سياسي كردي عراقي: الموساد ليس السبب الحقيقي وراء القصف الإيراني المتكرر لأربيل (خاص)

10 months ago

12

طباعة

مشاركة

أكد السياسي الكردي العراقي ياسين عزيز، أن أسبابا اقتصادية وسياسية تقف وراء القصف الإيراني المتكرر لإقليم كردستان، والذي تتذرع طهران في كل مرة بأنها تستهدف تواجدا لـ"الموساد" الإسرائيلي هناك، والتي كان آخرها في 16 يناير/ كانون الثاني 2024.

وأوضح عزيز، في مقابلة مع "الاستقلال" أن "طهران تريد من خلال الهجمات العسكرية إيذاء إقليم كردستان اقتصاديا، إضافة إلى أنها تضغط على أربيل من أجل تمرير المشاريع الإيرانية في المنطقة".

ولفت إلى البعد الجغرافي في القصف هو الأمر المهم، إذ أن المنازل التي تقصفها إيران تقع في معقل الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يحكم إقليم كردستان، وقرب مكان إقامة رئيس الحزب مسعود البارزاني، وهذه كلها تحمل رسائل سياسية.

وأشار عزيز إلى أن الولايات المتحدة الأميركية لم تزوّد الإقليم بمنظومات دفاعية ضد الصواريخ رغم طلبات تقدمت بها السلطات في أربيل، إضافة إلى وجود قاعدتين مهمتين لأميركا في كردستان العراق.

واستبعد السياسي الكردي انسحاب القوات الأميركية من العراق في الوقت الحالي، وأن الحكومة الاتحادية في بغداد "ليست جادة" في مطالبة الانسحاب، لكونها تتعرض إلى ضغوطات من حلفاء إيران.

وفي سياق آخر، أكد عزيز أن الحشد الشعبي العراقي يتعاون مع حزب العمال الكردستاني (مصنف على لوائح الإرهاب التركية) في منطقة سنجار التابعة إلى محافظة نينوى، والتي تتعرض بشكل مستمر إلى قصف تركي.

وعزيز، سياسي كردي مستقل، ومستشار في مؤسسة "رؤى" للدراسات والبحوث، ويعد واحدا من المحللين السياسيين البارزين المختصين في الشأن الكردي بالعراق والمنطقة، وله ظهور متواصل في المحطات الفضائية المحلية والعربية والدولية.

القصف الإيراني

في ظل القصف الإيراني المتكرر على إقليم كردستان العراق، برأيكم ما أسباب ذلك وحقيقة ادعاءات طهران؟

الضغط الإيراني العسكري على إقليم كردستان مستمر سواء بشكل مباشرة عن طريق قصف الحرس الثوري لأهداف معينة في الإقليم، وخصوصا في مدينة أربيل، أو يجري عن طريق وكلاء إيران في العراق.

الاستهداف العسكري سببه ضغط سياسي مستمر ومتواصل على إقليم كردستان، وتحديدا أربيل، ولا أصل للادعاءات الإيرانية بقصف مركز لـ"الموساد" الإسرائيلي، لكن طهران ووكلائها بالعراق يمارسون الضغط السياسي من أجل تمرير بعض المشاريع الإيرانية في المنطقة.

البعض يربط القصف بأهداف اقتصادية كونه يطال رجال أعمال بارزين.. كيف تعلقون على ذلك؟

أتصور أن الأهداف التي قصفتها إيران بالصواريخ الباليستية سواء منزل الشيح باز البرزنجي رئيس شركة "كار" للغار، أو رجل الأعمال بيشرو دزيي، كان من منطلق إيذاء إقليم كردستان اقتصاديا.

ومع أن الهدف الأكبر ليس استهداف رجال الأعمال، لكن هذه الأمور تأتي ضمن الضغوطات التي تمارسها طهران ووكلائها في العراق، لذلك طالت الاستهدافات شخصيات اقتصادية مهمة في الإقليم.

أعتقد أن البعد الجغرافي في الاستهداف هو المهم، لأن منزلي الشخصيتين يقعان على خط مصيف صلاح الدين في أربيل، وهو معقل الحزب الديمقراطي الكردستاني، والذي يتواجد فيه مقر زعيمه مسعود البارزاني.

