توترات متزايدة بسبب لبنان.. هل تضحي إسرائيل بعلاقاتها مع فرنسا؟
يؤكد المعهد على أهمية الدور الفرنسي في معالجة الموقف مع حزب الله
أثارت تصريحات وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت "ضجة" داخل فرنسا وفي وزارة الخارجية الإسرائيلية، بعد مهاجمته قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنشاء لجنة لتعزيز الحلول في لبنان.
وعززت تلك التصريحات التوترات الدبلوماسية بين إسرائيل وفرنسا حول القضايا الأمنية في لبنان، كما سلطت الضوء على التحديات التي تواجهها تل أبيب في إدارة علاقاتها مع حلفائها في ظل التوترات الإقليمية.
في إطار ذلك، يحلل مقال نشره المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية "ميتفيم"، موقف غالانت من الجهود الفرنسية لاحتواء التصعيد على الحدود الجنوبية اللبنانية، ويتساءل عن مستقبل العلاقة بين تل أبيب وباريس، وأهمية ونفوذ الأخيرة في التأثير على بيروت.
علاقات متوترة
يشير في مطلع حديثه إلى "الجهود الدبلوماسية المضاعفة التي تبذلها كل من واشنطن وباريس، في الأسابيع الأخيرة لإحلال الهدوء في الشمال". وهي اتصالات أوضح المعهد أن إسرائيل فضلت بقاءها "سرية قدر الإمكان".
"لكن على عكس الولايات المتحدة التي أبقت تلك المحاولات طي الكتمان، فاجأت فرنسا إسرائيل بالكشف عن التحركات الأخيرة".
فبحسب المعهد العبري "قرر ماكرون أن يضع نفسه شخصيا على رأس السهم، بإعلانه (في 13 يونيو/حزيران 2024) عن إنشاء منتدى ثلاثي إسرائيلي فرنسي أميركي لوقف إطلاق النار ومنع التصعيد على الحدود اللبنانية"، ليأتي الرد سريعا على لسان غالانت.
فبعد 24 ساعة من إعلان ماكرون، صرح غالانت أن "إسرائيل لن تكون شريكة في لجنة تنظيم الوضع الأمني على الحدود الشمالية إذا شاركت فيها فرنسا"، كما اتهم باريس بتجاهل ما أسماها "فظائع" حركة المقاومة الإسلامية حماس.
من جانبها حاولت وزارة الخارجية الإسرائيلية تخفيف تداعيات الأضرار التي أحدثها هجوم غالانت غير التقليدي على فرنسا، إذ تسببت تصريحاته بـ"ضجة في باريس".
ويوضح المعهد أن "الخارجية الإسرائيلية ذّكرت بمشاركة فرنسا في إحباط الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل في منتصف أبريل/ نيسان 2024". وبدورها حاولت باريس ترميم الأمور وتجاوز هجوم غالانت.
إذ ينقل عن مسؤول فرنسي كبير قوله إنه "على الرغم من تصريح غالانت المفاجئ، فإن باريس مستعدة لمواصلة العمل مع جميع اللاعبين المعنيين، بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة، لتحقيق الهدوء".
وهاجم المعهد الإسرائيلي غالانت، ويرى أنه "يريد أن يثبت للفرنسيين أنه، حتى إسرائيل الصغيرة، لديها ما تقوله عن سياسة باريس في منطقتنا".
وعد "أن غالانت نجح بالتأكيد، لكن كان هناك ثمن، إذ تعرّض أفعاله المصالح الإسرائيلية للخطر، على المدى القصير والطويل".
ويفسر المعهد تصريحات غالانت بكونها "تعبر عن حقيقة مفادها أنه وغيره من كبار المسؤولين، يعتريهم مشاعر الإحباط من ماكرون وسياساته تجاه إسرائيل، وذلك في المقام الأول بسبب غزة".
ويبين ذلك بقوله: "على النقيض من واشنطن التي تعمل في الوقت الحاضر على احتواء العمل العسكري الإسرائيلي المحدود في رفح، أدانت باريس منذ البداية قرار الدخول إلى هناك".
