بعد قطيعة 8 سنوات.. ما سر رغبة البحرين المفاجئة في التطبيع مع إيران؟

حسن عبود | 5 months ago

12

طباعة

مشاركة

على خطا جارتها وحليفتها الكبرى السعودية، ترغب البحرين بإعادة تطبيع العلاقات مع إيران بعد قطيعة تجاوزت 8 سنوات وكونها الدولة الوحيدة في منطقة الخليج التي لم تتخذ هذه الخطوة بعد.

وعبر هذه الخطوة، تريد البحرين أن تحذو حذو السعودية التي استأنفت علاقاتها مع إيران بوساطة صينية في 10 مارس/ آذار 2023 وقبلها الإمارات التي أعادت توثيق علاقتها بنظام الملالي.

ويبدو أن البحرين ستلجأ إلى الوساطة الروسية لا الصينية على الرغم من إطلاق ملكها حمد بن عيسى آل خليفة تصريحات حول العلاقات مع إيران من البلدين.

رغبة مفاجئة 

وكشف رئيس الشؤون السياسية في مكتب الرئاسة الإيرانية، محمد جمشيدي، في 7 يونيو/حزيران 2024، عن طلب البحرين وساطة روسيا من أجل تطبيع العلاقات مع إيران.

وأوضح جمشيدي في حوار مع التلفزيون الإيراني أن البحرين سبق أن طلبت بشكل مباشر من الحكومة الإيرانية إحياء العلاقات معها، ثم طلبت من روسيا التوسط للغرض نفسه.

وأضاف المسؤول الإيراني أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، طلب من الرئيس الصيني، شي جين بينغ، التدخل لاستئناف علاقات الرياض مع طهران، وهو ما جرى في اتفاق ثلاثي في مارس 2023 في العاصمة الصينية بكين.

وفي يناير/كانون الثاني 2016 أعلنت البحرين قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، إثر تهم متكررة بالتدخل في شؤونها، وذلك بعد يوم من اتخاذ السعودية القرار نفسه عقب اقتحام محتجين سفارة الأخيرة في العاصمة طهران وقنصليتها بمدينة مشهد.

ومن الصين التي توسطت بين الرياض وطهران، قال عاهل البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، في 31 مايو/أيار 2024، إن بلاده "تسعى إلى عودة العلاقات الدبلوماسية مع إيران كجارة".

وأضاف خلال لقاء مع رئيس مجلس الدولة بالصين “لي تشيانغ”، على هامش زيارته لبكين: “نرحب بدعمكم لهذا المسعى (التطبيع مع إيران) لإرساء السلام وعودة الاستقرار في المنطقة”.

وأردف: "بصفتنا دعاة للسلام والتسامح والتعايش الإنساني، فإننا نؤمن بضرورة اعتماد نهج الحوار والدبلوماسية السلمية القائم على حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية".

وكان أول تصريحات ملك البحرين بهذا الخصوص، جاء في لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالكرملين في 23 مايو.

وأشار وقتها إلى "تطلع مملكة البحرين، بدعم من الدول العربية وروسيا، إلى تحقيق مبادئ حسن الجوار للحفاظ على علاقات طبيعية ودبلوماسية وتجارية وثقافية مع دول الجوار".

وأكد أن "دعم روسيا والرئيس بوتين (في هذا الخصوص) هو شيء مرحب به من جانب أهل البحرين ومن جانبه بشكل شخصي".

وعبر عن "تطلع مملكة البحرين لتحسين علاقاتها مع إيران"، مؤكدا أنه "لا مشاكل لدينا معها ولا يوجد سبب لتأجيل عودة العلاقات بين البلدين".

وفي لهجة تظهر التودد والرغبة الكبيرة في حل الأزمة، قال الملك: "أهل البحرين يحبون إيران وزيارتها ولهم تاريخ معها".

وبعدها بثلاثة أيام، رحب المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، بتصريحات الملك البحريني، وقال: "إنها ستكون محل اهتمامنا".

كما شكر كنعاني البحرين على رسائل التعزية بوفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان، ومشاركة وزير خارجيتها عبداللطيف بن راشد الزياني في مراسم العزاء في طهران.

