تحركات واشنطن في أميركا الجنوبية.. هل تؤثر على علاقات إيران بالقارة؟

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

منذ عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تقوم واشنطن بتحركات مكثفة في منطقة تعدها نفوذا إستراتيجيا لها؛ أميركا الجنوبية، بهدف تعزيز أمن الولايات المتحدة، مع التركيز على مواجهة عمليات تهريب المخدرات والهجرة غير النظامية.

وفي هذا الصدد، يرى معهد "دراسات الأمن القومي" الإسرائيلي أن "هذه التحركات التي تقوم بها إدارة ترامب تجاه دول أميركا الجنوبية، تخلق فرصة فريدة لبناء إستراتيجية من شأنها على الأقل الحد من النشاط الإيراني في القارة". على حد قوله..

“رأس الحربة”

"ويشير التقرير المتعلق باستئناف الرحلات الجوية للشركات التي يديرها فيلق القدس إلى فنزويلا، إلى أن إيران تواصل العمل على توسيع نفوذها في أميركا الجنوبية، وترى في فنزويلا (رأس الحربة) لهذا النشاط"، وفقا للمعهد.

وتابع: "تتجلى العلاقة الوثيقة بين إيران كاراكاس أيضا في عمليات نقل الأسلحة من طهران إلى كاراكاس، إلى جانب التعاون الاقتصادي والسياسي الوثيق".

في المقابل، عزا استخدام فنزويلا هذه العلاقة "لتهديد جارتها غيانا، كجزء من النزاع الإقليمي بين البلدين".

وأوضح أن "فنزويلا ليست الدولة الوحيدة التي تبذل إيران جهودا لتعزيز نفوذها فيها في هذه القارة، فقد وقّعت بوليفيا اتفاقية في عام 2023 لتسلم طائرات مسيرة من إيران، كما تعد نيكاراغوا من الدول التي تدعم التحركات الإيرانية المزعزعة للاستقرار في أميركا الجنوبية".

"إلى جانب ذلك، ترى طهران في التغيرات السياسية بالقارة، وبالأخص انتخاب أنظمة يسارية في دول مثل البرازيل وتشيلي وكولومبيا، بيئة مواتية لعملها، انطلاقا من افتراض أن هذه الدول تشترك مع إيران في الرغبة بمواجهة (النفوذ الغربي)"، على حد قول المعهد.

وهو ما يفسر -وفقا له- سعي إيران لتوسيع العلاقات السياسية والأمنية والثقافية مع هذه الدول.

مع ذلك، يشير المعهد إلى متغير جديد، "فعلى عكس تجاهل الإدارات الأميركية السابقة لتحركات إيران في أميركا الجنوبية، تفتح سياسة إدارة ترامب نافذة فريدة لبناء وتنفيذ إستراتيجية تهدف، على الأقل، إلى تقليص نشاط إيران في القارة".

واستشهد على ذلك قائلا: "منذ تولي الإدارة مهامها، يبدو أن كبار مسؤوليها، بقيادة وزير الخارجية ماركو روبيو، يبذلون جهودا كبيرة لتأمين الحدود الجنوبية للولايات المتحدة بهدف تحسين التعامل مع التهديدات المتنوعة، بما في ذلك تهريب المخدرات والهجرة غير النظامية ".

وتابع: "في هذا الإطار، تعمل الإدارة على حشد الدول المعنية في القارة لدعم الولايات المتحدة في تعزيز هذه المهمة، باستخدام سياسة (العصا والجزرة)؛ حيث يحصل من يساعد الولايات المتحدة على دعمها، بينما يواجه المعارضون "عقوبات" مثل الرسوم الجمركية".

"من جهة أخرى، وبهدف تقليص النفوذ الصيني في أميركا الجنوبية، تعمل الإدارة على الحد من سيطرة الصين على قناة بنما"، يقول المعهد.

ورأى أن "تحرك الإدارة ضد فنزويلا، لا يأتي فقط في سياق مواجهة الهجرة غير النظامية، بل بسبب العلاقات الوثيقة التي تربطها بطهران، والتي تعدها الولايات المتحدة تهديدا لأمنها القومي وحلفائها في القارة، الذين قد يتعرضون لاعتداءات من فنزويلا".

ووفقا له: "تتماشى هذه التحركات مع رؤية إدارة ترامب الأوسع، التي ترى في إيران تهديدا للولايات المتحدة ومصالحها الحيوية، ليس فقط في أميركا الجنوبية".

ولذلك رأى أن "الأولوية التي توليها إدارة ترامب لتأمين أميركا الجنوبية، والتهديد الذي تراه في إيران، يخلق فرصة فريدة لحشد أميركا لتنفيذ سلسلة من الإجراءات التي ستحد من النفوذ الإيراني المتزايد في القارة".

وزعم أنه "يُنظر إلى نفوذ إيران في القارة على أنه أكثر تهديدا من النفوذ الصيني أو الروسي، أو حتى من استمرار تهريب الأسلحة والمخدرات والأشخاص إلى الولايات المتحدة، ويعد خطيرا بما يكفي لتبرير اتخاذ إجراءات مضادة".

