الانشغال الأميركي الغربي بروسيا وإيران.. هل يدفع الصين لغزو تايوان؟

12

طباعة

مشاركة

يثير الانشغال الأميركي الغربي بالحرب الروسية في أوكرانيا وتوترات الشرق الأوسط، شهوة الصين لتطويق جزيرة تايوان والسيطرة عليها.

وأعلنت قناة CCTV التي تديرها الحكومة الصينية في 19 أكتوبر/تشرين أول 2024 أن رئيس جمهورية الصين الشعبية، شي جين بينغ، "أمر الجيش بالاستعداد الفوري للحرب" بعد زيارته فيلق الصواريخ، وأمرهم "بزيادة القدرة القتالية وبدء الردع".

ومنذ فترة، لم تستبعد الصين استخدام القوة للسيطرة على تايوان لكن ما يحدث هذه المرة قد يشير لتحرك جدي لاحتلال الجزيرة وتحدي أميركا والغرب بالحرب لو تدخلوا.

وظهر "شي جين بينغ" بالزي العسكري، وهو يدعو الجيش إلى "تعزيز التدريب والاستعداد للحرب بشكل شامل"، ما أثار التكهنات حول قربها مع انشغال الولايات المتحدة بروسيا وبانتخاباتها الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.

ما الجديد؟

واعتادت الصين وجيشها إجراء مناورات عسكرية قرب تايوان التي تعدها جزءا من أراضيها، للضغط على حكومة الجزيرة وتذكيرها أنه لا مجال للانفصال عن البلد الأم.

لكن المناورات التي جرت هذا العام في 14 أكتوبر شهدت حصارا كاملا على تايوان أشبه ببروفة لاحتلالها؛ حيث نشرت بكين سفنا حربية وطائرات مقاتلة وقاذفات صواريخ متنقلة، وحاملة الطائرات الصينية لياونينغ.

وحذرت وزارة الدفاع التايوانية من أن تحركات الصين الأخيرة تتعلق باختبار قدرتها على غزو تايوان ومواجهة التدخل الأجنبي المحتمل من خلال الجمع بين التكتيكات التقليدية وغير التقليدية. 

وجاءت المناورات الحربية الصينية بعد 4 أيام من خطاب ألقاه الرئيس التايواني "لاي تشينغ تي"، قال فيه إنه "يستحيل تماما" أن تصبح الصين الشيوعية الوطن الأم لتايوان، وإن الأخيرة بالفعل "دولة مستقلة وذات سيادة".

وقوله "إن الصين ليس لها الحق في تمثيل تايوان"، و"شعب تايوان وحده هو القادر على تقرير مستقبله"، ما أثار استنكارا شديدا من جانب الصين، ودفعها للقيام بمناورات عسكرية تجريبية لاحتلال تايوان.

وأصدرت وزارة الدفاع الصينية تحذيرا قالت فيه إن "هذه التدريبات ليست تكرارا للمناورات الحربية السابقة "السيف المشترك 2024" التي جرت في مايو/أيار، بل لزيادة الضغوط ضد استقلال تايوان.

قالت في بيان إن تصرفات جيش التحرير الشعبي سيتم دفعها إلى أبعد من ذلك مع كل استفزاز من أجل "استقلال تايوان"، حتى يتم حل القضية بشكل كامل.

وتعهد الجيش الصيني باتخاذ مزيد من الإجراءات ضد تايوان إذا لزم الأمر، ووصف مناوراته الحربية بأنها "تحذير صارم من الأعمال الانفصالية التي تقوم بها قوات استقلال تايوان"، وفق وكالة "رويترز" البريطانية 14 أكتوبر 2024.

وقال وزير الدفاع الصيني إن أي شخص يجرؤ على فصل تايوان عن الصين "سينتهي به الأمر إلى تدمير نفسه".

وتعهد القادة الصينيون المتعاقبون بالسيطرة على تايوان في المستقبل لكن "شي جين بينغ"، الزعيم الصيني الحالي الأكثر تشددا منذ عقود، صعد من خطابه ضدها، مما أدى إلى تأجيج التوتر مع الجزيرة والغرب، وإثارة المخاوف بشأن مواجهة عسكرية.

ورغم عدم سيطرته على تايوان أبدا، تعهد الحزب الشيوعي الحاكم في الصين "بإعادة الوحدة" بالقوة إذا لزم الأمر مع الجزيرة الديمقراطية التي تتمتع بالحكم الذاتي.

