"صورة هنية تقلق بايدن".. لماذا تأجلت زيارة أردوغان إلى واشنطن؟

12

طباعة

مشاركة

بعد تكهنات استمرت عدة أيام، أكد المتحدث باسم الخارجية التركية أونجو كتشالي، في 26 أبريل/ نيسان 2024، تأجيل زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى الولايات المتحدة إلى أجل غير مسمى، بعدما كانت مقررة في 9 مايو/ أيار 2024.

وبينما قال كتشالي إن "سبب التأجيل يرجع إلى عدم توافق الجداول الزمنية للرئيسين، اكتفى المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي بالرد بأن جدول بايدن لا يتضمن حتى الآن اتصالات مع نظيره التركي، وليس لدى البيت الأبيض ما يقوله في هذا الشأن.

وآخر مرة التقى فيها أردوغان وبايدن كانت على هامش قمة حلف شمال الأطلسي "ناتو" في ليتوانيا في يوليو/ تموز 2023.

ويرى مراقبون أن هذه الزيارة كانت مهمة ومنتظرة لحسم عديد من الملفات العالقة بين الجانبين، لا سيما ملف التسليح العسكري، والعملية العسكرية التركية المرتقبة في شمال العراق، فضلا عن العدوان الإسرائيلي المدعوم أميركيا والمتواصل ضد قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

ولم تقتنع دوائر إعلامية وسياسية عديدة بوقوف هذا السبب البسيط المعلن وراء تأجيل الزيارة إلى أجل غير مسمى، وربطتها بعدة أسباب، في مقدمتها لقاء الرئيس أردوغان مع رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس إسماعيل هنية في إسطنبول، رغم موقف واشنطن من الحركة التي تصنفها "إرهابية".

علاقة جافة

مع الرجوع للوراء قليلا، يتضح أنه منذ تولي بايدن منصبه، استمرت علاقة محايدة بين تركيا والولايات المتحدة وحافظت على مكانتها. 

ومع الوقت اتضح أن الدولتين اللتين تتبنيان مواقف مختلفة بشأن العديد من القضايا، يمكنهما إحراز تقدم خلال اجتماعات أردوغان وبايدن.

وفي الآونة الأخيرة، أثارت العمليات التركية ضد امتدادات منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية قلق الولايات المتحدة. 

وبينما كانت قضية طائرات إف-35 لا تزال مطروحة على الطاولة بصفتها قضية لم تُحل بعد، كان من المتوقع أن تُناقش هذه القضايا خلال الزيارة المؤجلة. 

وحقيقة أن طائرات إف-35، التي خصصت تركيا الموارد المالية لها، لم تُمنح للبلاد، جعلت تركيا تشعر بعدم الارتياح الشديد، سواء في الرأي العام المحلي أو في السياسة الخارجية. 

ولم تكتف الولايات المتحدة بعدم دفع رسوم طائرات إف-35، بل أوقفت أيضا بيع الطائرات.

لكن لاحقا، أُعطي الضوء الأخضر لمحاولة تركيا شراء طائرات إف-16 من الولايات المتحدة. 

وكان من المتوقع أن يعبر الرئيس أردوغان عن هذه القضايا بحساسية خلال اجتماعه.

من ناحية أخرى، يتمثل التطور الآخر بين الزعيمين في الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة. حيث أعلنت تركيا، من خلال دبلوماسييها، لمحاوريهم الأميركيين أنه ينبغي بذل الجهود لوقف المذبحة. 

ورغم أن مبادرات تركيا لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار الدائم كانت واضحة، إلا أنه لا يمكن توقع تجاهل قضية كهذه خلال اللقاء الذي كان منتظرا.

لقاء فارق

أدى إلغاء الزيارة بين الرئيس أردوغان والرئيس بايدن إلى طرح أسئلة مختلفة في الأذهان، إذ تساءل مراقبون: “ماذا يمكن أن يكون سبب إلغاء اللقاء بين الزعيمين اللذين لا تتوافق وجهات نظريهما حيال العديد من الملفات؟”

لا سيما أن الإلغاء جاء عقب استقبال أردوغان وفدا قياديا من حماس في إسطنبول برئاسة هنية. وأظهرت صور اللقاء أجواء دافئة بين الرئيس التركي وقائد حماس. وهو ما أثار غضب إسرائيل بشدة.

لدرجة توجيه وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، عبر منصة إكس، اتهامات دنيئة لحماس والرئيس أردوغان.

ومن المعروف أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل في الإبادة الجماعية في غزة، ولا يتردد المسؤولون الأميركيون في إعلان دعمهم المباشر للحرب في كل مناسبة.

وعلى هذه الخلفية، سأل أحد الصحفيين مستشار اتصالات الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، عن علاقة لقاء هنية مع أردوغان بتأجيل الزيارة؟

وأجاب كيربي قائلا: "ليس هناك أي شيء مقرر فيما يتعلق بزيارة الرئيس أردوغان. ولذلك، ليس لدي أي تعليق على هذه المسألة".

وأضاف أنه "سيترك الأمر لأردوغان للحديث عن اجتماعاته"، مضيفا: "لقد كنا واضحين للغاية بشأن موقفنا من حماس، ومن هم وماذا يمثلون. ولذلك أترك هذه المسألة هنا".