الأسباب والتوقيت

وبالحديث عن أسباب جنوح البحرين للتطبيع مع إيران في هذا التوقيت، لا يمكن فصل هذه الخطوة عن التقارب الأخير بين الرياض وطهران.

إذ بدأت علاقات البحرين وإيران بالتحسن تدريجيا كما هدأت التصريحات الهجومية بين الطرفين، بعد اتفاق التطبيع بين الرياض وطهران.

ومن المعروف أن البحرين تتبع نفس خطوات جارتها وحليفتها الكبرى السعودية، إلى درجة أن الكثير من المراقبين والناشطين يطلقون عليها “مملكة الريتويت”، أي أنها تعيد تغريد وإصدار نفس بيانات الرياض وتتخذ نفس مواقفها.

ويقول الكاتب السعودي تركي الشلهوب ف تغريدة على “إكس”: “معروفٌ أن النظام البحريني وظيفته عمل ريتويت لنظام ابن سلمان، ويبدو أن طلب حمد بن عيسى تحسين علاقاته مع طهران جاء بأوامر من مبس الذي خضع قبله”.

وما يدلل على ذلك، اتخاذ البحرين قرار قطع العلاقات مع إيران بعد يوم واحد فقط من توجه السعودية نحو هذه الخطوة بعد الاعتداء على ممثلياتها الدبلوماسية.

وجاء الهجوم على الممثليات بعد إعدام السعودية رجل الدين الشيعي البارز نمر باقر النمر لإدانته في "إشعال الفتنة الطائفية، والخروج على ولي الأمر".

وعندما قطعت البحرين علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، في 4 يناير 2016، وُجِّه لها اتهام بالتدخل في الشؤون الداخلية للسعودية.

وإضافة إلى ذلك السبب، اتهام إيران بدعم "إرهابيين" على أراضيها، وهي تهمة رددتها على مدار السنوات الماضية.

وبعد التطبيع السعودي الإيراني وقبلها عودة التمثيل الدبلوماسي الكامل بين طهران وأبوظبي في أغسطس/آب 2022، بقيت البحرين الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تطبع العلاقات مع إيران.

إذ أعلنت الإمارات، في 4 يناير 2016 كذلك، تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع إيران إلى مستوى قائم بالأعمال، و"تخفيض عدد الدبلوماسيين الإيرانيين في الدولة".

وقالت وزارة الخارجية وقتها إن "هذه الخطوة الاستثنائية اتخذت في ضوء التدخل الإيراني المستمر في الشأن الداخلي الخليجي والعربي، الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة في الآونة الأخيرة".

وهو ما يشير إلى أن الخطوة الثلاثية كانت منسقة وأن العودة للتطبيع تأتي كذلك بقرار مشترك من الدول ذاتها.

وفي حديثها عن التودد البحريني المفاجئ، رصدت وكالة مهر الإيرانية خلال تقرير نشرته في 28 مايو، 3 أسباب دفعت المنامة للتقرب من طهران، أولها أن البحرين أصغر دولة في مجلس التعاون الخليجي، تتبع سياسات المملكة العربية السعودية.

وثانيا، أن حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان اللذين قضيا أخيرا في تحطم مروحيتهما، اتبعت سياسة التقارب وتطوير العلاقات والتصرف بصدق وتجنب المواقف المتسرعة مع دول الجوار، مما أقنع السعودية والبحرين بالنوايا الحسنة لطهران.

أما العامل الثالث المؤثر في هذا المجال فهو تراجع النفوذ الأميركي بالمنطقة وضعف قدرتها على ممارسة الضغط على الدول الأخرى (ومنها دول الخليج) كما كان الحال عليه في العقود السابقة.

أبرز الخلافات

وتشوب العلاقات بين البحرين وإيران عدة نقاط خلافية وقضايا عالقة تعكر صفو أي تقدم نحو التطبيع وتزيد عدم الثقة المتبادلة بينهما.

ومن بينها ملف حقوق الإنسان في البحرين، حيث تسجن المملكة معارضين شيعة مقربين من إيران ينددون بحملات القمع والاعتقال على خلفية آرائهم.

وكان آخر تبادل للاتهامات والتصريحات في هذا الملف جرت في سبتمبر/أيلول 2023، عندما دعت البحرين، المسؤولين الإيرانيين، إلى "عدم الانجرار وراء معلومات مغلوطة تسيء إلى العلاقات بين البلدين".

