حفتر وأولاده.. من فشل الانقلاب إلى ألاعيب الحكومة الليبية الجديدة

منذ ساعة واحدة

12

طباعة

مشاركة

تتكثف التحركات السياسية في ليبيا وسط تكهنات بأن الاتفاقات الضمنية للحفاظ على الوضع الراهن بين حكومة عبد الحميد الدبيبة واللواء الانقلابي في شرق ليبيا خليفة حفتر على وشك الانهيار.

إذ يتمسك عبد الحميد الدبيبة بمنصبه كرئيس وزراء معترف به دوليا في طرابلس بالرغم من محاولات الإطاحة به، بينما تحاول الأطراف الليبية المتنازعة التوصل إلى اتفاق جديد بشأن حكومة موحدة.

حراك سياسي

وقد توجه الدبيبة إلى أنقرة في 15 يناير/ كانون الثاني 2025 للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث جاءت الزيارة في توقيت ربطه البعض بمبادرة البعثة الأممية لتشكيل "حكومة موحدة".

وذكر بيان صادر عن دائرة الاتصال بالرئاسة التركية، أن أردوغان والدبيبة تناولا العلاقات الثنائية بين البلدين وقضايا إقليمية ودولية.

وحسب البيان، أكد أردوغان أن المحاور الشرعي لتركيا في ليبيا هي حكومة الوحدة الوطنية، مشيرا إلى أن أنقرة ستواصل تطوير علاقاتها مع ليبيا في العديد من المجالات، خصوصا الطاقة والأمن والمجال البحري.

وشدد أردوغان على أن الاتصال والتعاون الوثيقين بين البلدين سيستمران لحماية المصالح المشتركة في شرق البحر المتوسط.

وتعيش ليبيا حالة من الجمود السياسي المستمر منذ تأجيل انتخاباتها العامة التي كانت مقررة نهاية عام 2021.

وأمام ذلك، أعلنت نائبة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا ستيفاني خوري خطة جديدة للحل خلال إحاطة لمجلس الأمن الدولي في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2024.

وقالت ستيفاني: إن من أولويات الخطة الجديدة "تشكيل حكومة موحدة" للبلاد التي يحكمها حاليا حكومتان.

إحدى الحكومتين الليبيتين عيَّنها مجلس النواب مطلع 2022 برئاسة أسامة حماد ومقرها مدينة بنغازي، وتدير منها كامل شرق البلاد ومعظم مدن الجنوب وغير معترف بها دوليا.

والحكومة الأخرى معترف بها من الأمم المتحدة، وهي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة ومقرها العاصمة طرابلس، وتدير غرب البلاد كاملا.

وأضافت ستيفاني أنه "سيتم تشكيل لجنة استشارية محددة الزمن، للتمهيد لإجراء الانتخابات (برلمانية ورئاسية) ومعالجة النقاط الخلافية في قوانين الانتخابات".

بالمقابل، توجه خليفة حفتر إلى القاهرة في 18 يناير 2025 والتقى رئيس النظام عبد الفتاح السيسي لأول مرة منذ أيلول/سبتمبر 2021.

وأكد السيسي حينها على "أهمية التنسيق بين جميع الأطراف الليبية لبلورة خارطة سياسية متكاملة تؤدي إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية" المنتظرة في البلاد.

وفي الإدارة المنافسة في شرق ليبيا، أعلن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح تأييده تشكيل حكومة موحدة جديدة، مع طرح فرضية تعيين مجلس رئاسي جديد يكون مسؤولا بدوره عن تعيين رئيس وزراء وثلاثة نواب لرئيس الوزراء للمناطق الشرقية والجنوبية ومدينة مصراتة على التوالي.

ومهما تكن عملية إعادة التشكيل السياسي فإن صالح يعتزم إيجاد مكان له فيها، كما أن لديه طموحاته الخاصة للرئاسة مع ظهور منافس آخر هو الأمير إدريس بن عبد الله السنوسي الذي أعلن ترشحه لرئاسة المجلس الرئاسي رسميا في ديسمبر 2024.

حفتر وأولاده

وفي الوقت نفسه، لا يزال حفتر منفتحا على فكرة تشكيل حكومة موحدة جديدة، أملا في تحقيق أكبر المكاسب.

ويقول موقع "إنتلجنس أون لاين" الفرنسي الاستخباراتي في تقرير له نشر في 17 يناير 2025 إن "خليفة حفتر يمكنه توزير أحد أبنائه والاحتفاظ بقيادة الجيش، بينما تسعى قوى غربية إلى استمالة ابنه بلقاسم حفتر الذي يدير صندوق إعادة الإعمار الليبي".

