كما وعدوا عند انقلابهم.. لماذا لا يسلم عسكر مالي السلطة لحكومة مدنية؟

منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في أغسطس/ آب 2020، شهدت مالي انقلابا عسكريا أطاح بالرئيس المدني إبراهيم بوبكر كيتا، وذلك بعد احتجاجات شعبية واسعة ضد الفساد وتدهور الوضع الأمني والاقتصادي في البلاد.

وقاد الانقلاب عسكريون من "اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب" بزعامة العقيد أسيمي غويتا، ومنذ ذلك الحين تعد القيادات العسكرية بمرحلة انتقالية تُسلم فيها السلطة لحكومة مدنية، وعُينت حكومة انتقالية بالفعل، لكن الجيش ظل ممسكا بمفاصل الحكم.

وتجلى ذلك بوضوح في مايو/ أيار 2021، حين نفذ الجيش انقلابا ثانيا وأطاح بالرئيس الانتقالي ورئيس الوزراء المدنيين.

الأمر الذي عده موقع "دويتشه فيله" الألماني "تعزيزا لهيمنة الجيش بقيادة غويتا، الذي أصبح لاحقا الرئيس الفعلي للبلاد".

واليوم، وبعد مرور خمس سنوات على بداية الحقبة الجديدة التي يحكم فيها العسكريون بقبضة من حديد، يرى الموقع أن "الجيش يسعى لإضفاء الشرعية على سلطته، وترسيخ حكمه بشكل دائم".

إذ من المقرر أن يُعين الرئيس الانتقالي الحالي، الجنرال أسيمي غويتا، رئيسا للدولة دون انتخابات ديمقراطية وذلك حتى عام 2030، أي بتمديد فترة ولايته لمدة خمس سنوات إضافية.

وأشار إلى أن هذا "يتعارض مع ما طرحته القيادات العسكرية في يونيو/ حزيران 2022 عن خطة للعودة إلى الحكم المدني بحلول مارس/ آذار 2024، لكنها أجّلت الانتخابات لاحقا لأسباب فنية، وفي أبريل/ نيسان 2024، حظرت جميع الأنشطة السياسية".

خطوة كارثية

"وتُعد هذه الخطوات السياسية الجديدة في مالي نتيجة لمشاورات جرت خلال (المؤتمر الوطني) المنعقد في باماكو، والذي نظمه النظام وقررت أحزاب المعارضة الرئيسة مقاطعته"، وفقا لما ذُكر في الموقع.

وأشارت الأنباء إلى أن "أكثر من 400 مندوب صوت هذا الأسبوع على مشروع قانون يُلغي (ميثاق الأحزاب السياسية) القائم منذ عام 2005، والذي يحدد قواعد تأسيس الأحزاب وتمويلها وإدارتها".

وبحسب الموقع، "اقترح المؤتمر تحديد عدد الأحزاب المصرح بها في مالي إلى خمسة فقط، وفي الوقت ذاته، ستُشدد شروط تأسيس أحزاب جديدة".

حيث "اقترح مبلغ 100 مليون فرنك إفريقي (عملة مالي) لتأسيس حزب سياسي، أما الترشح في الانتخابات الرئاسية، فقد أُشير في التقارير إلى أنه سيُشترط توفير مبلغ 250 مليون فرنك إفريقي".

ويرى نوهوم توغو، رئيس حزب "الاتحاد من أجل إنقاذ الجمهورية"، أن هذه الخطوة "كارثية"، وقال في تصريح للموقع: "لا ينبغي مقارنة مالي بدول الانقلاب مثل النيجر وبوركينا فاسو، لأن تلك الدول لا تملك دساتير، على عكس مالي التي تملك دستورا يحمي الأحزاب السياسية".

وأضاف: 'لا يوجد مثال في العالم يُشترط فيه دفع 100 مليون فرنك إفريقي لتأسيس حزب سياسي".

وأوضح "دويتشه فيله" أن المؤتمر أوصى كذلك بإنهاء ما يسمى بـ"الترحال السياسي"، أي تغيير الانتماء الحزبي خلال فترة الولاية.

