يبتزهم ويمتص دماءهم.. هكذا حصد العرجاني 88 مليون دولار من أهالي غزة

داود علي | 7 months ago

12

طباعة

مشاركة

إبراهيم العرجاني، رجل وحيد يقف وراء معبر رفح الحدودي الفاصل بين مصر وقطاع غزة المنكوب، منذ العدوان الإسرائيلي في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وبات العرجاني ومن معه أشبه بـ "زبانية" يمنعون من يريدون ويسمحون بالعبور لمن شاءوا. وفيزا العبور هنا ليست وثائق وأوراقا فحسب، بل دولارات، من يريد النجاة بحياته من أهل غزة عليه أن يقدمها لهم. 

تاجر حرب 

العرجاني الذي يقود مجموعته، تتقاطع عنده كل خطوط المال والأعمال والسلطة والعلاقات الدولية، بعد أن تحول خلال أقل من عقد، من طريد سابق للعدالة والسلطة إلى قائد مليشيات من القبائل السيناوية (اتحاد قبائل سيناء) تساعد الجيش في حربه ضد الجماعات المسلحة.

وأصبح هذا الرجل من أقرب المقربين لرئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس جهاز المخابرات العامة عباس كامل، حيث يساعد الجهاز في تنفيذ مهام بعينها، لا سيما العمليات غير القانونية.

هناك مصطلح شهير يطلق على من يستغلون مصائب البشر ودمار المدن كمغانم، إذ يعرفون بتجار الأزمات وأغنياء الحروب. 

ينطبق ذلك على عملية إخراج الفلسطينيين من غزة إلى مصر، ومن يقف وراءها، حيث جنوا أموالا طائلة منذ بداية العدوان حتى الآن.

وهو ما كشفه تحقيق استقصائي أجرته صحيفة "ذا تايمز" البريطانية، في 27 أبريل/ نيسان 2024، حيث تطرق إلى تفاصيل بيزنيس العرجاني ورجاله، الذين يشرفون على تلك العملية. 

وقالت: "إن شركة (هلا للاستشارات والخدمات السياحية) المملوكة لإبراهيم العرجاني، حققت قرابة 88 مليون دولار على مدار أسابيع، من خلال الفلسطينيين اليائسين الراغبين في مغادرة غزة، بعد أن تحصلت على 5 آلاف دولار عن كل شخص منهم".

وذكرت أن سبيل خروج الغزيين يأتي ضمن قائمة يحضر أفرادها إلى معبر رفح الحدودي، حيث يكون بمقدورهم بعد ذلك مغادرة غزة إلى مصر، لكنهم لا يسافرون كلاجئين، بل عملاء يدفعون ثمن خروجهم من دائرة الحرب المستمرة. 

سبيل النجاة

وأكملت الصحيفة البريطانية، أن مسألة الخروج من غزة تبدأ من تواصل أحد أفراد الأسرة المباشرين مع الشركة لتسجيل أسماء من يرغب في إخراجهم لدى مكتبها الرئيس في منطقة مدينة نصر شرقي القاهرة أو من ينوب عن هذه الأسرة بموجب توكيل.

وعقبت أن الأمر لا يكون بهذه البساطة، فأحيانا يتطلب الأمر محاولات عدة قبل الوصول إلى مكتب الاستقبال وتسليم مبلغ الـ 5 آلاف دولار نقدا عن كل مسافر بالغ، لتتم عملية التسجيل.

ومع ذلك، وبموجب قاعدة جديدة جرى إدخالها في 12 مارس/آذار 2024، لم تقبل "هلا" التسجيل إلا من الأقارب المباشرين فقط.

لكنها قدمت إغراء لزبائنها المضطرين باستثنائهم من هذه القاعدة، لقاء دفع مبلغ إضافي نقدي قدره 1500 دولار.

ليصل المبلغ في هذه الحالة إلى 6500 دولار لكل شخص، على أن ينتظر المعنيون أحيانا ثلاثة أسابيع أو أكثر قبل ظهور أسمائهم في القائمة المعتمدة.

وعبرت الصحيفة البريطانية عن تلك الحالة قائلة: "بالنسبة للفلسطينيين الذين ما زالوا محاصرين في رفح، قد تكون (هلا) أملهم الوحيد في النجاة ومغادرة القطاع".

