ربط كهربائي بين المغرب وموريتانيا.. ما دلالاته السياسية والاقتصادية؟

منذ ١٣ ساعة

12

طباعة

مشاركة

بخطوات سياسية واقتصادية متصاعدة، يواصل المغرب وموريتانيا تعزيز علاقاتهما الثنائية، على مستويات متعددة، في مقدمتها قطاع الطاقة.

وفي 23 يناير/كانون الثاني 2025، وقعت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة بالمغرب ليلى بنعلي ووزير الطاقة والنفط الموريتاني محمد ولد خالد، مذكرة تفاهم لتطوير الشراكة في قطاعي الكهرباء والطاقات المتجددة.

ويأتي هذا التطور في العلاقات المغربية الموريتانية بعد عدة أسابيع على لقاء وصف بالتاريخي جمع الملك محمد السادس مع الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في الدار البيضاء عندما زار المملكة لأول مرة منذ وصوله للسلطة قبل خمس سنوات ونصف السنة.

ورغم التباين في مواقف البلدين إزاء عدد من القضايا، إلا أن العلاقات بين البلدين شهدت تطورا منذ تولي محمد ولد الشيخ الغزواني سدة الحكم عام 2019.

وتتباين مواقف نواكشوط والرباط في قضية إقليم الصحراء المتنازع عليه بين المغرب وجبهة "البوليساريو"، جراء استقبال مسؤولين من "البوليساريو" في قصر الرئاسة بنواكشوط من حين إلى آخر.

وتقول موريتانيا: إن موقفها من هذا النزاع "حيادي" ويهدف إلى "إيجاد حل سلمي" يجنب المنطقة خطر التصعيد.

فيما تقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا للإقليم تحت سيادتها، بينما تدعو "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

تعزيز للعلاقات

ووفق بيان مشترك بين الجانبين، فإن اتفاقية الطاقة الموقعة بالعاصمة المغربية الرباط، "ستشمل ربطا كهربائيا بين البلدين سيمكن من تبادل ما بين 800 و1000 ميغاواط في الاتجاهين".

وأوضح: أن الاتفاق "يهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية وتنميتها بما يحقق طموحات البلدين، تجسيدا لتوجيهات الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، والملك محمد السادس".

وحسب البيان، فإن الاتفاق يشكل خطوة محورية لتسريع التعاون بين المغرب وموريتانيا في مجالات الكهرباء والطاقات المتجددة.

ويشمل تنفيذ مشروعات لتزويد القرى بالكهرباء، وتعزيز مبادرات الطاقة النظيفة، بالإضافة إلى العمل على توحيد الأنظمة الكهربائية القياسية بين البلدَين.

كما يتضمّن التعاون تبادل الخبرات والتقنيات وأفضل الممارسات في مجال إدارة الشبكات والسلامة الكهربائية، فضلا عن تعزيز الكفاءات البشرية من خلال برامج تدريبية مشتركة.

وتهدف مذكرة التفاهم هذه إلى الإسهام في تحقيق أمن الطاقة، وتنويع مصادرها، ودراسة إنجاز مشروع ربط كهربائي يعزّز استقرار الشبكات، ويحسّن إمدادات الكهرباء.

وخلال اللقاء تمّ التطرق إلى مشروعات إستراتيجية كبرى، مثل مشروع أنبوب الغاز الرابط بين المغرب ونيجيريا، ومشروعات الطاقات الجديدة كالهيدروجين الأخضر.

وأكد الطرفان، أن العلاقات بين المغرب وموريتانيا تقوم على رؤية مشتركة تركّز على التنمية المستدامة وتعكس إرادة البلدين في تعزيز مكانة إفريقيا كقارة تمتلك إمكانات مقدرة للنمو والازدهار.

وبالمناسبة، قالت الوزيرة بنعلي إن توقيع هذه المذكرة شكل "مناسبة لتكريس مرحلة جديدة للتعاون بين الوزارتين، وأيضا بين مؤسسات القطاعين العام والخاص في موريتانيا وفي المغرب، التي تشتغل في قطاعات حيوية تهم أساسا مجال الطاقة، بما في ذلك الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر والتنمية المستدامة".