محاولة للتلاعب

من جانبها، أدانت منظمة العفو الدولية هذه الخطوة، ووصفتها بأنها "اقتراح لحل جميع الأحزاب السياسية في مالي"، وفقا لما أورده الموقع.

وقال عثمان ديالو، الباحث المتخصص في منطقة الساحل لدى المنظمة، إن ذلك "يمثل هجوما صارخا على الحقوق، وعلى حرية الرأي والتجمع".

بدوره، نقل الموقع عن بولان بارو، عضو حزب "المؤتمر الوطني من أجل المبادرة الديمقراطية – فاسو ييريوا تون CNID-Faso Yiriwa Ton" الذي أسسه الوزير السابق مونتاغا تال، قوله: "إن ما يحدث هو محاولة للتلاعب، والأمر أشبه بخلق فراغ قانوني لا يشجع على تنظيم وعمل ونشاط الأحزاب السياسية".

وأشار إلى أنه "من المقرر تقديم مشروع القانون قريبا إلى المجلس الوطني الانتقالي الذي أنشأته النخبة العسكرية بعد الانقلابين في عامي 2020 و2021".

"وقد أثارت التعديلات المقترحة غضب الأحزاب السياسية القائمة، التي نددت بالقمع الذي تمارسه النخبة العسكرية"، يقول الموقع.

ويكمل: "قال عبد الله يارو، مدير مكتب حزب "ييلما Yelema" التابع لرئيس الوزراء السابق موسى مارا، لوكالة أسوشيتد برس: هذه المشاورات لا تمثل الشعب المالي، لأننا نحن -ممثلي الأحزاب السياسية- لم نشارك فيها"، معتبرا أن "تنفيذ التوصيات سيكون كارثة على مالي".

أما المتحدث باسم حزب "ييلما" حميدو دومبيا، فقال: إن "نتائج المؤتمر الوطني تنتهك دستور مالي الذي أقرته الحكومة الانتقالية في يوليو/ تموز 2023".

وأضاف في مقابلة مع الموقع: "لا يمكن لمجموعة صغيرة من الناس مجتمعين في غرفة واحدة أن تمنح رئيسا تفويضا. لم نشهد شيئا كهذا من قبل".

وتابع المتحدث باسم الحزب: "أما فيما يتعلق بحل الأحزاب السياسية، فلا يوجد أي مستند قانوني يخولهم ذلك، فالقانون المالي لا يسمح به، هذه التوصيات غير دستورية، الرئيس هو الضامن للدستور، ومن واجبه حمايته".

تكثيف القمع

ويعتقد الموقع الألماني أن هذه الخطوات الأخيرة "تثير الخوف لدى العديد من أحزاب المعارضة، من أن تستغل الحكومة العسكرية –كما فعلت نظيرتاها في النيجر وبوركينا فاسو– هذه المواثيق الجديدة لتكثيف القمع ضد المعارضين السياسيين".

وأردف: "في الواقع، فإن وجود الأحزاب السياسية مكفول في دستور مالي الصادر عام 1992، أي قبل (ميثاق الأحزاب السياسية) الذي أُقر في 2005 والمقرر الآن إلغاؤه".

ويقول محمد شريف كوليبالي، رئيس حركة شباب الحزب الوطني ADEMA PASJ، في حديثه للموقع: "نعلم جيدا ما هي النية الحقيقية وراء ذلك، ولهذا توحدت الأحزاب السياسية منذ وقت طويل لمواجهة ما يتم التحضير له حاليا".

مضيفا: "بالنسبة لنا، هذه ببساطة محاولة للهجوم على الديمقراطية التي ناضل من أجلها الشعب المالي بشدة منذ الثورة الشعبية في مارس/ آذار 1991".

وذكر الموقع أنه "من ضمن ردود الفعل في مالي، كانت هناك أيضا تصريحات للوزير السابق محمد ساليا توري، الذي شغل منصبا في أول حكومة انتقالية برئاسة مختار وان (سبتمبر/ أيلول 2020 إلى مايو/ أيار 2021)، حيث وصف عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلغاء التعددية الحزبية بأنه (خطأ تاريخي)".