"تحريض واسع".. ما خيارات السلطات الأردنية لمواجهة المظاهرات المؤيدة لغزة؟

يوسف العلي | 8 months ago

12

طباعة

مشاركة

مع اشتداد المظاهرات الشعبية في الأردن المنددة بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، برز العديد من التساؤلات بخصوص خيارات السلطات في كيفية التعاطي معها، خصوصا في ظل التحريض الذي تشنه شخصيات ووسائل إعلام قريبة من حكومة المملكة.

وفي 29 مارس/آذار 2024، توافد آلاف الأردنيين من المحافظات كافة إلى محيط سفارة إسرائيل في عمان، وهتفوا للمقاومة، وذلك بعد ثلاثة أيام من هتافات نالت العاهل الأردني عبد الله الثاني، جاء فيها: "يا عبد الله يا ابن حسين.. بدنا نحرر فلسطين".

وكانت آخر فترة معروفة للهتافات التي تتوجه إلى الملك مباشرة في الأردن، إبان فترة الربيع العربي عام 2011، وفعاليات الحراك، والتي شهدت سقفا عاليا للهتافات لم يعهدها تاريخ البلاد، للمطالبات بإصلاحات جذرية في بنية النظام الذي يحكم المملكة.

اعتقالات واسعة

على ضوء هذه التطورات، شنت الأجهزة الأمنية حملة اعتقالات غير مسبوقة ضد المتظاهرين، طالت شخصيات بارزة، إضافة إلى اعتقال مجموعة سيدات شاركن في مسيرة السفارة الإسرائيلية.

وذكر موقع "رؤيا" الإخباري الأردني في 31 مارس، أن الأجهزة الأمنية اقتحمت منزلي النقابي البارز، ميسرة ملص، والباحث في الشؤون المقدسية، زياد ابحيص، واعتقلتهما بعد تفتيش منزليهما.

كما طالت حملة الاعتقالات معتز الهروط، رئيس القطاع الشبابي في حزب "جبهة العمل الإسلامي" (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين الأردنية)، بالإضافة إلى أمين سر القطاع الشبابي حمزة الشغنوبي ومحمد أبو حجر وعبد الرحمن أبو شرخ.

وفي سياق متصل، اعتقلت الأجهزة الأمنية مجموعة من النساء المشاركات في المسيرة الحاشدة قرب السفارة الإسرائيلية في 29 مارس، ومن أبرزهن، إسراء خلفات ونور حمدان وإسراء خريسات.

وأظهرت مشاهد لحظة اعتقال المشاركات بالقوة من قبل الأجهزة الأمنية، واقتيادهن إلى المركز الأمني، وذلك بعد تلويح قوات الأمن بفض المظاهرات بالقوة منتصف ليلة 30 مارس.

وقال حساب "الدعم الشبابي الأردني لدعم المقاومة" عبر منصة "إكس" في 31 مارس، إن "الشعب الأردني يخرج في فعاليات حصار سفارة العدو دفاعا عن فلسطين وحماية للأردن.. فالواجب اعتقال من قرر تصدير الخضار ومرور الجسر البري عبر أراضينا الأردنية".

وبرر الأمن العام الأردني عبر بيان له في 31 مارس، ما جرى بأن "هذه الوقفات شهدت تجاوزات وإساءات ومحاولات للاعتداء على رجال الأمن العام، ووصفهم بأوصاف غير مقبولة على الإطلاق، فضلا عن محاولات تخريب واعتداء على ممتلكات عامة وخاصة، شارك فيها رجال وسيدات".

وأضاف البيان، أن "رجال الأمن العام تحلّوا خلال ذلك بأقصى درجات ضبط النفس، خاصة تجاه بعض الفتيات المشاركات، إلا أنه ومع ازدياد هذه التجاوزات ووصولها حدا غير مسبوق وإصرار البعض على تعمد الاعتداء والإساءة، فقد تم القبض على عدد من الأشخاص".

تهديدات متعددة

قبل حملة الاعتقالات التي شنتها السلطات الأردنية، تغيّرت اللهجة الرسمية في البلاد تجاه المظاهرات، وبدأ التحريض الرسمي ضد المشاركين في الاعتصامات اليومية، قرب السفارة الإسرائيلية في العاصمة عمّان.

وقال الناطق باسم الحكومة، مهند مبيضين، خلال تصريح لقناة "سكاي نيوز عربية" الإماراتية في 29 مارس، إن "أي محاولات للتحريض على الدولة الأردنية هي محاولات يائسة تريد أن تشتت البوصلة وتشتت تركيزنا". 

وأضاف: "نتمنى على قادة حركة حماس أن يوفروا نصائحهم ودعواتهم لضرورة حفظ السلم ودعوة الصمود لأهلنا في قطاع غزة"، لافتا إلى أن "الأردن بلد له سيادة وله مرجعياته الدستورية وقيادته تسمو على هذه المرجعيات".

وتابع: "عندما يكون الملك عبدالله الثاني في مقدمة الموقف العربي لا ننظر إلى بعض المراهقات السياسية، ولا إلى من يريد أن يحصد الشعبية على أنقاض الدمار الذي حل في غزة نتيجة لهذه الحرب الكارثية".

وأردف: "هذا الموقف يأتي لأن القضية الفلسطينية لها خصوصية أردنية وهي جزء من أمننا الوطني، وأن أيديولوجيات بائسة تريد تأليب الرأي العام باستغلال المشاعر والعواطف، فهناك إفلاس من قوى تريد أن تطعن في الموقف الأردني أو إجبار الأردن على اتخاذ خيارات أخرى".