وجاء ذلك في بيان لوزارة الخارجية البحرينية في 6 سبتمبر، قالت إنه ردا على تصريحات من نظيرتها الإيرانية، بشأن أوضاع السجناء في المملكة.

وأعربت الخارجية البحرينية في بيانها، عن "استنكارها الشديد" للتصريحات التي صدرت عن متحدث الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني بشأن "أوضاع السجناء في المملكة"، وترى أنها تعد "تدخلا في الشؤون الداخلية".

وكان كنعاني قال إن إيران تشعر بقلقٍ بالغٍ إزاء إضراب المعتقلين السّياسيين عن الطّعام، بسبب سوء ظروف السّجون في البحرين.

وأكد خلال مؤتمرٍ صحفي في 4 سبتمبر 2023، أن الحكومة في طهران تلقت معلومات من مصادر مختلفة، تفيد بتدهور الأوضاع الإنسانيّة والحقوقيّة داخل سجون البحرين، أدت إلى إعلان مئات المعتقلين الإضراب عن الطعام.

وطالب حكومة البحرين بالتحرك السريع، ومتابعة مطالب المعتقلين السّياسيين والاستجابة لها لإنهاء هذه الأزمة.

وأكد كنعاني أن المفاوضات السرية مع دول الجوار جزء من جوهر الدبلوماسيّة، وبطبيعة الحال فإن طهران تتابع القضايا ضمن الأطر المحددة، بالنسبة لبعض دول المنطقة وستعلن النتائج، وهذا أمر طبيعيّ.

وكان مئات المعتقلين في سجن جو المركزيّ، دخلوا إضرابا عن الطعام في 7 أغسطس/ آب 2023، احتجاجا على ظروف الاحتجاز المزرية والحرمان من الرعاية الصحية، ورفضا لإجبار بعض الحالات على قضاء 23 ساعة يوميا في زنازينهم.

وطالب هؤلاء بوضع حد للحبس الانفراديّ المطوّل، والتّوقّف عن حرمانهم من صلاة الجماعة في مسجد السجن، والسّماح لهم بالزيارات العائلية دون حواجز زجاجية، وتوفير الرعاية الصحية، وفق صحيفة “منامة بوست” المعارضة.

في المقابل، أفرجت البحرين عن سجناء سياسيين عشية عيد الفطر عام 2024، وهي خطوة وصفها كنعاني بأنها إيجابية و"تحرك في الاتجاه الصحيح".

وفي أبريل/نيسان 2024، أصدر ملك البحرين مرسوما ملكيا بالعفو عن 1584 شخصا يواجهون اتهامات جنائية و"قضايا شغب"، بحسب ما أفادت وسائل إعلامية رسمية، في أكبر عملية عفو جماعي من نوعها منذ سنوات، دون تحديد عدد المعتقلين السياسيين منهم.

وأعرب كنعاني عن أمله في أن تستكمل البحرين هذا الإجراء من خلال إطلاق سراح سائر السجناء السياسيين واتخاذ خطوات لاحقة مناسبة.

لكن ليس هذا الملف الوحيد الذي يزيد عدم الثقة بين الجانبين، حيث ترفض إيران التطبيع العربي والإسلامي مع إسرائيل وتعمل ضد الأخيرة عبر وكلائها المنتشرين في المنطقة.

ومن بينهم معارضو البحرين الذين يخرجون بين حين وآخر في مسيرات داعمة للقضية الفلسطينية ورافضة للعلاقات مع إسرائيل، حيث طبعت المملكة الخليجية مع الأخيرة عام 2020.

كذلك تنظر البحرين بريبة وقلق إلى دعم إيران جماعة "سرايا الأشتر" البحرينية التي أعلنت مطلع مايو 2024 قصف الشركة المسؤولة عن النقل البري في مدينة إيلات المحتلة عبر طائرات مسيرة ثم أفادت بعدها بيومين بتنفيذ هجوم آخر على نفس المنطقة.

وبينت السرايا أن الهجمات تأتي نصرة للفلسطينيين ودفاعا عنهم "في وجه الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة"، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ولم توضح الجهة التي انطلقت منها هذه الطائرات المسيرة، لكن قادة وعناصر السرايا يقيمون في إيران بعد تصنيفهم جماعة إرهابية بالبحرين.