لذلك، فإن استهداف هذا الموقع الجغرافي بقصف منازل شخصيات اقتصادية أو مقرات لقوات البيشمركة، كلها تقع قرب مقر إقامة البارزاني، وبالتالي فهي رسالة واضحة من طهران ووكلائها في العراق.

كيف تقيّمون موقف بغداد من القصف الأخير، وهل ترتدع إيران بشكوى العراق ضدها في مجلس الأمن؟

إقليم كردستان يرى في موقف الحكومة الاتحادية في بغداد موقفا إيجابيا حتى الآن، إذ دعا رئيس حكومة الإقليم، مسرور البارزاني، رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني عند لقائهما في دافوس السويسرية إلى الثبات على هذا الموقف، والمضي بالشكوى إلى مجلس الأمن.

إيران وعبر وكلائها من السياسيين العراقيين يضغطون على الحكومة في بغداد من أجل سحب الشكوى المقدمة إلى مجلس الأمن، أو على الأقل عدم المطالبة ضمن الشكوى بعقد جلسة خاصة للمجلس لبحث القصف الإيران على أربيل.

إذا عقدت جلسة لمجلس الأمن، فستنتج عنها مواقف أكثر تشددا وضغوطات كبيرة على طهران، قد تصل إلى فرض عقوبات دولية على الجانب الإيراني، نتيجة قصفه لأربيل.

الانسحاب الأميركي

يُعد إقليم كردستان من أبرز حلفاء أميركا في العراق والمنطقة.. لماذا لا تزوده واشنطن بمنظومات دفاعية؟

لدى القيادة الكردية انتقادات لدور الولايات المتحدة، كونها تتعامل مع موضوع منظومة الصواريخ (باتريوت) أو منظومة (سيرام)، مع الحكومة الاتحادية في بغداد بشكل أكبر مما تتعامل به مع الإقليم، رغم وجود قاعدتين مهمتين لأميركا في كردستان العراق.

حكومة الإقليم طلبت عن طريق وزارة البيشمركة (بمثابة وزارة الدفاع) هذه المنظومات الدفاعية من الولايات المتحدة، لكن حتى الآن لم تدرس واشنطن أو تقرر منحها إلى كردستان، وذلك من أجل حماية بعض المواقع المهمة والحساسة في الإقليم.

هل تتوقعون أن تنسحب قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن من العراق بطلب من بغداد؟

طلب انسحاب قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الذي دعت إليه الحكومة الاتحادية في بغداد، باعتقادي هو موضوع إعلامي أكثر منه حقيقي في الوقت الحالي.

الحكومة في بغداد تطالب بانسحاب قوات التحالف نتيجة الضغوطات التي تتعرض لها من الأحزاب الموالية لإيران في العراق، لكني أعتقد أن الحكومة لا تزال ترى بوجوب تواجد هذه القوات.

ولا سيما بسبب بعض الأمور التي تتعلق بمراقبة الأجواء العراقية، وهو ما لمسناه بالخرق الإيراني للسيادة العراقية من المناطق المتاخمة لأقصى مدن جنوب العراق حتى تستهدف مواقع معينة في العمق السوري.

أرى من خلال التصريحات الرسمية العراقية، ثمة مماطلة واضحة من المسؤولين العراقيين بخصوص المطالبة بإنهاء تواجد قوات التحالف الدولي.

في حال انسحبت الولايات المتحدة من العراق هل ستبقى متواجدة في قاعدة حرير بمدينة أربيل؟

تواجد الولايات المتحدة في الإقليم يأتي ضمن اتفاقية "الإطار الإستراتيجي" بين بغداد وواشنطن، وأن الأخيرة لم توقّع أي اتفاقية ثنائية مع كردستان، باعتبار أن الإقليم جزء من العراق، وأن المنظومة الأمنية هي من سلطة وصلاحيات الحكومة الاتحادية.

إذا انسحبت قوات الولايات المتحدة الأميركية من العراق، فبالتأكيد لن تبقى في أي قاعدة من القواعد الموجودة فيها ضمن حدود إقليم كردستان. 

البعض يحذر من احتمالية انفصال الإقليم أو أربيل ودهوك تحديدا كواحدة من تداعيات الانسحاب الأميركي، ما إمكانية ذلك؟

برأيي الظروف الحالية وحتى على المدى الطويل، لا تسمح في التفكير بانفصال الإقليم أو جزء منه، أو تكوين دويلة ضمنه، لأن المجتمع الدولي، وخصوصا الولايات المتحدة والدول المؤثرة لا تزال مواقفها غير داعمة لتشكيل دولة كردية أو شيء من هذا القبيل.

