انتهاك إسرائيل القانون الدولي باعتراض السفينة "مادلين".. الدلالات والعواقب

منذ ١٥ ساعة

12

طباعة

مشاركة

الانتهاكات المنهجية التي ترتكبها إسرائيل ضد قواعد القانون الدولي تعد واحدة من أبرز القضايا التي تشغل في الوقت الراهن المجتمع الدولي.

ونشر مركز "سيتا" التركي مقالا للكاتب يوجال أجار، ذكر فيه أن "هذه الانتهاكات أصبحت واضحة وجريئة إلى درجة لم تُعاقب فيها إسرائيل على أفعالها، ما جعل الكثيرين يشككون في جدوى الدراسات التي تحلل (أفعال إسرائيل والقانون الدولي)". 

ومع ذلك، يظل الإصرار على إجراء هذه الدراسات وتوثيقها ضرورة لا غنى عنها، وذلك لأسباب جوهرية تتعلق بمستقبل العدالة الدولية.

إسرائيل إرهابية

وقال أجار: إن "الأسباب الأساسية لأهمية هذه الدراسات تكمن في احتمال تغيّر المعطيات الدولية على المدى المتوسط أو البعيد، مما قد يفتح المجال لمساءلة إسرائيل بأثر رجعي عن أفعالها". 

بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الدراسات قد توفر أدلة جديدة وقوية يمكن الاستناد إليها في الإجراءات القضائية القائمة ضد إسرائيل، سواء كانت قانونية أو جنائية.

وفي هذا السياق، انطلقت مطلع يونيو/ حزيران 2025 سفينة المساعدات الإنسانية "مادلين" من إيطاليا إلى غزة، وكانت تحمل على متنها 12 شخصا وشحنة من المساعدات، لكن في 9 يونيو اقتحمت قوات الاحتلال السفينة واختطفت المتطوعين على متنها. 

وشدد أجار على أنه “لم يكن هدف هذه الرحلة مجرد إيصال المساعدات إلى أهالي غزة الذين يعيشون تحت وطأة الحصار والإرهاب، بل كان الهدف الأسمى هو فضح محاولات إسرائيل المتكررة لمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، ونقل هذه الحقيقة إلى العالم أجمع”.

وأوضح أنه “تم تنظيم هذه الرحلة من قبل ائتلاف أسطول الحرية الذي يعمل منذ 2007 على كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة”. 

وشهدت الرحلة مشاركة شخصيات بارزة مثل الناشطة السويدية غريتا تونبرغ وعضوة البرلمان الأوروبي ريما حسن، "ما أعطى المهمة تغطية إعلامية واسعة وأعاد تسليط الضوء على المأساة الإنسانية في غزة".

ورأى أجار أن “حادثة اعتراض سفينة مادلين في المياه الدولية، والتي تحمل على متنها مساعدات إنسانية إلى غزة، تعكس الوجه الحقيقي للسياسة الإسرائيلية القائمة على الرفض القاطع لأي محاولة لكسر الحصار الظالم المفروض على الفلسطينيين”.

وأكد أنه “لم تعد هذه الممارسات مجرد حوادث عابرة، بل باتت جزءا من إستراتيجية ممنهجة تنتهك القانون الدولي وحقوق الإنسان بشكل صارخ”.

ولفت إلى أن “الاعتداء على سفينة مادلين في عرض البحر، برش مواد كيميائية مزعجة على الطاقم واحتجاز الركاب، يعكس ازدراء واضحا لكل القواعد والمواثيق الدولية التي تحكم حرية الملاحة وحقوق الإنسان”. 

استهتار واضح

وتجلت هذه اللامبالاة في التصريحات الاستفزازية لمسؤولي الحكومة الإسرائيلية، الذين وصفوا هذه المبادرة الإنسانية بأوصاف تهكمية ومثيرة للسخرية، وذلك في محاولة بائسة لتشويه صورة أي جهد يسعى لتخفيف المعاناة في غزة.

وتابع أجار: “أما الرد الدولي فلم يتأخر، حيث أدانت وزارة الخارجية التركية بشدة هذا التصرف في بيان رسمي، مؤكدة أن تدخل القوات الإسرائيلية في المياه الدولية ضد سفينة مادلين التي كانت تحمل مساعدات إنسانية ومواطنين أتراكا يعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي”. 

