عبر صربيا.. كيف تمد الإمارات إسرائيل بالسلاح لقتل الفلسطينيين؟

12

طباعة

مشاركة

جاء الكشف عن شركة أسلحة تدعمها الإمارات في صربيا وتزود إسرائيل بالسلاح والذخيرة، ليؤكد دور نظام أبو ظبي في المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

ولم يكن التقرير الذي نشره موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، مطلع يوليو/ تموز 2024، عن علاقات وثيقة تمتد لعقود بين الإمارات وشركة تصنيع أسلحة في صربيا، باعت أسلحة بملايين الدولارات إلى إسرائيل خلال عدوانها على غزة، هو أول مؤشر على دعم أبو ظبي العدوان الإسرائيلي بسلاح صربي.

فقد سبق هذا صدور العديد من التقارير التي تشير لاستثمار الإمارات في شركات السلاح الصربية لاستخدام هذه الأسلحة في مغامرات إماراتية ودعم مرتزقة في العديد من دول العالم تحقيقا لمصالحها، لكن الجديد هو بيعها لإسرائيل.

وأشار تقرير سابق لـ"الاستقلال" إلى دور صربيا والهند، كشركاء في إبادة غزة من خلال مد إسرائيل بالسلاح، لكن ما لا يعرفه القارئ هو أن هذه الأسلحة مُصنعة بأموال واستثمارات إماراتية وتذهب لإسرائيل بعلم أبو ظبي.

مغموسة بالدم

وتعد “يوجو إمبورت. أس دي بي أر” شركة تصنيع السلاح الرئيسية المملوكة لحكومة صربيا، وورثتها عن الاتحاد اليوغسلافي الذي تفكك لعدة دول، وتأسست عام 1949. 

هذه الشركة المملوكة للدولة وتمثل الحكومة والمجمع الصناعي العسكري في صربيا تعمل في مجال استيراد وتصدير المعدات الدفاعية والخدمات ذات الصلة، وهي أكبر شركة في صناعة الدفاع في جميع أنحاء العالم.

وبدأ تعاون الإمارات معها سرا منذ عام 2012، وظلت الاستثمارات الإماراتية في هذه الشركة الصربية سرا غير معلن للجمهور بسبب شرط في اتفاق تم توقيعه بين الحكومتين في مارس/آذار 2013.

وكشف ذلك المستشار الاقتصادي "بافلوفيتش" لموقع "ميدل إيست آي" في 15 أغسطس/آب 2014، مؤكدا أن الاتفاق شمل النص على إعطاء أي استثمار إماراتي في السلاح الصربي "الأولوية على الصفقات المحلية"، وأن "تبقى التفاصيل سرية".

وضمن هذه الاستثمارات الإماراتية في شركة "يوجو إمبورت"، صدرت صربيا كميات ضخمة من الأسلحة إلى إسرائيل في مارس/آذار 2024، وفق موقع "بلقان إنسايت" في 13 أبريل/نيسان 2024.

لكن تحقيقا مشتركا أجرته صحيفة "هآرتس" العبرية، وشبكة تقارير التحقيقات الاستقصائية في البلقان “بيرن”، في 10 يونيو/حزيران 2024 كشف "زيادة هائلة" في حجم الأسلحة الصربية التي تم بيعها لإسرائيل منذ “طوفان الأقصى”.

التحقيق الاستقصائي رصد قرابة ثماني رحلات جوية عسكرية إسرائيلية من صربيا لنقل السلاح إلى الكيان المحتل، وقدر صادرات الأسلحة الصربية إلى إسرائيل بقيمة 15.7 مليون يورو منذ العدوان على غزة.

وكشف هذا التدفق غير العادي للسلاح الصربي المُصنع بأموال واستثمارات إماراتية على إسرائيل يتم قتل الفلسطينيين به، عن حجم التورط الإماراتي في إبادة غزة سر وباتفاقيات سلاح سرية، رغم الموقف الرسمي الرافض للعدوان الإسرائيلي.

تجارة سرية

وبحسب تقرير صادر عن موقع "بلقان إنسايت" في 12 مارس 2024، فقد قامت شركة "يوجو إمبورت" للسلاح المملوكة لدولة صربيا، والتي تستثمر فيها الإمارات، بتصدير أسلحة بقيمة 17.1 مليون دولار إلى إسرائيل عام 2024.

التقرير كشف أن وزارة التجارة الصربية رفضت السماح لشبكة “بيرن” لرصد صفقات السلاح، بالاطلاع على المعلومات المتعلقة بمبيعات الأسلحة إلى إسرائيل بعد 7 أكتوبر، ربما وفقا لبنود السرية التي سبق أن وقعتها الشركة مع الإمارات كشرط للاستثمار فيها.