وأشارت في تصريح صحفي إلى "وجود مجموعة من المؤهلات التي يشتغل عليها البلدان، ستمكن من تطوير العديد من المشاريع التي من شأنها تعزيز تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة وتقوية الاندماج الجهوي بين القارتين الأوروبية والإفريقية تكريسا لمكانة إفريقيا في النمو الاقتصادي العالمي".

من جهته، قال الوزير الموريتاني ولد خالد، إن "مذكرة التفاهم تجسد الأخوة والعلاقات المتميزة التي تجمع بين البلدين".

واسترسل قائلا: "نحن هنا للعمل على الرقي بعلاقاتنا إلى مستوى طموحات قائدي البلدين الملك محمد السادس والرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني".

تعاون نموذجي

وتفاعلا مع الحدث، أكد الشرقاوي الروداني، الخبير في الدراسات الجيوإستراتيجية والأمنية، أن "العلاقات المغربية الموريتانية تتميز بعمق تاريخي ومحددات إستراتيجية، تجعلها محورية في تحقيق الأمن والتنمية الإقليمية".

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "هذه العلاقات تجسد نموذجا حيويا للتكامل الإقليمي القائم على المصالح المشتركة في مواجهة التحديات، مثل الإرهاب والجريمة المنظمة، عبر التعاون الأمني والاقتصادي متعدد الأبعاد".

وقال إن "هذه المبادرات تسهم في تنمية اقتصادية مستدامة، وتُبرز دور البلدين كمحور استقرار في غرب وشمال إفريقيا، وذلك ضمن إطار رؤية متجددة تعكس التحديات الراهنة والإمكانات المستقبلية".

واسترسل، "في ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة يُعد التعاون الوثيق بين المغرب وموريتانيا، نموذجا لبناء شراكات إقليمية مستدامة".

من جانبه، أكد شيخاني ولد الشيخ، رئيس الجمعية الموريتانية المغربية للدفاع عن الوحدة المغاربية، أن "العلاقة بين نواكشوط والرباط متجذرة وراسخة وتستشرف المستقبل، لا سيما بعد الاستقبال رفيع المستوى الذي خصصه الملك محمد السادس للرئيس محمد الشيخ ولد الغزواني".

وأضاف ولد الشيخ لـ "الاستقلال": فلِهذا اللقاء وحده دلالات تنفض الغبار عن هذه العلاقات بين الجاريْن وترفض القراءات التي تزعم بوجود اضطراب معيّن.

وتابع الناشط الموريتاني: "نحن إذن أمام علاقات متجذرة تحظى بدفع قوي يسهم في تأسيس أرضية مناسبة للتنمية الاقتصادية المشتركة تتخللها مشاريع ذات نفع للطرفين".

وأردف ولد الشيخ: "كما أننا أمام مشاريع مشتركة بين الطرفين، بما فيها المبادرة الأطلسية وأنبوب الغاز القادم من نيجيريا مستقبلا".

وأوضح: "فموريتانيا بحكم موقعها الإستراتيجي يمكنها أن تلعب دورا كبيرا في نجاح هذه المشاريع التنموية الإقليمية، فهي تتوفر على تجربة في منطقة الساحل الإفريقي، إذ كانت من بين القوى المؤسسة لمجموعة دول الساحل الخمس".

وبخصوص تأثير هذه الشراكات على موقف موريتانيا من قضية الصحراء، قال ولد الشيخ، إنه "حتى في أحلك الأوقات كان هناك دائما استثناء مغربي لموريتانيا حيال هذا الملف، بما يشمل فترة محمد خونا ولد هيدالة، إذ كان هناك تصعيد بين البلدين إلى حدّ الجفاء".

وتابع: "ومع ذلك آثرت الحكمة الملكية للحسن الثاني وقتها التعامل مع المعطيات بإيجابية وأن تعطي لموريتانيا الاستثناء، وإن كان هذا الاستثناء مع تمسّك المغرب بوحدة أراضيه وسيادته على أقاليمه الجنوبية؛ فالمملكة هي المعصم الجامع لوحدة المغرب وأراضيه، ومن الطبيعي أن تكون الصحراء النظارة التي يرى من خلالها المغرب الخارجَ".