وأضاف: "ربما كان قرار ماكرون حظر مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض إيروساتوري الدفاعي (17 - 21 يونيو)، القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لليمين الإسرائيلي".
ودعمت فرنسا ما أسمته "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس" بعد تنفيذ حركة المقاومة الإسلامية حماس عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر، لكنها بدأت بالتراجع مع تصاعد الجرائم الإسرائيلية واتهام تل أبيب بتنفيذ إبادة جماعية بحق المدنيين.
وفتح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو النار على ماكرون أخيرا وذكره بماضي بلاده وسط تزايد انتقادات الأخير للعدوان على غزة ومطالبته بوقف إطلاق النار.
فاعل قوي
وأرجع المعهد الهجوم الإسرائيلي على قرارات ماكرون، إلى "تفضيل إسرائيل أن يقود المبعوث الأميركي عاموس هوشستين الاتصالات مع لبنان". وبالرغم من ذلك، تبدو تل أبيب مضطرة لقبول الدور الفرنسي في المنطقة.
واستدرك: "ولكن مع تفاقم التصعيد في الشمال، فمن الواضح أن إسرائيل لا تملك ترف تجاهل الفرنسيين، وما يمكنهم تقديمه على الطاولة".
ويذّكر بالحضور الفرنسي البارز في لبنان على مختلف الأصعدة، قائلا: "بعيدا عن الروابط التاريخية بين باريس وبيروت بكل ما يرتبط بها من أعباء، فإن فرنسا حتى اليوم لاعب فاعل على الساحة الأمنية والسياسية والاقتصادية في بلاد الأرز".
وأكمل متحدثا عن حضورها العسكري في المنطقة: "وهي المساهم الرئيس بالجنود في قوة اليونيفيل (تابعة للأمم المتحدة وهدفها حفظ السلام) في جنوب لبنان، ويشكل جنودها احتياطي قيادة القوة".
واستحضر المعهد الدور الفرنسي إبان كارثة انفجار مرفأ بيروت عام 2020، وكيف استفادت باريس من تلك الأزمة في تعزيز نفوذها على الساحة اللبنانية.
وقال: "شكلت زيارات ماكرون بعد الانفجار القاتل في مرفأ بيروت، خطوة إلى الأمام في المشاركة الفرنسية بالحل السياسي لأزمة لبنان الحرجة، مما أعطى باريس نفوذا أكبر في البلاد".
وأردف: "لتحقيق هذه الغاية، حافظت فرنسا أيضا على علاقاتها مع الممثلين السياسيين لحزب الله، الذين لم يعدهم الاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، على النقيض من حماس".
في ضوء ذلك الواقع، يؤكد المعهد على أهمية الدور الفرنسي في معالجة الموقف مع حزب الله ولبنان عموما.
وبين أن "الترويج للحل الدبلوماسي للصراع مع لبنان أمر معقد، ويتطلب مشاركة عدد من الأطراف".
ويتابع: "أي تسوية مستقبلية يجب أن تعالج أيضا الوضع الداخلي في بيروت وليس فقط تبادل الضربات بين حزب الله وإسرائيل". وأكد أن فرنسا هي أكثر الدول الغربية التي تمتلك نفوذا داخل لبنان.
وذكر أنه "بالرغم من أن الولايات المتحدة ستعرف كيف تجلب أصولها معها، لكن فيما يتعلق بالتأثير على الساحة اللبنانية الداخلية، فمن المشكوك فيه أن يكون هناك لاعب خارجي -بخلاف إيران- يتمتع بنفس النفوذ الذي تحظى به فرنسا".
وأكمل: "يجب أن يضاف إلى ذلك الحقيقة التي أكد عليها الدبلوماسيون الإسرائيليون، وهي أن فرنسا ترى إسرائيل وجها لوجه في التهديد الإستراتيجي الذي تمثله إيران والأهمية التي ينبغي إيلاؤها له".
وينصح المعهد إسرائيل في ختام مقاله بـ "احتضان فرنسا والتعاون معها في كل المجالات، وليس التضحية بالعلاقات معها على مذبح السياسة الداخلية لحزب الليكود (برئاسة نتنياهو)، أو لوبي الصناعات الدفاعية".