف إلى تهدئة وإعادة توجيه الغضب الذي تملك المجتمع". 

وتابعا: "رغم استقالة وزير الصحة حسن التميمي المنتمي للتيار الصدري بعد الحريق، إلا أنه بات واضحا محاولة الصدر الخروج من الفوضى الاجتماعية بأقل الأضرار مع حماية قاعدته بمواجهة الغضب المتصاعد".

"من ناحية أخرى ربما يكون قرار الصدر هذا لجس نبض الحكومة العراقية، ومعرفة ما إن كانت ستتراجع عن إجراء الانتخابات في موعدها، لكن يبدو أن الحكومة لم تتراجع بعد"، وفق كاتبي المقال.

بيان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات (IHEC)، ذكر أنه ليس من الممكن التراجع عن الانتخابات بعد الإعلان عن الأسماء الموجودة في القوائم، الأمر الذي يمثل تحديا للصدر.

ولفتا إلى أن "مقاطعة بعض الأحزاب التي ولدت من رحم الحركات الاحتجاجية ربما تكون وراء قرار الصدر المفاجئ بالانسحاب".

"رغم أن علاقاته مع الحركات الاحتجاجية لم تكن جيدة، إلا أن الصدر يريد بهذا القرار أن يحسن في صورته التي تضررت بعد أزمات الكهرباء والصحة فوق مطالب الشارع العراقي".

وتساءل المقال: "أو هو فقط انسحاب "مؤقت" لإعادة ترتيب أوراقه قبل استئناف السباق الانتخابي مستفيدا من موجة المقاطعة الحالية، تماما كما فعل كثيرا في ماضيه السياسي".

وذهب الكاتبان إلى "احتمالية عدم تمكن الصدر من العثور على التحالفات التي يبحث عنها لتشكيل الحكومة بعد الانتخابات، والحاسمة في قرار المقاطعة".

"إذ يبدو أن القرار خطوة لكسب الوقت أكثر من أي شيء آخر، بالنظر إلى أن تيار الصدر لم يشكل تحالفا واضحا لفترة ما بعد الانتخابات المقبلة. بحسب ما يراه الكاتبان التركيان.

التنافس الشيعي

تنقسم الساحة السياسية الشيعية في العراق إلى 4 محاور رئيسة عدا التيار الصدري وهي: تحالف الفتح الموالي لإيران بقيادة هادي العامري، وتيار الحكمة بقيادة عمار الحكيم.

إلى جانب ائتلاف النصر بقيادة حيدر العبادي، والأحزاب التي خرجت من رحم الاحتجاجات التي انطلقت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.

منافسي الصدر بين الجماعات الشيعية يتمتعون بمكانة قوية، وتعني الزيارات المتتالية لقائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني ورئيس استخبارات الحرس الثوري حسين الطيب إلى العراق الكثير.

وخاصة بعد إعلان أميركا رغبتها في الانسحاب من العراق، ما اعتبره الكاتبان دومان وألاجا "دعما مفتوحا من الحرس الثوري للمليشيات الموالية لإيران وخطوات متعلقة بالانتخابات أيضا".

وقالا: إن الصدر بارع جدا في إدارة وتوجيه العمليات السياسية في البلاد وفرض أساليبه الخاصة".

التيار الصدري كان حاسما في تشكيل الحكومات الأربع الأخيرة: الولاية الثانية لنوري المالكي عام 2010 وانتخاب حيدر العبادي 2014، وحكومة عادل عبدالمهدي 2018 ومن بعده حكومة مصطفى الكاظمي في 2020.

وأردفا: "وهكذا ليس بالغريب أن يكون الصدر فعالا في كل من الحكومة والمعارضة وأنه كان يلجأ إلى التراجع في الأزمات السياسية أحيانا ليعود ثانية".

وهو ما حدث بالفعل قبل انتخابات 2005 و2014؛ إذ اتخذ الصدر قرارا بالانسحاب ثم تراجع بعد فترة وجيزة.

ويرى الباحثان أن "للصدر دورا مؤثرا في الإطاحة بالمالكي عام 2014، ووصول حيدر العبادي إلى السلطة".

وعلى الرغم من أنه أحدث صدمة بإعلانه اعتزاله السياسة عام 2014، إلا أنه بعد عام قام بسحب وزرائه من حكومة العبادي، وأطلق حملة معارضة لمداهمة المنطقة الخضراء واحتلال مبنى البرلمان. وفقا للكاتبين التركيين.

وأضافا: وعلى الرغم من تخصيص 4 حقائب وزارية مهمة لأنصاره في الحكومة، لعب الصدر دورا مهما في الإطاحة بعادل عبدالمهدي بدعم الحركات الاحتجاجية التي بدأت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.

ثم وعبر قرار مفاجئ أيضا تراجع عن دعم الحركات الاحتجاجية.

واستدركا: حتى أن أنصار الصدر الذين يطلق عليهم "القبعات الزرقاء"، استخدموا العنف ضد المتظاهرين.

وعلى الرغم من أن الصدر دعم الكاظمي بعد عبدالمهدي، إلا أنه لم يتردد في سحب دعمه من الحكومة.

