جميعهم يسعى للسلطة.. 5 شخصيات في ليبيا تسعى للحفاظ على الوضع القائم

4 months ago

12

طباعة

مشاركة

اتهمت صحيفة فرنسية، 5 شخصيات رئيسة في ليبيا، بعرقلة جهود إنهاء أزمة الحكم المستمرة في البلاد منذ عام 2011.

وهؤلاء هم رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، ورئيس مجلس النواب في طبرق عقيلة صالح، وقائد ما يسمى الجيش الوطني الليبي الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي. 

وتستعرض صحيفة جون أفريك تاريخهم ودورهم وتأثيرهم على السياسة الليبية، مبرزة التحديات التي تواجه المبعوثين الأمميين في تحقيق تقدم في الأزمة الليبية بسبب تضارب مصالح هؤلاء القادة.

سلطة تخريبية

في 16 أبريل/ نيسان 2024، أثناء تقديم استقالته لمجلس الأمن الدولي بعد عام ونصف العام من منصبه كمبعوث خاص إلى ليبيا، أعرب المؤرخ السنغالي عبدالله باتيلي، عن أسفه قائلا: "لا يمكننا السماح بأن تُطمس تطلعات 2.8 مليون ناخب ليبي مسجل بسبب المصالح الضيقة للقلة".

وكشف باتيلي -بحسب الصحيفة الفرنسية- بشكل صريح عن هوية الخمسة المعنيين، وهم نفس الأشخاص السابق ذكرهم.

وفي المقابل، يعلق جلال حرشاوي، المتخصص في الشؤون الليبية في معهد الخدمات الملكية المتحدة في لندن، على استقالة باتيلي قائلا إنه "كان يسعى بشكل أساسي إلى تبرير فشله في تحقيق هدفه بتغيير الوضع الراهن عبر التسوية لإجراء الانتخابات".

وأكمل حرشاوي: "حتى في السويد، سيكون من الصعب للغاية العثور على خمسة أشخاص يتوصلون إلى توافق حول مثل هذا الموضوع. وفي ليبيا، كان هذا ضربا من الخيال، فلا أحد مستعد لتنفيذ تغيير يعني في الواقع تغيير منصبه الخاص".

وتشير الصحيفة إلى أن غسان سلامة سلف عبدالله باتيلي، توصل إلى استنتاج واقعي بأن "وقف إطلاق النار المستمر والاقتصاد المتعافي يجعلان الوضع الراهن أقل الحلول سوءا". 

وفي هذا السياق، في حديث له مع "جون أفريك" في ديسمبر/ كانون الأول 2023، قال سلامة: "إذا كانت الانتخابات ستؤدي إلى انقسام الليبيين مرة أخرى، فنحن لسنا بحاجة إليها".

وتقول الصحيفة إن "قسمة البلاد بين أمراء الأزمة تحولت من انقسام حربي كانت عليه في 2014 إلى فشل هجوم حفتر على طرابلس في 2019-2020، ثم إلى انقسام واضح بين النخبة الليبية".

ومع ترسخ الشخصيات التي تتحكم في البلاد اليوم، بات يمكنهم تحديد مصيرها وفقا لمساوماتهم لفترة طويلة قادمة.

وبشأن تلك الشخصيات، تنوه الصحيفة إلى أنه "إذا كانت أسماء حفتر وصالح والدبيبة تعود بانتظام في الصحافة الدولية، فإن أسماء المنفي وتكالة نادرا ما تظهر فيها". 

فمن هم هؤلاء "الأطراف الرئيسة الخمسة الليبية" التي أثارت مرارا حزن المؤرخ السنغالي؟ وما حقيقة القوة التي يمتلكونها، وبقول آخر السلطة التخريبية؟

محمد المنفي

بالحديث عن الشخصية الأولى، كرئيس للمجلس الرئاسي، الذي يحمل نظريا السلطة التنفيذية، تذكر الصحيفة الفرنسية أن محمد المنفي كان يمثل رمزا لرئيس الدولة الليبية في نظر المجتمع الدولي. 

وُلد المنفي عام 1976، وهو أصغر الخمسة. وعلى الرغم من أنه من مدينة طبرق في الشرق، إلا أنه كان دائما مخلصا للسلطات الطرابلسية. 

وبحسب ما ورد عنه، فقد انتُخب المنفي مع دبيبة لمنصب الوزارة الأولى من قبل 74 مندوبا ليبيا في جنيف عام 2021، تحت رعاية الأمم المتحدة.

وكان ذلك يُعد إشارة إلى التهدئة بين طرابلس، مقر المجلس الرئاسي، وبنغازي، مقر حفتر في الشرق.

وبالإشارة إلى أنه كان سفيرا في أثينا عام 2018، تقول "جون أفريك" إن "هذا الرجل الودود جعل من المصالحة الوطنية هدفه الرئيس، ولكن دون أي نتائج كبيرة". 

