تستغل حاجتهم.. هكذا خدعت روسيا يمنيين وجندتهم للقتال في أوكرانيا

a month ago

12

طباعة

مشاركة

تواصل روسيا تجنيد المزيد من المرتزقة لتدعيم قوتها البشرية في القتال ضد أوكرانيا، وإن كان عبر "عمليات خداع" تشرف عليها شركات على صلة بموسكو.

فبرغم أن روسيا تمكنت من تجنيد مقاتلين سوريين وأفارقة وأجانب آخرين للقتال في حربها المستمرة ضد أوكرانيا منذ فبراير/شباط 2022، فقد توسعت هذه المصيدة لتنال العشرات من اليمنيين كذلك.

تجنيد المرتزقة

وكشف شبان يمنيون في تسجيلات مصورة عن تجنيدهم كمرتزقة للقتال في صفوف موسكو ضد كييف. 

وظهر هؤلاء في مناشدة عاجلة لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة المعترف بها في اليمن، لإنقاذهم من محرقة الحرب الروسية الأوكرانية.

وقالوا في مقطع مصور انتشر في 26 سبتمبر/أيلول 2024 أنهم تعرضوا للخداع على يد أشخاص يحملون الجنسية اليمنية والروسية، من خلال إيهامهم بالعمل لدى شركات أمنية في روسيا مقابل رواتب مجزية. 

وأوضح الشبان أنهم كانوا يعملون بوظائف مدنية في سلطنة عُمان قبل أن يجرى استقطابهم من قبل "شركة الجابري" لتوظيفهم في روسيا الاتحادية مقابل مبالغ مالية تتراوح ما بين 4 - 10 آلاف دولار شهريا.

وأشاروا إلى أنهم فوجئوا بالزج بهم إلى الحدود الروسية الأوكرانية للقتال، ما تسبب في مقتل 18 شخصا وفقدان 30 آخرين، فيما لا يزال 36 شخصا تحت الحصار الأوكراني. 

وأكدوا أنهم أرغموا على توقيع عقود باللغة الروسية "لم يفهموا معناها" أثناء وصولهم إلى هناك، مشيرين إلى أن سماسرة التجنيد استغلوا جهل الشبان اليمنيين وظروفهم المادية الصعبة. 

وجدد هؤلاء الشبان مناشدة حكومتهم وسفير بلادهم في موسكو بسرعة إنقاذ أكثر من 200 شخص من الجنسية اليمنية، وإعادتهم إلى اليمن.

وبحسب قناة بلقيس اليمنية، جرى استغلال هؤلاء الشبان عبر شركات في سلطنة عمان للعمل بأخرى مدنية في روسيا ومنحهم الجنسية الروسية.

لكن، تبين لاحقا أن ما جرى لا يعدو كونه خدعة بعد زجهم في معسكرات للتجنيد الإجباري في القتال بأوكرانيا.

ونوهت القناة أن الرافضين للذهاب إلى جبهات القتال تعرضوا للاعتداء، في وقت قتل بعضهم خلال الحرب. 

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوما يقضي بتسريع إجراءات تجنيس الأجانب الذين تطوعوا كجنود متعاقدين. 

وقد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور لمجندين أجانب إلى جانب القوات الروسية بعد تسلمهم جوازات السفر الروسية شخصيا.

وبحسب موقع "المجهر" اليمني، فإن عملية تجنيد هؤلاء اليمنيين في روسيا جرت عبر القيادي في مليشيا الحوثيين عبد الولي عبده حسن الجابري الذي يقيم في سلطنة عمان، ويدير شبكة تجنيد تنتشر في أماكن عدة بينها اليمن وروسيا ومصر.

وأشار الموقع في 20 أغسطس/آب 2024 إلى أن العشرات من الشباب في المحافظات الواقعة ضمن نفوذ الحكومة اليمنية المعترف بها غادروا منذ مطلع الشهر المذكور على دفعات بعد تجنيدهم للقتال في روسيا من قبل وسطاء محليين في اليمن وعمان.

وحول كيفية الاستقطاب من داخل اليمن، يضيف "المجهر" أن وسطاء محليين أو ما يطلق عليهم "سماسرة" يستقطبون مئات الشباب في المحافظات الواقعة ضمن نفوذ الحكومة المعترف بها.

ويجرى ذلك بعد إقناعهم بالحصول على مبلغ 3 آلاف دولار شهريا مع منحهم الجنسية الروسية حال وصولهم، مقابل تجنيدهم لصالح موسكو.

