"وضع متقلب".. هل تنجح الجهود الدبلوماسية في نزع فتيل أزمة القرن الإفريقي؟
“من المرجح أن تظل منطقة القرن الإفريقي في حالة من التقلب وعدم اليقين”
شكوك دولية بشأن هدوء الوضع المتقلب بالفعل في القرن الإفريقي قريبا، مع قيام القاهرة بتوسيع دورها في الصومال، الأمر الذي يزيد من التوترات مع إثيوبيا.
وقال موقع "المونيتور" الأميركي، إن "الطموحات البحرية الإثيوبية والتحالف بين مصر والصومال يهزان موازين القوى في منطقة القرن الإفريقي".
ديناميكيات حساسة
وأوضح الموقع أن "التحالف العسكري الأخير بين مصر والصومال يأتي في ظل ديناميكيات حساسة ومتزايدة في منطقة القرن الإفريقي، خاصة في إثيوبيا".
وأضاف “رغم أن الشراكة تهدف إلى تعزيز العلاقات الطويلة الأمد بين القاهرة ومقديشو، خاصة في إطار قوة الاتحاد الإفريقي الجديدة، إلا أنها تتزامن مع تصاعد التوترات بين البلدين وإثيوبيا”.
وفي 27 أغسطس/آب 2024، هبطت طائرتان مصريتان من طراز "سي-130" محملتان بالأسلحة والذخيرة في مقديشو، وهي أول دفعة من المساعدات العسكرية بموجب اتفاق جديد وُقّع في 13 من الشهر نفسه.
وينص الاتفاق على انضمام 5 آلاف جندي مصري إلى بعثة الاتحاد الإفريقي التي ستُشكَّل بحلول نهاية العام 2024، مع نشر 5 آلاف جندي آخرين بشكل مستقل عن البعثة.
ويرى الموقع أنه "في حين أن هذه الخطوة تمثل تحسنا في التعاون بين القاهرة ومقديشو، إلا أنها لا تشير إلى تحول جذري في علاقاتهما".
وأضاف: "لطالما كانت مصر شريكا أمنيا رئيسا للصومال داخل جامعة الدول العربية، خاصة في مواجهة حركة الشباب والتهديدات البحرية في البحر الأحمر".
واستدرك: "لكن حتى الآن في عام 2024، تتوحد الدولتان بشكل متزايد في معارضتهما للمناورات الخارجية الحازمة التي تقوم بها إثيوبيا، خاصة فيما يتعلق بالوصول إلى مياه البحر الأحمر ونهر النيل".
وبعد وقت قصير من إعلان إثيوبيا عن مذكرة تفاهم مثيرة للجدل مع أرض الصومال في 1 يناير/كانون الثاني 2024، ارتفعت المخاوف من تفاقم التوترات وحتى الصراع في منطقة القرن الإفريقي.
وتتضمن الصفقة اعتراف إثيوبيا بمنطقة أرض الصومال الانفصالية، مقابل الوصول إلى ميناء بربرة، الذي يأمل رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في تطويره إلى ميناء تجاري وبحري.
نقاط شائكة
وستؤجر "أرض الصومال" جزءا بطول 20 كيلومترا (12 ميلا) من ساحلها لإثيوبيا لمدة 50 عاما لإنشاء قاعدة بحرية.
وبعد وقت قصير من الإعلان عن الاتفاق، حذر الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، قائلا: "مستعدون للحرب".
وبصفتها واحدة من أكبر الدول غير الساحلية في العالم، تسعى إثيوبيا إلى استعادة الوصول البحري، بعد أن فقدت ساحلها عقب نيل إريتريا استقلالها عام 1993.
ومع ذلك، فإن رغبة إثيوبيا في أن تصبح قوة بحرية إقليمية، وبالتالي رغبتها في تطوير قاعدة بحرية، تشكل "نقطة شائكة".
وقال المونيتور إن "المخاطر المباشرة للقاعدة الإثيوبية ستكون ضئيلة على الأرجح؛ حيث سيتطلب المشروع أعمال بناء كبيرة إذا تم المضي قدما فيه".
وعلاوة على ذلك، لم تنفّذ إثيوبيا بعد جوانب رئيسة من الاتفاق منذ إعلانها في وقت سابق من عام 2024، ويرجع ذلك على الأرجح إلى ضغوط الدول التي أعلنت دعمها لسيادة الصومال، بحسب الموقع الأميركي.
ومع ذلك، ألحق الإعلان ضررا بالغا بعلاقات إثيوبيا مع الصومال، حيث قالت مقديشو إنه “لا يمكن أن يكون هناك مجال للتفاوض ما لم تتراجع أديس أبابا عن اتفاقها مع أرض الصومال”.
ومن وجهة نظر مقديشو، فإن الاعتراف الإثيوبي بأرض الصومال قد يشكل سابقة ويشجع الدول الأخرى على أن تحذو حذوها، مما يقوض نفوذ الصومال على أراضيها المعترف بها دوليا.
ويرى الموقع أن "المصالح المتضاربة بين أديس أبابا ومقديشو تجعل المصالحة غير محتملة إلى حد بعيد؛ إذ تظل إثيوبيا مصرة على تأمين وصولها للبحر، في حين تعارض الصومال بشدة أي فكرة عن فقدان السيادة على أرض الصومال".
انخراط مصر
وأكد الموقع أن "مخاوف مصر ذات صلة وثيقة بالنزاع".
ففي يناير/كانون الثاني 2024، أعلن رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، أن حكومته "لن تسمح لأحد بتهديد الصومال أو التأثير على أمنها"، في إشارة إلى اتفاق إثيوبيا مع أرض الصومال.
