ردا على مسيرة "الحوثي".. لماذا اختارت إسرائيل ميناء الحديدة كمحطة انتقام؟
"الشعب اليمني سيتجاوز هذا التحدي كما تجاوز التحديات خلال السنوات الماضية"
شنت 20 مقاتلة إسرائيلية في 20 يوليو/ تموز 2024 غارات استهدفت محطة توليد الكهرباء ومحطة تكرير النفط في ميناء الحديدة اليمني، بالإضافة إلى مقر شركة النفط في المحافظة الواقعة غرب البلاد.
وذلك ردا على الهجوم الذي نفذته جماعة الحوثي بطائرة مسيرة على تل أبيب وأسفر عن مقتل إسرائيلي وإصابة آخرين.
اللافت للأنظار، أن الرد الإسرائيلي جاء مستهدفا مواقع مدنية حساسة مثل ميناء الحديدة ومعامل تخزين النفط، وهي ما تمثل شريان حياة لملايين اليمنيين القابعين تحت سيطرة الحوثيين.
صحيفة "إيل بوست" الإيطالية، بدورها، سلطت الضوء على هذه الجزئية، مؤكدة أن هذه الضربة تؤثر على قطاعات حيوية عديدة بشمال اليمن مثل نقل المواد الغذائية وتشغيل المستشفيات.
ويحكم الحوثيون في مناطق يسكن فيها قرابة 15 مليون نسمة يمثلون 50 بالمئة من إجمالي سكان البلاد البالغ 30 مليونا، فيما تسيطر الحكومة على مناطق يعيش فيها نحو 12 مليونا بنسبة 40 بالمئة، وبقية المناطق يقطن فيها قرابة 3 ملايين نسمة يمثلون 10 بالمئة من السكان، وهي تحت نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي.
توتر غير مسبوق
وقد طارت الطائرة المسيرة الحوثية، التي حددها جيش الاحتلال على أنها من طراز "صماد-3" ومصنوعة في إيران وتم تعديلها ليكون لها مدى طويل، لأكثر من 10 ساعات للوصول إلى هدفها في داخل إسرائيل.
وزعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أن الطائرة بدون طيار تم تحديدها، لكن خطأ بشريا أدى إلى عدم التعامل معها من قبل الدفاعات الجوية.
من جانبه، أدلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتصريحات متلفزة قال فيها "من يلحق بنا الأذى سيدفع ثمنا باهظا جدا لعدوانه".
وقد تسبب الرد الإسرائيلي على هجوم المسيرة اليمنية في اندلاع حرائق كبيرة في الميناء، كما أسفرت الغارات عن مقتل 3 أشخاص وإصابة 80 آخرين.
وقال مسؤولون إسرائيليون إنه تم مسبقا إبلاغ الولايات المتحدة وحلفاء آخرين بالغارات على الحديدة، في حين قالت الولايات المتحدة إنها لم تكن طرفا فيها.
وهذه هي المرة الأولى التي تنفذ فيها إسرائيل عملية عسكرية علنية ضد الحوثيين بعد أشهر من الهجمات التي يشنونها خاصة ضد سفن الشحن المارة من البحر الأحمر والمرتبطة بالاحتلال نصرة لأهل غزة.
من جانبها، توعدت جماعة الحوثي بأن العدوان الذي نفذه جيش الاحتلال على اليمن "لن يمر دون رد مؤثر"
وقال المتحدث العسكري باسم الجماعة اليمنية، يحيى سريع، إن الغارات التي شنها الاحتلال نالت أهدافا مدنية.
وأكد أن الجماعة سترد على الغارات، مشيرا إلى أنها "تعد العدة لحرب طويلة مع هذا العدو حتى انتهاء العدوان على غزة ورفع الحصار".
وتابع سريع: "الشعب اليمني سيتجاوز هذا التحدي كما تجاوز التحديات خلال السنوات الماضية".
مواجهة نوعية
وفي إشارة إلى التداعيات الفورية المحتملة لهذا العدوان الإسرائيلي على اليمن، قالت الصحيفة الإيطالية إن إسرائيل تعتقد أن إيران تستخدم الميناء لتزويد الحوثيين بالأسلحة.