وأضاف البيان أن "هذا الهجوم الذي يهدد حرية الملاحة وأمن البحار يثبت مرة أخرى أن إسرائيل دولة إرهابية".

وتأتي حادثة اعتراض إسرائيل لسفينة مادلين في المياه الدولية لتسلط الضوء على استهتار واضح بالقانون الدولي وحقوق الإنسان. 

فإن حرية الملاحة في المياه الدولية مبدأ أساسي في القانون البحري الدولي، حيث تضمنته اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، التي تحدد بوضوح أن كل سفينة تخضع لسيادة الدولة التي تحمل علمها فقط، ولا يحق لأي دولة أخرى التدخل في شؤونها إلا في حالات محددة وصارمة جدا.

لكن ما قامت به إسرائيل من تعطيل لنظام الاتصال على متن السفينة، واستخدام زوارق هجوم لعرقلة مسيرتها وترهيب طاقمها، هو يعد خرقا صارخا لهذا المبدأ، يقول الكاتب أجار.

واستطرد: "ليس فقط لأن هذا التدخل وقع في المياه الدولية، بل لأن إسرائيل لم تُقدم أي دليل واضح يبرر فرض "حق الزيارة" (أي إيقاف السفينة وصعود أفراد عسكريين لتفتيشها) وفقا للشروط التي نصّت عليها الاتفاقية، كوجود شبهة معقولة في نشاط غير قانوني مثل القرصنة أو غيرها".

وشدد الكاتب التركي على أن “هذا التصرف الإسرائيلي لا يعكس فقط تجاهلا للقوانين الدولية، بل يُعدّ جزءا من سياسة ممنهجة تستهدف عزل قطاع غزة ومواصلة الحصار الذي يعاني منه سكانه”. 

وأضاف أن “هذا ما يجعل من الحادثة إشارة واضحة على أن إسرائيل تستمر في انتهاك حقوق الفلسطينيين دون مراعاة لأي قواعد أو معايير دولية”.

تجاهل مستمر

وأردف الكاتب أن “اتفاقيات جنيف، التي انضمت إليها إسرائيل، تحظر بشكل قاطع عرقلة وصول المساعدات الإنسانية، وتعد ذلك جريمة حرب”. 

وتابع: “بل إن استهداف المدنيين ومنع وصول المساعدات يشكل جريمة ضد الإنسانية.. وتدخل إسرائيل في سفينة مادلين يؤكد أن هذه السياسة مستمرة، وأن الحصار المفروض على غزة لا يتوقف عند حدود القوانين، بل يتجاوزها بوضوح”.

وأضاف الكاتب أن "الأمر الأشد خطورة هو تجاهل إسرائيل المستمر للقرارات الدولية الصادرة عن محكمة العدل الدولية التي طالبت بوقف الهجمات على المدنيين وفتح ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية". 

وأشار إلى أن “تصرف إسرائيل هذا يعكس موقفا مستهترا بالقانون الدولي، ويضعها في خانة الدولة التي تمارس الإرهاب المنظم بحق شعب محاصر”.

ولفت الكاتب النظر إلى أن "الهجوم الإسرائيلي على سفينة مادلين قد يُستَخدَم كدليل مهم في القضية المرفوعة ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بشأن الإبادة الجماعية، خاصة فيما يتعلق بمنع وصول المساعدات الإنسانية، وهو ما يعزز الاتهامات الموجهة لإسرائيل في هذا السياق".

كما أن هذا الهجوم يُعد على الأقل جريمة حرب، ما قد يفتح الباب أمام المحكمة الجنائية الدولية لفتح تحقيقات ضد المسؤولين الإسرائيليين الذين أصدروا أو نفذوا أوامر الهجوم. 

ومن المهم التذكير بأن السفينة "مادلين" مسجلة في المملكة المتحدة، ما يعني أنها تخضع للقانون البريطاني أثناء وجودها في المياه الدولية.

وأوضح الكاتب أنه “رغم أن إسرائيل ليست عضوا في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والذي يُنظّم عمل المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن المحكمة تملك صلاحية التحقيق لأن الجريمة وقعت على سفينة مسجلة في دولة عضو، وهي المملكة المتحدة”.

وتابع أجار خاتما مقاله بالتأكيد على أن “ذلك يمكن ملاحقة المتورطين من المسؤولين الإسرائيليين قضائيا”.