"زمن المشياح جاء ليقيم مملكة اليهود".. ماذا يقصد نتنياهو وما علاقة غزة؟
"يجب أن يصل العالم إلى حافة حرب كبرى، كي ينزل المشياح لينقذ العالم"
في 2 سبتمبر/أيلول 2024 أكد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عزمه على “سحق مقاومة غزة لأنها تنتهج عقيدة إسلامية تهدف لتدمير إسرائيل”، مبشرا الإسرائيليين بأنهم سينتصرون، وزاعما أن "زمن المشياح سيأتي".
نتنياهو قال مدغدغا أحلام الإسرائيليين وتيار الصهيونية المسيحية الأميركي: “أبشروا بقرب نزول المشياح”، في إشارة إلى المسيح المنتظر.
وتؤمن جماعات اليمين المتطرف التي تشارك في حكومة نتنياهو، بنزول "المشياح" وتعده "الملك الأخير من نسل داود الذي سيقيم مملكة الرب ويبني الهيكل مكان المسجد الأقصى".
حديث نتنياهو لم يكن سياسيا بقدر ما هو ديني، حاول فيه تبرير إطالة الحرب بحجج دينية، مغلفة بخطط عسكرية مثل رفض الانسحاب من "محور فيلادلفيا"، الذي وصفه بأنه "المحور الرباني" الذي سينقذ إسرائيل من “تهديد وجودي”.
كان امتدادا لوصفه الفلسطينيين بأنهم "أبناء الظلام"، والإسرائيليين بأنهم "أبناء النور"، وزعمه أنه يسعى لتحقق "نبوءة إشعياء" بنشر "الخراب" في أرض الأعداء.
من هو المشياح؟
المشياح (بالعبرية) Mashiach هو المُخلص أو المُحرر، ويقصد به "المسيح المنتظر"، الذي تؤمن جماعات اليمين المتطرفة بعقيدة إنه الملك الأخير من نسل داود الذي “سيقيم مملكة الرب الأخيرة”، وفق صحف إسرائيلية.
وتؤمن هذه الجماعات الصهيونية المتطرفة، أتباع ما يعرف بـ"العقيدة الخلاصية"، بأن الزمن الحالي هو “زمن قدوم المسيح المنتظر”.
ترى أنه يجب أن يصل العالم إلى حافة حرب كبرى، كي "ينزل الرب المسيح لينقذ العالم"، لذا فهي تشجع على استمرار حرب الإبادة في غزة وتوسيعها لتطال لبنان وإيران وغيرها، متصورة أن “هذا هو زمن المشياح”.
وتستعد الحركات الصهيونية الخلاصية حاليا لقدوم “المشياح”، بمراسيم توراتية منها: تربية البقرات الحمراء لذبحها وتطهير اليهود برمادها، وتجهيز الكهنة ومعدات المعبد اللازمة.
ويقول الباحث في شؤون التراث "أحمد الأقطش": إن معنى كلمة المسيح في العهد القديم (التوراة) هي "مَشِيح"، من الفعل "مَسَحَ"، وتعني: الممسوح بالزيت (طقس ديني لتنصيب الأشخاص).
أوضح، عبر سلسلة تغريدات أنه "لما طلب بنو إسرائيل من النبي شموئيل أن يجعل لهم ملكًا، أوحى الله إليه أن يمسح (بالزيت) رجلا من سبط بنيامين رئيسا عليهم، وكان الرجل هو شاول (طالوت).
والنبي شموئيل، هو قائد في مملكة إسرائيل القديمة ورد اسمه في سفر صموئيل بالتوراة، وأُشير إليه في القرآن بدون ذكر اسمه، وهو الذي قال له بنو إسرائيل: "ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله".
ويعد الإيمان بـ “المشياح” والالتزام بانتظار مجيئه، هو أحد المعتقدات الراسخة التي يتمسك بها اليهود المتشددون، وأحد أركان الديانة اليهودية الثلاثة عشر التي ألفها موسى بن ميمون، كبير الحاخامين اليهود في العصور الوسطى.
وتتلى هذه الأركان يوميا بعد صلاة الفجر، حيث يرد في الركن الثاني عشر منها: "أنا مؤمن إيمانا كاملا بمجيء المشياح وعلى الرغم من أنه قد يتأخر، فإنني سأنتظر مجيئه في كل يوم"، وفق موقع "شاباد"، الديني اليهودي.
