تقرير رسمي يكشف تراجع المغرب بمؤشر الفساد.. ماذا عن مسؤولية حكومة أخنوش؟
“هذه الحكومة جزء من المشكل المرتبط بتنامي الفساد في المغرب”
أثارت مؤسسة رسمية معنية بمحاربة الفساد بالمغرب غضب حكومة رجل الأعمال عزيز أخنوش، بعد أن أصدرت تقريرا ينتقد الجهاز التنفيذي ويرسم صورة سوداء لانتشار الفساد في البلاد.
وكشف رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، محمد بشير الراشدي، أن المغرب حصل على درجة 100/38 في مؤشر مدركات الفساد لعام 2023، ليتراجع بذلك بخمس نقاط خلال السنوات الخمس الأخيرة.
وأوضح الراشدي خلال ندوة صحفية في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2024، أن هذا التراجع انعكس أيضا على ترتيب المغرب، حيث انتقل من الرتبة 73 ضمن 180 دولة عام 2018 إلى الرتبة 97 عام 2023، متراجعا بـ24 رتبة خلال السنوات الخمس الأخيرة.
وأضاف أن التشخيص الذي قامت به الهيئة أبرز أن المغرب احتل على المستوى العربي الرتبة التاسعة ومتبوعا بـ12 دولة، ووقف على تراجع ترتيبه بدرجتين على المستوى الإفريقي محتلا مرتبة وسطى ومسبوقا بـ16 دولة.
فجوة ملحوظة
وأكد الراشدي تراجع المغرب في المؤشرات الفرعية المتعلقة باستقلال القضاء وحرية الصحافة وبالخدمات على الأنترنيت، والمنبثقة عن مؤشر النزاهة العمومية الذي يصدره مركز الأبحاث الأوروبي لمكافحة الفساد وبناء الدولة(ERCAS).
ورصدت الهيئة "الفجوة الملحوظة بخصوص مدركات المواطنين حول فعالية جهود الحكومة للتصدي للفساد في الإدارة العمومية، والتي خلص إليها البارومتر الإفريقي (مركز بحثي) الذي أكد على تزايد الإدراك بتفاقم الفساد، خاصة لدى الطبقات الفقيرة والمهمشة والمناطق النائية، مما يدل على أن تكاليف الفساد المرتفعة تتحملها الفئات الضعيفة".
كما وقفت الهيئة على احتلال الفساد المرتبة الثانية من بين العوائق الرئيسة أمام المقاولات في المغرب، حسب نتائج البحث الميداني الذي تم إنجازه من طرف البنك الدولي المتعلق بالمقاولات لسنة 2023.
ورصدت الهيئة تطور وضعية الفساد في المغرب حسب مصادر البيانات المكونة لمؤشر الإدراك، مسجلة تراجع البلاد بنقطة واحدة على مستوى مشروع أنماط الديمقراطية (V-Dem)، والتراجع بنقطتين على مستوى الدليل الدولي المخاطر الدول(ICRG) .
وشدد الراشدي على أن "هذه الآفة ذات الانعكاسات الاقتصادية الكبيرة والتي تمس الدول النامية كما المتقدمة، تكلف المغرب سنويا من 3,5 إلى 6 بالمئة من ناتجه الداخلي الخام، أي ما يمثل 50 مليار درهم (نحو 5 ملايين دولار)، في الوقت الذي تكلف 4 بالمئة من الناتج الخام العالمي، أي ما يعادل 2000 مليار دولار".
وقالت الهيئة في تقريرها إنه من "الضروري الإسراع بإصدار قانون حول تضارب المصالح، كفيل بتنزيل أحكام الدستور التي تجعل من التجاوزات المتعلقة بتضارب المصالح أفعالا يعاقب عليها القانون".
وشددت على الإسراع بـ"الإصلاح الجوهري لمنظومة التصريح الإجباري بالممتلكات واعتماد مشروع شمولي يتجاوب مع التحديات".
وأكدت على ضرورة مراجعة عميقة للنصوص القانونية المكافِحة للفساد، واعتماد نظام معلوماتي مندمج يسهل ويبسط عملية التصريح بالنسبة للملزمين.
رد الحكومة
رد الحكومة “كان عنيفا” على تقرير الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، والذي تضمن تقييما سلبيا حول أداء الحكومة في مكافحة الفساد.
وعبر المتحدث باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، خلال ندوة صحفية في 10 أكتوبر 2024، عن "الانزعاج من تقرير الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، ومن تصريحات رئيسها في الندوة الصحفية، والتي أكد فيها أن طلب عقد اجتماع اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، دون أن يستجيب رئيس الحكومة لذلك".
ولم يجب بايتاس عن سؤال وجه إليه حول عدم عقد اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد لأي اجتماع لها خلال الولاية الحكومية الحالية، رغم مطالبة رئيس الهيئة الراشدي بانعقادها، بينما ينص مرسوم إحداث اللجنة على عقد اجتماعين في السنة على الأقل.
