بين القرارات الإستراتيجية وانتظار الانتخابات الأميركية.. إسرائيل على صفيح ساخن

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

قبيل ساعات على انطلاق انتخابات الرئاسة الأميركية في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، تكثر الأحاديث عن الحرب الدائرة في غزة وتأثيرها على المشهد السياسي الإسرائيلي.

وفي هذا السياق، استعرضت صحيفة "تاتس" الألمانية الأزمة الإنسانية في قطاع غزة ومشكلة عدم وصول المساعدات والحصار الإسرائيلي المطبق، إضافة إلى انتقادات الأمم المتحدة للانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة.

ومن ناحية أخرى، تشير الصحيفة إلى زعم الولايات المتحدة أنها تحاول التأثير على إسرائيل لإنهاء الصراع في غزة، لكنها لم تحقق نجاحا يذكر. 

فيما يتردد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بحسب الصحيفة، في اتخاذ قرارات حاسمة بشأن الحرب، منتظرا نتيجة الانتخابات الأميركية.

علاوة على ذلك، تبرز الصحيفة وجود اختلافات في الرؤية داخل القيادة الإسرائيلية حول أهداف الحرب، لافتة إلى التوتر بين اتخاذ قرارات عسكرية وسياسية حاسمة وبين انتظار الدعم الأميركي لتحديد إستراتيجية طويلة المدى.

أزمة كارثية

تبدأ الصحيفة الألمانية تقريرها بتوضيح أن الأمر استغرق حتى أبريل/ نيسان 2024 كي تفتح إسرائيل معبر "إيريز" شمال قطاع غزة لإدخال المساعدات، وذلك بعد أن هدد الرئيس جو بايدن بإنهاء الدعم الأميركي. 

ولكن بالنظر إلى الواقع الحالي، تلفت الصحيفة إلى أن "تهديد وقف إمدادات الذخيرة والأسلحة الأميركية يلقى آذانا صماء في تل أبيب". 

وفي هذا السياق، تنقل ما صرحت به سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، لمجلس الأمن الدولي بأن "إسرائيل لن تفعل شيئا حيال (الأزمة الإنسانية الكارثية) في غزة".

وتابعت: "وبدلا من الاستجابة للمطالب الواردة في الرسالة التي أرسلت منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2024، والتي دعت إلى السماح بمرور 350 شاحنة يوميا وتوفير فترات توقف إنسانية وإنهاء الحصار المفروض على شمال غزة، يحدث العكس تماما".

إذ أبلغ مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" عن تشديد الحصار في شمال غزة منذ 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، خاصة حول مخيم جباليا للاجئين. 

وفي هجوم على مبنى سكني مكون من خمسة طوابق في بيت لاهيا شمال غزة، أفاد مستشفى "كمال عدوان" بمقتل عشرات الأشخاص، معظمهم من النساء والأطفال. 

ووصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، الحادث بأنه "واقعة مروعة"، مطالبا إسرائيل بتوضيح ما حدث. 

وفي المقابل، زعمت القوات الإسرائيلية أن "الضربة كانت تستهدف (مراقبا) يستخدم منظارا على سطح المبنى، ولم تكن تعلم أن المبنى يستخدم كمسكن".

انتقادات حادة

نقلا عن تقارير تابعة لـ "أوتشا"، تذكر الصحيفة الألمانية أن جنودا إسرائيليين اقتحموا مستشفى كمال عدوان، حيث دمروا ثلاث سيارات إسعاف واعتقلوا معظم الكادر الطبي. وتلفت الصحيفة إلى أن القوات الإسرائيلية وصفت العملية بأنها "ضربة دقيقة ضد معقل لحماس".

وبحسب ما ذكرته الأمم المتحدة، لم يتبق سوى مدير المستشفى وطبيب أطفال لرعاية 150 مريضا.

وفي هذا الصدد، تذكر الصحيفة أن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، حذر من أن "تحركات الجيش الإسرائيلي في شمال غزة تنذر بـ (تطهير عرقي)". 

وفي الوقت نفسه، تشير إلى أن صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية علقت في افتتاحيتها هذا الأسبوع قائلة: "إذا كان الأمر يبدو كتطهير عرقي، فمن المحتمل أنه كذلك".

وفي هذه النقطة، تذهب الصحيفة إلى أن "الأعداد الهائلة من الضحايا المدنيين واستمرار الحصار والدعوات إلى إخلاء المنطقة والانتقال جنوبا تشير جميعها إلى هذا الاتجاه". 