و"هلا" من شركات عدة تعمل تحت مظلة "مجموعة العرجاني" التي يملكها رجل الأعمال المصري الذي تحول إلى قائد مليشيا تسمى "اتحاد قبائل سيناء" تخضع لإشراف الجيش والمخابرات العامة.

ويلقب العرجاني بـ "غول سيناء" وحديثا تم تلقيبه بمسمى جديد هو "ملك المعبر"، بسبب نفوذه الفريد على شبه الجزيرة ونقطة الدخول والخروج الوحيدة إلى غزة.

وتأسست شركة "هلا" عام 2019 لتقديم خدمة نقل مميزة VIP من غزة إلى مصر، بتكلفة بين 350 دولارا و1200 دولار.

وبسبب هذه الخدمة تمكن من استفادوا منها من تجنب الانتظار الطويل للحصول على الموافقة، وعناء رحلة شاقة تمتد بين يوم وثلاثة أيام عبر شبه جزيرة سيناء للوصول إلى القاهرة يتخللها عدة نقاط تفتيش. 

ويستخدم سكان غزة الميسورون هذه الخدمة لتسهيل سفرهم، وقد اعتمد عليها من يحتاجون إلى ضمان وصولهم في تاريخ محدد، كالطلاب أو المرضى أصحاب الحالات الطارئة، على سبيل المثال.

موت في صمت 

وفي 12 فبراير/ شباط 2024، نقل موقع "مدى مصر" المحلي، شهادات 15 فلسطينيا ومصريا، تواصلوا مع سماسرة العرجاني، للسؤال عن المغادرة من غزة.

ونجح آنذاك اثنان منهم في مغادرة القطاع بدفع 5 آلاف دولار لكل منهما كرسوم، بينما قال ثلاثة إنهم تعرضوا لعمليات نصب وخداع من سماسرة السفر، فيما كان آخرون يحاولون يائسين جمع الأموال.

وقالت رشا الفلسطينية التي تكافح من أجل إطعام أطفالها داخل خيمة في دير البلح بغزة: "نحن نموت في صمت". 

وذكرت أنها اتصلت بالوكالة المصرية الأكثر شهرة، "هلا للسياحة"، فقال لها أحد الوكلاء إنها ستحتاج إلى دفع ما مجموعه 40 ألف دولار، لزوجها الفلسطيني وأطفالها الثلاثة للحصول على "تنسيق مصري".

وعقبت: "لا يمكننا بأي حال من الأحوال تحمل هذا المبلغ، ومعظم أهل غزة لا يستطيعون تحمل مثل هذه التكلفة".

وفي 31 يناير/ كانون الثاني 2024، قال أحمد بن شمسي، مدير الاتصالات الإقليمي في هيومن رايتس ووتش، "إن مسألة استغلال أزمات معبر رفح ليست وليدة الأزمة الأخيرة، ففي عام 2022، جمعنا بالفعل شهادات حول ضباط مصريين، يبتزون الفلسطينيين للسماح لهم بالخروج من رفح".

وأضاف: "لكن التقارير الجديدة عن ارتفاع معدلات الرشوة في هذه الأوضاع، لأولئك اليائسين للمغادرة هو أمر محبط". 

وندد ابن شمسي بالقصف الإسرائيلي المستمر و"الحراسة الجشعة" لمصر على الحدود، حيث أصبحت "التنسيقات المصرية" هي السبيل الوحيد للخروج.

فبحسب وائل أبو عمر، الناطق الرسمي باسم جهة رفح من المعبر الفلسطيني، في مقابلة مع الصحفيين يوم 11 يناير 2024، يوجد نحو 200 فلسطيني ومصري يعبرون رفح بكشف يومي عبر شركة التنسيق "هلا" المملوكة للعرجاني.

ملك المعبر

وإبراهيم العرجاني الذي بات ملقبا بـ "ملك المعبر" ويتحكم في دخول وخروج الفلسطينيين ليس شخصا عاديا في بنية النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي. 

فسبق أن أدخل السجن عام 2008، وتعرض لتعذيب شديد، بعد اختطاف ضباط شرطة انتقاما لمقتل شقيقه رميا بالرصاص. 