وتتم العملية وفق الموقع ذاته من خلال تسجيل أسماء الشبان في كشوفات. وعند وصول الموافقة من الوسطاء في سلطنة عمان يدفع كل شخص يرغب بالذهاب للتجنيد في روسيا مبلغ 200 دولار للعميل (السمسار).

اللافت أن من غادر من هؤلاء "الضحايا" جرى إيهامهم بأنهم سيعملون ضمن الأمن الروسي الداخلي على أن يتلقى كل مجند منهم 10 آلاف دولار لحظة وصوله منها 3 آلاف للشركة الوسيطة في عمان، فيما يحتفظ المجند بالمبلغ المتبقي.

كما نشر "المجهر" صورة للعقد الموقع من قبل المجند، والذي يتضمن توكيلا كاملا للشركة للقيام مقامه أمام كل الجهات الرسمية وغير الرسمية وما يخصه من معاملات التوظيف في الدولة الروسية سواء في المجال العسكري أو الأمني أو المدني.

كما تلتزم الشركة الوسيطة بـ "متابعة الحقوق والامتيازات كافة للطرف الثاني وفقا لما يتمتع به أي مواطن بحسب القانون الروسي"، دون أن يتضمن بنودا أخرى حول ما إذا تعرض المجند للقتل أو المهام التي سيكلف بها.

"استغلال اقتصادي"

ونشرت صورة في 16 أغسطس 2024 من داخل أحد مخيمات التجنيد التابعة للجيش الروسي يظهر فيها خمسة يمنيين يرتدون زيا عسكريا ويحملون السلاح، اثنان منهم لا يضعان أقنعة الوجه.

كما انتشرت مقاطع فيديو لشبان من اليمن قالوا إنهم على جبهات القتال في أوكرانيا و"يواجهون الموت".

وقد أكد أحد الذين ظهروا في الفيديو من أوكرانيا ومن حوله عدد من الشبان اليمنيين، أن "25 شابا يمنيا قتلوا دفعة واحدة بعد أخذهم من أحد المعسكرات".

والواقع الاقتصادي متدهور في اليمن التي تعيش حربا منذ 10 سنوات، منذ الانقلاب الحوثي عام 2014 على الحكومة الشرعية.

ويعيش الشباب اليمني في ظل ظروف معيشية صعبة بفعل الحرب المستمرة وارتفاع نسبة البطالة. 

كما تواجه الحكومة صعوبات في تمويل الخدمات الأساسية ورواتب الموظفين الحكوميين، في حين أن نظراءهم الذين يعيشون في مناطق سيطرة الحوثيين لم يتقاضوا أجورهم منذ سنوات.

وفي مناطق شمال البلاد وغربها الخاضعة لسيطرة الحوثيين، يعيش قرابة 80 بالمئة من الشعب في وضع معيشي مأساوي للسكان الذين يتجاوز عددهم 30 مليونا وفق أحدث إحصائية تقديرية.

ويعتمد أكثر من ثلثي اليمنيين على المساعدات للاستمرار، وسط أزمة اقتصادية طاحنة تسبّبت فيها الحرب وانهيار العملة والقيود المفروضة على عمليات الاستيراد والتجارة مع الخارج.

وكان مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن هانس غروندبرغ، قد أعلن في يوليو/تموز 2023 أن "الحرب الاقتصادية" بين الأطراف المتنازعة فاقمت النزاع، في وقت تكافح فيه الحكومة لتمويل الخدمات الأساسية ودفع رواتب موظفيها.

وحرمت الهجمات الحوثية على مرافق تصدير النفط في أكتوبر/تشرين الأول 2022 الحكومة معظم إيراداتها بالعملة الأجنبية، التي تساوي حوالي نصف إيراداتها الإجمالية.

وأمام ذلك، فإن إعلان شبان من اليمن أنهم "وقعوا في فخ الاستغلال والتجنيد للقتال لصالح روسيا في أوكرانيا"، في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل وعبر صفقة وصفت بأنها "عملية اتجار بالبشر"، يرى البعض أنها ما كانت لتحصل لولا وجود “شبكات تجنيد ممولة” من الخارج.

وضمن هذا السياق، ينقل موقع "المجهر" عن مصدر أمني في وزارة الداخلية بالحكومة المعترف بها، بأنه من خلال تتبع الأجهزة الأمنية في المناطق والمحافظات المحررة لقضية استقطاب الشباب وتجنيدهم في روسيا "تبين وقوف جماعة الحوثي الإرهابية خلف هذا النشاط المشبوه".

