حفلات في الرياض ومجازر بغزة.. هكذا كشف العدوان الإسرائيلي السقوط الأخلاقي للمملكة

a year ago

12

طباعة

مشاركة

حمام الدم في غزة الذي بدأ مساء 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، على وقع العدوان الإسرائيلي الغاشم، وسقوط آلاف الضحايا الفلسطينيين، معظمهم من النساء والأطفال، لم يثن رواد الحفلات والمهرجانات في العالم العربي عن خططهم.

ففي 28 أكتوبر 2023، انطلق "موسم الرياض" بنسخته الرابعة في أجواء صاخبة، برعاية رئيس هيئة الترفيه السعودية، تركي آل الشيخ، وذلك وسط حضور جماهيري ضخم، وبمشاركة عدد كبير من نجوم الفن والرياضة عربيا وعالميا. 

ومن أشهر الحضور، لاعب كرة القدم، كريستيانو رونالدو، إضافة إلى الملاكمين، مايك تايسون، وكونور مكريجور، والمغني العالمي إيمينم، غير الفنانين العرب، على رأسهم نانسي عجرم، وإليسا، وأحمد عز، ومحمد هنيدي، وبيومي فؤاد.

وجميع هؤلاء المشاهير لم يعبأوا بما يحدث في غزة، وجاؤوا إلى الرياض على شرف آل الشيخ الذي أشرف على الاحتفال.

وبلغت تكلفة "موسم الرياض 2023" قرابة 24 مليار ريال سعودي (أكثر من 6 ملايين دولار )، بحسب موقع "ترندات" المحلي، فيما وصلت أسعار التذكرة الواحدة إلي 3500 ريال سعودي (935 دولارا).

امتناع سلام 

وكان المشهد الافتتاحي لموسم الرياض محفزا لمشاعر النقد والغضب لدى الشعوب العربية والإسلامية.

وتمت المقارنة بين مشاهد الانفجارات والإبادة الجماعية في غزة، وبين صور الألعاب النارية والرقص والغناء في الرياض.

وجاءت أول ضربة إلى المهرجان السعودي من قبل الفنان المصري محمد سلام الذي اعتذر في 26 أكتوبر 2023 عن عدم المشاركة في مسرحية "زواج اصطناعي" التي كانت مبرمجة للعرض في موسم الرياض.

سلام أرجع السبب الرئيس لاعتذاره بأنه "متضامن مع الشعب الفلسطيني الشقيق".

وقال في فيديو بثه عبر حسابه على فيسبوك، "وسط الأحداث التي تحصل في غزة، أنا غير متخيل أني سأقدم مسرحية وإخواتنا في فلسطين يقتلون، أنا غير قادر على السفر (إلى السعودية)". 



وأضاف أنه تأخر في اتخاذ القرار، لأنه كان لديه بعض الأمل أن يتم تأجيل أو إلغاء المهرجان.

وأوضح: "إزاي (كيف) هروح أعرض والناس بيحصل فيها كده في فلسطين".

وتابع: "أنا حاسس لو عملت هكون زي اللي بيقتلهم وهكون خذلتهم، أنا أعتذر جدا عن المشاركة".

موقف سلام أغضب بشدة رئيس هيئة الترفيه المقرب من ولي العهد محمد بن سلمان.

التاريخ شاهد

لم يكن موقف الفنان محمد سلام فقط هو الذي استهجن إقامة موسم الرياض في ظل العدوان على غزة.

فقد أظهر الشيخ والداعية السعودي المعارض، عماد المبيض (مقيم في الخارج) غضبه واعتراضه على ما يحدث.

وكتب عبر حسابه بموقع "إكس" في 27 أكتوبر قائلا: "في بلادي عشرات الآلاف يخرجون في فعاليات وتجمعات هيئة الترفيه للغناء والرقص والاختلاط وغيرها من المحرمات، بينما لا يُقام تجمع واحد يناصر أهلنا في غزة ويبرز للعالم غضبه من الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال في فلسطين!".


فيما عبر المعارض السعودي عمر بن عبد العزيز عن استغرابه لما يحدث في المملكة، وإصرار تركي آل الشيخ على إقامة موسم الرياض الصاخب. 

وضرب مثلا بأن مصر ألغت مهرجان الجونة، وكذلك أقدمت الكويت والإمارات على إلغاء حفلات غنائية، أما سلطنة عمان فأوقفت كل مظاهر الاحتفال إلى أجل غير مسمى، كأقل فعل في ظل المجازر التي تحدث في قطاع غزة. 

وكتب الناشط السعودي نايف المدحني في حسابه عبر "إكس"، مشددا: "سيكتب التاريخ أن السعودية رقصت على أشلاء الأطفال في فلسطين وأقامت الاحتفالات على مجازر إبادتهم وعزفت صرخاتهم بكل أصوات الفنانين والمطربين من كافة أنحاء العالم". 

فرغوا من الحساب 

وعلق أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، محمد أبو زيد، على ما يحدث في "موسم الرياض"، بالتزامن مع العدوان على غزة. 

وقال أبو زيد في حديثه لـ"الاستقلال": "هؤلاء وكبيرهم تركي آل الشيخ ينطبق عليهم ما قاله عالم الاجتماع الإسلامي ابن خلدون صاحب كتاب (المقدمة)، وكأنهم فرغوا من الحساب، أي لا يبالون بالعواقب ولا يدركون ما يحيط بهم ولا يعبأون بأمر أحد". 

