"متحرك الصياد".. ذراع خاطفة لجيش البرهان قلبت ميزان الحرب في السودان

جرى انتقاء النواة الأولى لعناصر "متحرك الصياد" من نخبة قوات المظلات والصاعقة
في ظهوره الأخير مساء الثاني من يونيو/ حزيران 2025، بدا قائد مليشيات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، على غير عادته متوترا ومتوعدا وهو يتحدّث عن سير المعارك المحتدمة في السودان.
لم يتردد حميدتي في توجيه تهديد صريح للجيش السوداني، لكنّه خص بالذكر قوة بعينها تحوّلت في المرحلة الأخيرة إلى كابوس ثقيل على قواته، حين قال: "نعرف من يقاتلنا الآن، ونعرف متحرك الصياد.. ولن نترك لهم المجال ليستمروا".
ولم يأت ذكر "متحرك الصياد" مصادفة في خطاب حميدتي الذي فقد خلال الأسابيع الماضية عشرات المواقع الإستراتيجية، لصالح الجيش السوداني.
فقد قلبت تلك القوة العسكرية الخاصة موازين الميدان بعد نجاحها في كسر خطوط الدعم السريع، وإعادة رسم خريطة السيطرة داخل العاصمة وفي جبهات أخرى بولايات السودان المختلفة.
فما هي قوة متحرك الصياد التي باتت تتصدر المشهد العسكري؟ وكيف تشكلت داخل الجيش السوداني؟ وما طبيعة دورها الحاسم في المواجهة الدامية مع الدعم السريع؟
تأسيس المتحرك
طيلة الأشهر الأولى من الحرب الأهلية التي انطلقت منتصف أبريل/ نيسان 2023، كان القتال يجرى بمعادلات شبه تقليدية بين جيشين شبه متكافئين في التنظيم والسلاح والتحالفات.
وذلك حتى قرر الجيش السوداني دفع قوات جديدة ذات طبيعة مختلفة إلى عمق المعركة. وهنا ظهر اسم "متحرك الصياد" لأول مرة على ألسنة المراسلين العسكريين والصفحات المناصرة للمؤسسة العسكرية على منصات التواصل.
ثم تسرَّب بالتدريج إلى بيانات المعارك وتصريحات القادة الميدانيين، وصولا إلى أن باتت اليوم على رأس قوائم الاستهداف لدى قوات الدعم السريع.
وفي 17 أبريل 2025 أوردت صحيفة "النيلين" المحلية السودانية، أنه مع تطاول أمد المعارك، بدأت قيادة الجيش تدرك أن الحرب ضد الدعم السريع صعبة ومعقدة؛ إذ تدور في الأحياء السكنية والمدن الكبرى؛ إذ تتفوق الدعم السريع في سرعة الحركة وخفة الانتشار، بينما تواجه الوحدات النظامية التقليدية صعوبة في المناورة داخل هذه التضاريس المعقدة.
وقالت مصادر عسكرية مطلعة لـ"النيلين ": إن التفكير في إنشاء قوة خاصة تحت اسم "متحرك الصياد" بدأ مطلع عام 2024 داخل دائرة ضيقة من قيادات الجيش العليا، بإشراف مباشر من رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وبدعم فني من هيئة العمليات في القيادة العامة.
وكان الهدف الرئيس من إنشاء "متحرك الصياد" يكمن في تكوين قوة صغيرة، مرنة، عالية التدريب، متخصصة في عمليات الاختراق السريع، والإغارة الليلية، والقنص، والرصد الميداني، مع قدرة عالية على العمل خلف خطوط العدو.
وبالفعل خلال شهور محدودة، باتت "متحرك الصياد" جاهزة للنزول إلى الميدان.

التشكيلات والهيكلية
وقد جرى انتقاء النواة الأولى لعناصر "الصياد" من نخبة قوات المظلات والصاعقة والاستخبارات الميدانية، وقوى مكافحة الإرهاب.
وأخضع هؤلاء لبرامج تدريبية مكثفة شملت سيناريوهات قتال المدن، حرب العصابات، والاستطلاع المسلح.
ورغم طابعها السري في بدايات التأسيس، بدأت تتكشف لاحقا تفاصيل أدق حول الهيكل التنظيمي المعقد الذي تقوم عليه "متحرك الصياد".
فهذه القوة الخاصة ليست مجرد وحدة عمليات واحدة، بل تجميع لعدة متحركات فرعية تعمل بتنسيق عال تحت المظلة العامة للقيادة العليا للجيش السوداني.
وتتكون القوة من نحو 30 متحركا فرعيا تنتشر في ولايات السودان، مدعومة بوحدات متخصصة لكل مهمة.