وكشف المصدر أن المحرك الرئيس لعملية التجنيد من مقر إقامته بسلطنة عمان يدعى "عبد الولي عبده حسن الجابري" وهو عضو في برلمان الحوثيين غير المعترف به، ويشغل منصب قائد ما يسمى "اللواء "115 التابع لهم.

وضمن هذا السياق، يرى الصحفي والمحلل الاقتصادي اليمني "وفيق صالح" أن الدافع الأبرز الذي يجعل كثيرا من الشباب اليمني ضحية وفريسة لهذه الشبكات، هو الفقر، وانعدام فرص العمل، وعدم وجود أي أفق لإيجاد حلول في الجانب الاقتصادي.

وأضاف صالح في تصريحات صحفية في 27 سبتمبر 2024 أن "الكثير من الشباب اليمني يتطلع إلى السفر خارج البلاد، لأن فرص الحياة كافة في الداخل أصبحت مغلقة أمامه، وبالتالي يقع ضحية الاستغلال من قبل شبكات التجنيد والاتجار بالبشر".

وأشار إلى أن "الشبكات التي تحاول المتاجرة بالشباب اليمني لها أهداف مادية بحتة" لأنها تتحصل على أموال طائلة مقابل تجنيد الشباب، دون وضع أي تقدير لما قد يحدث لهم لاحقا.

"عقد مع الشيطان"

وكانت وكالة بلومبيرغ الأميركية عزت في تقرير لها نشر في 10 يونيو/حزيران 2024 السبب في لجوء موسكو لتجنيد الأجانب، إلى الخسائر البشرية التي تتكبدها القوات الروسية في ساحات المعارك، مشيرة إلى أنها كانت تفقد، في مايو/أيار من العام المذكور، أكثر من 1200 جندي في اليوم.

وتشير التقارير إلى أن موسكو تعمل على تجنيد أجانب من دول مثل نيبال والصومال والهند وكوبا وغيرها للقتال في أوكرانيا منذ بداية الغزو الشامل لأوكرانيا.

وبحسب الاستخبارات العسكرية الأوكرانية فإن هناك وحدة جرى إنشاؤها خصيصا من قبل وزارة الدفاع الروسية لعمليات التجنيد.

وتشير دائرة الصحافة التابعة لاستخبارات الدفاع الأوكرانية في تقرير لها نشر في نهاية مايو 2024 إلى أن “المرتزقة يتم إغراؤهم بدفعة أولية قدرها 2000 دولار أميركي لتوقيع العقد”.

ويأتي ذلك إلى جانب "وعد بحصولهم على راتب شهري قدره 2200 دولار أميركي، وتأمين صحي، وجوازات سفر روسية لهم ولعائلاتهم".

وقد تكرر منذ غزو أوكرانيا خداع كثير من الأجانب بوعود العمل في روسيا، سواء كسائق أو في أعمال البناء، ليتضح لاحقا إجبارهم على القتال كمرتزقة بعد وصولهم.

إذ تصدرت أنباء تتعلق بمقاتلين كوبيين في أوكرانيا عناوين الصحف العالمية في سبتمبر 2023 عندما أعلنت هافانا أنها ألقت القبض على 17 شخصا بتهمة التورط في عصابة للاتجار بالبشر تعمل على تجنيد الشباب للقتال لصالح روسيا.

وقال أحد المجندين في أواخر الأربعينيات من عمره في مدينة تولا الروسية، إنه وعد بوظيفة سائق "للعمال ومواد البناء"، ولكن عند وصوله إلى روسيا جرى إعداده للقتال، والسلاح في يده.

وقال وهو يتذكر لحظة انضمامه إلى القوات الروسية: "لقد وقعنا عقدا مع الشيطان، والشيطان لا يوزع الحلوى".

وبحسب بافيل لوزين، وهو زميل بارز في مركز تحليل السياسات الأوروبية، فإن روسيا "تحتاج إلى وقود للمدافع" في ظل الخسائر الفادحة التي تكبدتها في أوكرانيا.

وأضاف لوزين لصحيفة بوليتيكو في 23 سبتمبر 2023 أن "أغلب المجندين الأجانب يأتون من دول آسيا الوسطى وإفريقيا وسوريا وأفغانستان.

وأشار إلى أن "أعدادهم المحدودة تخدم في الأساس لتعزيز رواية روسيا بأنها تحظى بدعم دولي لحربها".

ومن غير الواضح على وجه التحديد عدد المواطنين الأجانب الذين انضموا إلى صفوف روسيا كمرتزقة.