إعادة تدويل

وتستند تايوان وحاميتها الولايات المتحدة الأميركية على حجج تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان لرفض إعادة توحيد تايوان مع الوطن الأم (الصين). 

لكن شبكة تلفزيون الصين الدولية (GGTN) شرحت في تقرير بثته 15 أكتوبر 2024، أن تايوان تحاول، بدعم غربي، الترويج للفكرة الانفصالية بوصف ما يجرى على أنه "نزاع بين الديمقراطية والاستبداد".

قالت إن تايوان (والغرب من خلفها) تحاول تعزيز "تدويل قضية الجزيرة" تحت ستار "الديمقراطية"، بغية "الاعتماد على الدول الأجنبية للسعي إلى الاستقلال".

كما تدعي أنها "تقف بحزم في موقع رئيس متقدم لسلسلة توريد الديمقراطية الغربية العالمية"، بينما ما يجرى فعلا هو "نضال" البر الرئيس (الصين) ضد "استقلال تايوان"، وصراع بين إعادة التوحيد والانفصالية. 

وضمن محاولاتها ضمّها تسعى الصين إلى "تدويل" مضيق تايوان من خلال الجمع بين العمل العسكري وعمليات إنفاذ القانون، مثل نشر سفن خفر السواحل الصينية لتنفيذ دوريات في المياه الشرقية للجزيرة.

وبحسب وسائل إعلام تايوانية، فإن الصين تتبع في ذلك أربعة تكتيكات رئيسة ويشمل ذلك الدوريات المشتركة وتكتيكات المنطقة الرمادية والتدريبات العسكرية واسعة النطاق وعمليات التدريب المنسقة.

ومن بين هذه التكتيكات، أصبحت الدوريات المشتركة سمة متكررة، حيث أجرت القوات الصينية عمليات جوية وبحرية مشتركة ثلاث إلى أربع مرات في الشهر.

وتهدف هذه الإجراءات، بحسب وزارة الدفاع التايوانية، إلى زيادة التهديد العسكري ضد تايوان.

وخلال التدريبات العسكرية واسعة النطاق التي أجرتها في مايو وأغسطس/آب وأكتوبر 2024، نظمت الصين دوريات لخفر السواحل في المياه الشرقية لتايوان تحت ستار أنشطة إنفاذ القانون، لتعزيز هدفها المتمثل في السيطرة على المضيق.

ويتوقع المسؤولون العسكريون التايوانيون أيضا دمج "قانون خفر السواحل" الصيني الجديد، والذي يسمح باستخدام القوة من قبل وحداته أثناء العمليات البحرية. 

كما يتوقعون أن تلجأ الصين بشكل متزايد إلى مزيج من الحرب القانونية والمعرفية وتكتيكات المنطقة الرمادية للضغط على تايوان.

وهدد قادة الصين تايوان بالغزو العسكري والصدام مع الولايات المتحدة عدة مرات، خاصة حين أصرت رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي، على زيارة الجزيرة في 2 أغسطس 2022.

وحين اختبرت أميركا نية الصين مرة أخرى بزيارة وفد من الكونغرس تايوان في الفترة من 14 إلى 15 أغسطس 2022، تكررت نفس التهديدات وتنفيذ غزو شامل للجزيرة، لكن بكين عادت لتعلن تمسكها بخطط الضم سلميا.

دور الشرق الأوسط

وهذه المرة أيضا تكررت التهديدات الصينية بغزو شامل لتايوان، بحجة تصريحات رئيسها التي ترفض الضم وتأكيده أنها دولة مستقلة ذات سيادة، لكن تقديرات صحف أجنبية ومحللين أشارت للأمر ضمن التغييرات العالمية الحالية.

وأبرزها ما أنتجه "طوفان الأقصى" من حالة سيولة في العالم وتوقعات حروب عالمية تندلع انطلاقا من الشرق الأوسط هذه المرة، وتمتد لمناطق أخرى خاصة الصين وتايوان، وروسيا وأوكرانيا والكوريتين.

وتقول مجلة "إيكونوميست" البريطانية 17 أكتوبر 2024 إن الصين قد تعلل غزو تايوان هذه المرة وإجراء مناورات بحجة الخطاب العدائي لرئيس تايوان.