وكانت كلمة "المشياح" تُطلق في العصور القديمة على ملوك إسرائيل الذين تم مسح رؤوسهم بالدهن المقدس، خلال مراسم تتويجهم، ومن هنا فإن صفة "هَامَشِيَاحْ" أي المسيح، اشتقت من الفعل "مَشَحْ" بالعبرية، أو "مَسَحَ" بالعربية.
وترد كلمة "هامشياح" في التاريخ اليهودي كصفة لـ "ملك عادل يحكم العالم مبعوث من قبل الرب لينقذ الشعب اليهودي"، مع هذا يهددون بالحرب والخراب ومحو "الأعداء"، رغم أن هذا "المشياح" يفترض أن ينشر العدل في العالم كله.
دور مهم
من جانبه قال موقع "باي فيث" الإسرائيلي في 15 يونيو/حزيران 2024، إن حاخام ومستشار نتنياهو الديني "مناحيم مندل شنيرسون"، والذي لديه نفوذ في البيت الأبيض الأميركي، "أخبر نتنياهو أن الرب يعد له دورا مهما في المستقبل".
أكد أن هذا الحاخام أخبر نتنياهو في لقاء خاص بأنه "سيكون آخر رئيس وزراء لإسرائيل، وأنه هو الذي سيسلم الصولجان للمسيح"، وعندما أصبح نتنياهو رئيسا لوزراء إسرائيل، شعر الكثيرون بأن هذا يؤكد صحة ما ذهب له الحاخام!.
“وعندما التقى هذا الحاخام نتنياهو، بعد توليه رئاسة الوزراء، ذكره بوظيفته في القيام بشيء ما لتسريع مجيء المسيح والمضي قدما في إرادة الله”، وفق الموقع العبري.
ويدور تقرير الموقع الإسرائيلي حول "من الذي طلب من نتنياهو أن يجهز إسرائيل للمسيح، وأين سيبنى الهيكل الثالث، وماذا سيحدث لقبة الصخرة والمسجد الأقصى؟" كجزء من ترتيبات الاستعداد لهذه المرحلة.
أيضا تؤمن طائفة "شاباد" أو "حباد"، وهي إحدى المجموعات اليهودية المتطرفة التي تعتنق فكرة "المشياح"، والتي تدعو لتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل مكانه، أن نتنياهو هو آخر رئيس وزراء إسرائيلي، قبل تسليم الحكم إلى "المشياح".
وقد ظهر أنصار هذه الطائفة وهم يرفعون علمهم أثناء هجوم مليشيات صهيونية على خيم الطلاب الأميركيين المتظاهرين، الداعمين لغزة، في جامعة كولومبيا، ومكتوبا عليه "moshiach"، و"تاج".
ويرمز التاج في علم طائفة الشاباد اليهودية المتطرفة، التي تم اكتشاف أنفاق تبنيها في نيويورك في مايو/ أيار 2024 أثارت جدلا، إلى "ملك إسرائيل" القادم، أي المشياح.
ولكن ماذا يعني تبني نتنياهو لخطاب التيار اليميني اليهودي المتطرف حول "قرب نزول المشياح"؟ وهل يفسر هذا سر رفضه وقف الحرب لحين مجيء المشياح؟
الدكتور "عبد الله معروف" أستاذ دراسات بيت المقدس، ومسؤول الإعلام والعلاقات العامة السابق بالمسجد الأقصى يرى أن حديث نتنياهو عن المشياح هو إعلان واضح عن إيمانه بأفكار التيار الخلاصي.
وهي الأفكار، التي تدعي ضرورة جر العالم إلى حرب كبرى حتى "يضطر" الرب لإنزال المسيح.
أكد أن جماعات اليمين الصهيوني الديني المتطرف أتباع ما يعرف بالعقيدة الخلاصية تؤمن بأن هذا الزمن “هو زمن قدوم المسيح المنتظر”.
بناء الهيكل
من جهتها، أشارت دراسة نشرتها صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية اليسارية في 29 أغسطس/آب 2024، إلى تجهيز هذه الجماعات المتطرف الساحة لقدوم "المشياح" خاصة تفعيل خطة بناء الهيكل وهدم المسجد الأقصى.
وأكدت أن اليمين الصهيوني المتطرف الذي يوجد حاليا في السلطة بحكومة نتنياهو، جاد للغاية بشأن إعادة بناء الهيكل، فهو يجند الكوهانيم (أي الكهنة من نسل هارون في التوراة).
كما أنهم يربون البقرات الحمراء ويسرعون بالمخططات المعمارية للهيكل، “وأي شخص يعتقد أن بن غفير ورفاقه يريدون فقط الصلاة في الحرم القدسي الشريف فهو واهم لأن المشروع الكبير (بناء الهيكل) قيد التنفيذ بالفعل”، وفق "هآرتس".