وهذه التصريحات الإسرائيلية والأميركية أعادت إلى الأذهان سؤال: "هل حماس هي سبب التأجيل؟". ووفق مراقبين أتراك، فإن هذا السؤال يحتمل الإجابتين؛ نعم ولا.

ماذا يقول الخبراء؟

وتعليقا على المشهد، قال الدبلوماسي التركي المتقاعد، إنجين سولاك أوغلو: "لقد تابعت التطورات، ولا أعتقد وجود علاقة بين التأجيل وحماس. فأردوغان لم يلتق بحماس للتو، والولايات المتحدة تعرف آراء أردوغان بشأن الحركة".

وأضاف سولاك أوغلو في تصريحات صحفية: "من الواضح أنه لا توجد كيمياء بين أردوغان وبايدن. وفي رأيي، لا توجد رغبة في فرض الآراء على أي من الجانبين، وهناك اتفاق على أنه إذا فعلنا ذلك، فسوف يتضرر كل منا".

وتابع: “القضية الأساسية في رأيي هي أن أجندة الاجتماع لم تُحدد. ونادرا ما يُتحدث عن ذلك، فمثلا هناك إشكالية تجارية بين البلدين تتعلق بفرض أميركا زيادة بنسبة 25 بالمئة على منتجات الحديد والصلب المصدرة من تركيا”. 

ومضى الدبلوماسي التركي يقول: "إن إزالة حاجز التعريفة الجمركية الإضافية على صادرات الحديد والصلب له أهمية كبيرة بالنسبة لتركيا. ويبدو أن الولايات المتحدة ليست مستعدة للقيام بذلك بعد".

وأوضح أن المسألة الأخرى هي العراق، حيث قال: "الولايات المتحدة لا تريد أن تنفذ تركيا عملية عسكرية في العراق. ومن الواضح أنه لا توجد كيمياء بين أردوغان وبايدن في هذا الموضوع. لا سيما أن أمامهم الآن أردوغان الذي خسر حزبه الانتخابات المحلية الأخيرة".

من جانبه، رأى الصحفي التركي عبد القادر سيلفي المعروف بقربه من أردوغان أنه "بعد الاجتماع بين إسماعيل هنية وأردوغان، سعت مجموعة بالجانب الأميركي إلى منع الاجتماع بين أردوغان وبايدن".

وأضاف في مقال بصحيفة "حرييت" التركية: "إنهم يعتقدون أن صورة أردوغان وبايدن التي ستُلتقط بعد صورة أردوغان وهنية ستكون ضدهم في الانتخابات الرئاسية المرتقبة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024".

ومن منظور مختلف، علق الدبلوماسي التركي، أولوتش أوزولكر، على القضية قائلا: إن "الولايات المتحدة وتركيا على خلاف بشأن إسرائيل. ومع انضمام السويد إلى الناتو، سعت أنقرة إلى انفراجة في العلاقات، وتبنت واشنطن نهجا مماثلا، وبالفعل حدثت زيارات متبادلة لوزراء الخارجية بين البلدين. ثم أُحرز الكثير من التقدم بشأن مقاتلات إف-16".

وأضاف لـ"الاستقلال": "بدءا من مارس 2024، اتفق على أن أردوغان سيذهب إلى الولايات المتحدة. ولا يزال الاتفاق قائما، لكن الأطراف اجتمعت ووضعت جداول الأعمال، حيث جرى تبادل وجهات النظر الفنية. ولأنها تطورت أكثر فأكثر كل يوم، زادت الآمال في أن تكون العلاقات الثنائية على أرض أكثر ليونة ومرونة وأن تسفر هذه الزيارة عن مخرجات مثمرة".

لكن بعد ما حدث، قال أوزولكر: "هنا إذن علينا أن نطرح سؤالين؛ الأول، لماذا قرروا فجأة تأجيل الزيارة؟، فتصريحات الطرفين مثيرة للاهتمام، إذ لم يتمكن الطرفان من الاتفاق على توقيت محدد". 

ومضى يقول: “وبما أن الاجتماع كان مقررا عقده، إذن فتم تخصيص وقت له بالفعل. فمن المستحيل أن يكون لدى زعيمين جدول أعمال مزدحم بحيث لا يستطيعان الجلوس حول طاولة والتحدث لمدة ساعة أو ساعتين”.

وهنا يلفت السفير التركي إلى أنه إذا وصل الأمر إلى رفض اللقاء، فإن ذلك يعني أن "العلاقة توترت من جديد".

أما بالنسبة للنقطة الثانية، أشار أوزولكر إلى “الموقف الواضح للرئيس أردوغان تجاه حماس”، قائلا: "قبل بضعة أيام، استخدم أردوغان تصريحات قاسية ضد إسرائيل. ومباشرة بعد ذلك، تأجل اللقاء".

وبحسب تعبيره، "لا دخان من دون نار، وهذا ليس تأجيلا عشوائيا". وختم قائلا: "نتيجة الاستياء المباشر، فإن العلاقات مع الولايات المتحدة أو تركيا سوف تتضرر، ويمكن القول أيضا إن اللّين بين الجانبين قد توقف".