ضغط أميركي

ودعا المعهد العبري إلى "استغلال هذه الفرصة ودفع الإدارة الأميركية لتبني خطة عمل تهدف بشكل رئيس إلى إبعاد النفوذ الإيراني من أميركا الجنوبية".

وأردف: "يجب أن تركز هذه الخطة، من بين أمور أخرى، على المبادئ التالية، أولا، تكثيف الضغط على كاراكاس بشكل كبير لفرض تكلفة على دعمها لطهران، وذلك نظرا لمركزية فنزويلا في النشاط الإيراني بأميركا الجنوبية".

بالإضافة إلى ذلك، أوصى "بالنظر في إجراءات تعيق قدرة فيلق القدس على الحفاظ على خط الطيران بين طهران وكاراكاس، والذي يتيح لإيران نقل الأسلحة إلى حلفائها في القارة، بما في ذلك فرض عقوبات على الدول الإفريقية التي يتوقف فيها الطائرة التي تستخدمها قوة القدس للتزود بالوقود في طريقها إلى فنزويلا".

وتابع: "كما ينبغي النظر في إمكانية استهداف وجود أفراد قوة القدس في فنزويلا. في هذا السياق، يذكر أن تغيير النظام في فنزويلا وإنهاء رئاسة نيكولاس مادورو سيشكلان ضربة قوية لإيران وطموحاتها في أميركا الجنوبية"، وفق قوله.

وطالب أيضا الولايات المتحدة بـ "زيادة الضغط الاقتصادي والسياسي بشكل كبير على الدول التي تقيم علاقات وثيقة مع طهران، مثل بوليفيا ونيكاراغوا، وأن توضح للدول الأخرى في القارة التي تفكر في تعميق العلاقات مع إيران أن تنفيذ هذه السياسة سيكون مكلفا".

ومن الناحية الثقافية، أشار إلى أن "معظم النشاط الإيراني في أميركا الجنوبية يعتمد على شبكة (القوة الناعمة) التي تشمل سيطرتها على المراكز الدينية الشيعية في العديد من دول القارة، والمؤسسات الثقافية التي افتتحتها السفارات الإيرانية".

وأضاف: "بالإضافة إلى الفروع الأكاديمية الإيرانية، وعلى رأسها جامعة المصطفى التي تخضع لعقوبات أميركية، لذا، سيكون من الأفضل للإدارة الأميركية أن تطالب دول القارة بإغلاق هذه المؤسسات".

رسالة واضحة 

"كذلك ينبغي للولايات المتحدة تعزيز علاقاتها الأمنية والاستخباراتية مع الدول المعرضة لتهديدات إيرانية بسبب قربها من إسرائيل والولايات المتحدة، مثل الأرجنتين وغواتيمالا وباراغواي"، على حد زعم المعهد العبري.

حيث يعتقد أن "مثل هذه الخطوة سترسل رسالة واضحة بأن من يسعى لكسب دعم الولايات المتحدة في المنطقة يجب أن يبعد نفسه عن إيران، وبالتأكيد يتجنب اقتناء قدرات عسكرية منها".

علاوة على ذلك، "ينبغي للولايات المتحدة اتخاذ إجراءات ضد أفراد بعينهم يسعون لتعزيز النفوذ الإيراني في القارة".

وتحدث المعهد كذلك عن نقطة أخرى مهمة، وهي "الحاجة إلى تخصيص موارد لكشف علاقات إيران وحزب الله بتهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة".

وأردف: "كما أُثبت سابقا، تمتلك إيران وحزب الله علاقات عميقة مع مهربي المخدرات في أميركا الجنوبية، ويستخدمون الأرباح من هذه الأنشطة لتمويل حزب الله"، على حد قوله.

ورجح أنه "نظرا للحاجة المُلِحّة لإيران وحزب الله إلى الأموال لإعادة بناء الجناح العسكري للتنظيم بعد مواجهته مع إسرائيل، فمن المتوقع أن يزيد الحزب وإيران من جهودهما في هذا المجال".

واستطرد: "وفي ضوء تورط إيران في سلسلة محاولات هجمات إرهابية في السنوات الأخيرة ضد مصالح وأفراد إسرائيليين في بيرو والإكوادور والبرازيل، هناك حاجة أيضا إلى إجراءات فعالة ضد بنية الإرهاب، التي تشمل أيضا عناصر محلية مكنت هذه الهجمات".

وخلص إلى أن "التحركات الأميركية ضد النفوذ الإيراني في أميركا الجنوبية سترسل إشارة واضحة عن استعداد الولايات المتحدة لتوسيع نطاق مكافحتها للنفوذ الإيراني السلبي، وعدم حصره في منطقة الشرق الأوسط فقط".

واختتم مزاعمه قائلا: "قد يكون لهذا الفهم تأثير إيجابي على رغبة الدول، ليس فقط في أميركا الجنوبية، بل أيضا في إفريقيا وآسيا، في الحد من النشاط الإيراني في أراضيها لتجنب إجراءات من الإدارة الأميركية ضدها، ستشكل هذه الاستعدادات عنصرا مهما إضافيا في القدرة على زيادة الضغط على إيران".