ويقدر قوام القوة الكلية المنتسبة إلى متحرك الصياد بنحو 20 ألف مقاتل، موزعين على عدة قطاعات ميدانية رئيسة.
كما تضم هذه المتحركات وحدات من جنود الدعم السريع السابقين الذين استسلموا للجيش، والبالغ عددهم نحو ألفين، جرى استيعابهم ضمن وحدات الاستخبارات الميدانية بعد أن منحوا ضمانات بحماية حياتهم وعائلاتهم وتخفيف إجراءات محاكمتهم مقابل تعاونهم.
وينقسم الهيكل القتالي لهذه المتحركات إلى وحدات استخبارات ميدانية جرى نشرها في كل ولايات كردفان ودارفور منذ أكثر من 4 أشهر لرصد تحركات الدعم السريع واختراق شبكاته.
ويتضمن الهيكل قوات هجومية خفيفة الحركة تعتمد بشكل كبير على الدراجات النارية (الموتر) والآليات الصغيرة، ووحدات هجومية مختلطة (خفيفة وثقيلة) تتولى تنفيذ الاقتحامات المباشرة والهجمات السريعة.
كما تتضمن قوات ارتكاز متقدمة تحتفظ بمواقعها قرب الخطوط الأمامية لضمان السيطرة على الأرض.
وهذا إضافة إلى قوات ارتكاز متأخرة توفر دعما احتياطيا واستقرارا لخطوط الإمداد الخلفية، وقوات تفتيش وتمشيط تلاحق بقايا جيوب الدعم السريع داخل المناطق المحررة.
وأيضا تضم وحدات إمداد خاصة تؤمن احتياجات الذخيرة والتموين وقطع الغيار على نحو متواصل.
وإلى جانب ذلك توجد قوات دعم من تشكيلات أخرى تساند "الصياد"، منها قوات الهجانة، والمشاة النظامية، وكتائب قوات البراؤون، والقوات المشتركة، وكتائب المستغفرين، ودرع السودان، ودفع الجزيرة.
ورغم التكتم الشديد حول هويات القادة الميدانيين، تؤكد المعلومات أن غرفة العمليات التي تدير تحركات "الصياد" ترتبط مباشرة بمكتب رئيس هيئة الأركان وقادة سلاح المدرعات والاستخبارات العسكرية.
ويعمل هؤلاء على توزيع المتحركات على عدة قطاعات ميدانية رئيسة تشمل، القطاع (22) في بابنوسة، والقطاع (16) في نيالا، والقطاع (21) في زالنجي، والقطاع (20) في الجنينة، والقطاع (6) في الفاشر.
وبهذا الهيكل المتشابك، نجحت "متحرك الصياد" في إدارة عمليات مرنة جمعت بين القوة النارية والمرونة الاستخباراتية، وهو ما سمح لها باختراق دفاعات الدعم السريع في عدة ولايات، وفرض سيطرة ميدانية واسعة خلال المرحلة الأخيرة.

دلالات وأبعاد
ومتحرك الصياد ليست مجرد وحدة عسكرية تقليدية تابعة للجيش، بل تحمل دلالات رمزية وعقائدية أعمق من مجرد حركتها الميدانية.
ولم يأت اختيار اسم “الصياد” عبثا؛ إذ يوحي منذ الوهلة الأولى بالطابع الهجومي المبادر، وبقدرة على الترصد والمباغتة واحتراف التتبع، وفق تحليل مطول نشرته صحيفة الراكوبة السودانية في 3 يونيو 2025.
وذلك في مقابل الخطاب المضاد الذي طالما صور الجيش السوداني في خطاب خصومه كقوة بطيئة، تفتقر إلى المبادرة الميدانية.
ومن هذا المنطلق، جاءت التسمية لتعكس رغبة في إعادة تقديم صورة الجيش على أنه يمتلك وحدات مختارة من النخبة، قادرة على المبادرة والخطف السريع للمواقع الحيوية في ساحة المعركة.
أما من الناحية الميدانية الصرفة، فقد أوضح التقرير أن متحرك الصياد كانت مدعومة بترسانة من الأسلحة الثقيلة شملت دبابات قديمة من طراز T-55 وT-62، إلى جانب راجمات صواريخ غراد أو ما يعادلها، مع وحدات مشاة محمولة ومدرعات دفع رباعي سريعة الحركة.
وهذا فضلا عن اعتماد واسع على الدراجات النارية في تنفيذ الهجمات الخاطفة داخل المناطق الحضرية أو في أطراف كردفان ودارفور.
ورجّح التقرير أن هذه القوة حظيت بدعم جوي ولوجستي من حلفاء إقليميين للجيش السوداني، مثل مصر ودول أخرى، سواء عبر تزويدها بالطائرات المسيرة أو توفير معلومات استخباراتية دقيقة دعمت تحركاتها في الميدان.