ومن جهة أخرى، تسلط الضوء على أن هذا النهج تدعمه مطالب مستمرة من الأوساط اليمينية الدينية في الحكومة لإعادة توطين اليهود في المنطقة. 

فقبل أسابيع قليلة، اقترحت "خطة الجنرالات" المدعومة من الحكومة إخلاء جميع المدنيين من شمال غزة ثم تجويع من تبقى منهم، وفق التقرير.

جدير بالذكر أن خطة الجنرالات هي "خطة عسكرية اقترحها الجنرال السابق في الجيش الإسرائيلي، غيورا آيلاند، على نتنياهو، وتبناها عدد كبير من جنرالات الجيش".

وفي الوقت نفسه، تبرز الصحيفة أن قرار إسرائيل بحظر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" أثار غضبا واسعا.

وفي حالة نادرة من الإجماع، حذر مجلس الأمن الدولي بشدة من "أي محاولة" لتعطيل عمل الأونروا أو إنهائه. 

وحتى الولايات المتحدة، التي غالبا ما تستخدم حق النقض "الفيتو" لحجب انتقادات ضد إسرائيل في أهم هيئات الأمم المتحدة، أيدت هذا التحذير.

لا مساعدات

وفي هذا الإطار، تقول الصحيفة إنه "من غير الواضح تماما كيف يمكن ضمان توفير الاحتياجات لنحو مليوني شخص من السكان النازحين في قطاع غزة بدون الأونروا". 

ويبرز هنا ما قاله المتحدث باسم الأونروا، جوناثان فاولر بأن "الأونروا هي العمود الفقري للعمليات الإنسانية الدولية في غزة.

وبدون حوالي 13 ألف موظف، معظمهم فلسطينيون ومن بينهم معلمون سابقون وممرضون وموظفو مكاتب يعملون حاليا على نقل المساعدات عبر مناطق الحرب وإدارة مخيمات اللاجئين المزدحمة، فإن المساعدات الدولية في غزة "ستنهار"، وفق ما تذكر الصحيفة.

كما أن توفير الخدمات لحوالي مليون فلسطيني مسجل لدى الأونروا في الضفة الغربية المحتلة، وتشغيل 96 مدرسة و43 مركزا صحيا، قد يتوقف، بحسب تحذيرات فاولر.

وفي هذا السياق، تشير الصحيفة إلى أن الأونروا تعرضت لانتقادات من الجانب الإسرائيلي على مدى سنوات عديدة؛ حيث يتهمها كثير من الإسرائيليين بأنها تسهم في إدامة الصراع وتوريث وضع اللاجئ للفلسطينيين عبر الأجيال.

بينما يرى منتقدو هذا الموقف أن "وجود الأونروا مستمر فقط لأن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني لم يُحل بعد".

وفي يناير/ كانون الثاني 2024، وجهت إسرائيل اتهامات خطيرة ضد 12 من موظفي الأونروا، زاعمة أنهم "شاركوا في الهجمات التي وقعت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023". 

وسرعان ما توسعت هذه الاتهامات، إذ يدعي سياسيون إسرائيليون، وصولا إلى رئيس الوزراء نتنياهو، بانتظام أن "الأونروا مخترقة بالكامل من قبل حماس". 

وتشير هنا إلى أن "الأمم المتحدة أقالت عشرة موظفين بعد التحقيقات، رغم أن إسرائيل لم تقدم حتى الآن أدلة تثبت هذا الاختراق".

وبهذا الشأن، يصف مدير الأونروا، فيليب لازاريني، هذه الادعاءات بأنها "حملة لتجريد المنظمة من الشرعية".

كيف ولماذا تستمر الحرب؟

وإلى جانب الأزمة الإنسانية، تلفت الصحيفة الألمانية الأنظار إلى وجود تساؤلات داخل القيادة الإسرائيلية حول كيفية استمرار الحرب وأهدافها. 

وبحسب صحيفة "هآرتس"، فقد اتفقت قيادات الجيش والاستخبارات ووزير الدفاع، يوآف غالانت، على أن إسرائيل حققت ما يمكن تحقيقه عسكريا.

لافتين إلى أن "سلسلة النجاحات العسكرية قد هيأت الظروف للتفاوض"، بحسب ما ورد عن الصحيفة.

وفي هذا السياق، تنقل ما صرح به مايكل ميلشتاين، الرئيس السابق لقسم الشؤون الفلسطينية في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، قائلا: "لقد حققنا نجاحات مذهلة على جميع الجبهات، لكننا لا نترجمها حاليا إلى إنجاز إستراتيجي". 