وقال الموقع: "في حين أن القاهرة تهتم بالحفاظ على سيادة الصومال لضمان استقرار البحر الأحمر، فإنها لم تكن دائما في مواجهة مع إثيوبيا".
ففي عام 2006، عندما غزت إثيوبيا الصومال لمواجهة (اتحاد المحاكم الإسلامية)، ندد العديد من الدول العربية بالغزو، ومع ذلك، بدا أن مصر في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك قد أبدت قبولا غير معلن لهذه الحملة العسكرية.
و"اتحاد المحاكم الإسلامية" هو تحالف إسلامي واسع كان قد أنهى سيطرة زعماء الحرب في مقديشو قبل أن يوسع نفوذه إلى أجزاء أخرى من الصومال.
لكن العلاقات الإثيوبية- المصرية توترت بعد بناء سد النهضة الإثيوبي، الذي بدأ عام 2011.
وصرح السيسي في 2019 أن النيل "مسألة حياة أو موت" بالنسبة لمصر، وأن فقدان الوصول إلى مياهه "خط أحمر"؛ نظرا لأن القاهرة تعتمد عليه في حوالي 95 بالمئة من احتياجاتها المائية.
ورغم انخراط الجانبين في محادثات دبلوماسية بشأن السد، بما في ذلك في ديسمبر/كانون الأول 2023، لم يتوصلا إلى اتفاق.
وفي يوليو/تموز 2024، شرعت إثيوبيا في المرحلة الخامسة من ملء السد، وبدأت بالفعل في إنتاج الكهرباء حيث إنها في المراحل النهائية من البناء.
ورغم استخدام الجانبين لخطاب يشبه “الخطابات الحربية”، فإن احتمالات وقوع اشتباكات بسبب السد تظل منخفضة، وفق تقييم "المونيتور".
ويرجع ذلك جزئيا إلى التحديات الداخلية والاقتصادية التي تواجهها الدولتان، خاصة بعد جائحة كورونا، فضلا عن تركيز مصر على التوترات في الشرق الأوسط، وتركيز إثيوبيا على تعافيها من حرب تيغراي (2020-2022).
بالإضافة إلى ذلك، فإن العدد الصغير للقوات المصرية المقرر نشره في الصومال لا يشير إلى قدرة كبيرة على العمل العسكري واسع النطاق، بخلاف أنه ورقة للضغط على إثيوبيا بشأن قضية نهر النيل.
لكن في الوقت نفسه، يشير الموقع إلى أن وجود القوات المصرية على حدود إثيوبيا مع الصومال قد يزيد من خطر اندلاع اشتباكات عبر الحدود مع القوات الإثيوبية، حتى لو كانت محدودة ويسهل احتواؤها.
وتابع: "بالنظر إلى المستقبل، فإن غياب اتفاق ملزم قانونا بشأن السد يثير مخاوف مصر والسودان من أن إثيوبيا قد لا تطلق كميات كافية من المياه أثناء فترات الجفاف، وهي قضية بالغة الأهمية، يفاقمها تغير المناخ والمخاوف بشأن التراجع المحتمل لمياه النيل".
وأضاف أن التوترات المستمرة قد تعيق التعاون بشأن التحديات الإقليمية، بما في ذلك الأمن والتطورات الاقتصادية والمخاوف البيئية.
القوى الإقليمية
وبحسب السفير الأميركي السابق في إثيوبيا، ديفيد شين، فإن تحالف مصر مع الصومال “لا يغير العلاقة بشكل كبير، بل يعززها”.
وقال للمونيتور إن القضية الأكبر هي العلاقات المتنامية بين إثيوبيا وأرض الصومال، مشيرا إلى أنه إذا نُفّذ الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال، "فإن هذا سيوفر لمصر فرصة إضافية للاستفادة منها وزيادة الضغط على إثيوبيا بشأن نهر النيل".
وأضاف: "مع تراجع تأثير الولايات المتحدة في إفريقيا وابتعادها عن المشهد، ومع تباين ردود الفعل من القوى الأخرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي التي اكتفت بتأكيد دعمها لوحدة الصومال، وجدت تركيا والإمارات، وربما السعودية، أنفسها في وضع يسمح لها بلعب دور الوساطة".
وتوسطت تركيا في محادثات بين إثيوبيا والصومال في أغسطس/آب ويوليو/تموز 2024، وعُقدت جولة ثالثة في سبتمبر/أيلول.
ويعتقد الموقع أن "الدور التركي المستمر في الوساطة قد يسفر عن بعض النتائج نظرا لعلاقاتها مع كل من الدولتين".
علاوة على ذلك، "تتمتع الإمارات بعلاقات عميقة مع إثيوبيا بسبب استثماراتها في البلاد، وكذلك في ميناء بربرة في أرض الصومال، وذلك في إطار سعيها لتعزيز نفوذها في شرق إفريقيا وتقوية موقع دبي كمركز رئيس للتجارة".
ويرى الموقع الأميركي أن "تزامن الجهود الدبلوماسية بين هذه القوى الإقليمية قد يزيد من فرص التوصل إلى تسوية بين إثيوبيا والصومال".
وقال إن "اجتماع السيسي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 4 سبتمبر/أيلول 2024، يظهر كيف يتقدم هذا التقارب الدبلوماسي، الذي قد يحتوي التوترات في منطقة القرن الإفريقي".
وختم الموقع قائلا: "لكن في غياب المزيد من الجهود الدبلوماسية، فمن المرجح أن تظل منطقة القرن الإفريقي في حالة من التقلب وعدم اليقين".