وقالت الوزارة إن تسليم مثل هذه البيانات من شأنه أن يتضمن أيضا الكشف عن بيانات تعد "سرا تجاريا".

وأضافت أن "القرار المذكور ينص على أن البيانات السرية للوزارة هي بيانات تهم صربيا، أي بيانات تهم العمل وأداء العمل بموجب اختصاص الوزارة المنشأة بموجب القانون".

وعادة ما تجيب وزارة التجارة الصربية على طلبات حرية المعلومات الروتينية بشأن صادرات الأسلحة ومعلومات عن الكميات ونوع الأسلحة والجهات الفاعلة المعنية، مثل التجار و"المستخدمين النهائيين" للسلع، لكن الصفقات لإسرائيل عدوها "سرية".

ورغم العدوان والإبادة الإسرائيلي لغزة، لم تقطع الإمارات الاتصالات مع الكيان المحتل، ولا يزال السفير الإسرائيلي مقيما في أبو ظبي.

وذكرت أربعة مصادر مطلعة على سياسة الحكومة الإماراتية لوكالة "رويترز" البريطانية في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 أن الإمارات تنوي الحفاظ على العلاقات مع إسرائيل رغم الغضب الشعبي العربي والعالمي.

بل وحملت الإمارات، عبر وزير الدولة للتعاون الدولي ريم الهاشمي، في كلمة بمجلس الأمن لبحث العدوان الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، عملية المقاومة في 7 أكتوبر مسؤولية إبادة غزة. 

ووصفت عملية المقاومة (طوفان الأقصى) بأنها "بربرية وشنيعة".

هاجمت وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي الإماراتية، ريم الهاشمي، في كلمتها خلال جلسة مجلس الأمن الدولي، حركة حمـ.ـاس، واصفة هجماتها ضد مواقع لجيش الاحتـ.ــلال بـ"البربرية والشنيعة"، مؤكدة أن #الإمارات تدينها بشدة.

ما تعليقك؟ pic.twitter.com/QvuAkRu5pX

— الاستقلال - المغرب العربي (@estiklal_Maghrb) October 25, 2023

وكانت آخر هذه المواقف الإماراتية الغريبة، هي إثارة مدير عام قناة “سكاي نيوز عربية”، نديم قطيش، موجة من الإدانة بعد أن اقترح أن على العرب الاختيار بين غزة وأبو ظبي، ما أثار الاستغراب والاستياء بين الفلسطينيين والعرب.

وأجرى نديم في برنامجه "الليلة مع نديم"، في 2 يوليو 2024 مقارنة بين اضطرابات غزة وفلسطين من جهة و"ازدهار" الإمارات والسعودية من جهة أخرى.

ليقول للمشاهدين اختاروا بين "المجاعة"، أو "الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي"، مدعيا أن النموذج الإماراتي والسعودي "أكثر ملاءمة للسلام والنجاح".

3 ساعات بين الذكاء الاصطناعي والمجاعة..
شرق أوسط يحترق وشرق أوسط يصنع المستقبل #مع_نديم #غزة#حرب_غزة#إسرائيل @NadimKoteich pic.twitter.com/kkNoQyydhX

— سكاي نيوز عربية (@skynewsarabia) March 25, 2024

قصة السلاح

وكشف تقرير لـ"معهد التكتيكات الملكي للأمن ومكافحة الإرهاب" (تاكتيكس)، في 18 مارس/آذار 2020، أن العلاقات بين الإمارات وصربيا والتي "تعمقت بشكل مدهش" وفق وصفه، بدأت عام 2013.

وأوضح أن من الدوافع الإماراتية للتوجه نحو صربيا، هو أنها "تتمتع ببعض الحرية لإحياء صناعتها الدفاعية القوية".

ولفت إلى أنه "على مدى أقل من عقد من الزمن، أقامت صربيا تحالفا إستراتيجيا مع الإمارات وفر لقطاع إنتاج السلاح الصربي رأس المال اللازم لتحديثه وفتح أسواق جديدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط".

وكانت أولى الصفقات المعلنة عام 2013، حين أعلنت الدولتان عن أول صفقة أسلحة متواضعة نسبيا لتصدير ناقلات جنود مدرعة وبرنامج للتطوير المشترك لصاروخ موجه أرض-أرض، ثم تطور إلى تصنيع الطائرات.

ومع ذلك، كانت التفاصيل المتعلقة بالصفقات الحكومية الصربية الإماراتية محاطة بالسرية منذ البداية، بسبب "بند" في اتفاقية بين الحكومتين ينص على "إبقاء تفاصيل صفقات الأسلحة سرية"، وفق معهد "تاكتيكس".

