متباهيا بنفوذه وتحالفاته.. لماذا يحول عقيلة صالح دون استقرار ليبيا؟
عقيلة صالح يخاطر بحياة الليبيين جميعا لتحقيق طموحه السياسي
يحول عقيلة صالح رئيس مجلس النواب ورجل التحالفات المعقدة في ليبيا دون وصول البلاد إلى بر الأمان السياسي عبر اصطفافات وخطوات جدلية.
وبالتزامن مع نقاشات لتشكيل حكومة جديدة في ليبيا، أعلن صالح، في 25 مايو/ أيار 2024، انعقاد جولة جديدة من المشاورات بين رؤساء المجالس الثلاثة في البلاد (المجلس الرئاسي ومجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة) بمقر جامعة الدول العربية.
ومع إعلانه الأخير شكك ليبيون في جدوى مساعي صالح، منهم رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، عماد السايح.
وأكد السايح صعوبة إجراء انتخابات وطنية في ليبيا على المدى القصير، وتحدث عن عدد من العراقيل التي تحول دون ذلك، أبرزها غياب الدستور المنظم لعملية تداول السلطة، والتدخل الأجنبي الهادف إلى الإبقاء على الوضع القائم، فضلا عن تحركات صالح خلال المرحلة الحالية.
فما الذي فعله رئيس مجلس النواب الليبي وعزز الانقسامات؟ وما هي شبكة نفوذه القوية والراسخة؟ ولماذا يشكل عقبة للإصلاح؟
أغضب المشرعين
عقيلة صالح الذي يمتلك شبكات نفوذ عديدة في ليبيا، أثار غضب المشرعين الليبيين في الآونة الأخيرة عندما فرض ضريبة على النقد الأجنبي.
وهو قرار وإن كان يبدو عابرا لكنه مثل نقطة خلاف محورية يمكن أن تعرقل المفاوضات والحلول المستقبلية للأزمة الليبية.
وفي الوقت نفسه، وكرد فعل على إقرار الضريبة، شكل بعض النواب لجنة برلمانية لدراسة تأثيرها.
واجتمعت اللجنة، برئاسة نائب المتحدث باسم مجلس النواب مصباح دومة، عدة مرات منذ منتصف مارس/ آذار 2024.
لكن جاءت الصدمة لصالح في 24 أبريل/ نيسان 2024، عندما أوقفت محكمة جنوب طرابلس قراره بالموافقة على ضريبة 27 بالمئة على معاملات النقد الأجنبي التي طلبها محافظ البنك المركزي الليبي الصديق عمر الكبير.
كشف هذا الحكم حدود السلطة التي يتمتع بها رئيس مجلس نواب طبرق.
إذ تسبب صالح في ضجة بين النواب عندما وافق من جانب واحد على هذه الضريبة في 14 مارس 2024، في خطوة عدت أنها ترمز إلى النفوذ الكبير لرجل يتباهى بمجموعة من الشبكات الراسخة.
خاصة أن رئيس مجلس النواب الليبي يتمتع بقدر كبير من الدعم بين أعضاء البرلمان وقبائل المنطقة الشرقية في البلاد.
البرلمان في جيبه
وفي 31 مايو 2024، ذكرت صحيفة "أفريكا إنتيليجنس" الفرنسية المعنية بشؤون الاستخبارات، أنه على الرغم من المعارضة، يحتفظ صالح بقبضة مشددة على أعضاء مجلس النواب.
ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى رئيس مكتبه عبدالله المصري الفضيل، الذي يدير أنشطته ويرافقه في كل رحلة.
وكان المصري عضوا في المؤتمر الوطني العام، الهيئة التشريعية التي أنشئت عام 2012 بعد الثورة الليبية، كما أنه يتمتع بعلاقات جيدة بشكل خاص في مصر.
ومن المعلوم أن صالح يحظى بثقة النظام المصري ورئيسه عبدالفتاح السيسي، ورئيس جهاز المخابرات العامة عباس كامل.