وتصف الصين رئيس تايوان من قبل توليه السلطة بأنه أحد صقور ومتطرفي الانفصال، وهو مشهور بخطاباته الانفصالية اللاذعة ضد الصين ويكررها كل شهر تقريبا.

وقد أشار تقرير لشبكة "بي بي سي" البريطانية في 22 أكتوبر إلى وجود قلق أميركي من استغلال بكين الأوضاع الحالية المتوترة في العالم (بعد طوفان الأقصى والحروب المندلعة في غزة ولبنان واحتمال توسع الحرب لتنال إيران) لتصعيد وغزو تايوان.

نقلت عن "مسؤول أميركي" قوله إن "واشنطن حريصة على خفض التوترات مع بكين نظرا لتركيز الولايات المتحدة الحالي على الصراعات في الشرق الأوسط وأوروبا"، مع تأكيده أن التهديد الأطول أمدا لواشنطن لا يزال يأتي من بكين.

وضمن محاولتها فرض أمر واقع لضم تايوان تعبر السفن والطائرات الصينية بانتظام إلى الأراضي والمجال الجوي التايواني، ضمن ما يُسمى "تكتيك حرب المنطقة الرمادية"، الذي يهدف إلى تطبيع التوغلات وإضعاف الجزيرة لفترة طويلة.

وعلى مدى العامين الماضيين، كثفت الصين ما يسمى بعمليات "المنطقة الرمادية"، والتي تمثل "أنشطة لا ترقى إلى مستوى الحرب" في مضيق تايوان، حسبما ذكرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية في 14 أكتوبر 2024.

وأكدت أن الاستخبارات الأميركية تتوقع صدور تعليمات لجيش الصين بأن يكون "جاهزا بحلول عام 2027" لعبور المضيق الذي يبلغ طوله 180 كيلومترا وعرضه 110 أميال، وغزو تايوان، لأنه عام الذكرى المئوية لتأسيس الجيش الصيني.

كما تفرض الصين نفسها على المنطقة عبر تهديد متزايد في المجال الجوي والمياه ومجال المعلومات في شرق آسيا.

وعلى مدى عقود من الزمان، كانت حكومتا بكين وتايبيه متفقتين على عدم عبور خط وسط غير رسمي يقسم المضيق بينهما، لكن الآن "تعبر الصين هذا الخط بشكل شبه يومي، بحرا وجوا"، وفق مراسل هيئة الإذاعة البريطانية في آسيا روبرت وينجفيلد هايز.

وهو ما يجعل "التوغلات المستمرة" من جانب بكين بمثابة "برميل بارود"، وفق شبكة "سي إن إن" الأميركية.

لذا أبدى المحلل العسكري في صحيفة "نيويورك تايمز" "بن لويس" تخوفه من أن "الوجود الصيني الطبيعي الآن حول تايوان يزيد من خطر الحرب ويمنح الصين التدريب العملي الحاسم الذي قد تحتاج إليه ذات يوم للاستيلاء على الجزيرة.

ويحاول حلفاء تايوان، خاصة الولايات المتحدة، نقل رسائل للصين أنهم يرفضون ذلك بمناورات مشابهة مع تايوان.

آلية التنفيذ

وعلى مدى عقود من الزمن، كان أسطول المحيط الهادئ الأميركي هو البحرية الأجنبية الوحيدة التي تعبر بشكل منتظم مضيق تايوان الذي يفصل بين الجانبين لتأكيد حرية الملاحة.

لكن في الآونة الأخيرة، انضم حلفاء آخرون للولايات المتحدة، بما في ذلك كندا وألمانيا وأستراليا واليابان، إلى هذه الدوريات كجزء مما يسمى بالعمليات "عالية الوضوح".

وكان آخرها منتصف أكتوبر 2024 حين أبحرت أميركا وكندا بسفنهما الحربية عبر مياه تايوان.

ويقول المحللون إن هذا يمثل إشارات متزايدة من الصين والولايات المتحدة ففي حين تؤكد بكين على مطالباتها بشأن تايوان، توضح واشنطن دعمها للجزيرة.

وعن آلية الغزو المتوقعة، قال رئيس القيادة الأميركية في المحيطين الهندي والهادئ الأدميرال صامويل بابارو، إنه من المرجح أن تتلخص إستراتيجية الصين في "شن هجوم ضخم دون سابق إنذار".

