تأجيل انسحاب التحالف الدولي من العراق.. ما علاقته بالانتخابات الأميركية؟

يوسف العلي | 3 months ago

12

طباعة

مشاركة

في الوقت الذي تضغط فيه القوى والمليشيات الموالية لإيران في العراق لإخراج القوات الأميركية من البلاد، أعلنت وزارة الخارجية العراقية عن تأجيل إنهاء مهمة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، الأمر الذي فتح باب التساؤل واسعا عن أسباب هذه الخطوة المفاجئة.

إعلان التأجيل جاء بعد زيارة وفد عراقي رفيع المستوى برئاسة وزير الدفاع ثابت العبادي إلى واشنطن في 22 يوليو/ تموز 2024، لبدء الحوار الأمني المشترك بين الولايات المتحدة والعراق، المتعلق بمستقبل مهمة التحالف الدولي وتعزيز التعاون الأمني بين البلدين.

وفي 24 يوليو، أكد الطرفان خلال بيان مشترك أن البعثة الاستشارية (العسكرية الأميركية) موجودة في العراق بدعوة من حكومة بغداد لدعم قوات الأمن.

وذكر البيان أن المسؤولين العراقيين أكدوا التزامهم المطلق بحماية الأفراد والمستشارين والقوافل والمرافق الدبلوماسية للولايات المتحدة ودول التحالف الدولي.

روايات متعددة

لم تكشف الولايات المتحدة الأميركية أي سبب بخصوص تأجيل إنهاء مهمة قوات التحالف الدولي حتى يوم 18 أغسطس/آب، لكن السلطات العراقية ذكرت العديد منها بعد محادثات استمرت لأشهر عدة.

وخلال بيان صدر عن وزارة الخارجية العراقية في 15 أغسطس، أعلنت أنه جرى تأجيل موعد إعلان انتهاء مهمة التحالف بسبب "التطورات الأخيرة"، من دون الكشف عن تفاصيل.

وأضافت الوزارة العراقية في البيان أن "اللجنة العسكرية العليا الأميركية العراقية التي تضم مسؤولين من البلدين ناقشت تفاصيل سحب المستشارين من المواقع العسكرية".

وجاء في البيان: “ركزت أعمال اللجنة العسكرية العليا خلال الأشهر الماضية على تقييم خطر تنظيم الدولة بهدف الوصول إلى موعد نهائي لإنهاء المهمة العسكرية لعملية العزم الصلب (تقودها قوات التحالف)”.

وأردفت: "وعلى هذا الأساس سيتم إنهاء وجود مستشاري التحالف الدولي بكل جنسياتهم في العراق".

وأضافت الخارجية أنه “لم يبق سوى الاتفاق على تفاصيل وموعد الإعلان وبعض الجوانب اللوجستية الأخرى. كنا قريبين جدا من الإعلان عن نهاية مهمة قوات التحالف، ولكن بسبب التطورات الأخيرة تم تأجيله”.

من جهته، أعلن وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، في اليوم نفسه عن تأجيل موعد إعلان انتهاء مهمة التحالف بسبب التطورات الأخيرة التي تشهدها المنطقة.

وقال حسين خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي هاكان فيدان بالعاصمة التركية أنقرة، في 15 أغسطس، إن "المنطقة مازالت تحت فوهة النيران، وإن العراق يقف بالضد من أي حروب في المنطقة".

لكن في 17 أغسطس، أكد ضياء الناصري مستشار رئيس وزراء العراق خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة “روسيا اليوم”، أن "الاستهداف الأخير لقاعدة عين الأسد والتطورات الأمنية في الأسبوع الأول من هذا الشهر، تسبب في تأجيل الإعلان عن خروج التحالف الدولي".

وأضاف الناصري: “الآن تجمدت المفاوضات لحين إعادة تقييم الوضع الحالي ومعرفة الجهة التي تقف وراء الاستهداف، وهل هي بالفعل تابعة للفصائل أم جهة جديدة؟”

وفي 6 أغسطس، تعرضت قاعدة "عين الأسد" العسكرية في محافظة الأنبار غرب العراق، إلى قصف صاروخي أسفر عن إصابة خمسة جنود من القوات الأميركية الموجودين فيها، والتي أعلنت جماعة غير معروفة سابقا، تطلق على نفسها "الثوريون" تبنيها العملية.