وقد أطلقت الجماعة حوالي 200 صاروخ وطائرة مسيرة نحو الأراضي المحتلة في الأشهر الأخيرة.
وأشارت إلى أن الحوثيين لطالما أعلنوا مسؤوليتهم عن هجمات ضد إسرائيل نصرة ودعما للقضية الفلسطينية وقطاع غزة المحاصر الذي مازال يتعرض لقصف إسرائيلي يستهدف المدنيين بشكل خاصة منذ نحو عشرة أشهر.
وقد أصابت المسيرة التي أطلقها الحوثيون على تل أبيب مبنى يقع بالقرب من السفارة الأميركية، وتسبب في مقتل شخص وإصابة أخرين.
من جانبها، ثمنت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وباركت في بيان هذه العملية العسكرية النوعية والتي استهدفت من خلالها قلب مدينة تل أبيب.
وشددت على أن "ما يقوم به الإخوة في اليمن، وجبهات المقاومة في لبنان والعراق، ومواصلتهم استهداف المصالح والعمق الصهيوني، هو حق أصيل لمقاومة أمتنا وشعوبها لمواجهة التغول الصهيوني الفاشي وعربدته في المنطقة".
وأضافت أن ذلك "تأكيد على وحدة الأمة والمصير المشترك الذي يجمعها، والذي يشكل عنوان خلاصها من الهيمنة الصهيونية الاستعمارية".
ويعد هجوم جماعة الحوثي الأول من نوعه ضد المدينة منذ بداية العدوان على قطاع غزة في أكتوبر الماضي.
قبل ذلك استُهدفت تل أبيب بشكل أساسي بالصواريخ، فيما اعترضت الدفاعات المضادة دائما الطائرات بدون طيار والصواريخ التي تطلق باتجاه المدينة.
وفي الأشهر الأخيرة كثف كل من الحوثيين وحزب الله اللبناني المدعومين من إيران، هجماتهم ضد إسرائيل وأهداف غربية "نصرة للشعب الفلسطيني".
بينما لاحظت الصحيفة أن هجوم الجمعة الفارط ضد تل أبيب جاء بعد ساعات قليلة من مقتل أحد قادة حزب الله في جنوب لبنان في غارة نفذها طيران قوات الاحتلال الإسرائيلي الخميس 18 يوليو.
وقد أسفر الهجوم عن مقتل 6 أشخاص من بينهم قائد ميداني في وحدة الرضوان، قوات النخبة التابعة لحزب الله.
تداعيات محتملة
وفي السياق، حذرت الصحيفة الايطالية من تداعيات محتملة للهجوم الإسرائيلي على ميناء الحديدة وإمكانية توسع الصراع خاصة على الشعب اليمني.
لا سيما في ظل ما يعيشه منذ فترة من صعوبات نتيجة أزمة إنسانية طويلة وحادة تسببت فيها ولا تزال الحرب الأهلية المستمرة في البلاد منذ سنوات.
وقالت إن "جزءا كبيرا من السكان اليمنيين على ما يصلهم من مساعدات خارجية للبقاء على قيد الحياة".
يذكر أن مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين كانت قد نشرت في مارس/آذار 2024 منشورا على منصة "إكس" قالت فيه إن "الأزمة باليمن هي إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في العالم".
وأشارت إلى أن هذه "الأزمة تسببت في 4.5 ملايين نازح داخليا، بينما 18.2 مليون شخص في حاجة للمساعدات". بالإضافة إلى وجود "نحو 70 ألف لاجئ وطالب لجوء تستضيفهم البلاد".
وشددت بأن "هناك حاجة لاستمرار الدعم الدولي لليمن أكثر من أي وقت مضى".
في الأثناء، ترجح الصحيفة أن يؤدي تدمير محطات تخزين النفط إلى انخفاض إمدادات الوقود في شمال البلاد مما قد يؤثر بشدة لا على نقل المواد الغذائية فحسب، بل أيضا على المولدات المستخدمة في المستشفيات.
ولهذا السبب، لفتت إلى هرولة العديد من سكان الحديدة منذ اللحظات الأولى التي تلت الهجوم مباشرة إلى محطات الوقود للتزود بهذه المادة خشية نفادها في الأيام القليلة المقبلة.