وأضاف: "المظاهرات تخرج في كل مكان في العالم رافضة العدوان على مسلمي غزة، حتى في بلاد الغرب التي تدعم حكوماتهم الكيان، خرج المواطنون في بريطانيا والولايات المتحدة، وهو ما لم نره مرة واحدة في بلاد الحرمين".

وأتبع: "يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، ما بالنا أن جزءا من الجسد يحرق ويقصف، بينما هؤلاء يرقصون طربا ويتمايلون".

واستطرد: "وهنا أقول إن هؤلاء لا يمثلون الشعب السعودي الذي يتألم ويبتهل لمصاب إخوانه في غزة، ولا ننسى أن فلذة كبد دعاة المملكة في السجون على رأسهم الشيخ سلمان العودة وسفر الحوالي وعوض القرني وعلي العمري، وجميعهم كان لهم دور بارز في نصرة فلسطين، واستنفار الأمة لنصرة المستضعفين". 

وأتبع: "بتغييب هؤلاء وإظهار نموذج تركي آل الشيخ فقدت المملكة مكانتها، وأصبح موقفها بهذا السوء في أحلك وقت يمر على بلادنا منذ وقت طويل". 

واختتم: "تعلمنا من تاريخنا مقولة (أكلت يوم أكل الثور الأبيض) والكلام ليس للسعودية فقط وإنما لسائر أقطار الإسلام، إذا تركت غزة لمصيرها، يوشك أن تدور الدائرة عليكم، ولستم بمأمن من أعدائكم".

دوري "البلاي ستيشن" 

وزيادة في الحالة الجدلية لفعاليات المملكة خلال العدوان على غزة،  أعلن ابن سلمان في 23 أكتوبر عن إطلاق كأس العالم للرياضات الإلكترونية (البلاي ستيشن) لتقام سنويا في بلاده.

وتتضمن الألعاب الأكثر شعبية في العالم جوائز مالية هي الأضخم في تاريخ الرياضات الإلكترونية، بقيمة تتجاوز نحو 45 مليون دولار.

ومن المعروف أن ابن سلمان يعشق الألعاب الإلكترونية ويوليها اهتماما خاصا.

 

وكشف موقع "دوت إي سبورتس" المتخصص في ألعاب الإنترنت، في 30 مايو/ آيار 2020، أن ابن سلمان أنفق قرابة 70 ألف دولار خلال ثلاث سنوات على المشاركة في لعبة "باتل باس"، ليكون من أكبر المنفقين على هذه المنصة.

وفي 21 سبتمبر/ أيلول 2023، كشف ولي العهد السعودي خلال مقابلته مع شبكة "فوكس نيوز" الأميركية، أن هوايته المفضلة "هي لعب ألعاب الفيديو في وقت فراغه".

كان ذلك الحدث يمكن أن يبدو طبيعيا في الأوقات العادية، لكن يبدو أن هوسه بالألعاب الإلكترونية، دفعه لتنظيم تلك الفعاليات بينما الآلاف من أطفال غزة يموتون نتيجة القصف الإسرائيلي. 

ففي 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، أعلنت وزارة الصحة في غزة أن الأطفال يمثلون الجزء الأكبر من ضحايا الحرب الإسرائيلية الأخيرة، حيث بلغ عدد الشهداء منهم نحو 3500 طفل، بينهم 264 رضيعا لم يتموا عامهم الأول.

عديم الفائدة 

ودفعت مواقف حكام المملكة، الكاتب الأميركي ستيفن كوك، لتدوين مقالة لخص من خلالها الموقف السعودي مما يجري في غزة.

وقال كوك عبر مجلة "فورين بوليسي" الأميركية في 26 أكتوبر 2023، إن "السعودية غائبة بشكل غامض في الحرب بين إسرائيل وحماس".

وأضاف: "عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية وإدارة الأزمات، يبدو السعوديون بقيادة ابن سلمان عديمي الفائدة".

وعقب: "يرى ابن سلمان في حرب غزة، أنه من الأفضل عدم الكشف عن موقفه منها، عبر إصدار البيانات، وانتقاد المجتمع الدولي، فاتجه بالمقابل للدردشة مع نجوم كرة القدم، وافتتاح بطولة ألعاب إلكترونية بصفتها إستراتيجية أفضل".

واستطرد كوك: "لكنه بهذا كشف موقف السعودية الحقيقي وهو ضعفها عن أن تكون فاعلة في الأحداث الكبرى".

لكن ما كشفته وسائل إعلامية أميركية أخرى، تبرهن أن ابن سلمان ربما يكون مفيدا للطرف الآخر، وأن وجوده مهم لصناع القرار في دولة الاحتلال. 

ففي 27 أكتوبر ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن "أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي، قالوا إنهم غادروا الرياض مع انطباع بأن السعوديين ما زالوا يرغبون في الاعتراف بإسرائيل عندما تأتي اللحظة المناسبة".

وأوردت الصحيفة الأميركية على لسان السيناتور ليندسي غراهام قوله إن "ابن سلمان تحدث خلال لقائه مع أعضاء مجلس الشيوخ بلهجة متشائمة وغاضبة من هجوم حمـاس في 7 أكتوبر". 

وذكر غراهام أنه "فهم من كلام ولي العهد أنه عد ذلك عملا إرهابيا وأنه يرغب في رد مدروس لا يتحول إلى صراع أطول وأعمق، أي القضاء علي حماس بهدوء".

وأكد على هذا أيضا غاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في حواره مع قناة "فوكس نيوز" الأميركية في 30 أكتوبر، حيث صرح قائلا: "عدت للتو من السعودية، هم يؤيدون رؤية إسرائيل لتنجز المهمة للتأكد من القضاء على حماس".