ولم تكن الأبعاد العقائدية بعيدة عن تركيبة المتحرك؛ إذ أشار تقرير الراكوبة إلى أن جزءا من هذا التشكيل العسكري تداخل مع عناصر إسلامية وأفراد من القوات المشتركة.
وهو ما أضفى على المعارك، خاصة في محور كردفان، بعدا أيديولوجيا واضحا ارتبط بالصراع الطويل حول هوية الدولة السودانية بين خطاب الدولة المركزية وخطاب "إعادة التأسيس" الذي يتبناه حميدتي وتحالفاته مع بعض الحركات المسلحة.
وفي خطاب 2 يونيو 2025، زعم حميدتي تمكن مليشياته من صد هجمات متحرك الصياد، ولم يكتف بالحديث عن انتصار ميداني، بل قدم المعركة كصراع سياسي وأيديولوجي على السلطة فيما وصفه بـ "جيش المرتزقة".
ثم وجه اتهامات حادة للجيش بالحصول على دعم خارجي من مصر والحرس الثوري الإيراني، وصولا إلى الزج بمرتزقة أجانب.
وهي اتهامات تبدو من جهة جزءا من الحرب الإعلامية، لكنها في الوقت ذاته تعكس قلق قيادة المتمردين من حجم التصعيد العسكري والإقليمي الذي بات يطوق تحركاتها.
واختتمت الراكوبة تحليلها بالإشارة إلى أن "متحرك الصياد" لم تكن مجرد مجهود عسكري لاستعادة زمام المبادرة في الغرب فحسب، بل محاولة طموحة لاختبار قدرة الجيش على شنّ عمليات هجومية نوعية بعد سلسلة انتكاسات ميدانية ماضية.

أبرز معاركها
ونفذت متحرك الصياد سلسلة عمليات عسكرية شكَّلت علامات فارقة في مسار الحرب داخل إقليم كردفان والمناطق الغربية من السودان.
واستعاد الجيش خلالها السيطرة على مواقع إستراتيجية كانت خاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع لعدة شهور.
ففي نهاية يناير/ كانون الثاني 2025، تمكنت متحرك الصياد من استعادة السيطرة على أم روابة، ثاني أكبر مدن ولاية شمال كردفان، بعد معارك شرسة مع قوات الدعم السريع التي حاولت عرقلة تقدم المتحرك عبر نصب الكمائن واستخدام الطائرات المسيرة.
وكانت قوات الدعم السريع قد سيطرت على أم روابة منذ سبتمبر/أيلول 2023، مستفيدة من موقعها الإستراتيجي الذي يبعد نحو 145 كيلومترا جنوب شرقي الأبيض عاصمة الولاية، وحوالي 480 كيلومترا جنوب غرب الخرطوم.
وتعد أم روابة مركزا تجاريا حيويا، وملتقى طرق يربط ولايات غرب السودان وجنوب كردفان بالعاصمة الخرطوم وميناء بورتسودان شرقي البلاد.
وبعد استعادة أم روابة، واصلت متحرك الصياد تقدمها غربا باتجاه مدينة الرهد، ثالث كبرى مدن شمال كردفان والمتاخمة لولاية جنوب كردفان.
وفي 17 فبراير/ شباط 2025 اقتحمت قوات المتحرك المدينة التي تعرف أيضا بإنتاجها للحبوب الزيتية والكركدي، وأعادت السيطرة عليها بعد طرد قوات الدعم السريع.
وفي محور الرهد، حرر ت قوات المتحرك عدة قرى إستراتيجية أبرزها سدرة وجبل الداير، واللتان كانتا تشكلان نقاط انتشار لقوات الدعم السريع قرب الحدود مع ولاية جنوب كردفان.
وفي سياق متصل، وثق العميد ركن عمر عبدالرحمن عمر باشري أن متحرك الصياد نجح في 23 فبراير/شباط 2025، بدخول مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان.
وكانت الأخيرة تخضع لحصار وعزلة منذ اندلاع الحرب؛ حيث بدأت المعارك هناك بمحاولات الدعم السريع استهداف مطار الأبيض، وتحديدا الطائرات المقاتلة التابعة لسلاح الجو السوداني.
وفي مقال تحليلي نشره العميد ركن عبد الرحمن عمر، لصحيفة "الأخبار" السودانية المحلية، في 24 مايو 2025، حول دور متحرك الصياد في مدينة الأبيض، ذكر بأن “فك الحصار يشكل علامة فارقة في سير عمليات حرب الكرامة، وضربة قوية لمن يقفون خلف المليشيا المتمردة تمويلا وإمدادا”.
