إخفاء الحقائق وتسريب معلومات.. ما أبرز التهم الموجهة إلى أكرم إمام أوغلو؟

منذ ١٧ ساعة

12

طباعة

مشاركة

يواجه أكرم إمام أوغلو اتهامات تتعلق باستخدام أجهزة تشويش وتسريب معلومات من داخل الدولة، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مصداقيته ويضعه تحت مساءلة حقيقية قد تؤثر على مستقبله السياسي.

وحسب ما ذكر الكاتب التركي محمود أوفور في مقاله بصحيفة الصباح التركية، فإن: "رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو قد صنع لنفسه صورة السياسي المدني الشفاف القريب من الناس، وذلك في مواجهة آلة الدولة المركزية التي لطالما اتهمت بإقصاء الخصوم. لكن يبدو أن هذه الصورة بدأت تتعرض لتصدعات جدية، خاصة مع توالي التقارير والاتهامات التي تمس جوهر ما يدّعي تمثيله: الشفافية".

فبدلا من ترسيخ مبدأ الشفافية، برزت مؤشرات على لجوئه إلى أساليب غامضة لإخفاء بعض التفاصيل المثيرة للجدل، من بينها استخدام أجهزة التشويش خلال الاجتماعات الرسمية. وهذا التصرف أثار شكوكا حول ما يمكن أن يكون قد سعى لإبقائه بعيداً عن الأنظار.

بالإضافة إلى ذلك، فمن بين الخطوات التي أثارت ردود فعل واسعة كان قراره بإيقاف كاميرات المراقبة أثناء أحد الاجتماعات السرية، ما دفع الرأي العام التركي للتساؤل عن خلفيات هذا الإجراء. فلا يمكننا أن ننسى أن إمام أوغلو حاليا يحاكم على تهم من ضمنها الفساد وتلقي الرِّشا.

وأوضح الكاتب: ظهرت مزاعم جديدة تشير إلى دخول عدد من الأشخاص إلى أحد الفنادق؛ حيث كانوا يحملون حقائب يُعتقد أنها كانت تحتوي على أموال موجهة إلى إمام أوغلو، في حين التُقطت صور لحرّاسه الشخصيين وهم يغطّون كاميرات المراقبة قبيل الاجتماع، مما زاد من الغموض المحيط بالواقعة.

بين الشفافية والتلاعب

وفي محاولة لتوضيح الأمر صرّح أوزغور تشيليك، رئيس فرع حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول، بأن تلك الحقائب لم تكن تحوي أموالا بل أجهزة تشويش، ووضّح أن "وزن كل جهاز يتراوح بين 20 و25 كيلوغراما، ولهذا تُحمل بتلك الطريقة". 

لكن رغم هذا التوضيح، فقد أصدرت المديرية العامة للأمن بيانا رسميا أكدت فيه أن استخدام أجهزة التشويش من قبل رؤساء البلديات يُعد أمرا غير قانوني، مما فتح الباب أمام تساؤلات قانونية جديدة بشأن مدى تجاوز إمام أوغلو صلاحياته.

وعلق الكاتب التركي: عند تنظيم برنامج أو اجتماع سياسي في أيّ فندق، يُفترض تعزيز التغطية الأمنية بتركيب كاميرات إضافية في المناطق غير المغطاة، أو اتخاذ إجراءات أمنية مناسبة، وليس تعطيل الكاميرات الموجودة. لذلك، فإن توجيه أكرم إمام أوغلو بمنع تصوير الكاميرات يثير تساؤلات حول محاولة متعمدة لحجب الحقيقة والتحكم في الصورة العامة للأحداث. 

ففي الوقت الذي يتباهى فيه بشعارات مثل "كل شيء سيكون رائعا"، يظهر ذلك كإجراء غير متوافق مع المبادئ التي يفترض أن يتبعها أي قائد سياسي يسعى إلى اكتساب ثقة المواطنين. فعندما يقوم مسؤول عام بوقف تدفق المعلومات، وإخفاء التفاصيل عن الجمهور، فإن ذلك يشكك في مصداقيته ويزرع القلق في نفوس الناخبين.

دعم غير محدود

ولفت الكاتب التركي النظر إلى أنه من الغريب أن هذا التصرف لم يلقَ استنكارا كبيرا من حزب الشعب الجمهوري الذي ينتمي إليه إمام أوغلو، بل نجد أن رئيس الحزب نفسه أوزغور أوزيل يحاول تبرير هذا التصرف، مما يعكس حالة من التواطؤ أو على الأقل التردد في محاسبة المسؤولين داخل الحزب. 

حيث رأى أوزغور أوزيل أن جهاز التشويش الذي استخدمه إمام أوغلو لا يختلف عن استخدام الرئيس أردوغان له في السابق، بل وصل إلى حد المقارنة بينهما بشكل مبالغ فيه، وكأنما يفتخر بميدالية بطولية بدلا من جهاز تشويش.

لكن يظل السؤال الأكثر أهمية: إذا كان جهاز التشويش ليس بمشكلة، كما يدعي أوزيل، فكيف يمكن تبرير إيقاف الكاميرات تحت مظلة "الحق الديمقراطي"؟ هذه التصرفات تعكس تباينا بين المواقف المعلنة والممارسات الحقيقية، مما يجعل من الصعب تصديق ادعاءاتهم بالشفافية. فهم أنفسهم يعلمون أن أي لقطة قد يتم تصويرها خلال الاجتماع ستدينهم في المستقبل.