وقال بايتاس: "أنا مندهش لعدم الانتباه للإجراءات التي تقوم بها الحكومة، ثم أندهش أكثر حين يتعلق الأمر بمؤسسات أخرى تشتغل في نفس المجال، ونطالبها بأشياء غير موجودة في القوانين المنظمة لها نفسها، فقبل أن نطالب بالقيام بأشياء، يجب الاطلاع أولا على القوانين المؤطرة لهذه المؤسسات".
وأضاف المسؤول الحكومي: "يجب على أي أحد ألا يعتقد أنه يحارب الفساد أكثر من أي طرف آخر، هذه معركة نسهم فيها جميعا على قدر المساواة، السلطة التنفيذية والمؤسسات الأخرى الدستورية التي تشتغل على هذا الموضوع، وطبعا المؤسسة التي تحدثتم عليها (في إشارة إلى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها)".
واسترسل بايتاس، "ثم من يعرف الفساد وملفاته ومعطياته، يجب أن يذهب إلى القضاء لأنه المسؤول الوحيد على زجر ومحاسبة من يقوم بالفساد".
وشدد على أن "محاربة الفساد هي هدف كبير لدى الحكومة، التي اشتغلت عليه بعمق، ومنذ أن تم تنصيبها وهي تشتغل على هذا المجال".
تفاعلا مع ما جاءت به الهيئة ورد الحكومة، قالت القيادية النقابية والفاعلة السياسية، حليمة الشويكة، إن تقرير الهيئة هو أول تقرير من نوعه يغطي سنة كاملة، ويتسم بموضوعية أكبر في رصد وتشخيص الفساد.
ورأت الشويكة لـ"الاستقلال" أن هذا التقرير "يعكس الطابع التأسيسي والتنظيمي للهيئة، وكذا قدرتها الاقتراحية في هذا المجال".
وشددت على أن "هذه السمات تفرض على الفاعلين والحكومة التفاعل بإيجابية وثقة ومسؤولية مع نتائج التقرير".
لكن، تستدرك الشويكة، "مع الأسف، وفي سابقة غير معهودة، تفاعلت الحكومة مع التقرير بالتشكك والاتهام، في وقت كان يجب أن تقوم بما ينبغي القيام به مما ورد في التقرير من توصيات وملاحظات".
وأضافت "ومن ذلك عقد اجتماع اللجنة الحكومية المعنية بمحاربة الفساد، والعمل على سد الفراغ التشريعي والقانوني المرتبط بمحاربة الفساد وتنازع المصالح، وحماية المبلغين عن الرشوة والفساد، ومحاربة الاغتناء غير المشروع... إلخ".
ونبهت الشويكة إلى أن “هذا لن يتحقق مع هذه الحكومة، والتي ارتبط اسمها بتضارب وتنازع المصالح”، مشددة على أن “هذه ليست بأحكام قيمة، بل هي أحكام واقع يراه جميع المواطنين، حيث تتم متابعة العديد من أعضاء الأغلبية الحكومية وبالبلديات أمام محاكم الجرائم المالية”..
وذكرت القيادية النقابية أن “التعامل مع نتائج تقرير الهيئة لا يكفي أن يكون تقنيا أو تشريعيا، بل يجب أن يكون عبر توفير إدارة سياسية حقيقية لتجاوز نخب فاسدة، بالحكومة والبرلمان والبلديات”.
ورأت أن “الوصول إلى هذا المبتغى، لن يكون في ظل هذه الحكومة، لأنها جزء من المشكل المرتبط بتنامي الفساد في المغرب، خاصة أن رئيسها وعددا من أعضائها لهم شركات ويحصلون على صفقات عمومية ومنها محطة تحلية مياه البحر بمدينة الدار البيضاء الأكبر في إفريقيا، والتي استحوذ عليها رئيس الحكومة”.
ومن ذلك أيضا، تضيف الشويكة، أن “وزير العدل عبد اللطيف وهبي، سارع منذ توليه حقيبته الوزارية، إلى سحب مشروع قانون الإثراء غير المشروع، كما قدم تعديلات تمنع جمعيات محاربة الفساد من تقديم شكايات ضد مختلسي المال العام ضمن تعديلات تقدم بها على القانون الجنائي”.
وسبق لوزير الدولة السابق المصطفى الرميد، أن رأى أن "سحب الوزير وهبي لمشروع القانون الجنائي من البرلمان كان خطأ كبيرا".
وذكر الرميد في ندوة صحفية سابقة، أن "سحب المشروع برمته، ليس معناه سوى تعليق التجسيد التشريعي للدستور لأمد غير معلوم".
وأضاف: "لا أشك للحظة أن سبب المماطلة في إمضاء هذا المشروع، ثُم إقباره بعد ذلك، هو ما تضمنه من نص على تجريم الإثراء غير المشروع".