في عام 2017 رأينا تداعيات المواقف الدولية في موضوع الاستفتاء الذي أجراه إقليم كردستان بخصوص حق تقرير المصير، لذلك الظروف غير مواتية للذهاب إلى مثل هذه الخيارات في الإقليم.

الانتخابات البرلمانية

يُنتظر في إقليم كردستان إجراء انتخابات برلمانية.. هل ستعيد ذات الأحزاب الحاكمة إلى الواجهة مجددا؟

ليس هناك بعد أي موعد جديد لإجراء انتخابات برلمانية في الإقليم، وأتصور أن يجري تحديد الموعد بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا العراقية في 21 يناير/ كانون الثاني 2024.

ما زال الحزبين الرئيسين الحاكمين (الديمقراطي، والاتحاد الوطني) هما في الواجهة، رغم التنافس الموجود مع هذين الحزبين، لكن في المحصلة النهائية أتصور أن النتائج ستبقيهما بالصدارة في انتخابات برلمان إقليم كردستان المقبل.

هل ثمة أسباب محددة تقف راء استمرار تصدّر الأحزاب الحاكمة في الإقليم بانتخابات برلمان كردستان؟

الحزبان الحاكمان في الإقليم (الديمقراطي، والاتحاد الوطني) يمتلكان تاريخا طويلا وتجربة وخبرة متراكمة في العمل السياسي، إضافة إلى امتلاكهما أسلحة الحكم والتحكم في المنظومة السياسية.

لكل حزب من هذين الحزبين الرئيسين نفوذ جغرافي وسياسي ومالي وأمني وعسكري، وأن كل هذه الأمور تساعدهما في استمرار تصدرهم للواجهة السياسية والحكم في الإقليم.

كيف تقيّمون حرية الرأي والتعبير في الإقليم، وإلى أي حد يمكن أن تمارس باقي الأحزاب حريتها السياسية؟

حرية الرأي والتعبير قطعت أشواطا جيدة وإيجابية في إقليم كردستان، خاصة من عايش التجربة قبل عام 1991 وما بعدها (منح الأكراد حكما ذاتيا) يرى بأن هناك مساحة جيدة لهذه الحرية.

لكننا ننتظر مساحات أكبر يمكن إعطائها للتعبير عن حرية الإعلام والصحافة، وأن هناك نقاط مهمة وحساسة يجب ألا تخضع لقياسات حرية الرأي والتعبير، ومنها القضايا الأمنية والحساسة.

هل الخلافات الكردية – الكردية وخصوصا بين أكبر حزبين يمكن تتسبب في تشطر الإقليم إلى إقليمين في أربيل والسليمانية؟

الخلافات هذه في الداخل الكردي كانت السبب الأهم في إضعاف موقف إقليم كردستان في التعامل مع الحكومة الاتحادية في بغداد أو مع الدول الإقليمية والدولية.

لكن أن تصل هذه الخلافات إلى انشطار الإقليم إلى إقليمين، أراه أمرا مستبعدا جدا، خصوصا أن العلاقات حاليا باتت إيجابية نوعا ما، وهناك بوادر طبية بين الحزبين الذين يحكمان أربيل والسليمانية.

العلاقة مع بغداد

تشهد العلاقات بين بغداد وأربيل توترات مستمرة خصوصا في ملف موازنة الإقليم.. من وراء تعطيل الاتفاقيات واستمرار الأزمة؟

المد والجزر بين بغداد وأربيل أتصور أن سببه هو عدم حل الملفات العالقة بين الطرفين، وخصوصا ما يتعلق بموازنة إقليم كردستان أو حتى في موضوع قانون النفط والغاز، هو وجود تأثير وضغط سياسي على حكومة محمد شياع السوداني.

هناك اتفاقيات سياسية وإدارية جرى الاتفاق عليها وتوقيعها بين الأحزاب الكردية وقوى الإطار التنسيقي (الشيعي) لم تنفذ بعد، لذلك أتصور أن هذه الخلافات بين بغداد وأربيل ستستمر.