وفي هذا السياق، يريد الصدر بقراره الأخير أن يظهر للأطراف وجهه كقوة حاسمة في السياسة العراقية، وفق كاتبي المقال.

قوة راسخة

وفي إشارة إلى خلفية مقتدى الصدر يقول دومان وألاجا: "قاد الصدر الأب، آية الله العظمى محمد صادق الصدر، معارضة الأغلبية الشيعية في العراق ضد الرئيس السني صدام حسين واغتيل من قبل النظام في عام 1999".

وبناء على ميراث والده السياسي، أنشأ الصدر الابن جيش المهدي عام 2003، وأظهر مقاومة كبيرة ضد الاحتلال الأميركي.

وتابعا: "وبما أن العديد من القادة فروا من البلاد، عززت مقاومة الصدر للاحتلال الأميركي من شعبيته".

ومع أنه لا يمكن توقع حياة طويلة لسياسي يقوم بمناورات خطيرة، إلا أن الصدر لا يزال ناجحا بحشد القاعدة التي أنشأها والده بأنشطته الاجتماعية في الأحياء الفقيرة أوائل تسعينيات القرن الـ20.

وأكدا أن "مجموعة الصدر دخلت البرلمان كأقوى مجموعة بانتخابات 2018، نتيجة لهذه التعبئة".

ويستخدم الصدر الدعم الاجتماعي الذي يلقاه وقدرته على حشد مئات الآلاف من أنصاره متى شاء، ضد خصومه.

المقال أوضح أنه "بفضل قدرة الصدر على التعبئة، نجح التيار الصدري في فرض هيمنته في جميع أجزاء جهاز الدولة العراقية تقريبا منذ عام 2018".

إذ يشغل أعضاء الحركة العديد من المناصب في وزارات الداخلية والدفاع والاتصالات، وكذلك في مؤسسات النفط والكهرباء والنقل، ومصارف الدولة، وحتى في البنك المركزي العراقي.

ويقال إن أنصار الصدر احتلوا ما يقرب من 200 منصب في الوزارات السنوات الثلاث الماضية.

لكن وإلى جانب ذلك، يلاحظ أن الصدر يحاول وبمقاربة إستراتيجية، اكتساب قاعدة جديدة بتوفير الخدمات بالتركيز على الاستحواذ على الوزارات الخدمية. وفق الكاتبين.

ويعتقدان أن "هذا لا يمهد الطريق أمام التيار للوصول إلى الموارد الاقتصادية فحسب، بل يعزز أيضا دوره البيروقراطي في صنع القرار، وبعبارة أخرى، بمثابة الدولة العميقة في جهاز الدولة العراقية".

وقالا: إن "هذا التأييد الشعبي والميراث التاريخي والنشاط السياسي يميز الصدر عن غيره من القادة العراقيين، ويجعله جريئا في قراراته".

الصدر أحد القادة الشيعة القلائل الذين يمكنهم المكوث لوقت طويل في إيران والسعودية رغم علاقتهما المتوترة؛ فهو لا يتردد في الرد بقسوة على إيران وأميركا وإنجلترا ودول الخليج لتدخلها في العراق.

ولفت الكاتبان إلى أن "الصدر يدرك قدرته على تنفيذ الإصلاحات ومقاومة المليشيات المدعومة من إيران، لهذا، يرسل رسالة بإعلانه عدم المشاركة بالانتخابات، مفادها أنه: "لا يمكن أن يتم إجراء انتخابات بدوني".

وشرحا ذلك بالقول: "إن قرار الصدر بعدم المشاركة في الانتخابات يعني ضعف التمثيل الشيعي، الأمر الذي سيلقي بظلاله على شرعية الانتخابات بسبب قلة المشاركة، بعبارة أخرى، فإن أي تشكيل حكومي لن يمثل الشعب".

وقيل: إن الكاظمي صرح في اجتماعه مع المجموعات الشيعية أنه لن تكون هناك انتخابات بدون مشاركة التيار الصدري، لذلك فإن تأجيل الانتخابات أمر ممكن وإن كان ذلك يبدو صعبا الآن.

ونوها قائلين: "غير أن غياب تيار الصدر عن مجلس النواب يعقد المشهد السياسي، وإن لم يعن ذلك تعطيل العملية السياسية المقبلة".

وعلى الرغم من أن معظم الفاعلين لا يوافقون على تأجيل الانتخابات، فإن عدم مشاركة التيار الصدري سيخلق فراغا كبيرا في الساحة السياسية، وفق رؤية الكاتبين التركيين.

إلا أنهما يعتقدان أن عدم مشاركة الصدر "يفسح المجال أمام الجماعات الموالية لإيران؛ إذ كان (تحالف فتح) ثاني مجموعة حصدت أكثر الأصوات بانتخابات 2018".

وختم دومان وألاجا مقالهما مشيرين إلى أن "التيار الصدري ربما يعود إلى الشوارع كمعارضة في حال لم يشارك بالانتخابات واكتسبت الأطراف الأخرى دورا حاسما في السياسة العراقية".

وبالنظر إلى مقاطعة الأحزاب المتشكلة من الاحتجاجات المستمرة منذ ثورة أكتوبر/ تشرين الأول 2021، للانتخابات، فمن المحتمل جدا أن ترتفع حدة التوتر في شوارع العراق.