ومن بين مساعدي صالح الذين يعززون نفوذه، رئيس لجنة الشؤون الخارجية البرلمانية يوسف العجوري.
ويحافظ العجوري على اتصالات منتظمة مع السفارات الأجنبية في ليبيا، خاصة فرنسا وإيطاليا، وبالتالي يعد مهندس إقامة علاقات مع حلفاء السلطات الليبية الشرقية.
وقد عمل أيضا كوسيط في سوريا، حيث زار بأمر من عقيلة صالح، وزير الخارجية هناك فيصل المقداد في 12 فبراير/ شباط 2024.
وإضافة إلى صالح، يقدم أيضا خليفة حفتر قائد المليشيات أو ما يطلق عليه "الجيش الوطني الليبي" دعمه لرئيس النظام السوري بشار الأسد رسميا.
أدوار متعددة
وبحسب "أفريكا إنتيليجنس"، أدى صالح البالغ من العمر 80 عاما أدوارا سياسية طويلة بشكل استثنائي، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى انتمائه إلى “العبيدات”، إحدى أكثر القبائل احتراما وقوة في برقة.
ولا يعرف سوى القليل عن أنشطة أبنائه السبعة عشر، الذين لا يشاركون في السياسة، على عكس باقي القادة الليبيين الذين يتولى أبناؤهم مناصب رفيعة كحفتر.
لكن صالح بعد دراسته القانون، عمل قاضيا في شرق البلاد خلال نظام معمر القذافي. وبعد ثلاث سنوات من الثورة، دخل السباق ليصبح رئيسا للبرلمان الليبي الجديد، وانتخب عام 2014.
ومنذ ذلك الحين، قسمت النزاعات السياسية البلاد بين الشرق والغرب. لكن منصب صالح على رأس المؤسسة المنتخبة الوحيدة في البلاد منحه سلطة لا يمكن إنكارها.
وعلى الساحة الدولية، أصبح صالح محاورا رئيسا في المفاوضات الرامية إلى حل الأزمة الليبية. وهو مسؤول عن صياغة القوانين الانتخابية التي تخضع لمناقشات لا نهاية لها مع المجلس الأعلى للدولة، الهيئة الاستشارية التي يرأسها محمد تكالا.
ووسط تعثر التقدم في تنظيم الانتخابات التي دعا إليها رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، ينشغل صالح بالدفع قدما بخطة أخرى لتشكيل حكومة موحدة جديدة لمختلف مناطق البلاد.
وهذا من شأنه أن يسمح له بتأخير إجراء الانتخابات النيابية قليلا، مما قد يحرمه من منصبه.
وستكون المهمة الرئيسة لهذه الحكومة، تنظيم انتخابات رئاسية، وهي فكرة تدعمها وراء الكواليس مصر والإمارات وفرنسا.
وشارك صالح بالفعل في المفاوضات التي جرت بالقاهرة على هامش اجتماع الجامعة العربية في 10 مارس 2024. ومن المنتظر أن يصل قريبا إلى باريس لمناقشة سبل تنفيذ هذه الخطة.
معارضو صالح
وأصبحت قدرة صالح المطلقة مزعجة للبعض بشكل متزايد, فداخل البرلمان، أحد معارضيه الرئيسين هو نائب رئيس المجلس فوزي الطاهر النويري، الذي ينحدر من صرمان إلى الغرب من طرابلس.
والنويري يقود التمرد ضد تطبيق ضريبة النقد الأجنبي التي يصفها بأنها غير صالحة، وقد دعا المحاكم للنظر في القضية.
كما يحلم بسقوط صالح، وحاول عزله بالفعل عام 2020، لكنه فشل في جمع العدد اللازم من الأصوات ليحل محله.
أما الهجوم الأكثر ضراوة ضد صالح فيأتي دائما من الدبيبة، الذي وصل به الأمر عام 2021، إلى رفع شكوى لمحكمة طرابلس، طالب فيها بحجب الثقة عنه.
