بعد 5 سنوات من طرحها وتغير المشهد السياسي.. هل يعيد ترامب إحياء “صفقة القرن”؟

بحضور نتنياهو إلى جانبه، كشف ترامب عن خطته أمام العالم في 28 يناير 2020
هل سيعيد الرئيس الأميركي المنتخب إحياء "صفقة القرن"، التي أطلقها في عام 2020؟ سؤال طرحه الكاتب البريطاني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط لنيفيل تيلر في مقال نشره موقع "يوراسيا ريفيو" الأميركي. وقال الصحفي: "في أول جولة انتخابية له لرئاسة الولايات المتحدة، أولى ترامب اهتماما كبيرا برغبته في التوسط لتحقيق اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، لدرجة أنني قررت، فور انتخابه، متابعة تطوراته في هذا الملف بعناية فائقة".
وأضاف: "كانت النتيجة كتابا اختتمته بملخص لخطة السلام الإسرائيلية- الفلسطينية (صفقة القرن)، التي عمل على صياغتها بجهد دؤوب على مدار أربع سنوات صهره، جاريد كوشنر".

رفض فلسطيني
وتابع: "بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى جانبه، كشف ترامب عن خطته أمام العالم في 28 يناير/كانون الثاني 2020، وقوبلت بسيل من الرفض من الفلسطينيين ومؤيديهم في أنحاء الشرق الأوسط وخارجه؛ حيث تعهد الجميع بإفشالها إذا ما جرت أي محاولة لتطبيقها".
وبعد دقائق من إعلان ترامب، ظهر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على شاشات التلفزيون ليعلن رفضه القاطع للخطة، مؤكدا: "نقول ألف مرة لا لصفقة العصر، إن حقوق الشعب الفلسطيني "ليست للبيع.. والقدس ليست للبيع".
كان عباس يشير بذلك إلى الجانب الاقتصادي السخي في الخطة، الذي يهدف إلى بناء دولة فلسطينية خلال عشر سنوات.
وأوضح المقال أن موقف عباس كان بعيدا تماما عن رؤى بعض الشخصيات المؤثرة في الشرق الأوسط والعالم.
فقد أظهرت البحرين وسلطنة عمان موافقتهما عبر إرسال ممثلين عنهما لحضور حفل الإعلان في البيت الأبيض، كما أصدرت كل من السعودية ومصر وقطر والإمارات بيانات ترحب بالصفقة.
بدورها، قدّمت المملكة المتحدة موقفا اتسم بالتحفظ، حيث صرّح ترامب بأن رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، بوريس جونسون، قد اتصل به في وقت سابق ليعرب عن دعمه.
كما وصف وزير الخارجية البريطاني حينها، دومينيك راب، الخطة بأنها "اقتراح جاد"، داعيا الفلسطينيين إلى عدم رفضها بشكل قاطع.
أما الحكومة الأسترالية فقد رحّبت بالمبادرة، وترى إياها خطوة إيجابية، وحثت الطرفين على النظر إليها كأساس للحوار.

