شركات أميركية أمنية في قطاع غزة.. وجود مؤقت أم بديل للاحتلال؟

إسماعيل يوسف | منذ ١٠ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في أكتوبر/ تشرين الثاني 2003 لقي ثلاثة حراس أمن تابعون للسفارة الأميركية في إسرائيل مصرعهم في انفجار سيارة كان تقلهم في غزة، ضمن قافلة عربات دبلوماسية أميركية كانت تضم مسؤولين من المخابرات (CIA) ومكتب “جون وولف” المبعوث الأميركي للشرق الأوسط.

الانفجار الذي وقع حينئذ على مسافة كيلومترين جنوبي معبر إيريز شمال، ادعى مسؤولون إسرائيليون أن حماس كانت تقف وراءه.

وتردد، لاحقا، أن استهداف مسؤولي المخابرات الأميركية جاء لإجهاض خطط تُعد لغزة لتصبح "ضفة غربية" أخرى، كان يحكمها محمد دحلان مسؤول الأمن الوقائي السابق، بالتعاون مع الاحتلال.

وظهرت مؤشرات لهذه الخطة باغتيال ثلاث شخصيات مهمة في العام التالي 2004 حيث تم اغتيال الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس في 22 مارس/آذار 2004، ثم الدكتور عبد العزيز الرنتيسي أبرز قادة حماس في 17 أبريل/نيسان 2004.

وجاء اغتيال الرئيس ياسر عرفات في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2004 عبر تسميمه، ثم انسحاب إسرائيل دون سابق إنذار من غزة في أغسطس/آب 2005، وتسليمها لحكومة محمود عباس، وسيطرة محمد دحلان عليها، ليُكمل هذه الخطط.

لكن حماس سارعت بالسيطرة على غزة عام 2007، وطردت قوات السلطة الفلسطينية المتواطئة مع الاحتلال وأميركا.

ومنذ ذلك الحين، "فُرضت قيود كبيرة على أي نشاط للحكومة الأميركية أو مدعوم من الحكومة الأميركية في غزة لأسباب أمنية"، حسبما أكد موقع "أكسيوس" في 23 يناير 2025.

ولم يقم المسؤولون الأميركيون بزيارة قطاع غزة منذ سنوات، بسبب المخاوف الأمنية والسياسة الرسمية المتمثلة في عدم الاتصال مع حماس، الحاكم الفعلي للقطاع.

ولم تسمح الإدارات الأميركية المتعاقبة بذهاب أي قوات أو سياسيين أميركيين لغزة منذ ذلك الحين، باستثناء واقعة نشر قوات أميركية عام 2024 على بحر غزة لتشغيل الرصيف البحري العائم لنقل المساعدات، بحماية جيش الاحتلال، والذي فشل.

لذا أثيرت تساؤلات أسباب إرسال أميركا شركات مرتزقة لغزة حاليا وعلاقتها بما يجرى التخطيط له لـ"اليوم التالي" لغزة، وما المدة التي ستبقى فيها هذه الشركات في غزة للتفتيش على محور نتساريم؟

وهل تنسحب مع بدء المرحلة الثانية من الاتفاق وانسحاب جيش الاحتلال من غزة أم تبقى؟

وماذا لو فشلت المرحلة الثانية من اتفاق غزة؟ هل تبقي أم ترحل؟ وهل تتجدد حادثة 2003 وتواجه حماس مرتزقة الشركة الأميركية؟

مرتزقة في نتساريم

بعد 22 عاما من حادثة 2003، تعود شركتا أمن أميركيتان إلى غزة ضمن اتفاق وقف إطلاق النار لتفتيش سيارات الفلسطينيين التي ستتنقل بين شمال وجنوب غزة.

بل وسيزور مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط "ستيف ويتكوف" غزة أيضا، في موعد لم يحدده، ولأول مرة كمسؤول أميركي رفيع، وهو ما أكده في حوار مع قناة "فوكس نيوز" يوم 22 يناير 2025.

قال: "سأذهب إلى إسرائيل، وسأكون جزءا من فريق تفتيش في محور نتساريم، وأيضا في محور فيلادلفيا"، لكنه لم يحدد جدولا زمنيا محددا لموعد ذهابه، ربما لأسباب أمنية.

وقد أكد تقريران نُشرا في صحيفتي "نيويورك تايمز" وموقع "أكسيوس" الأميركيتين 23 يناير 2025، أن "متعاقدين أمنيين"، أي مرتزقة، سيكونون مسؤولين عن الإشراف على الهدنة على طول محور نتساريم.

وبموجب اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة، فإنه بدءاً من 25 يناير 2025، سيسمح للنازحين بالعودة إلى منازلهم في شمال غزة سيرا على الأقدام، دون تفتيش.

بينما ستقوم شركات المرتزقة الأميركية بفحص أمني للنازحين الذين سيمرون في سيارات، عبر مرورها من أجهزة فحص إلكترونية، بحجة "ضمان عدم استخدام السيارات الفلسطينية لحمل الأسلحة".