وأكد ميلشتاين أن المشكلة تكمن في "افتقار القيادة الإسرائيلية إلى إستراتيجية طويلة الأمد على جميع الجبهات". 

وهنا، توضح الصحيفة أنه "غالبا ما يُلقى باللوم في هذا على نتنياهو، الذي يتعرض لضغوط من شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف".

وترى عالمة السياسة، جيل تالشر، من الجامعة العبرية في القدس أن "نتنياهو مدفوع بمطالب وزراء من اليمين المتطرف، مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، واللذين يهدفان إلى إقامة مستوطنات يهودية في غزة". 

ومع ذلك، ترى تالشر أن "المستوطنين لا يحتاجون إلى قرار سياسي رسمي، فوجود احتلال عسكري طويل الأمد يكفي لإيجاد حقائق على الأرض بمرور الوقت، تماما كما بدأت أولى المستوطنات في الضفة الغربية، والتي يقطنها الآن حوالي 500 ألف مستوطن".

وعلى جانب آخر، تشير الصحيفة إلى أن "المفاوضات المتعثرة بشأن إنهاء القتال قد تشهد تطورا بالنظر إلى الوضع في لبنان". 

لافتة إلى أنه "لوقت طويل، ربط حزب الله وقف إطلاق النار في غزة بإنهاء الحرب، إلا أن تقارير إعلامية تشير الآن إلى أن الولايات المتحدة تستكشف إمكانية التوصل إلى هدنة مع حزب الله بمعزل عن غزة". 

وبحسب الصحيفة، يتضمن أحد المقترحات الأميركية الأولية انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان، مع احتفاظه بحق التدخل داخل الأراضي اللبنانية عند الحاجة.

لا اتفاق مع لبنان

وفي هذا السياق، تذكر الصحيفة أن رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، أبدى تفاؤله قبل أيام قائلا إن "التوصل إلى اتفاق قد يكون ممكنا في غضون ساعات أو أيام". 

إلا أنه بعد غارة جوية إسرائيلية أسفرت، وفقا لوزارة الصحة اللبنانية، عن مقتل ما لا يقل عن 45 شخصا، صرح بأن "التصعيد المستمر من قبل إسرائيل لا يدعو للتفاؤل". 

وفي المقابل، توضح الصحيفة أنه في إسرائيل، قُتل خمسة أشخاص جراء قصف من حزب الله قرب الحدود.

وفي هذا الصدد، يعرب ميلشتاين عن أمله في أن "تسعى الحكومة الإسرائيلية بجدية، خلف الكواليس، إلى حل سياسي إلى جانب التحرك العسكري".

مشددا على أن "دافع الحل يجب أن يأتي الآن، بعد النجاحات العسكرية الأخيرة، من الحكومة الإسرائيلية بالتعاون مع الولايات المتحدة".

وأضاف: "إذا لم يحدث ذلك، فقد نجد أنفسنا قريبا متورطين في حرب استنزاف طويلة في لبنان وغزة".

ولكن في غضون ذلك، لا تتوقع خبيرة السياسة، جيل تالشر، اتخاذ قرار حاسم قبل الانتخابات الأميركية في 5 نوفمبر/ تشرين الأول 2024. 

وتقول إن "نتنياهو ينتظر لأن مجيء ترامب أو هاريس سيحدث فرقا في مدى المرونة التي ستحصل عليها إسرائيل".

ووفقا لتقديرات، كما تنقل "تاتس"، يتمنى ثلثا الإسرائيليين، وضمنهم نتنياهو، أن يعود ترامب رئيسا، حيث يأملون أن يقدم دعما غير مشروط للعمليات في غزة ولبنان.

وهنا، توضح الصحيفة أن "ما سيفعله ترامب فعليا في المنطقة يبقى غير واضح"، لكنه وعد أخيرا بـ"إنهاء المعاناة والدمار في لبنان"، دون توضيح كيف ينوي تحقيق ذلك. 

بالإضافة إلى ذلك، تذكر الصحيفة أنه كان قد أطلق تصريحات مشابهة بشأن حرب غزة.

وفي الوقت نفسه، أفادت تقارير أخرى من "تايمز أوف إسرائيل" بأن ترامب طلب من نتنياهو "إنهاء الحرب قبل أن يتولى منصبه في حال فوزه بالانتخابات".