وعمل "بلقاسم حفتر" خلال الأشهر الأخيرة على تحسين علاقاته من خارج قوس داعمي والده مثل مصر والإمارات.

زار بلقاسم باريس في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 بصفته مديرا عاما لصندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، لحضور مؤتمر "طموح إفريقيا" في نسخته السادسة، الذي انعقد برعاية من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وقبل ذلك اتجه "بلقاسم حفتر" إلى العاصمة التركية أنقرة، في 25 يوليو/تموز 2024 والتقى وزير الخارجية هاكان فيدان، وذلك بعد 5 سنوات من العداء بين الطرفين.

وبدأ العداء منذ تدخل تركيا لدعم جيش حكومة طرابلس وقتها المعترف بها دوليا بطائراتها المسيرة (بيرقدار) ضد قوات حفتر عام 2019، وكانت سببا في هزيمتها.

وعكس اللقاء وقتها رغبة كل من تركيا وأطراف متمردة في ليبيا، خاصة قوات حفتر، في تحسين العلاقات الثنائية وتجاوز الخلافات السابقة، بحثا عن مصالح مشتركة.

وأعلن وقتها بلقاسم، بصفته مديرا لصندوق إعمار ليبيا، عن توقيع عدة اتفاقيات مع تركيا تتعلق بالإعمار.

حفتر وأولاده

وتؤكد "إنتلجنس أون لاين" في تقريرها أن "بلقاسم حفتر سيزور العاصمة البريطانية لندن في الأيام المقبلة، وقد بات لديه الآن المكانة السياسية لمحاولة الحصول على منصب نائب رئيس وزراء شرق ليبيا".

وأضاف التقرير أن "الاضطرابات الجيوسياسية الإقليمية التي أشعلها سقوط الدكتاتور السوري بشار الأسد في دمشق، في ديسمبر 2024  دفعت واشنطن وبقية القوى الغربية إلى بذل المزيد من الجهود لمنع أي اتفاق بين حفتر وموسكو". 

لا سيما أن وفدا من الجيش الأميركي سافر إلى معقل حفتر في الرجمة بالقرب من بنغازي في ديسمبر 2024 لمناقشة القضايا الأمنية مع خالد حفتر، الذي يُقال إنه المفضل لدى موسكو بين أبناء حفتر وهو يشغل منصب رئيس أركان الوحدات الأمنية شرق ليبيا.

وأدى نقل روسيا عقب سقوط الأسد بعضا من معداتها من سوريا إلى ليبيا، لتفاقم المخاوف من أن يصبح شرق ليبيا قاعدة خلفية لموسكو في البحر الأبيض المتوسط.

 إذ يتابع المراقبون من كثب تحرك سفينتي الشحن الروسيتين للاستخدام العسكري "سبارطا" و"سبارطا 2"، اللتين تمركزتا في ديسمبر 2024 قبالة ميناء طرطوس السوري الذي تحول إلى قاعدة بحرية روسية منذ عام 2017.

كما أثار إعادة تشغيل قاعدة معطن السارّة الجوية في يناير 2025، الواقعة في جنوب ليبيا على الحدود مع السودان وتشاد حيث تسيطر قوات حفتر، الشكوك حول الغاية منها. فروسيا لديها بالفعل حضور كبير في ليبيا عبر مقاتلي مجموعة فاغنر الروسية، التي أعيدت تسميتها الآن باسم "فيلق إفريقيا"، في شرق وجنوب ليبيا.

وسبق أن تحدثت تقارير صحفية عن استخدام موسكو لشرق ليبيا كمركز لوجستي تكتيكي لدفع أنشطة "فيلق إفريقيا" بديل مجموعة "فاغنر" الروسية الخاصة مستغلة الاتفاقيات التي أبرمتها مع حفتر الأب في الماضي وأبنائه في الوقت الحالي.

لكن على الطرف الآخر، فإن الولايات المتحدة حاضرة وبقوة في المشهد الليبي وأيضا عبر التواصلات مع أبناء خليفة حفتر في الشق السياسي والعسكري نظرا لتموضع أبناء خليفة في الحياة السياسية الليبية حيث يعد ابنه صدام أيضا حاضرا بقوة في المشهد.

ففي يناير 2023، تعهد خليفة حفتر بالانسحاب من الانتخابات الرئاسية الليبية بشرط السماح لأبنائه، صدام وبلقاسم، بالترشح. 

