"دولرة الخبز".. ضربة اقتصادية جديدة تقصم ظهر اللبنانيين

3 months ago

12

طباعة

مشاركة

بدأ ناقوس الخطر يقرع مع تلقي الأمن الغذائي في لبنان ضربة جديدة عبر رفع الدعم عن الخبز؛ ما يضر قطاعات متعددة تعاني أصلا من وطأة الانهيار الاقتصادي للبلاد المستمر منذ عام 2019.

وأعلن رئيس نقابة الأفران والمخابز العربية في بيروت وجبل لبنان ​ناصر سرور​، أن دعم الطحين في لبنان سيرفع في 10 سبتمبر/ أيلول 2024 "مما سينتج عنه زيادة في سعر ربطة الخبز بنحو 5000 ليرة لبنانية".

وقال سرور في لقاء صحفي في 17 أغسطس/ آب 2024، إنه سيصبح سعر ربطة الخبز بعد رفع الدعم 65 ألف ليرة كحد أقصى، وذلك بحسب أسعار القمح والطحين والنايلون والمحروقات وسعر صرف الدولار الراهن.

​القمح​ والطحين 

وفيما يتعلق بكميات ​القمح​ والطحين في لبنان، أوضح سرور في حديث لصحيفة "الديار" المحلية، أنها “تلبي الاحتياجات المحلية لمدة ثلاثة أشهر”.

وأضاف أن المادة متاحة في جميع المطاحن، مركزا على أنه "في حال اندلاع حرب مفتوحة مع إسرائيل، فيتم التواصل بشكل دائم بين وزير الاقتصاد وقوات "اليونيفيل" الأممية، لضمان إدخال القمح والطحين إلى البلد".

وجاءت الخطوة هذه مع اقتراب انتهاء قرض البنك الدولي الخاص بشراء لبنان الطحين الأبيض المخصص لصناعة الرغيف العربي في سبتمبر 2024.

إلا أن رفع الدعم عن الخبز يأتي بظل وجود مئة ألف نازح من الجنوب اللبناني منذ تصاعد التوترات بين حزب الله و"إسرائيل" في المناطق الحدودية في الثامن من أكتوبر/ تشرين الثاني 2023.

وقد ألقى هذا التصعيد المتبادل بظلاله على سلاسل التوريد؛ ما يهدد بتفاقم الأزمة الغذائية وزيادة الضغط على المخزون المحلي من الدقيق في لبنان.

ومع وجود أزمة محروقات في لبنان كذلك، يقول اللبنانيون إن انتظار الخبز أصعب من البنزين، فالبنزين تستطيع أن تجد له بديلا، لكن هنا الحديث عن اللقمة.

ويهدد رفع الدعم عن القمح في لبنان، بشكل مباشر بارتفاع سعر ربطة الخبز، وهو أمر لا يستطيع كُثر تحمله خصوصا أن ثمانين بالمئة من اللبنانيين باتوا تحت خط الفقر منذ بدء الانهيار الاقتصادي عام 2019.

ومنذ ذلك الحين كان يتهافت اللبنانيون يوميا على الأفران حيث ينتظرون في طوابير طويلة للحصول على أكياس الخبز العربي المدعوم من الحكومة.

وعلى وقع الأزمة الاقتصادية التي صنفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، خسرت العملة المحلية أكثر من تسعين بالمئة من قيمتها أمام الدولار.

وتضاءلت قدرة المصرف المركزي على دعم استيراد سلع حيوية، بينها القمح والمحروقات والأدوية. ولا سيما أن وزارة الاقتصاد اللبناني رفعت عدة مرات منذ عام 2020 أسعار أكياس الخبز العربي. 

وفاقم الغزو الروسي لأوكرانيا منذ فبراير/ شباط 2022 الوضع مع صعوبة تصدير القمح. ويستورد لبنان بين 600 و650 ألف طن من القمح سنويا، ثمانين بالمئة منها من أوكرانيا.

عجز حكومي

وقبل ذلك، لم يفق لبنان من الضربة القاسية الذي تعرضت لها قدرته على تخزين القمح بعدما تصدع قسم من أهراءات مرفأ بيروت جراء الانفجار المروع في 4 أغسطس 2020.

وعقب عام 2019 شرعت السلطات اللبنانية في ترشيد أو رفع الدعم عن سلع رئيسة أبرزها الطحين والوقود والأدوية.

وفي مطلع شباط/فبراير 2021، أعلنت السلطات زيادة في سعر الخبز بحوالي 20 بالمئة، ثم رفعت الحكومة سعر الخبز مرات عدة لاحقا.

وبلغ سعر ربطة الخبز المدعوم عام 2022 والتي تحتوي على ستة أرغفة، 13 ألف ليرة لبنانية أي أقل من دولار، فيما في السوق السوداء تخطى سعرها 30 ألفا.

وأمام ذلك، أقر البرلمان اللبناني نهاية يوليو/ تموز 2022 اتفاقية قرض مقدم من البنك الدولي بقيمة 150 مليون دولار، لتنفيذ مشروع الاستجابة الطارئة لتأمين إمدادات القمح.

ورغم ذلك بقي الخبز هو "الهم الأكبر" في تأمينه من قبل اللبنانيين، فعلى وقع أزمة الخبز خلال السنوات الأخيرة، لطالما تبادل أصحاب المطاحن والسلطات المعنية الاتهام للأخيرة بعدم توفير الكميات اللازمة من الطحين المدعوم، نتيجة تأخر مصرف لبنان في فتح الاعتمادات المالية وصعوبة الاستيراد.