وفي هذا السياق، يوضح حرشاوي رأيه عن المنفي قائلا: "لقد سمح طابعه غير المهدد له بالتواصل مع حفتر بعد عملية جنيف".

وذلك بالإضافة إلى كون كلامه متوافقا مع الدبلوماسيات الغربية وكونه لا يمتلك أي وسائل عسكرية، على عكس حفتر والدبيبة.

ويتابع حرشاوي: "إنه شخصية قليلا ما يكون لها وجود قوي، شخص مصنوع من الورق المقوى، رجل ناعم فهِم أنه إذا شُكلت حكومة موحدة للشرق والغرب، فلن يكون هناك أي ضغوط لإبعاده عن منصبه".

محمد تكالة

وعن الشخصية الثانية، توضح الصحيفة الفرنسية أن محمد تكالة البالغ من العمر 58 عاما، انتخب رئيسا للمجلس الأعلى للدولة في أغسطس/ آب 2023. 

وأُنشئت هذه الهيئة التشريعية التي تضم 145 عضوا في طرابلس عام 2016، كغرفة عليا تقابل مجلس النواب الذي انتُخب في طرابلس عام 2014.

ولكن -بحسب الصحيفة- نُقلت هذه الهيئة في نفس العام إلى طبرق في الشرق بسبب استئناف القتال. 

ويوضح فيرجيني كولومبييه، الحاصل على درجة دكتوراه في علوم الحاسوب من جامعة بودابست، أن "تكالة مثل المنفي، لديه موقف مؤسسي يضعه فوق التجاذبات، ولكنه ليس لديه سيطرة على الكثير".

ومن ناحية أخرى، تضيف الصحيفة أن تكالة تفرغ للعمل السياسي منذ الثورة، وانتخب نائبا في الانتخابات التشريعية الأولى بعد رحيل رئيس النظام السابق معمر القذافي عام 2012.

إذ فاز بالمنصب بفارق ضئيل مقابل الرئيس السابق خالد المشري، وحصل على الدعم من رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، الذي أصبح عدوا للأول.

وفي هذا السياق، يقول كولومبييه: "إنه عامل نشط، محاط بفريق جيد ولديه سمعة وذكاء، لا يسعى للجدل، بل يريد في المقام الأول أن يعاد انتخابه، فمنصبه يخضع للمسابقة كل 12 إلى 14 شهرا، لذا يتعين عليه التحلي باللغة الرنانة وإصدار بيانات لتحسين تمثيل الأقليات، إلخ".

ويتابع قائلا: "وعلى الرغم من ذلك، يتبين بسرعة عند التحليل العميق أنه بالنسبة له، فإن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار، ولكن لا يجب أن يحدث أي تغيير".

عقيلة صالح

بالمقارنة مع السابق، توضح "جون أفريك" أن عقيلة صالح يسيطر بشكل أكثر صرامة على رئاسة المنبر الشرقي لمجلس النواب. 

وبعد أن انتخب نائبا في عام 2012، بات يرأس هذا الثمانيني الجمعية التي هاجرت إلى طبرق منذ عام 2014.

وفي هذا الصدد، تعلق الصحيفة الفرنسية بأن "هذا الشلل يسمح لمن يعتمد عليه القانون بشكل كبير -مثل صالح- بالبقاء في مقعده الراحل بشكل مريح".

كما تلفت إلى أن خبرته الطويلة في القضاء الليبي أسهم في تأمين موقفه قانونيا، ولا حلول للمجتمع الدولي سوى الاعتراف بهذا النظام الانتقالي المطول.

وبقول آخر، تشير الصحيفة إلى أن سيد القوانين وصانع القرارات الذي لا يمكن إزالته - إلا بنفسه في النهاية- لا يحتاج إلى مليشيا لمواجهة سيد الشرق، خليفة حفتر، الذي جعله مشيرا في عام 2016 بصوت البرلمان.

عبد الحميد الدبيبة

أما دبيبة، فرغم انتهاء ولايته في 25 ديسمبر/ كانون الأول 2021، إلا أنه يتمسك بمنصبه بنفس القوة التي يتمسك بها منافسه صالح، مبررا ذلك بأن "الحكومة ستواصل مزاولة مهامها حتى إجراء الانتخابات".

وهذه الانتخابات لا يرغب أحد فيها، والجميع يعرقلها، وبالتالي، يربط صالح تنظيمها برحيل دبيبة، في حين يعتمد الأخير في رحيله على نتيجة الانتخابات. 

وفي النهاية، تقول الصحيفة إن "عدم تمكنهما من حل هذه المعادلة المتناقضة يسمح لكل منهما بالبقاء في موقعه".

وبالحديث عن نشأة دبيبة، تقول "جون أفريك" إنه وُلد عام 1959 في عائلة تجارية ثرية من مصراتة.

ولفتت إلى أنه "زعم أنه حصل على درجة الماجستير في الهندسة المدنية من جامعة تورونتو عام 1992، لكن التحقيقات أظهرت أن الجامعة لم تجد أي سجل له هناك". 