ويستضيف العراق، وهو حليف نادر لكل من الولايات المتحدة وإيران، نحو 2500 جندي أميركي ضمن قوات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، ولدى البلد أيضا مليشيات مرتبطة بقواته الأمنية ومتحالفة مع طهران. 

وأضاف الناصري: "بالتأكيد أن الضربة بهذا التاريخ لم تكن عبثية، هناك جهات وحسب تقديري الشخصي لها مصلحة بتأجيل هذا الإعلان وعدم خروج قوات التحالف أو المستشارين، ولذلك قامت بهذا الاستهداف الدقيق".

"وسيلة ناعمة"

وعن الأسباب التي ذكرتها السلطات العراقية وصمتت عنها الولايات المتحدة، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي، علي المساري، أن "ما تحدث عنه المسؤولون العراقيون قد يكون غير صحيح تماما، وإنما يتعلق الأمر بالجانب الأميركي".

وأوضح المساري لـ"الاستقلال" أن "الموضوع باعتقادي هو الاستعجال في تمديد بقاء قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في العراق، قبل قدوم المرشح الجمهوري دونالد ترامب، بدلا من الانسحاب".

وأشار إلى أن "تأجيل الانسحاب بالتأكيد له علاقة بالانتخابات الأميركية، وأن إدارة الرئيس الحالي جو بايدن، تخشى أن يستغل ترامب أي انسحاب من العراق، ويستخدم الأمر ضد الديمقراطيين، لأنه حتى اليوم يهزأ بهم من ترك أفغانستان لحركة طالبان".

وأردف، قائلا: "ترامب وسيلته الابتزاز الوقح ولي الذراع، حيث إن لسانه سليط على منافسيه، فهو ينتقص منهم ويصفهم بالجبناء أمام إيران، بالتالي إذا سحبت إدارة بايدن القوات الأميركية، فسيعدها المرشح الجمهوري انهزاما آخر في منطقة الشرق الأوسط أمام التغوّل الإيراني".

وفي جانب آخر، رأى المساري، أنه "إذا كانت الولايات المتحدة أرجأت الانسحاب بسبب قصف عين الأسد، فالأمر يأتي لإخراس أي هجمات ضد قواتها، بمعنى كلما تهاجمونا يستمر بقاؤنا أكثر، بالتالي يضعوهم في الزاوية، أي إذا ضُربنا نتأخر، وإذا لم نُستهدف، فالأمر متروك لنا".

وأشار المساري إلى أن "الولايات المتحدة استخدمت قضية استهداف قاعدة عين الأسد، وسيلة ناعمة لإيقاف الأعمال العسكرية للمليشيات المنضوية ضمن الحشد الشعبي ضد قواتها ومصالحها بالعراق".

وشدد على أن "الإطار التنسيقي الشيعي الذي كان يرفع شعار ضرورة إخراج القوات الأميركية، لم يصدر عنهم أي شيء بخوص تأجيل إعلان الانسحاب، لأن الموضوع مجرّد مزايدات سياسية".

وبحسب قوله، فإن "رئيس الوزراء الحالي، محمد شياع السوداني، هو من يتمسك بالقوات الأميركية ما دام في السلطة، لأنه وحده بدون سند سياسي أو عسكري أو ديني متين يسنده، وسلاحه الوحيد هو الدبلوماسية ومغازلة الشعب ببعض الإنجازات".

من جهته، قال الخبير الأمني والإستراتيجي العراقي، أحمد الشريفي، إن "قرار الحكومة العراقية تأجيل انسحاب قوات التحالف الدولي جاء انسجاما مع المتغيرات الإقليمية والدولية في المنطقة، وإن دعوتها للخروج لم يكن أمرا قابلا للتنفيذ منذ البداية".

وبيّن الشريفي في مقابلة مع إذاعة "المربد" العراقية في 17 أغسطس، أن "بقاء أو خروج قوات التحالف والقوات الأميركية لا علاقة له بالقرار الوطني، وإنما يتعلق بقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، لا سيما أنها جاءت بعد دخول تنظيم الدولة للبلاد عام 2014".

وأكد أن "حكومة السوداني في بدايتها وعدت الفصائل بأنها تعمل على إخراج التحالف الدولي والقوات الأميركية، لكن المعطيات الإستراتيجية في المنطقة حالت دون تنفيذ هذا الطلب الأمر الذي أدركته الحكومة العراقية وتبين ذلك من خلال إعلان الخارجية العراقية تأجيل الانسحاب".