وتابع الكاتب: المفارقة أن إمام أوغلو أصبح يُقارن بأردوغان في كل شيء ما عدا الجدية الحكومية، وهو أمر يعكس عقدة التفوق والتنافس، التي تجعل من سياسات إمام أوغلو أقل مصداقية. فالتصرفات التي تتم تحت غطاء "الديمقراطية" في غياب الشفافية تثير الكثير من التساؤلات في تركيا حول نوايا القائد السياسي وتوجهاته الحقيقية. ومع ذلك، يبدو أن هذه التصرفات لن تؤثر على قاعدة إمام أوغلو الانتخابية بشكل كبير، التي تفضل غض الطرف عن هذه التجاوزات كما لو أن ما يحدث هو أمر "طبيعي".

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يلجأ إمام أوغلو إلى إخفاء ما يحدث خلف تلك الأجهزة التشويشية؟ هل هو خوف من فضح ممارسات غير قانونية أو سياسات مشبوهة؟ أو أن هناك شيئا أكبر يتم إخفاؤه عن الرأي العام من مجرد الشفافية؟ 

إن هذا التوتر بين القول والفعل في السياسة يمكن أن يزعزع ثقة الجمهور في إمام أوغلو، خاصة إذا تبين لاحقا أن هذه التصرفات كانت تهدف لحماية مصالح شخصية أو سياسات غير متوافقة مع تطلعات الشعب.

وأشار الكاتب التركي إلى أن إمام أوغلو في محاولاته للبقاء في دائرة الضوء السياسي لا يستطيع تجاهل الواقع. فإن كانت هناك قضايا فساد أو ممارسات غير شفافة متعلقة به، فإنها ستظهر في النهاية. وفي هذا الصدد يجب على كل سياسي أن يضع في حساباته أن الحقيقة لا يمكن إخفاؤها للأبد، وأن الشفافية هي الطريق الوحيد للمحافظة على مصداقيته في عيون الناخبين.

تسريبات من داخل الدولة

وأردف الكاتب التركي: إن أخطر ما كشفت عنه التطورات الأخيرة هو ما نُشر في وسائل إعلام مقربة من حزب العدالة والتنمية؛ حيث تمّ نشر ادعاءات تفيد بوجود تسريبات من داخل مؤسسات الدولة إلى فريق إمام أوغلو، وذلك قبيل انطلاق حملة اعتقالات ضد مسؤولين في بلدية إسطنبول ضمن التحقيقات حول قضايا الفساد.

وحسب الموقع فإن مكتب المدعي العام في إسطنبول فتح تحقيقا واسعا لا يشمل فقط إمام أوغلو، بل أيضا عددا من كبار البيروقراطيين والموظفين الذين يُشتبه بتسريبهم معلومات أمنية وقضائية لصالحه. وأشارت التقارير إلى أن بعض قرارات التنصت والمراقبة التي صدرت بحق إمام أوغلو قد تم تسريبها مسبقا، في خرق يُعد بالغ الخطورة.

إن الموقع أورد أيضا أن التحقيقات تشمل شخصيات من وحدات حساسة مثل وحدة التحريات المالية، والأمن، والقضاء وحتى بعض الوزارات، ما يعزز احتمال وجود شبكة "خلايا خفية" داخل الدولة تخدم مصالح معينة.

وأضاف: إن المدعي العام الجمهوري في إسطنبول، أكين غورلك، أظهر حزما واضحا في تصريحاته الأخيرة، قائلا: "ما يحدث لم يعد قضية فساد بل خيانة. من سرّب معلومات من داخل الدولة إلى الخارج، سيُحاسب حتما." ولكنّ السؤال الآن “من هو الجاسوس داخل مديرية أمن إسطنبول الذي يُبلغ إمام أوغلو بتفاصيل العمليات؟”

كل هذه التطورات تضع أكرم إمام أوغلو في موقف لا يُحسد عليه؛ فالرجل الذي كان يُنظر إليه كأحد أبرز وجوه المعارضة ومرشحا محتملا للقيادة الوطنية، بات يواجه تهما تتراوح بين إساءة استخدام السلطة والتورط في شبكة تسريبات تمس الأمن القومي.

في المقابل، يرى أنصاره أن هذه الحملة تأتي ضمن جهود منظمة لتقويض مكانته السياسية قبل أي استحقاق انتخابي جديد، في حين يصر معارضوه على أن الشفافية يجب أن تطبّق على الجميع دون استثناء.

وختم الكاتب مقاله: "إن صحّت هذه الادعاءات، فنحن أمام فضيحة مزدوجة: من جهة اختراق لبنية الدولة، ومن جهة أخرى استغلال سياسي غير مشروع لهذه المعلومات. إذا كان هناك جاسوس بالفعل، فأتمنى ألا يستطيع جهاز التشويش حتى حمايته. ففي النهاية تظل الحقيقة هي المنتصرة. وقريبا سنشهد جميعا كيف سيتغير موقف إمام أوغلو وأنصاره عندما يواجهون تلك الحقيقة".