بعد تقدمه في "سنار" وسيطرته على "جبل موية".. هل يحسم جيش السودان الحرب؟

داود علي | a month ago

12

طباعة

مشاركة

في 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أعلن الجيش السوداني استعادة السيطرة على منطقة جريوة بولاية النيل الأزرق جنوبي البلاد، التي كانت خاضعة لقوات الدعم السريع المتمردة.

وقال الجيش السوداني في بيان إنه كبد “مرتزقة العدو خسائر كبيرة في العتاد والأرواح ولاذت فلولهم المتبقية بالفرار”، مضيفا أنه بذلك تكون ولاية النيل الأزرق قد “طهرت تماما من المتمردين”.

وفي العاصمة الخرطوم، تحدثت تقارير عن انسحاب وحدات الدعم السريع من مناطق عدة بشرق النيل، لتعيد تمركزها بمناطق بحري التي تشهد تقدما لقوات الجيش منذ عبور جسر الحلفايا قبل أسبوع وتمدده في مناطق شمال بحري.

هزائم إستراتيجية

وتشهد الحرب السودانية المشتعلة بين الجيش السوداني من جهة، ومليشيا الدعم السريع المعروفة باسم الجنجويد من جهة أخرى واحدة من أشد فصولها. 

فالمعارك التي بدأت قبل نحو عام ونصف العام تحديدا في 15 أبريل/ نيسان 2023، شهدت في مراحلها الأولى انتصارات تكتيكية متعددة للدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو حميدتي المدعوم إماراتيا.

ونجحت في الاستيلاء على كثير من الولايات المهمة على رأسها معظم أراضي العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث، وصولا إلى الجزيرة وسنار.

لكن في المرحلة الأخيرة تحول وضع الدعم السريع إلى هزائم إستراتيجية، تحديدا منذ الهجوم غير المسبوق الذي شنه الجيش السوداني في الساعة الثانية بعد منتصف ليل 26 سبتمبر/ أيلول 2024.

بتوجيه ضربة مباغتة لمتمردي مليشيا الدعم السريع داخل العاصمة الخرطوم، ونجح في السيطرة على مقرات وطرق إستراتيجية وتفتيت تجمعات المتمردين.

النصر الكبير الذي حققه الجيش في الخرطوم دفعه لاستغلال الفرصة والتقدم سريعا نحو ولايات ومدن محورية، تمهيدا لحسم المعركة، وتوجيه ضربة قاصمة لقوات حميدتي المرتبكة. 

السيطرة على جبل موية

وفي 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أعلن المتحدث باسم الجيش السوداني العميد ركن نبيل عبد الله، تحقيق انتصارات في منطقة "جبل موية" الإستراتيجية، وذلك بعدما كان قد فقد الجيش السيطرة عليها لصالح الدعم السريع في أواخر يونيو/ حزيران 2024. 

وذكر أن وحدات الجيش تقدمت والتحمت مع المتمردين في ولاية سنار وولاية النيل الأبيض وألحقت بهم خسائر فادحة. 

وأضاف أنه بتلك الخطوة تم إنهاء عزلة هاتين الولايتين التي كانت مفروضة عليهما لنحو 3 أشهر. 

وفي اليوم التالي للعملية الموافق 7 أكتوبر تفقد عضو مجلس السيادة السوداني ونائب القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، القوات السودانية المرابطة في الخطوط الأمامية بـ "جبل موية" المحررة.

وخلال زيارته التفقدية التقى كباشي بجمع من ضباط الجيش، وأشاد بـ"الروح المعنوية العالية لديهم وللقوات النظامية الأخرى، إضافة إلى المقاومة الشعبية التي شاركت في العمليات، وكان لها فضل كبير في الانتصارات. 

وأكد القائد العسكري خلال جولته التي رافقه فيها اللواء الركن حيدر علي الطريفي مشرف عمليات النيل الأبيض واللواء الركن سامي الطيب قائد الفرقة 18 مشاة، أن "القوات المسلحة السودانية عازمة على تحرير كل شبر من الوطن".

وشدد على التزام الجيش بـ"مواصلة القتال حتى تطهير السودان من المليشيا الإرهابية المتمردة".

وتأتي أهمية سيطرة الجيش على "جبل موية" كنقطة مفصلية في الحرب لمجموعة من الأسباب الجغرافية والعسكرية. 

فالمنطقة تتبع إداريا ولاية سنار، وتقع إلى الشمال من الطريق الرئيس الذي يربط ما بين الولاية والنيل الأبيض، والذي يبلغ طوله 98 كيلومترا.

وتقع أيضا على مسافة 24 كيلومترا غرب مدينة سنار، وعلى بعد 71 كيلومترا غرب مدينة ربك بالنيل الأبيض، كما أنها تحتوي على محطة قطار وخط السكك الحديدية الذي يربط بين سنار وكوستي بالنيل الأبيض.

كما أن "جبل موية" عبارة عن ثلاثة تلال جبلية هي "جبل موية، وجبل دود، وجبل بيوت".

وتتحكم بشكل رئيس في الطريق البري الرابط بين مدينتي ربك حاضرة ولاية النيل الأبيض، وسنار أكبر مدن ولاية سنار، كذلك تتحكم في الطريق الذي يربط منطقة المناقل بمدينة سنار.