وبحسب نسخة من أحد ملاحق اتفاق وقف إطلاق النار التي حصلت عليها صحيفة نيويورك تايمز، "من المقرر أن تبدأ شركات المقاولات الخاصة في فحص المركبات الغزية المتجهة شمالاً ابتداء من يوم 25 يناير"

وينص الاتفاق على أن يتم تفتيش المركبات "بواسطة شركة خاصة يحددها الوسطاء بالتنسيق مع الجانب الإسرائيلي، بناء على آلية متفق عليها".

وقد أكدت حركة حماس ذلك في بيان مؤكدة أنه "سيتم في يوم 25 يناير 2025، وبعد انتهاء عملية تبادل الأسرى، وإتمام الاحتلال انسحابه من محور شارع الرشيد، السماح للنازحين المشاة بالعودة شمالًا".

وذلك "دون حمل السلاح ودون تفتيش، عبر شارع الرشيد، مع حرية التنقل بين جنوب قطاع غزة وشماله".

كما أكدت إنه "سيتم السماح للمركبات (على اختلاف أنواعها) بالعودة شمال محور نتساريم بعد فحصها"، ولم تكشف حماس عن الجهة التي ستقوم بفحص المركبات.

لكن صحيفة "نيويورك تايمز" قالت إن إحدى الشركات المستأجرة، وهي شركة "سيف ريتش سوليوشنز" (Safe Reach Solutions)، ستكون مسؤولة عن الإدارة التشغيلية للمعابر على طول المحور.

بينما ستتولى شركة أميركية أخرى، هي "يو جي سوليوشنز (UG Solutions) وشركة مصرية ثالثة تابعة للمخابرات المصرية عمليات التفتيش، وفق موقع "أكسيويس".

ويُعتقد أن الشركة المصرية التي سترشحها المخابرات المصرية، تابعة لمجموعة إبراهيم العرجاني، رجل بيزنس الجيش، وذلك ضمن "كونستريوم" ثلاثي مشترك.

وقد وصل ممثلون من شركة الأمن الأميركية لإسرائيل يوم 23 يناير للقيام بالفحص الأمني لمنطقة محور نتساريم، بحجة "منع عودة مسلحين لشمال غزة"، وفق صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية 23 يناير 2025.

وأكدت الصحيفة الإسرائيلية أن الشركة الأمنية ستنشر "نحو 100 عنصر أمن مسلح، معظمهم أميركيون، وبعضهم يتحدث العربية"، ووصفتهم بأنهم "أفراد أمن من قدامى المحاربين في وحدات النخبة، أو موظفي وكالة المخابرات الأميركية السابقين".

وقد تردد أن رئيس الشركة الأمنية الغامضة "سيف ريتش سوليوشنز" Safe Reach Solutions، صهيوني يضع علم إسرائيل على بروفايله على موقع "لينكد ان".

وهو "بيريل سولومن"، أو "سليمان"، وقد زار هذا الصهيوني إسرائيل يوم 23 يناير، بالتزامن مع تأكيد صحيفة "يديعوت أحرونوت" وصول ممثلين عن شركة الأمن الأميركية، التي ستنفذ التفتيش الأمني ​​على طريق نتساريم، إلى إسرائيل.

ونشر عبر أكس صورة له وهو يقف وخلفه المسجد الأقصى، ويقول: "هنا خلفي سيكون موقع الهيكل اليهودي في المستقبل"، في إشارة لبناء الهيكل مكان المسجد الأقصى.

كما كتب عبارة "زمن المشياح"، الذي قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن "زمنه جاء ليقيم مملكة رب اليهود الأخيرة"، ويقصد بكلمة المشياح (بالعبرية)، المُخلص أو المُحرر.

والمقصود هنا "المسيح المنتظر" الذي تقول العقيدة الدينية التي تؤمن بها جماعات اليمين الصهيوني الديني المتطرف إنه الملك الأخير من نسل داود الذي سيقيم مملكة الرب الأخيرة ويبني الهيكل مكان المسجد الأقصى.

نواة لقوة احتلال؟

والغريب أن موقع شركة "سيف ريتش سوليوشنز" الإلكتروني، التي تشرف على إدارة العمليات في المعابر، والتي تم تسجيلها في عام 2024 وتم إنشاؤه هذا العام 2025، لا يحتوي على أي معلومات عن أنشطة المنظمة أو تمويلها أو أعضاء فريقها.

وأيضا حسابات الشركة على وسائل التواصل الاجتماعي إنستغرام وثريد كلاهما فارغ من المحتوى، ما يثير تساؤلات حول أنها أُنشئت خصيصا لغزة، وأهدافها الحقيقية، وهوية أصحابها.

وكان موقع "واللا" الإسرائيلي أكد أن "تمويل الشركات المرتبطة بخطة التفتيش لا يتعلق بإسرائيل، ولا يتم من خلالها، والأمر متروك لوسطاء الاتفاق، قطر ومصر والولايات المتحدة، الذين اختاروا الشركات، ويبدو أن قطر تقف وراء معظم التمويل". 