تعديل الخطة
ومع تغيّر الظروف في عام 2024، حيث قُضي على قيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وبات قطاع غزة بحاجة إلى إعادة بناء شاملة، فإن خطة ترامب ستحتاج بالتأكيد إلى تعديل، وفق الباحث.
"ومع ذلك، هل يمكن أن تشكّل أساسا لإطلاق عملية سلام جديدة؟"، يتساءل الباحث.
وتنقسم الخطة إلى جزءين: اقتصادي وسياسي، وقد صدر الجزء الاقتصادي أولا في يونيو/حزيران 2019 تحت عنوان فرعي: "رؤية جديدة للشعب الفلسطيني".
وتتضمن هذه الوثيقة المكونة من 40 صفحة تصورا مفصلا لتحسين حياة الفلسطينيين من خلال ضخ استثمارات ضخمة، وفق زعم الخطة.
وفي ظل الظروف الراهنة، ستتطلب الخطة برنامجا ممولا بالكامل، لا شك أن إسرائيل -بحسب المقال- ستسهم فيه بقدر كبير، إذ يهدف إلى إعادة بناء مدن غزة في أقصر فترة زمنية ممكنة.
أما عن البرنامج الأصلي، فقد وصفته الوثيقة بعبارات طموحة: "مع إمكانية جذب أكثر من 50 مليار دولار من الاستثمارات الجديدة على مدى عشر سنوات، تمثل خطة السلام إلى الازدهار الجهد الأكثر طموحا وشمولا لصالح الشعب الفلسطيني حتى الآن".
وأضافت أنها "قادرة على إحداث تحول جذري في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفتح فصل جديد في تاريخ الفلسطينيين– فصل لا تحدده المعاناة والخسائر، بل الحرية والكرامة".
وكان أحد الأهداف الرئيسة ربط المناطق الفلسطينية بالأسواق الإقليمية والعالمية، بما في ذلك دمج غزة والضفة الغربية عبر شبكة نقل حديثة وفعالة، تتضمن ممرا يربط المنطقتين مباشرة.
وأشارت الوثيقة إلى أن "مليارات الدولارات من الاستثمارات الجديدة ستتدفق إلى مختلف قطاعات الاقتصاد الفلسطيني"، مع تقديم تفاصيل حول كيفية تمكين "المستشفيات والمدارس والمنازل والشركات من الوصول إلى كهرباء بأسعار معقولة، ومياه نظيفة، وخدمات رقمية متقدمة".
كذلك، طرحت الوثيقة تصورا مزعوما لتحسين حياة الشعب الفلسطيني من خلال برامج تعليمية، وتدريب مهني وتقني، وتوسيع مشاركة النساء في سوق العمل، وخفض معدل وفيات الرضع، وزيادة متوسط العمر المتوقع.
وقال الباحث: "ما إن كُشفت تفاصيل الخطة حتى قوبلت بالرفض القاطع من قبل المتحدثين الفلسطينيين، وصرّح الرئيس محمود عباس قائلا: "لا يمكن أن تكون هناك حلول اقتصادية قبل الوصول إلى حل سياسي".
وفي الوقت نفسه، اندلعت مظاهرات رافضة للخطة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.
وذكر المقال أن الجزء السياسي من الخطة، الذي كُشف عنه عام 2020، أكد على أن "أي اتفاق سلام قابل للتنفيذ يجب أن يعالج الرغبة المشروعة للفلسطينيين في تقرير المصير".
واستدرك الباحث "مع ذلك، تجاهلت الخطة بشكل كامل قضية "الأراضي المحتلة"، وهي المناطق التي سيطرت عليها إسرائيل بعد نكسة عام 1967".
وادّعت أن سلسلة قرارات الأمم المتحدة التي تقول إن هذه المناطق فلسطينية تتسم بالتناقض الذاتي وعدم الفاعلية، لذا اقترحت مسارا خاصا بها لتحقيق تسوية سلمية.
وبموجب الخطة المقترحة، يُسمح لإسرائيل بدمج مستوطنات الضفة الغربية ضمن أراضيها، مقابل تقديم أراضٍ بديلة مساوية لها في المساحة تقع بجوار قطاع غزة وفي جنوبه.

التمسك بالصفقة
وتتصور الخطة إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة في الضفة الغربية على المناطق الواقعة خارج المستوطنات، إلى جانب قطاع غزة بمساحة موسعة.
كما تنص على جعل جميع الأراضي الفلسطينية مترابطة من خلال شبكة من الطرق السريعة والجسور ونفق يربط بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
إضافة إلى ذلك، سيحصل الفلسطينيون على عاصمة في القدس الشرقية تعتمد على الأحياء الشمالية والشرقية الواقعة خارج الحاجز الأمني الإسرائيلي.
وارتبط تحقيق هذا التصور بشرط تخلي القيادة الفلسطينية عن الإرهاب المزعوم، واعترافها بإسرائيل كدولة يهودية، ومنحت الخطة مهلة تمتد لأربع سنوات لتحقيق هذه الشروط.
وأشار الكاتب إلى تصريح ترامب الذي أطلقه في عام 2016، قائلا: "سأكون سعيدا لو كنت الشخص الذي حقق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، سيكون ذلك إنجازا عظيما".
وأوضح أنه "إذا ظل ترامب متمسكا بهذه الفكرة في ولايته الثانية، فمن المؤكد أنه سيستند في جهوده المتجددة إلى العمل الدؤوب الذي قام به جاريد كوشنر بالفعل".
وختم الكاتب البريطاني مقاله قائلا "مع وجود هيكل خطة قد وُضع بالفعل، وتغير المشهد السياسي بشكل كبير، قد يجد ترامب أن القيادة الفلسطينية أكثر استعدادا للتفاوض مقارنة بعام 2020، وربما يتصرف كوسيط نزيه لتحقيق "صفقة القرن".