واسترسل الرميد: "وهذا ما يجعلني أؤكد أن درب الإصلاح شاق وعسير، وأن أعداء الإصلاح لا تعوزهم الحجج الصفراء والحيل الملتوية، للعرقلة والالتفاف على أي خطوة في اتجاه تخليق الحياة العامة، ومحاصرة كل أشكال الفساد".
تفاعل مجتمعي
لم يترك حزب العدالة والتنمية (معارض)، مرور تقرير الهيئة ورد الحكومة دون التعبير عن موقف سياسي تجاه إشكالية الفساد ومسؤولية الحكومة فيها.
وأكدت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، في بيان صادر عنها في 13 أكتوبر، أن "محاربة الفساد والرشوة ضرورة وطنية وتنموية لما لهذه الآفة من أثر سلبي على الثقة في المؤسسات ولما تفوته على بلدنا من فرص كبيرة للتنمية".
ونبه الحزب "الحكومة إلى ضرورة الانتباه وبسرعة إلى التراجعات التي سجلها تقرير الهيئة على مستوى تنقيط وترتيب المغرب في مؤشر إدراك الفساد، والتي سجلها بالخصوص في مؤشرات إدراك الفساد على مستوى السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية".
وفي هذا الصدد، دعت الأمانة العامة الحكومة، وعوض الهجوم على الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، إلى "التفعيل الفوري لتوصياتها ومقترحاتها".
من جانبه، انتقد الكاتب الصحفي يونس مسكين، هجوم الحكومة على الهيئة، وذلك "بدل أن تخرج لتخفف من هول ما نزل وتفسر وتبرر وتبشر".
وأضاف مسكين في افتتاحية موقع “صوت المغرب” في 11 أكتوبر، أن المتحدث باسم الحكومة بايتاس، حوَّل ندوته الصحفية الأسبوعية إلى منصة لانتقاد الهيئة الوطنية.
ورأى أن “هجوم بايتاس على الهيئة أمر لا يقبله المغاربة، والذين صوتوا على الدستور ودفعوا الضرائب لتمويل إقامة المؤسسات لا لكي يروا هذه الملاسنات”.
وقال مسكين إن “بايتاس دفع بإجراءين عدهما من حصيلة الحكومة في مجال محاربة الفساد، وهما المتابعات القضائية التي قال إنها تعكس الحرص القوي للحكومة على متابعة أي مس بالمال العام، دون أن يخبرنا منذ متى كانت المتابعات من اختصاص الحكومة؟ ولا متى قامت بالانقلاب على السلطة القضائية وسحبت منها هذه الوظيفة؟”
وأردف "ثم أضاف إجراء إصدار مرسوم خاص بالصفقات العمومية، غير أنه تكفي العودة لاستطلاعات الرأي التي شملت المقاولين للوقوف على عدم تغييره واقع الحال في شيء".
وشدد مسكين على أنه كان بإمكان المتحدث باسم الحكومة أن يعفي نفسه ويعفينا جميعا من هذه "الجدبة" غير المبررة، لو أنه أجابنا على سؤال واحد، صحيح أن رئيس هيئة النزاهة طرحه، لكنه سؤال يشغلنا جميعا: لماذا لم تجتمع اللجنة الوطنية لمحاربة الفساد ولو لمرة واحدة في عهدة حكومة أخنوش؟"
وأشار إلى أن "قصة هذه اللجنة تعود إلى ما بعد اعتماد الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد نهاية العام 2015، حيث تقرّر إحداثها لتنسيق عمل كل من الحكومة والهيئة، إلى جانب مؤسسات أخرى، وصدر مرسوم يحدثها ويعد رئيس الحكومة رئيسا لها".
واسترسل: "قام رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني بجمع اللجنة مرتين، في 2018 و2019".
وأشار إلى أن "هذه الدينامية توقفت بعد تعيين أخنوش رئيسا للحكومة عقب انتخابات 2021، كما توقف التنسيق مع بين رئيس الهيئة ورئيس الحكومة"، معتبرا أن “ما يقع يشير إلى أن الحكومة تريد إغلاق ملف الهيئة بشكل نهائي”.
ورأى مسكين أن “ما يقوم به رئيس الحكومة تجاه مؤسسة دستورية من حجم هيئة محاربة الرشوة، هو إمعان في إقبار جهودها وتبديد ما تحقق منذ مصادقة المغرب على اتفاقية الأمم المتحدة لمحاربة الفساد عام 2003”.
وأردف: "أكثر من ذلك، تأتي تصريحات الناطق باسم الحكومة، المستهزئة والمستخفة بمؤسسة دستورية وبأدوارها، لتسقط الدستور نفسه، وترفض تطبيق مقتضياته التي نصت على إحداث الهيئة ومنحتها اختصاصات لا سبيل إلى ممارستها بدون انخراط الحكومة وتعاونها".