وعلى جانب آخر، تذكر الصحيفة أن دبيبة عمل في مجال البناء والتشييد وحقق ثروته تحت حكم القذافي، حيث كان يدير أو يشارك في شركات كبيرة في هذا القطاع. 

"ثم دخل السياسة ببطء عام 2011 وتمكن من الوصول إلى القمة خلال عقد واحد، دون أي ضوابط أخلاقية، واستفاد من كل الاقتصادات الشرعية وغير الشرعية لصيانة جيش مكون من مجموعات مرتزقة متنوعة"، وفق قولها.

وفي هذا الإطار، يعلق حرشاوي قائلا إن "دبيبة ينجح في الحفاظ على نوع من الأمن من خلال إدارة تحالف غير مستقر من المليشيات، على الرغم من الاشتباكات الدموية المتفرقة".

وفي رأيه، لا يرى الأتراك والإيطاليون والأميركيون بديلا له، وهو يعلم أنه لا يوجد بديل.

ولكن بحسب فرجيني كولومبييه، "وراء الصورة الرسمية، يُعد الوقت مخصصا للود والتقاسم بين المشير حفتر الدبيبة".

ويقول: "بجهود الإمارات، توصلا إلى اتفاق عام 2022 لتغيير رئيس الشركة الوطنية للنفط، ومن ثم وُضع شخصية قريبة من حفتر فيها".

وتابعت بأن "قدرة هذين اللاعبين على التوصل إلى اتفاق على هذه النقطة توضح هذا التفضيل للحفاظ على الوضع الراهن".

وهنا، توضح الصحيفة أن "هذا الاتفاق أثار قلق عقيلة صالح، الذي سعى بعد ذلك للتقرب من الأتراك، الذين كانوا أعداء في الماضي، لكنهم رعاة أقوياء لدبيبة الآن".

خليفة حفتر

وبالمجيء إلى الشخص الخامس، تقول "جون أفريك" إن "حفتر، بزيه العسكري الملون والمزين بالأوسمة ووضعياته العسكرية الحازمة، بالإضافة إلى عملياته العسكرية الكبيرة التي تتحول في كثير من الأحيان إلى هزائم، يثير الكثير من الذكريات بالنظام السابق الذي أطاح به العقيد معمر القذافي".

وشارك القذافي مع حفتر كل شيء منذ أيام الكلية العسكرية في بنغازي حتى الانقلاب، ولا سيما عندما أُسر الجنرال الانقلابي من قبل التشاديين في عام 1987.

ولكن بعد إخراجه إلى الولايات المتحدة عام 1990، عمل حفتر الذي يحمل الجنسية الأميركية بلا كلل للإطاحة بالقذافي حتى أتت الثورة بفرصته. 

وعلى حد وصف الصحيفة، عاد حفتر للمرة الأولى كمحارب ثورة في عام 2011، حيث بقي لفترة قصيرة فقط في الأراضي الليبية. 

ثم عاد مرة أخرى عام 2013، ونجح، بعد تنقيح إستراتيجيته، في توحيد القوات السابقة من الجيش والمجموعات المقاتلة والقبائل في الشرق.

وأسس في عام 2014 ما يسمى الجيش الوطني الليبي "لاستعادة النظام من الفوضى الناجمة عن المليشيات". 

وفشل حفتر في طرابلس، لكنه نجح في بنغازي، حيث أنشأ سلطته ونفذ حملات تطهير في الشرق ضد المجموعات الإسلامية المسلحة وكل معارضيه الصغار، وفق الصحيفة.

وذكرت أن حفتر يتحكم اليوم بما يقرب من ثلثي البلاد، حيث يسيطر على جميع المجالات من وسائل الإعلام إلى الجريمة المنظمة، ومن العمل الإنساني إلى إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية.

كما تؤكد على أن "حفتر وضع رجاله في كل مكان، وأنه وضع أبناءه في أهم المواقع الإستراتيجية".

وتابع: "ورغم ذلك، لم يتمكن أحد من أبنائه الأربعة، صدام وخالد وبلقاسم والصادق، حتى الآن من تحديد من سيختار ليخلفه، أو تحديد حتى ما إذا كان قد اختار".

وبالنسبة لفيرجيني كولومبييه، السؤال الكبير الآن هو "ما إذا كان يمكن لعشيرة حفتر البقاء متحدة والحفاظ على وحدتها؟ وهل يمكن للأخوة التوافق؟".

ويعتقد أنه "توجد شكوك كبيرة حول هذا، وحول قدرة الجهات المحلية والدولية على قبول التبعية بمثل هذه الطريقة".

فعلى سبيل المثال، رغم أن ابنه صدام رئيس أركان الجيش البري، إلا أنه ليس لديه أي تدريب عسكري.

"فهل يمكن لضباط القذافي السابقين أن يوافقوا على الانخراط بطاعة تحت قيادته؟"، هذا ما تتساءل عنه "جون أفريك" في ختام تقريرها.