كما واصلت متحرك الصياد لاحقا عملياتها باتجاه الغرب، وتمكنت من السيطرة على منطقة العيارة الواقعة على بعد 20 كيلومترا من مدينة الأبيض.
وشهدت العيارة مواجهات عنيفة مع قوات الدعم السريع انتهت بدحرها وإلحاق خسائر كبيرة بها بلغت نحو 70 قتيلا من عناصرها، إلى جانب عشرات الجرحى، وتدمير عدد كبير من المركبات والآليات القتالية.
وتواصل متحرك الصياد تقدمها في أعقاب معركة العيارة باتجاه محور مدينة النهود الإستراتيجي في غرب كردفان، في إطار عملية أوسع لاستعادة كامل الإقليم الغربي بالكامل من سيطرة الدعم السريع.

آليات العمل
وتركزت مهام "الصياد" في البداية على تنفيذ عمليات دقيقة خلف خطوط قوات الدعم السريع، مستفيدا من طبيعة عناصره المدربة على التحرك بخفة داخل الأحياء المكتظة التي تحولت إلى ساحات قتال مفتوحة.
وكانت أبرز عمليات "متحرك الصياد" تتمثل في تنفيذ كمائن لقطع خطوط الإمداد بين جنوب الخرطوم وأم درمان، واغتيال قادة ميدانيين داخل قوات الدعم السريع عبر فرق قنص متنقلة.
وأيضا تنفيذ ضربات خاطفة لمعسكرات الدعم السريع في سوبا شرق العاصمة الخرطوم، وطيبة والمهندسين في أم درمان
والمشاركة في تطهير المربع الإستراتيجي المحيط بقيادة الجيش من الجيوب المتبقية لمسلحي الدعم السريع.
وهو ما أكدته مصادر عسكرية لعدد من الصحف المحلية السودانية، أن قوات "الصياد" كانت تتحرك تحت تغطية معلومات استخبارية عالية الدقة، مع تنسيق مباشر مع غرف العمليات العليا في القيادة العامة.
وفي تصريحات لـ "الاستقلال"، قال الصحفي والمحلل السوداني محمد نصر: إن "متحرك الصياد" باتت خلال الشهور الأخيرة مصدر القلق الأكبر لقوات الدعم السريع.
وأشار إلى أن هناك جملة من العوامل التي ضاعفت من مخاوف قيادة الدعم السريع تجاه هذه القوة النوعية.
وأوضح نصر أن أبرز ما يخشاه الدعم السريع هو القدرة العالية لمتحرك الصياد على الحركة السريعة والمرونة الميدانية مقارنة بالوحدات التقليدية للجيش.
إلى جانب تفوقها في تنفيذ ضربات دقيقة ومباغتة تستهدف قادة ميدانيين في مواقع غير متوقعة، وهو ما أربك منظومة القيادة والسيطرة لدى الجنجويد (قوات الدعم السريع) في أكثر من جبهة.
وأضاف، أنه منذ لحظة ظهور متحرك الصياد في العمليات، بدأت الدعم السريع فقدان زمام المبادرة الهجومية التي احتفظت بها طويلا، واضطرت لأول مرة للتحول إلى وضعية دفاعية في عدد من المناطق الحيوية.
وأشار نصر إلى أن المخاوف لدى قيادة الدعم السريع تجلت بوضوح في خطاب حميدتي ( 2 يونيو 2025)، حين خص بالذكر متحرك الصياد، وعدها التهديد الأكثر إلحاحا لقواته في المرحلة الحالية من الصراع.
وعن مستقبل متحرك الصياد، أوضح نصر أن النقاشات داخل المؤسسة العسكرية السودانية باتت أكثر جدية حول مصير هذه القوة بعد انتهاء الحرب.
وقال: إن هناك تفكيرا فعليا في أن تتحول متحرك الصياد إلى نواة دائمة لقوات تدخل سريع داخل بنية الجيش السوداني.
وخاصة بعدما أثبت قدرتها الفائقة على إدارة المعارك في بيئات المدن المعقدة التي لطالما شكلت تحديا حقيقيا للقوات النظامية التقليدية.
وخلص نصر إلى أن تجربة متحرك الصياد ستظل واحدة من أهم التحولات في مسار الحرب.
وقال: إنه في بضعة شهور فقط، تمكنت هذه القوة الخاصة من قلب موازين الميدان في حرب معقدة تعد الأشد دموية في تاريخ السودان الحديث.
وتابع: بينما يسير السودان فوق خيط رفيع بين الحسم العسكري والتسوية السياسية، يبقى السؤال الكبير: هل ستظل متحرك الصياد استثناء مؤقتا أملته ظروف الحرب، أم أنها تشكل بداية لعصر جديد يعاد فيه رسم عقيدة الجيش السوداني وتوازناته لعقود قادمة؟