برأيكم هل تشهد الدورة البرلمانية الحالية إقرار قانون النفط والغاز وتطبيق المادة 140 من الدستور بخصوص المناطق المنازع عليها بين بغداد وأربيل؟

أستبعد أن يحصل إقرار لقانون النفط والغاز في الدورة البرلمانية الحالية، والأمر نفسه أيضا بالنسبة لتطبيق المادة 140، وأتصور أنها سترحّل إلى دورات مقبلة، باعتبار أنه ليس أمامنا الوقت الكافي إذا جرت انتخابات مجلس النواب العراقي في العام 2025.

يمكن هناك نيات جيدة لإقرار قانون النفط والغاز، لكن تطبيق المادة 140 أعتقد أنها أمر مستبعد جدا.

هل ما يزال الأكراد يمثلون "بيضة القبان" في العملية السياسية العراقية أم أن خلافات البيت الكردي غيّرت ذلك؟

القوى الكردية الآن في وضع لا يساعد على كونهم "بيضة القبان" (ترجيح الكفة)، رغم أن الفاعل الكردي لا يزال له دور في العملية السياسية العراقية، لكن الخلافات الكردية، وتراجع الدعم الدولي للإقليم وللأحزاب الكردية أثّر بشكل كبير على دور الكرد في هذا الموضوع.

لكن مع عودة العلاقات بين الحزبين الرئيسين في إقليم كردستان ومعالجة المشاكل الثنائية بينهما وإعادة النهج الدبلوماسي المرن والمتزن مع أطراف سياسية سواء داخلية أو خارجية، أتصور أنها كفيلة بعودة الأكراد إلى الواجهة السياسية والتأثير في العملية السياسية العراقية بشكل عام.

العلاقة مع أنقرة

تشن القوات التركية هجمات على أراضي إقليم كردستان بسبب تواجد العمال الكردستاني.. هل تمتنع أربيل عن هذا الحزب عن أراضيها؟

القوات التركية تشن هجماتها قبل عام 1991، وحزب العمال الكردستاني متواجد في إقليم كردستان منذ بداية الثمانينيات من القرن العشرين، أي في عهد النظام السابق (بقيادة صدام حسين) ونشأ واستقر في مناطق عديدة بالإقليم.

لذلك فإن الأحزاب الكردية الحاكمة، أو أحدهما الذي يمتلك علاقات طيبة مع تركيا من المستبعد أن يدخل في مواجهات مع حزب كردي آخر، حتى وإن كان ولاؤه لغير إقليم كردستان العراق.

كانت هناك في السابق تجربة مريرة وقاسية من هذا النوع (صدامات كردية-كردية) رفضتها الفعاليات السياسية والشارع الكردي بالعموم.

أتصور أن الأحزاب الكردية بشكل عام تنتظر حلولا سياسية لأي نزاع يخوضه أي حزب كردي خارج كردستان العراق.

البعض يتحدث عن تعاون بين الحشد الشعبي وحزب العمال الكردستاني وتحديدا في سنجار بمحافظة نينوى.. ما تعليقكم على ذلك؟

تعاون الحشد الشعبي وحزب العمال الكردستاني، أمر مؤكد نوعا ما، وتحديدا في منطقة سنجار، وأن الحشد المدعوم بغطاء سياسي في بغداد، لا يزال يمنع تنفيذ اتفاقية (إخراج المليشيات المسلحة من المنطقة) التي وقعت بين بغداد وأربيل قبل ثلاث سنوات.

استمرار هذا الأمر في منطقة سنجار يحرج الإقليم وحتى الحكومة الاتحادية، لأنها بذلك تعطي تبريرا لتركيا في استهداف مناطق عديدة في سنجار بين الحين والآخر بالمسيّرات والطائرات الحربية.

التعاون بين الحشد والعمال الكردستاني موجود، وكذلك منع تنفيذ الاتفاقية أيضا أمر حقيقي، لذا فإنني أجزم أن العلاقات بين الطرفين قائمة، وخصوصا في منطقة سنجار.

برأيكم ما هو الحل لإنهاء تواجد حزب العمال الكردستاني من أراضي إقليم كردستان لإيقاف الهجمات التركية؟

الحل هو بإيجاد حلول دبلوماسية وسياسية باعتبار أن حزب العمال الكردستاني يقاتل القوات التركية منذ أكثر من 40 عاما، وهذا الأمر لم ينته إلى فائدة، وأن إقليم كردستان هو المتضرر الأكبر.