ولم يصدر تعليق عن الشركات الثلاث أو مصر أو قطر أو حماس أو إسرائيل أو الولايات المتحدة الأميركية على المعلومات عن الشركات الثلاث.

وقال إنه من الممكن مشاركة وانضمام أطراف أخرى إلى الشركات الثلاث في المستقبل.

وما أثار اللغط حولها، تأكيد اثنين من المسؤولين في إسرائيل لصحيفة "نيويورك تايمز"، أن "إسرائيل تأمل أن تشكل شركات الأمن الخاصة (المرتزقة) في نهاية المطاف نواة لقوة دولية أكبر، بدعم من دول الخليج مثل السعودية والإمارات.

بحيث تدير شركة المرتزقة غزة في المستقبل، تحت غطاء إماراتي وسعودي، وربما مصري، كما يرجح خبراء سياسيون مصريون وفلسطينيون، لـ "الاستقلال".

الخبراء الذين استطلعت "الاستقلال" رأيهم، يرون أن نشر شركة المرتزقة الأميركية قرابة 100 من جنود وضباط متقاعدين وجواسيس من المخابرات الأميركية، هدفه فرض وجود أميركي، بغطاء دولي، تدريجيا في غزة، ليكون بديلا للاحتلال الإسرائيلي.

هل يتكرر الصدام؟

ويرجح الخبراء الذين استطلعت "الاستقلال" رأيهم أن يكون ترامب عقد صفقات مع أنظمة عربية من أجل تنفيذ هذه الخطة في ضوء تلاشي حلم هذه الأنظمة المعادية للتيارات الإسلامية، في هزيمة واندحار حماس، بهدف منع حماس من إعادة سيطرتها الكلية على غزة ومعاودة بناء قوتها.

كما يرجحون وقوع صدام مستقبلا بين كتائب القسام وعملاء مرتزقة هذه الشركات الأميركية حال تجاوزوا دورهم المرسوم في اتفاق وقف إطلاق نار ولم يرحلوا مع انتهاء مراحل الاتفاق الثانية والثالثة، أو بقوا بحجة عدم تنفيذ المراحل المتبقية من الاتفاق.

وفي أعقاب وقف إطلاق النار، أعادت حماس، التي قادت هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على إسرائيل، تأكيد سيطرتها، فأرسلت مقاتليها للاستعراض في شوارع غزة في استعراض للقوة.

وأدت الصور إلى إحباط آمال إسرائيل في الإطاحة بالجماعة المسلحة، على الرغم من 15 شهرًا من الحرب في غزة والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 45 ألف شخص، وفقًا لمسؤولي الصحة في غزة.

وتدرس إسرائيل منذ فترة طويلة خططا مختلفة لنشر مقاولين أميركيين من القطاع الخاص بحجة حماية شحنات المساعدات في غزة أو إنشاء مناطق إنسانية تم تطهيرها بالكامل من مسلحي حماس، ضمن خططها لليوم التالي، وهو ما ترفضه حماس وستقاومه حسبما قال قادة الحركة.

ولم تتحقق أي من هذه الخطط الإسرائيلية على الإطلاق، ولكن نقطة التفتيش التي يديرها المقاولون يمكن أن تشكل اختبارا رئيسا لمدى جدوى نشر المتعاقدين من القطاع الخاص في غزة، وفق موقع "سي إن إن" في 24 يناير 2025.

وبموجب شروط الاتفاق للقيام بعمليات تفتيش من جهات غير إسرائيلية، "لا تتمتع الشركات المتعاقدة بتفويض هجومي، ولا بمهمة عسكرية، ولا بالقدرة على احتجاز المقاتلين".

ولكنّ مسؤولين في الشركة قالوا لصحيفة "واشنطن بوست" 24 يناير إنهم يخشون مخاطر مثل الاستفزاز والهجوم عليهم، خاصة أن الولايات المتحدة متهمة بأنها المورد العسكري الأساسي لإسرائيل والداعم الدبلوماسي لها وتدعم عدوانها على غزة.

وأكد هؤلاء المسؤولون من شركات المقاولات أنهم "سيرسلون قوات إضافية إلى مكان قريب في حالة وقوع اضطرابات".

أكدوا أن الجيش الإسرائيلي لن يتدخل، لكنهم قالوا إن "القوات الإسرائيلية لن تكون بعيدة أبداً عن حدود غزة" في إشارة لاحتمالات تدخلها لدعمهم.

وكان مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض مايكل والتز قال في برنامج "واجه الأمة" على شبكة "سي بي إس" يوم 19 يناير: "إذا تراجعت حماس عن هذا الاتفاق، أو غيرت مسارها، فسندعم إسرائيل في القيام بما يتعين عليها القيام به"، في إشارة لدعم عودة العدوان على غزة.