وأوضح أن “السرية تناسب البلدين، خاصة أن هناك أوجه تشابه في الطريقة التي تدير بها الدولتان أعمالهما”.

وبحلول عام 2015، أصبحت العلاقة أوثق، وكان الإماراتيون يتلقون التدريب في الأكاديمية العسكرية الصربية، ويتبادلون المعلومات، وكانت هناك بروتوكولات معززة للتعاون في تكنولوجيا الاتصالات والدفاع السيبراني.

كما اختبرت البحرية الإماراتية صواريخ كروز مضادة للسفن تم تطويرها مع شركائها الصرب.

وفي عام 2018 أشارت التقارير إلى “انتعاش كبير في صادرات الأسلحة الصربية، حيث أصبحت الإمارات سوقا متوسعة بشكل مطرد”.

دوافع الإمارات 

ووفق تقرير معهد "تاكتيكس"، تستخدم الإمارات الأسلحة الصربية كـ"عملة" تمول بها أمراء الحرب الذين يلعبون أدوارا مختلفة لزيادة قوتها وامتدادها العالمي، وأصبحت الأسلحة الصربية  جزءا رئيسا من هذه الإستراتيجية.

فيما كشف تقرير موقع “ميدل إيست آي”، عن انتقال الإمارات للاستثمار في تصنيع السلاح في صربيا التي شاركت في مذابح قتل مسلمي البوسنة عام 1995.

وأشار إلى أن نظام أبو ظبي، متورط في استثمار مليارات الدولارات في تجارة السلاح بصربيا، ليس بهدف الكسب المادي فقط، ولكن لأهداف سياسية أخرى تتعلق بتوزيع الأسلحة على حلفائها في حروب بالوكالة لصالح أميركا وإسرائيل بالشرق الأوسط.

وقال الموقع البريطاني إن "رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، الذي يُتهم عادة بأنه يعمل كوكيل للولايات المتحدة وإسرائيل في أوروبا الشرقية يستغل سوق السلاح الصربية لتوزيع الأسلحة على حلفائه في الشرق الأوسط".

وذلك في إشارة للدعم الإماراتي لأنظمة وحركات معادية للقوى الإسلامية، مقابل دعمه من أميركا وإسرائيل.

وكشف الموقع – بالصور -أن وراء تلك الاستثمارات الضخمة تكمن شخصية غامضة، وهو "محمد دحلان" الذي يعمل في مركز شبكة العلاقات بين الإمارات والمخابرات الإسرائيلية والأميركية.

ويساعد دحلان في إدارة الاستثمارات الإماراتية في صربيا والتي تصطف في جيوب القادة السياسيين الفاسدين، مؤكدا أن "الاستثمارات الإماراتية تغرق في السرية، وأهدافها غير معلنة، ومصادر في صربيا قالت إن الأمر لا يتعلق أبدا بالأرباح المادية".

وذكر الموقع أن "بقية أسباب استثمار الإمارات في صربيا سرية، رغم أن مصادر صربية قد كشفت أن دوافع تلك الاستثمارات تهدف لأبعد من تحقيق مكاسب مالية محتملة عبر بيع السلاح".

وفي رصده لحجم هذه الاستثمارات أشار "ميدل إيست آي" لتوقيع اتفاق بـ200 مليون دولار بين شركة الأسلحة الصربية والشركة الإماراتية القابضة للبحوث المتقدمة والتكنولوجيا (EARTH) في معرض الدفاع الدولي في أبو ظبي عام 2013.

وقال مصدر في صربيا إن الصفقة تتعلق بالاستثمار في النظام الصاروخي الصربي "ALAS"، وهو نظام متعدد الأغراض مضاد للدروع بفعالية تصل إلى 60 كيلومترا. 

قبل هذا كشفت دراسة بحثية أن الإمارات استغلت علاقاتها المتنامية مع صربيا في تسليح مليشيات تابعة لأبو ظبي في عدد من مناطق النزاع ضمن مؤامراتها لكسب النفوذ والتوسع.

وقالت الدراسة التي نشرتها مجلة "أوراسيا ريفيو" الأميركية، في 26 فبراير/شباط 2024 إن الإمارات اشترت كميات كبيرة من الأسلحة الصربية، لتوزيعها على مرتزقة تابعين لها في اليمن وبعضها توجه إلى سوريا.

وأكد موقع "ملليتري إفريقيا" في 13 فبراير 2024، أن الإمارات زودت مليشيا “الدعم السريع” في السودان بطائرات دون طيار مسلحة من إنتاج شركة “يوجو إمبورت” الصربية.

وأوضح أن "توفير الإمارات طائرات بدون طيار مسلحة للدعم السريع يمنحها ميزة تكنولوجية كبيرة وتفوق على الجيش السوداني الرسمي".