وأمام تواصل الولايات المتحدة في الوقت الراهن مع الضباط العسكريين الليبيين من الشرق والغرب، فقد بحث القائم بالأعمال بسفارة أميركا لدى ليبيا جيرمي برنت ببنغازي في 13 يناير 2025 مع رئيس أركان الوحدات الأمنية شرق ليبيا خالد حفتر "كيف يمكن لأميركا أن تدعم بشكل أفضل الجهود الليبية لتوحيد المؤسسات العسكرية وتعزيز قدرات قوات الأمن المهنية في جميع أنحاء ليبيا"، حسبما قالت السفارة عبر "إكس".

واشنطن على الخط

لكن "إنتلجنس أون لاين" قالت في تقريرها ذاته إن "القائم بالأعمال في السفارة الأميركية في ليبيا جيريمي بيرنت تحدث مع كل من خالد وصدام حفتر؛ لمحاولة إقناعهما بدعم خارطة طريق جديدة للأمم المتحدة للانتخابات الرئاسية، من خلال دعم تشكيل حكومة موحدة جديدة".

وكان خليفة حفتر طرح "مبادرة مصالحة وطنية" بليبيا بدون عرض بنودها للعلن خلال اجتماع تشاوري في بنغازي (شرق) مع رئيس لجنة الاتحاد الإفريقي للمصالحة الليبية، رئيس الكونغو برازافيل، ديني ساسو نغيسو، يوم 11 ديسمبر 2024.

وقال معلقون ليبيون إن ملخص المبادرة الجديدة لحفتر لا يختلف عما طرحه سابقا، من تصريحات عامة للاستهلاك المحلي، ولا يختلف عما يردده بقية الساسة الليبيين، بشأن توحيد الليبيين ونبذ الفرقة وعدم الارتهان لجهات خارجية، برغم أن حفتر هو من يفعل ذلك.

وتأتي تلك التحركات السياسية، في وقت من المقرر أن تنتهي ولاية بعثة الأمم المتحدة في ليبيا في نهاية شهر يناير 2025، لكن نائبة ممثلها الخاص للشؤون السياسية ستيفاني خوري مشغولة بتشكيل لجنة استشارية مكونة من 30 عضوا للنظر مرة أخرى في العقبات المحيطة بقوانين الانتخابات التي أقرها عقيلة صالح عام 2024.

وتقول خوري إن اللجنة ستصوغ مقترحات بشأن المبادئ التوجيهية التي يجب اتباعها في تشكيل الحكومة الجديدة.

ومع ذلك، فإن الموقف المتغير لتركيا الداعمة لحكومة الوحدة الوطنية قد يغير الوضع، في وقت استمرت فيه أنقرة في الأشهر الأخيرة في تعزيز علاقاتها مع سلطات خليفة حفتر.

كما يجري الدبلوماسيون الأتراك محادثات مع مصر، التي تدعم خليفة حفتر، وفرنسا لمناقشة مقترحات لإنهاء الوضع الراهن، وقد يؤدي سحب الدعم التركي للدبيبة إلى تعجيل رحيله، وفق ما ذكر موقع "إنتلجنس أون لاين" الفرنسي الاستخباراتي في تقرير له نشر في 17 يناير 2025.

وفي السياق، رأى رئيس "الاتحاد الوطني للأحزاب الليبية"، أسعد زهيو، أن زيارة الدبيبة لأنقرة تأتي ضمن "سعي الدبيبة إلى توظيف الدور التركي في مواجهة خصومه السياسيين بالساحة الليبية، فيما تحاول تركيا تعزيز حضورها في تلك الساحة، التي من المتوقع أن تشهد تحولات واستحقاقات عدة قريبا".

وأوضح زهيو في تصريحات صحفية في 18 يناير 2025 أن "الدبيبة أراد تأكيد أن أنقرة لا تزال تدعم حكومته، وتتمسك بشرعيتها واستمراريتها بالمشهد، وذلك ردا على استمرار مساعي خصومه السياسيين لتشكيل حكومة ليبية جديدة".

 وأردف قائلا: "والأهم أنها جاءت قبل شروع المبعوثة الأممية لدى ليبيا، ستيفاني خوري، في تنفيذ مبادرتها التي أطلقتها أخيرا، والتي تستهدف ضمن محاورها الرئيسة تشكيل حكومة موحدة، وبالطبع هذا يهدده".

وذهب زهيو للقول: "إن تركيا تريد بالمقابل إيصال رسالة للقوى الدولية الداعمة لمبادرة خوري بأنها لاعب رئيس مؤثر بالمشهد الليبي، ومن ثم ينبغي التنسيق معها".