"فشل عسكري ".. لماذا يعجز نظام الأسد عن إخضاع درعا السورية؟
"هم يعتبرونه وكيل احتلال لكل من إيران وروسيا"
ما يزال اتفاق التسوية الأمنية الذي فرضه النظام السوري أواخر أغسطس/آب 2021 في محافظة درعا مهد الثورة "هشا وفاشلا عسكريا".
إذ تنفذ أجهزة مخابرات بشار الأسد وأذرعها الأمنية، عمليات اغتيال واعتقال وخطف في بلدات محافظة درعا الواقعة جنوب سوريا والملاصقة مع الحدود الأردنية، وتبعد عن العاصمة دمشق 120 كم.
بالمقابل، يواصل المناهضون لنظام الأسد من أبناء بلدات المحافظة ممن رفضوا التسجيل في "قوائم التسويات الأمنية" بوساطة روسية استهداف عناصر وضباط نظام الأسد وحواجزه ونقاطه العسكرية.
تصعيد بدرعا
وقال "تجمع أحرار حوران" المعارض في تقرير له، إن شهر يوليو/ تموز 2024 شهد استمرارا في عمليات القتل والاعتقال والخطف في درعا ضمن فوضى أمنية ازدادت وتيرتها منذ عقد اتفاقية التسوية الأولى في يوليو 2018 بين النظام وفصائل المعارضة برعاية روسية.
وسجل مكتب توثيق الانتهاكات في "تجمع أحرار حوران" خلال يوليو مقتل 46 شخصا بينهم 4 سيدات وطفلان.
ووثق المكتب مقتل 4 أشخاص مدنيين نتيجة إصابتهم بإطلاق نار وشخص واحد نتيجة إصابته بشظايا قذيفة هاون خلال اشتباكات بين مجموعتين مسلحتين في مدينة جاسم شمالي درعا.
وأحصى مكتب توثيق الانتهاكات في التجمع اغتيال في الشهر نفسه، 23 شخصا، بينهم منشق عن قوات النظام، وعنصر سابق في فصائل المعارضة لم ينضم عقب التسوية لأي جهة عسكرية، إضافة إلى أكثر من 6 عناصر وضباط في أجهزة النظام الأمنية.
ويستخدم المجهولون في الهجوم على نقاط عسكرية لقوات النظام في محافظة درعا، الأسلحة الرشاشة والقواذف الصاروخية.
وغالبا ما يقوم مجهولون بإطلاق الرصاص المباشر على عناصر سابقة في الجيش الحر التابع للمعارضة ممن أجروا تسويات أمنية مع النظام والتزموا بيوتهم وانخرطوا في تحصيل رزقهم.
حيث تؤكد تلك الاغتيالات أن هناك جهازا أمنيا خاصا يتبع لنظام الأسد لديه قوائم بأسماء عناصر الجيش الحر من أبناء درعا وهدفه تصفيتهم بشكل تسلسلي ضمن سياسة العقاب والانتقام على خروجهم بوجه الأسد.
وهناك مجموعات مسلحة تتبع لفرع الأمن العسكري التابع للأسد، تقوم باحتجاز أشخاص من عوائل بلدات درعا بهدف التحقيق معهم ثم إطلاق سراحهم الأمر الذي يثير اشتباكات تؤدي أحيانا لوقوع ضحايا.
ويؤكد ناشطون محليون أن مخابرات الأسد جندت أشخاصا من أبناء المنطقة لتنفيذ عمليات خطف في محافظة درعا لإحداث فلتان أمني، الغاية منه إيجاد شرخ عشائري طالما أن المجتمع منقسم حول الولاء لنظام الأسد.
وفي الوقت الراهن تشهد مدينتا إنخل وجاسم بريف درعا مواجهات متكررة بين أهالي البلدة وأجهزة مخابرات الأسد، حيث تطالب قوات النظام الشباب هناك بإجراء تسوية أمنية وتسليم السلاح الذي بحوزتهم وهو ما يرفضه هؤلاء.
وفي هذا السياق طالب رئيس فرع الأمن العسكري بدرعا "لؤي العلي" من وجهاء مدينة جاسم شمال درعا عدة مطالب، خلال اجتماع بينهم جرى في مكتبه في 2 أغسطس 2024 بناء على طلبه.
وقال أحد الوجهاء لتجمع "أحرار حوران" الذي فضل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، إن العلي طالب بإخراج مقاتلين من مدينة جاسم بأسرع وقت.
كما طالب بإجراء تسوية للمنشقين عن قوات النظام السوري، ووعد بإلحاقهم في صفوف الأمن العسكري على أن يخدموا في محافظة درعا.
وبحسب المصدر، يرفض الأهالي تلبية مطالب النظام السوري، لأنه لا يمكن الوثوق به لأن كثيرا من المنشقين جرى اعتقالهم بعد إجراء التسوية ومنهم من قضى في المعتقلات، فضلا عن آخرين جرى اغتيالهم لاحقا.
"وكيل احتلال"
ومنذ أن حل نظام الأسد فصائل المعارضة السورية بوساطة روسية بموجب اتفاق التسوية الأمنية الأول مع المعارضة عام 2018، لم يلتزم ببنود تلك التسوية.
وهي عدم التعرض للمعارضين له في درعا التي فجرت شرارة الثورة في 18 مارس 2011 بعد مقتل شابين برصاص قوات الأمن السورية خلال مظاهرة هناك.
ثم عاد في سبتمبر/أيلول 2021 وأبرم في درعا التسوية الثانية، التي شملت بعض عناصر الفصائل المحلية المعارضة، وجميع الشباب والمطلوبين لمخابرات الأسد في درعا، وجرى منحهم بطاقات تمكنهم من التنقل وعدم التعرض لهم من قبل الحواجز الأمنية.