أكدت أن الطموح لبناء الهيكل الثالث، محفور في قلوب اليهود منذ 2000 عام، ولكن لم تكن هناك خطة عملية لتنفيذه، وذلك بسبب المحظورات الدينية التي تقول "لا ينبغي لليهود أن يصعدوا الحرم القدسي وفق التلمود.
لكن الآن الطريق ممهد بعدما وصلت مجموعة من الإرهابيين اليهود إلى أروقة السلطة في إسرائيل، تضيف هآرتس.
حيث يرى هؤلاء أن الحرم القدسي هو "تجسيد للهوية الوطنية اليهودية" الجديدة، التي يتداخل فيها العنصر الديني بشكل عميق، ويعتقد أعضاؤها أن نشاط الحركة السرية لهدم الأقصى وفشلها في تفجيره يعود لتعجلها، ولكن الجهود لم تتوقف.
فعلى مدى العقدين الماضيين، تم إنشاء عدد متزايد من المنظمات لتعزيز هذا الهدف، وبُذلت محاولات ناجحة لتوحيدها، مثل إنشاء "المنتدى المشترك لمنظمات جبل الهيكل" في عام 2012.
أيضا حدث انقلاب في الموقف الرسمي للحركة الصهيونية الدينية، فبينما كانت الصهيونية الدينية في الماضي تدعم القرار الحاخامي الذي يمنع الصعود لزيارة الحرم القدسي لأسباب تتعلق بالنجاسة، لكنها الآن تخلت عن هذا النهج.
فبعدما كانت تجري مجرد زيارات قليلة في الماضي، شهد عام 2023 زيارات وصلاة من قبل أكثر من 50 ألف يهودي، وفقا لمنظمة "بيدينو" (العودة إلى جبل الهيكل).
وكل ذلك تحت رعاية حكومة نتنياهو، وتحت قيادة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وهي زيارات تضاعفت خلال عام 2024 وأصبحت لا تقتصر على الزيارة، بل والصلاة والسجود الملحمي.
وتقول "هآرتس" إن زيارة جبل الهيكل شيء، والاستعدادات العملية لبناء وتشغيل معبد جديد شيء آخر تماما، فالكهنة الذين من المفترض أن يتولوا عمل تشغيل الهيكل يستعدون ويتدربون لهذا اليوم.
وتضيف: لقد تم خياطة ثيابهم، وصُنعت الآلات الموسيقية والكهنوتية وأدوات العمل الخاصة بهم، كل ذلك وفقا للتعليمات الدقيقة المنصوص عليها في التوراة.
ومبنى المعبد، وفق وصف المهندس المعماري يوروم جينسبيرج، الذي يقع بالقرب من الحي اليهودي، سيحتوي على نظام تدفئة ومواقف سيارات تحت الأرض.
"لكن المشكلة الرئيسة التي تعرقل كل شيء حتى الآن هي العثور على بقرة حمراء للذبح، يستخدم رمادها في تطهير بني إسرائيل وتمكينهم من الصعود إلى جبل الهيكل، وهي على وشك أن تحل أيضاً"، وفق هآرتس.
قالت إن "زمن بن غفير يمثل بالنسبة للعديد من المنتمين إلى الحركات المتطرفة فترة المعجزة والفرصة، فقد أصبحت نظرية المراحل التي تهدف إلى إقامة الهيكل بأي ثمن، عملية وتتقدم بالفعل".
وقد وصف الدكتور عبد الله معروف ما نشرته صحيفة "هآرتس" بأنه يكشف أن ما يتحدث عنه بن غفير وأقطاب تيار الصهيونية الدينية ليس مجرد أمنيات، بل هو تخطيط.
وما كان يُسمع في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي عن تحضيرات جماعات متطرفة لأدوات المعبد وملابس كهنة المعبد وكل ما يخص المعبد، لم يعد مجرد أحلام وردية لمتطرفين، بل تحول إلى وقائع على الأرض.
ورأى "معروف" أن إعلان وزير الأمن القومي المتطرف بن غفير عن نيته بناء كنيس داخل الأقصى، هي حلقة من حلقات تغير الوضع زمنيا ومكانيا للمسجد.
أكد أن المتطرفين الصهاينة شرعوا بالفعل على بناء ذلك الكنيس، وأن الحرب في غزة والاقتحامات في الضفة الغربية والانتهاكات في القدس هي جزء من المخطط لتغيير الوضع الكلي في فلسطين والقضاء على المقاومة.