أكد لصحيفة "واشنطن بوست" في يونيو/حزيران 2024، أن "الرئيس الصيني لا يريد أن يكرر خطأ نظيره الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا في عام 2022، عندما فشل الغزو الروسي الأوّلي الشامل وتحول إلى حرب استنزاف طويلة".

لذا توقع تقرير لموقع "بيزنس إنسايدر" في 8 أكتوبر 2024 أن يتحول المضيق الذي يفصل جزيرة تايوان عن البر الرئيس (الصين) في الساعات الأولى من الغزو الصيني، إلى "ساحة معركة شرسة.

نقل توقع خبراء، نشر الصين أسلحة مثل الصواريخ والسفن الحربية، وأساطيل ضخمة من الطائرات بدون طيار تحجب السماء وطائرات بحرية تختبئ تحت الأمواج، ما سيحمل معه تهديدا مميتا لا تايوان ولا حلفاؤها لديهم استعداد لمواجهته.

وهو ما يعني أن أي غزو "سيكون واحدا من أخطر الأحداث وأكثرها تأثيرا في القرن الحادي والعشرين"، "وسيجعل الهجوم الروسي على أوكرانيا يبدو كأنه عرض جانبي بالمقارنة"، كما تقول صحيفة "التايمز" البريطانية.

وتتفوق بكين بشكل كبير على تايوان عسكريا، حيث تشير تقديرات "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" إلى أن الصين أنفقت على جيشها عام 2023 فقط 296 مليار دولار، وهو ما يعادل نصف إنفاق بقية آسيا وأوقيانوسيا بأكملها. 

لكن تايوان لديها اتفاقية دفاع مع الولايات المتحدة يعود تاريخها إلى معاهدة الدفاع المتبادل الصينية الأميركية لعام 1954، مما يعني أن واشنطن يمكن أن تتورط في الصراع.

وفي هذا السياق، ترى مجلة "الإيكونوميست" البريطانية أن اندلاع أي صراع من شأنه أن يشكل "كارثة". 

ويرجع هذا في المقام الأول إلى "إراقة الدماء في تايوان"، ولكن أيضا بسبب خطر " التصعيد بين القوتين النوويتين "، وهما الولايات المتحدة والصين.

ومثل هذا الحدث قد يخلف تداعيات سريعة تتجاوز الجزيرة، لتشمل اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة ودولا أخرى في حلف شمال الأطلسي "الناتو".

وعن أسباب تأخر الهجوم، قالت مجلة "فورين بوليسي" في 10 أغسطس 2022 إن هناك سلسلة مخاطر تمنع الصين من غزو تايوان عسكريا، أقلها تجربة أوكرانيا التي أظهرت أن دولة صغيرة موحدة وذات إرادة قادرة على تضييع هيبة دولة كبرى والصمود أمامها واستنزافها.

فقد أثبتت الحرب الأوكرانية أن دولة صغيرة لديها إرادة قوية للقتال يمكنها الصمود أمام عدو أكبر، علماً بأن أوكرانيا لديها حدود برية واسعة وسهلية مع روسيا، بينما تعمل الجغرافيا لصالح تايوان، الجزيرة التي تحيطها المياه من كل اتجاه.

كما أن غزو جزيرة تايوان مغامرة محفوفة بالمخاطر للعملاق الصيني قد تخلق حربا واسعة النطاق مع الولايات المتحدة وصداما مع اليابان. 

أيضا سيكون لقرار شن عملية عسكرية ضد تايوان عواقب وخيمة على اقتصاد الصين وعلاقاتها التجارية الخارجية، ويمكن أن يتبع الغزو الصيني لتايوان ركود اقتصادي في الداخل. 

إذ يتشابك اقتصاد جنوب الصين مع الموردين التايوانيين ورؤوس الأموال التايوانية، التي ستدمرها الحرب.

كما أن الغزو قد يدفع الغرب لفرض حصار اقتصادي على الصين كما فعل مع روسيا ما سيلحق مزيدا من الضرر بها.

سبب آخر يعرقل الغزو هو سيطرة تايوان على جزء كبير من صناعة أشباه الموصلات في العالم عبر شركة TSMC التي تمتلك نحو نصف حصة سوق هذه الصناعة في العالم، والتي يبلغ حجمها نحو 100 مليار دولار وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال 15 أغسطس 2022.