لكن على مدى تلك السنوات لم يتمكن نظام الأسد من إخضاع كامل محافظة درعا لسلطته والقضاء على مظاهرة المعارضة كافة ضده.
وضمن هذا السياق، قال رئيس مركز "رصد" السوري للدراسات الإستراتيجية العميد المتقاعد عبدالله الأسعد، إن "النظام السوري في درعا يريد أن تكون المحافظة في حالة توتر في ظل عدم تمكنه من فرض السيطرة عليها بسبب رفض كثير من الشباب الانخراط في تسويات أمنية معه وتسليم السلاح له".
وأضاف الأسعد لـ “الاستقلال”: "ما تقوم به مخابرات الأسد هي إشعال الفتنة بين أبناء المحافظة ذات الطبيعة شبه العشائرية بين من أجروا تسويات سابقة عبر سياسة فرق تسد".
وألمح الأسعد، إلى أن "حالة التوتر الراهنة في درعا عبر قيام مخابرات الأسد بعمليات اغتيال لشخصيات ما تزال تناهض الأسد بالاستفادة من الأجواء الأمنية المشحونة، مرتبطة بوجود بنك أهداف تريد مخابرات الأسد تصفيتهم وإخراجهم من المشهد في درعا كونهم يمثلون عقبة كبرى أمام فرض سياسات النظام من جديد في بلداتها".
ولفت الأسعد إلى أن "النظام السوري فشل في إخضاع درعا لسيطرته؛ نظرا لرفض الأهالي شرعية نظام الأسد عليهم وهم يعدونه وكيل احتلال لكل من إيران وروسيا".
ورأى الأسعد أن "الهجمات اليومية على حواجز نظام الأسد في محافظة درعا هي رد على ممارسات المخابرات التي ما تزال تقوم بعمليات اختطاف واعتقال للضغط على الأهالي وترهيبهم وإعادة إحكام القبضة الأمنية وإنهاء أي مظاهر مناهضة للأسد في مهد الثورة".
ترهيب أمني
وراهنا في محافظة درعا يوجد إلى جانب قوات الأسد وقطع عسكرية تتبع له، نفوذ كبير لإيران وروسيا هناك.
إذ نشرت إيران مجموعات من مليشيا حزب الله اللبناني، وعناصر وضباط من الحرس الثوري الإيراني، يوجدون في معظم القطع العسكرية الرسمية التابعة للنظام السوري.
واستطاعت إيران تجنيد نحو ثلاثة آلاف عنصر من شباب درعا ضمن مليشياتها، وتمنحهم رواتب ومساعدات، ويشرف عليهم الحرس الثوري الإيراني، ومعظمهم من مقاتلي فصائل المعارضة السورية التي حلتها روسيا بموجب اتفاق التسوية الأمنية الأول مع المعارضة عام 2018.
وتمارس إيران محاولات للتغلغل في درعا دينيا، أسوة ببقية المناطق السورية الأخرى، التي نجحت طهران فيها في الترويج الفعلي للتشيع وجر الأهالي للدخول إلى هذا المذهب الدخيل على بلدهم.
وتنبع أهمية درعا بالنسبة لإيران لقربها من الحدود مع إسرائيل، ولكونها البوابة الكبرى المطلة على الأردن والسعودية ودول الخليج العربي.
أما نفوذ روسيا في درعا فيتمثل في "اللواء الثامن" السوري الذي انخرط ضمن مليشيا الفيلق الخامس الروسي.
وشكل القيادي البارز في المعارضة السورية أحمد العودة "اللواء الثامن"، وهو تجمع لمقاتلين وفصائل معارضة، عقب توقيع اتفاق التسوية مع روسيا بمحافظة درعا في يوليو 2018، حيث أصبح العودة منذ ذلك الحين رجل روسيا الأول في جنوب سوريا والذي يتردد إلى موسكو بين الفينة والأخرى وينشر صورا من هناك.
وفي مشهد يدلل على رفض سلطة الأسد في درعا، إقدام المقاتلين المحليين في مدينة نوى على إغلاق جميع مراكز انتخابات البرلمان التي أجراها النظام في منتصف يوليو 2024 على تقدير أنها "صورية" ولا تعكس رغبة الشعب.
ورفع أبناء مدينة نوى لافتات ترفض انتخابات مجلس الشعب، وكان من بين تلك اللافتات "المجالس التي صفقت و أيدت المجرمين لا تمثلنا"، و "شبيحة الأسد وخونة الشعب.. دمشق في انتظاركم".
كما تخرج إلى الآن بعض بلدات درعا في مظاهرات لإحياء ذكرى الثورة، حيث يردد المتظاهرون هتافات تؤكد استمرار ثورتهم حتى إسقاط النظام ومحاسبته على أعمال القتل والاعتقال والتهجير بحق الشعب السوري.
بالمقابل، تواصل حواجز مخابرات الأسد عند مداخل المحافظة سياسة الاعتقالات الممنهجة في ترهيب أمني لإخضاع الرافضين لسلطته.
إذ ما تزال مكاتب توثيق الانتهاكات تسجل مقتل عدد من المعتقلين من أهالي درعا نتيجة التعذيب في سجون النظام، من بينهم مدنيون جرى إعدامهم ميدانيا ممن اعتقلوا عقب عمليات التسوية الأولى والثانية.
ويربط ناشطون اتباع نظام الأسد سياسة التضييق بشكل أكبر على أهالي درعا؛ لدفع جميع الأصوات المناهضة له لمغادرة الجنوب السوري وهي سياسة طبقها النظام في أكثر من منطقة عقب عام 2011.