من جهته، قال النائب في البرلمان، عمر عياصرة، خلال مداخلة مع قناة "المملكة" الرسمية، في 29 مارس، إن "الأردن يمتلك مؤسسية عالية في التعامل مع التظاهرات، لديه مؤسسات منها الأمنية والسياسية والقصر يحسنون التعامل بدقة مع كل الحساسيات، ومن ثم كل التناقضات في الشارع".

وفي السياق ذاته، شارك في الحملة ضد المظاهرات، مدير الأمن العام السابق فاضل الحمود، وكتب عبر منصة "إكس" في 28 مارس، قائلا: "لا ندري هل هي إملاءات خارجيه إلى بعض من يعيش بيننا أن يطلب من هذا البلد فقط  (دون غيره).. اتقوا الله ولا يغرنكم  صبر وحلم الحليم".

وشهد محيط سفارة الاحتلال الإسرائيلي في العاصمة عمّان، مشاركة حاشدة في الفعاليات التضامنية مع قطاع غزة الذي يواجه حرب إبادة صهيونية غير مسبوقة.

وطالب المشاركون الحكومة بإجراءات عملية لوقف العدوان على قطاع غزة، بإلغاء الاتفاقيات مع إسرائيل، وقطع الجسر البري الذي ينقل البضائع من دول خليجية عبر الأراضي الأردنية إلى الكيان، ووقف تصدير الخضار من الأردن إلى الاحتلال الإسرائيلي.

وعبّر المشاركون عن دعمهم للمقاومة الفلسطينية في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وأكدوا أنها "السبيل الوحيد لإنهاء الاحتلال، مطالبين بفتح الحدود أمام الشباب الأردني للوقوف مع الأشقاء في فلسطين".

سحب الجنسيات

واحدة من الخيارات التي طرحها وزير الإعلام الأردني الأسبق، سميح المعايطة، لمواجهة الاحتجاجات، هو سحب جنسية كل مسؤول في فصيل فلسطيني وأفراد عائلته كافة، يقوم بالتحريض على "أمن الأردن، ويعمل على إشعال الساحة بما يمس أمن الأردن واستقراره".

وقال المعايطة خلال تدوينات عدة عبر  منصة "إكس" في 30 مارس، إن "هذه الفئة قادة لتنظيمات غير أردنية، تسعى إلى نشر الفوضى في الأردن، فهم لا يستحقون هذا الدلال".

وتعليقا على ذلك، كتب الكاتب الأردني علي سعادة، مقالا في صحيفة "السبيل" الأردنية، في 30 مارس، قال فيه: "تخيلوا سحب جنسية عائلته كافة. وكنت أخشى أن يطلب سحب جنسية من يعرفه وجنسية زملائه بالعمل وجنسية صاحب البقالة والمخبز الذين يتعامل معهم".

وأضاف: "بالطبع لا تملك أي سلطة في الدولة، ولا حتى السلطة القضائية، سحب جنسية مواطن أردني مهما ارتكب من جرائم أو مخالفات أو أفعال طالما أنها لا تندرج ضمن الحالات المنصوص عليها في المادتين (18 و19) من قانون الجنسية".

وأوضح سعادة أن "المادتين من قانون الجنسية تشيران إلى الانخراط في خدمة دولة أخرى، أو انخرط في خدمة دولة معادية، أو إذا أتى أو حاول عملا يعد خطرا على أمن الدولة وسلامتها، وبالطبع سحب الجنسية لا يكون إلا بموافقة الملك".

وأردف: "نسمع كثيرا من كتاب ونشطاء حول سحب الجنسية من مواطنين أردنيين، وكأننا دولة ناشئة لا تحكمها قوانين ودستور ونظام ملكي ديمقراطي ودستوري، وكأن الدولة وجدت لتحقق رغباتهم الشخصية".

ولفت سعادة إلى أن "الصحف (الأردنية) الرسمية ذهبت إلى نشر مقال في موقع سكاي نيوز عربية، بدلا من أن تعمد إلى كتابة مقال رأي بلغتها وبهويتها تخاطب فيه قارئها الأردني. وهذه مثلبة وسقطة مهنية لأننا في الأردن مدرسة عريقة في الصحافة والكتابة الصحفية".

وتابع: "كان بإمكان الحكومة أن تلجأ إلى طرق مختلفة تستغني فيها عن الأدوات القديمة التقليدية وعن الكتاب والصحفيين المستهلكين والمتهرئين".

ورأى الكاتب أن “تشرح الحكومة للناس بأنه لا توجد دولة في العالم تسمح لأي جهة أو أشخاص بمهاجمة السفارات والمقار الدولية والأممية وإلحاق أضرار بها لأن حمايتها جزء من مسؤوليات الدولة، بدلا من التخوين والتخويف والتشكيك بوطنية أي مواطن أو أي جهة”.

وأعرب سعادة عن استغرابه "من أن تلجأ الحكومة إلى هذا الكم من المقالات والبيانات الحزبية والتصريحات في مواجهة هتاف خرج من متظاهرين غاضبين ضد الجرائم الصهيونية، هتافات خرجت في لحظة ألم وإحساس بالمرارة والقهر".

وفي 29 مارس، أعادت صحيفتا "الدستور" "والرأي" الأردنيتان الرسميتان، نشر مقال تحريضي في موقع "سكاي نيوز عربية" الإماراتي، تحت عنوان "خطابات تحريضية.. لماذا تسعى حماس لإشعال الفوضى في الأردن؟".

والخطاب المذكور، المقصود به كلمة عبر تقنية الفيديو، ألقاها رئيس حركة المقاومة الإسلامية- حماس في الخارج، خالد مشعل في 28 مارس، خلال فعالية نسائية في الأردن للتضامن مع غزة، كرر فيها دعوات "حماس" للشعوب العربية بالنزول إلى الميادين لتشكيل ضغط على الاحتلال الإسرائيلي.