ورجح الشريفي أن "تشرع الولايات المتحدة الأميركية في نشر قواتها إقليميا وفي الشرق الأوسط بشكل عام وليس في العراق فحسب".

استئناف الهجمات

ومنذ منتصف يوليو، استأنفت المليشيات الموالية لإيران، عملياتها العسكرية ضد الوجود الأميركي في العراق، وذلك بعد حديث وسائل إعلام محلية أخيرا عن مهلة منحتها هذه الفصائل لحكومة بغداد لإخراج القوات الأميركية من البلاد، عقب تعليق هجماتها منذ مطلع فبراير/ شباط 2024.

ومنذ 30 يناير 2024، أوقفت المليشيات هجماتها على القوات الأميركية، بعد مقتل اثنين من قادة “كتائب حزب الله” العراقية بمسيّرة أميركية في بغداد، ردا على هجوم استهدف قاعدة عسكرية بالأردن قتل فيه ثلاثة جنود أميركيين في 28 من الشهر نفسه.

حينها، أعلنت “كتائب حزب الله” -التي تتهمها واشنطن بالوقوف وراء الهجمات في العراق وسوريا- إيقاف عملياتها ضد القوات الأميركية من أجل "عدم إحراج حكومة السوداني"، موصية مقاتليها بـ"الدفاع السلبي مؤقتا".

لكن في 16 يوليو 2024، استهدفت طائرتان مسيرتان قاعدة تستضيف قوات أميركية ودولية غربي العراق.

إذ كشف مسؤول عسكري عراقي لوكالة رويترز البريطانية أن "أنظمة الدفاع الجوي التابعة للتحالف الدولي أسقطت إحدى الطائرتين المسيرتين قرب محيط قاعدة عين الأسد الجوية".

وأوضح المسؤول الذي لم تكشف عن هويته في 16 يوليو، أن "الجيش كثّف دورياته في المناطق المحيطة بالقاعدة، وذلك من أجل منع وقوع هجمات أخرى محتملة".

من جهته، أشار مسؤول أميركي لم تكشف الوكالة هويته أيضا إلى أن "قذيفة استهدفت على ما يبدو قاعدة عين الأسد، لكن دون التسبب في خسائر بشرية".

وبحسب تقرير الوكالة، فإن "هذا الاستهداف، يعد ثاني هجوم على القوات الأميركية في العراق منذ أوائل فبراير (شباط)، عندما أوقفت مسلحة هجماتها على القوات الأميركية، إذ جرى إسقاط طائرتين مسيرتين قرب قاعدة عين الأسد في أبريل (نيسان) 2024".

وفي 19 يونيو/حزيران، أعلنت ما تسمى تنسيقية "المقاومة العراقية" (مجموعة مليشيات موالية لإيران)، في بيان، ضرورة الاستمرار بالسير لتحقيق سيادة العراق بعد مماطلة واشنطن وتعنتها في الانسحاب العسكري من البلاد.

وبينت أنها عقدت اجتماعا استثنائيا لمناقشة الأحداث بالمنطقة عموما، والعراق على وجه الخصوص، مبينة أن الجيش الأميركي "يحتل أرضنا ويستبيح سماءنا، ويتحكم بالقرار الأمني والاقتصادي ويتدخل بالشأن العراقي بكل استهتار وغطرسة، وكأنه لا يعلم ما ينتظره بعد هذه الفرصة".

واختتمت التنسيقية بالقول إن "الشعب العراقي ومقاومته الأبية والمخلصين من السياسيين ورجال العشائر ونواب الشعب، قادرون ومصرّون على إنهاء هذا الملف وإغلاقه باستعمال السبل المتاحة كافة لإعادة الأمن والاستقرار وتحقيق السيادة الكاملة".

وفي السياق ذاته، أفاد تقرير نشرته إذاعة "مونت كارلو" الدولية، في 29 يوليو 2024،أن "الجانب الأميركي طلب من الحكومة العراقية تحريك دعاوى قضائية ضد قادة الفصائل، بمعنى اعتقالهم بواسطة مذكرات قضائية بتهمة مخالفة إرادة وهيبة وسلطة الدولة العراقية".