ومنذ ذلك الوقت تحديدا في سبتمبر/ أيلول 2021، أصبحت حكومة الدبيبة غير معترف بها من قبل برلمان صالح.
بعدها أيد رئيس البرلمان جميع رؤساء الوزراء بالشرق، بما في ذلك أسامة حماد، الذي أدى اليمين الدستورية في غرفة المعيشة الخاصة بصالح.
ومن الناحية العملية، تخضع حكومة حماد للسيطرة المباشرة لحفتر، الذي يقع مقره الرئيس في الرجمة، على بعد 20 كيلومترا من بنغازي.
وهو الجنرال الذي يملك السلطة السياسية والاقتصادية والأمنية في برقة، وله تأثير قوي على قرارات صالح.
كذلك يوجد خلاف آخر قوي بين عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا محمد تكالة.
وفي 10 مايو 2024، رأى تكالة أن اعتراف مجلس النواب بحكومة حماد مناكفة سياسية ورسائل كيدية يبعث بها عقيلة صالح إلى الدبيبة.
وقد أقر في حديث له مع شبكة "بي بي سي" البريطانية بوجود خلافات بينه وبين صالح، بشأن الدولة وكيفية إدارتها.
تحالف هش
وإذا تحدثنا عن قوة صالح وتمدده في شرق ليبيا، فإن نفوذه ينتهي فعليا حيث يبدأ نفوذ عائلة حفتر.
ومع ذلك لا يمكن أن يغفل الدور الذي لعبه صالح لترسيخ نفوذ حفتر، حيث أيده في مارس 2015، مما منحه الشرعية من خلال الاعتراف به كرئيس لما يسمى “الجيش الوطني الليبي” الذي نفذ انقلابا فاشلا في طرابلس.
لكنه نجح في السيطرة سياسيا وعسكريا على شرق البلاد ويجد صالح الآن صعوبة في معارضته.
ومع أن استمرار التحالف بينهما قائم، لكنه يعد تحالفا هشا غير واضح المعالم.
فالرجلان ليس لديهما ثقة كبيرة في بعضهما بعضا، وفقا لأشخاص مقربين منهما. كما يمتلك حفتر أيضا وسائل لإثارة المشاكل داخل مجلس النواب.
ولم يفوت العضو في المجلس طلال الميهوب، فرصة لمضايقة جلسات البرلمان عندما كان صالح يعمل على صياغة القوانين الانتخابية.
والميهوب، أحد المقربين من حفتر، ويرأس لجنة الدفاع الإستراتيجي البرلمانية، وأصله مثل صالح من مدينة القبة (شمال شرق).
وتمركز في الشرق منذ أن كان والده عبد الله الميهوب عضوا في المجلس الوطني الانتقالي الذي تشكل بعد الثورة.
وفي أغسطس/آب 2021، قالت صحيفة "لاكروا" الفرنسية أن عقيلة صالح، "لا يزال يمثل عقبة خطيرة في طريق الإصلاح داخل البلد المضطرب والمنقسم".
وفي 2 يوليو/ تموز 2022، قالت مجلة "فورميكي" الإيطالية، إن “مجلس النواب يحتجز ليبيا رهينة”.
كما اتهمت رئيسه صالح بتحريك المجلس وفقا لمصالحه الخاصة، مبينة أنه يخاطر بحياة الليبيين جميعا لتحقيق طموحه السياسي.
المصادر
- Aguila Salah Issa, the parliamentary kingpin with myriad networks
- تزامناً مع جولة جديدة من اجتماعات القاهرة.. عقيلة صالح يؤكد قرب الوصول لتوافق حول الحكومة الليبية الجديدة
- تكالة في بلا قيود: اعتراف عقيلة بحكومة حمّاد مناكفة سياسية
- La Libia di nuovo in fiamme? Cronache da Tripoli
- جولة مشاورات جديدة بين رؤساء المجالس الثلاثة في ليبيا بالقاهرة
- القاهرة وباريس تحتضنان اجتماعين حول الأزمة الليبية