وعلى المستوى العسكري تحيط بـ "جبل موية" عدة مناطق عسكرية تابعة للجيش هي "الفرقة 17 سنجة" بولاية سنار، و"الفرقة 18 مشاة" بولاية النيل الأبيض، و"اللواء جوي 265 سنار"، إضافة إلى قاعدة "كنانة الجوية".

عزل المتمردين

وفور تحرير "جبل موية" خرج حاكم ولاية الجزيرة، الطاهر إبراهيم، قائلا: "إن تحرير ود مدني والقضاء على قوات الدعم السريع في الولاية بات يلوح في الأفق، عادّا استعادة جبل موية جسرا لإعادة قرى ومدن الولاية".

وكانت سيطرة "الدعم السريع" السابقة على جبل موية، قد حولت تلك المناطق العسكرية إلى جزر معزولة عن بعضها، وعزلت الولايات الثلاث عن بقية أنحاء البلاد.

وبحسب موقع "دويتشه فيله" الألماني نقلا عن مسؤول عسكري سوداني، في 8 أكتوبر، فإن خسارة الدعم السريع لـ "جبل موية" يعني عزل قواتهم المنتشرة في مدن سنجة والسوكي والدندر وأبو حجار بين بعضها وبعض. 

غير أن هذا التقدم والانتصار العسكري للجيش، يضع الدعم السريع بين فكي "كماشة" الفرقة الرابعة للجيش بولاية النيل الأزرق شرقا، والفرقة 17 سنار غربا، والفرقة الثانية شرقا والفرقة 18 بالنيل الأبيض جنوبا.

وقال المسؤول السوداني: "لا يوجد خيار حاليا أمام تلك القوات غير الهروب أو الاستسلام أمام متحركات الجيش بعد قطع خطوط إمدادها". 

صدمة الدعم السريع 

وفي تصريح خاص لقناة "الجزيرة" القطرية في 7 أكتوبر، قال الضابط السوداني المتقاعد سالم عبد الله: “إن تحرير جبل موية له آثار عسكرية واقتصادية”.

وأضاف: فهو يعني انسياب حركة السلع التجارية من ميناء بورتسودان إلى النيل الأبيض بوسط البلاد، وإلى النيل الأزرق في جنوبها الشرقي، وغربا إلى ولايات كردفان ودارفور، ما سيؤدي إلى وفرة السلع وتراجع أسعارها التي تضاعفت بسبب الندرة". 

وأضاف: "تقدم الجيش في مدن الخرطوم والقوات المشتركة في دارفور سيرفع الروح المعنوية للجيش، ويضع قوات الدعم السريع تحت الضغط، ما يدفعها لتنفيذ عمليات انتحارية وللاستماتة في الدفاع عن مواقعها بولايتي سنار والجزيرة". 

من جانبه، كتب المستشار بقوات الدعم السريع، الباشا طبيق، أن "جيشا عمره أكثر من 100 عام، ويملك مشاة وطيرانا ومهندسين وبحرية ومظلات وإستراتيجية وسلاح أسلحة وغيرها، كما تسانده في القتال كتائب الإسلاميين وأكثر من 15 حركة مسلحة.. وأصبح حلمه كله عبور جسر وفتح شارع فقط".

وذلك في إشارة لخسارة منطقة جبل موية وفتح الطريق الرابط بين سنار وكوستى، وعبور قوات الجيش جسر "الحلفايا" في شمال الخرطوم الأسبوع الماضي.

الثبات في الأرض 

بدوره، يقول الباحث السوداني محمد نصر إن "التغير التكتيكي والخططي لدى الجيش ساهم بقوة في الانتصارات الأخيرة، حيث إن كارثة الانسحاب التي ارتكبتها بعض الألوية والوحدات في الشهور السابقة، كانت بمثابة نكسة". 

ويشدد نصر لـ"الاستقلال" على أن الانتصارات في الحروب لا تتم بالانسحاب وفقدان الأرض والأماكن الإستراتيجية.

ويضيف: "كان انسحاب الجيش من ود مدني والجزيرة وسنار وأم درمان، كارثة بكل المقاييس، دفع ثمنها غاليا الشعب السوداني، الذي تحول إلى ضحية ما بين شهداء ومصابين ونازحين، وتسبب في المجاعة الحالية التي تأكل الأخضر واليابس". 

واستدرك بالقول: “لكن انتفاضة الجيش الناتجة عن إعادة التسليح وترتيب الأوراق والتخطيط الجيد، أسهمت بقوة في الهجمة الارتدادية والانتصارات الخاطفة والمستمرة”.

“فما يفعله الجيش حاليا أشبه ما يكون بـ (حرب البرق) أي الهجوم القوي والمفاجئ والسريع، ما أفقد العدو توازنه وجعله في حيرة من أمره”، بحسب نصر.

وتوقع أن تزداد شراسة المعارك في قادم الأيام، مضيفا أن “يجب على الجيش والكتائب المتحالفة معه استثمار الانتصار والتقدم وتوجيه ضربات أقوى، لأن الدعم السريع، سيسعى للانتقام، وسيخوض معركة صفرية من أجل البقاء”.