إلا أن وزارة الاقتصاد اللبناني، تنفي هذه التهمة وترد باتهام بعض الأفران بتخزين الطحين أو استخدامه في صناعة منتجات غير مدعومة كالحلويات.

وفي ظل حصول غالبية اللبنانيين على أجورهم بالعملة المحلية وارتفاع أسعار المواد الغذائية بما يفوق 400 بالمئة، وفق الأمم المتحدة، بدأ بعض اللبنانيين بشراء الخبز الأسمر أو حتى الكعك لتعذر حصولهم على حصتهم اليومية من الخبز.

والحد الأدنى للأجور في لبنان راهنا 18 مليون ليرة لبنانية أي نحو (200 دولار أميركي).

"سوق مفتوح"

وتعليقا على المشهد، قال نقيب أصحاب الأفران في البقاع عباس حيدر، “سيتم رفع الدعم عن خبز الشعب المقهور المهدورة حقوقه، في بلد يعاني فراغا رئاسيا، وتصريف أعمال في الوزارات والإدارات العامة ومؤسسات الدولة، وحربا شعواء يقوم بها العدو الصهيوني على الجنوب وأدت إلى شلل اقتصادي في أغلب القطاعات وأنتجت بطالة متزايدة في المناطق”.

إضافة "إلى الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي الذي ضرب القطاعات الإنتاجية من مؤسسات وشركات وأفراد، بعد تدهور العملة الوطنية وارتفاع سعر صرف الدولار وتدني قيمة الرواتب في القطاعين العام والخاص؛ وإرهاق المواطنين بفواتير اشتراك الكهرباء والدواء والاستشفاء والدواء والنقل والغذاء إيجارات البيوت المدولرة".

وطرح حيدر في بيان له في 12 أغسطس 2024 على الحكومة بـ "الاسراع في إصدار البطاقة التمويلية للمواطنين المستحقين لها في القطاعين العام والخاص قبل رفع الدعم المتوقع عن الخبز في أوائل شهر سبتمبر 2024".

وبعدما استنفد لبنان مبلغ 150 مليون دولار من "قرض البنك الدولي الخاص بشراء الطحين الأبيض، يخشى راهنا في لبنان من "دولرة الخبز"، ما يعني وقوع كارثة على المواطنين العاجزين عن تأمين قوت يومهم.

حتى إن طمأنة المسؤولين لم تعد تشفي غليل اللبنانيين، كونهم لا يثقون بطبقة سياسية يحملونها مسؤولية الانهيار الاقتصادي.

ولبنان الداخل في حالة طوارئ غير معلنة كما يقول مسؤولوه، يعاني مواطنوه مما يسمى "دولرة السلع والخدمات" أي يصبح التعامل بالدولار بدلا من الليرة اللبنانية مما يخلق حالة من العجز الكبير في حياة الأهالي.

لا سيما أن هناك تقارير صحفية تتحدث عن أن كل مكونات ربطة الخبز ستصبح محتسبة على سعر صرف السوق، وسيدخل الرغيف بورصة الأسعار العالمية نظرا إلى مكوناته المرتبطة بالأسعار الخارجية.

وضمن هذا الإطار، رأى أمين سر اتحاد نقابات أصحاب الأفران والمخابز في لبنان نعيم الخواجة، أن "لبنان أمام رفع دعم نهائي عن الخبز في لبنان، لذلك لبنان في شهر سبتمبر 2024 ذاهبة نحو تحرير سعر ربطة الخبز".

وأضاف الخواجة في تصريح صحفي لمنصة "هنا لبنان" في 24 يوليو: "في الأفران سيصبح سعر ربطة الخبز 70 ألف ليرة (0.78 دولار) بينما ستصبح في المتاجر بنحو 85 ألف ليرة وهذا كله مرتبط بسعر القمح العالمي والمحروقات وارتفاع الشحن ما يعني أن هناك زيادات متوقعة على الربطة الواحدة".

وأشار الخواجة "لا الحكومة ولا مصرف لبنان لديه سياسة لدعم الخبز، وخاصة أن البنك الدولي لن يدعم لبنان بسبب عدم قيام بيروت بالإصلاحات الاقتصادية المطلوبة".

وما تزال القوى السياسية الحاكمة في لبنان تماطل في الإصلاحات التي طالب بها صندوق النقد الدولي من بيروت قبل عامين لإقراضها قرضا ماليا بقيمة 3 مليارات دولار، علها تمنع من انهيار هذا البلد.

ورأى الخواجة أن "الهبات إلى لبنان هي الحل لمعالجة أزمة الخبز للشعب اللبناني عبر مواصلة دعم دول مثل قطر والسعودية ودول أجنبية أخرى".

ومضى يقول: "اليوم هناك نصف مليون عائلة لبنانية بحاجة إلى الدعم بينما كان في عام 2019 نحو مئة ألف".

ويؤكد كثير من النازحين من جنوب لبنان أنهم غير قادرين اليوم حتى على شراء الخبز.

ما يعني أن هناك فئة جديدة من الشعب اللبناني تقف أمام عجز كبير في تأمين رغيف الخبز بعدما فقدوا بيوتهم جراء القصف الإسرائيلي المستمر على جنوب لبنان.