كما تعد إيران موطنا للعديد من شخصيات المعارضة البحرينية، الذين جرى إسقاط جنسيات بعضهم، وأيضا تستضيف قيادات من جمعية الوفاق الوطني الإسلامية المنحلة، إلى جانب شخصيات تطالب بتغيير النظام في البحرين.

فرص ومخاوف

وعن فرص التطبيع بشكل رسمي، يقول الباحث السعودي حسن المصطفى إن استعادة العلاقات دون معالجة الأسباب الجذرية للمشاكل سيؤدي إلى ظهور الأزمات من جديد.

وتابع خلال مقال رأي على صحيفة "عرب نيوز" السعودية الناطقة بالإنجليزية في 5 يونيو أنه "لطالما اشتكت البحرين من تدخلات إيران في شؤونها الداخلية، فيما تدعي طهران أنها لا تعبر إلا عن مواقف سياسية عامة داعمة لمطالب المعارضة البحرينية”. 

لكن الحكومة في المنامة ترى في ذلك تدخلا في شأن محلي لا ينبغي لإيران أن تتدخل فيه، ولذلك فإن “العلاقات بين البلدين معقدة من الناحية الأمنية”.

وتابع الكاتب: قال لي مصدر يراقب العلاقات البحرينية الإيرانية إن "إيران عنيدة، حيث حاولت سلطنة عمان تسهيل حدوث انفراج في العلاقات بين المنامة وطهران، لكن الأخيرة لم تغير مواقفها”. 

ونقل عن المصدر قوله: “إيران تريد من البحرين إطلاق سراح السجناء الشيعة والسماح للمعارضة بالعودة والعمل داخل البلاد، مقابل إعادة العلاقات بين البلدين”.

وبحسب المصدر فإن إيران ترى أن “الحكومة البحرينية لن تقبل بهذا الموقف لأنها تعده تدخلا في شأن داخلي. ولا يمكن للمنامة أن تمنح طهران امتيازات غير مستحقة، لأن ذلك يشكل انتهاكا لسيادة البلاد".

ومن بين الدول العربية في منطقة الخليج، فإن البحرين، وهي دولة ذات أغلبية شيعية تحكمها أقلية سنية، لديها أقل الحوافز للانفتاح على طهران، التي يتمثل هدفها النهائي في الإطاحة بالنخبة الحاكمة الحالية في المنامة، وفق مراقبين.

ولكن يشير التقارب بين طهران والمنامة إلى أن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة يشعرون بالتخلي عنهم ويرون أن تقديم التنازلات لطهران هو الخيار الأفضل لهم، وفق ما قالت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية (أميركية موالية لإسرائيل) في 26 مايو 2024.

ويأتي التودد البحريني لإيران على الرغم من أن المملكة الخليجية تستضيف الأسطول الخامس للبحرية الأميركية، وقد جرى تصنيفها كحليف رئيس من خارج حلف شمال الأطلسي “الناتو” و"شريك أمني رئيس" للولايات المتحدة. 

وتعد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن البحرين من بين “أطول وأقرب شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط”. 

لكن يبدو أن الدولة الخليجية الصغيرة تسير على خطا حلفائها في السعودية والإمارات الذين بدأوا في تطوير علاقاتهم أخيرا خارج المظلة الأميركية الغربية، خاصة مع الصين وروسيا.

وأوضح مركز الدفاع عن الديمقراطية أن “إستراتيجية إيران تجاه دول مجلس التعاون الخليجي تتمثل في تعزيز التكيف بشكل أكبر مع أجندتها التعديلية والتحوط بعيدا عن النظام الموالي لأميركا”.

وتابع: “تفعل طهران ذلك من خلال الترهيب عبر القوات الوكيلة، تليها دعوات لخفض التصعيد، وهذا يشبه طعن شخص ما أولا ثم مصافحته”. 

وفي حين وقعت أبو ظبي والرياض فريسة لهذه الإستراتيجية، يمكن للمنامة، بل وينبغي لها، أن تقاوم إغراء معاملة مشعل الحرائق في المنطقة بصفته رجل الإطفاء، وفق المركز.