وبعد إطلاق سراحه عام 2010، أنشأ "شركة أبناء سيناء للإنشاءات"، من أجل تأمين طرق الشاحنات عبر شبه الجزيرة، على أساس التحالفات القبلية. 

واليوم، تنشط الشركة في توصيل المساعدات إلى غزة، وسبق أن حصلت على عقد بقيمة 500 مليون دولار من الحكومة المصرية لإعادة بناء غزة عام 2021.

وفي عام 2015، أسس العرجاني شركة تملك الدولة معظم أسهمها تحت اسم "مصر سيناء للتنمية الصناعية والاستثمار". 

كما أنشأ في الوقت نفسه مليشيا تدعمها القوات المسلحة المصرية، لمكافحة التهديد المتزايد الذي تمثله الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيم الدولة في المنطقة.

كما أن العرجاني هو الراعي الرئيس للنادي الأهلي لكرة القدم، الذي يعد الأكبر في إفريقيا، ويدير صالة عرض شركة السيارات الألمانية العملاقة "بي أم دبليو" BMW في القاهرة.

وذكرت صحيفة "التايمز" البريطانية أنه يشارك في برنامج "رؤية 2030" الذي أطلقه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

ومن غزة والسعودية إلى ليبيا، ففي 18 مايو/أيار 2023، عقد رئيس حكومة الوحدة الليبية، عبدالحميد الدبيبة، اجتماعا مع وفد مصري رفيع المستوى، ضم رجال أعمال، ومسؤولين من جهاز المخابرات المصرية.

كان الهدف الرئيس المعلن من اللقاء، الكشف عن ملامح مقاربة مصرية جديدة في ليبيا، تقوم على ركنين أساسيين، أحدهما أمني والآخر اقتصادي.

لكن اللافت في اللقاء الذي جمع الدبيبة بالمسؤولين المصريين، ظهور رجل الأعمال المصري، المقرب من الأجهزة الأمنية، إبراهيم العرجاني الذي تنفذ شركاته الكثير من المشروعات الخاصة بتلك الأجهزة داخل وخارج مصر.

علاقته بإسرائيل 

واللافت أن الرجل الذي يتحكم في المعبر وفي حياة الفلسطينيين المحاصرين، تواردت أنباء أن له علاقات لافتة بإسرائيل. 

ففي 8 فبراير/شباط 2024، وفي ذروة العدوان على غزة، نشر حساب ناشط على منصة "إكس" باسم، محمد فتحي، صورة لابنة العرجاني، قائلا: "طيبة، ابنة إبراهيم تعالج بسرية تامة في مستشفى هداسا عين كارم في فلسطين المحتلة بالقدس".

وأضاف: "ذلك إثر حادث توفيت فيه ابنة أخ العرجاني (مضعان) وأكثر من شخص أصيب ووصلت إلى القدس للعلاج في 25 يناير".

وأرجعت القناة السابعة العبرية أن إسرائيل وافقت على السماح لابنة رجل الأعمال المصري بتلقي العلاج لديها "في مبادرة غير عادية في هذه الفترة".

وأشارت إلى أن موافقة الحكومة الإسرائيلية "تعكس رغبتها في الحفاظ على علاقات وثيقة مع مصر".

وذكرت أن التوترات بين القاهرة وتل أبيب تصاعدت في الآونة الأخيرة على خلفية المطالبات الإسرائيلية بالسيطرة على محور فيلادلفيا الحدودي بين الجانب المصري وقطاع غزة.

ونقلت أن السيسي رفض تلقي اتصال هاتفي من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

لكن بادرة علاج أفراد من عائلة العرجاني في القدس المحتلة، "ستسهم في كسر حالة التوتر، وإبداء حسن النية"، بحسب "القناة السابعة".

وعلاقة السيسي بالعرجاني ليست خفية أو تدار عبر أجهزة، فقد حرص السيسي على لقائه “ضمن مجموعة من أفراد قبائل سيناء في 13 مايو 2015، وظهر في صورة نشرتها وسائل الإعلام وهو يبحث معه ملفات شبه الجزيرة”.

كما التقاه السيسي مرة أخرى في 15 يوليو/تموز 2021 خلال اجتماعه مع رجال أعمال، وعينه سفيرا من سفراء مبادرة "حياة كريمة"، بحضور رئيس المخابرات العامة عباس كامل.