وزاد: "أتصور أن مغربية الصحراء تحصيل حاصل، فقد عاصرنا اعترافا فرنسيا وأميركيا بذلك، وهناك ترقّب لآخر بريطاني. كما أن المملكة اليوم تحظى بدعم وازن داخل مجلس الأمن".

ونبه إلى أن "موريتانيا تهتم بكل ما يعزز ويخلق نوعا من التصالح بين الدول المغاربية، أي أننا نتحدث عن خمس دول معروفة بالأساس، ولا توجد أي فسحة أو مجال لأي كيان وهمي داخل منطقة الاتحاد المغاربي".

وذكر أن "لموريتانيا حيادا إيجابيا في قضية الصحراء، يراعي خصوصية موريتانيا التي لديها مجموعة من الإكراهات التي تجعلها تسمك العصا من الوسط".

واسترسل، وذلك "بالموازاة مع عدم إهمالها العلاقات والشراكات التي تجمعها بالمغرب، المرتبطة على العموم بمساعي تحقيق التنمية الاقتصادية والتنمية المشتركة بالمنطقة".

مشروع طموح

وفي لجنة برلمانية عقدتها يوم الثلاثاء 21 يناير 2025، أعلنت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلى بنعلي، عن مشاريع طموحة تهدف إلى تعزيز الاندماج الإقليمي في مجال الطاقة، مع دولة موريتانيا ودول أخرى.

وأكدت بنعلي أن "الخطوة تأتي في سياق رؤية المغرب للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة المستدامة".

وفي إطار التعاون مع الدول الأوروبية، كشفت بنعلي عن تقدم كبير في مشاريع الربط الكهربائي مع إسبانيا والبرتغال وفرنسا وألمانيا".

وأوضحت أن مشروع الربط الكهربائي مع إسبانيا يشمل إنشاء خط ثالث تبلغ قدرته 700 ميغاواط، ما سيضاعف القدرة التجارية الإجمالية بين البلدين لتصل إلى 1550ميغاواط".

واسترسلت، "أما مشروع الربط الكهربائي مع البرتغال الذي تبلغ قدرته 1000ميغاواط، فيندرج ضمن جهود مشتركة لتحديث دراسة الجدوى المتعلقة به، إذ تم توقيع إعلان مشترك خلال الدورة 28 لمؤتمر الأطراف بهذا الشأن.

وتابعت الوزيرة: "بالإضافة إلى ذلك، يشهد التعاون مع فرنسا وألمانيا تطورا مهما، إذ تم توقيع مذكرة تفاهم في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 لتبادل الكهرباء ذات الأصل المتجدد، ما يعكس التزام المغرب وأوروبا بمستقبل طاقي مستدام".

بدوره أفاد عبد الصمد ملاوي، الخبير في تكنولوجيا الطاقات المتجددة، بأن الاتفاقية الجديدة بشأن الربط الكهربائي بين المغرب وموريتانيا تمثل مشروعا طموحا وخطوة مهمة ضمن جهود المملكة المغربية لتعزيز تعاونها مع الدول الإفريقية، خاصة دول الغرب الإفريقي، في إطار التحضير لتجمع اقتصادي وإستراتيجي كبير.

وسجل ملاوي لموقع "تيلكيل عربي"، في 24 يناير 2025، أن هذا المشروع سيحقق فوائد كبيرة للبلدين، مشددا أن هذا التوجه نحو الجنوب سيعزز مشاريع الطاقات المتجددة المولدة للكهرباء في المغرب.

وذكر أن المغرب يمتلك، بالفعل، خطي ربط كهربائي مع أوروبا عبر إسبانيا، يمران من خلال مضيق جبل طارق، ويُعرف هذا المشروع باسم "ريمو".

وأوضح، أطلِق الخط الأول في عام 1997، بقدرة تقارب 700 ميغاواط، وتبعه خط ثان في عام 2006، بنفس القدرة تقريبا؛ مما يرفع إجمالي التبادل الكهربائي بين المغرب وأوروبا عبر إسبانيا إلى حوالي 1400 ميغاواط.

وأضاف الخبير أن المغرب يتوجه الآن نحو الجنوب لتعزيز الربط الكهربائي مع موريتانيا بخط أو خطوط قد تصل قدرتها إلى ما بين 800 و1000 ميغاواط من الكهرباء عالية الجودة، والتي تتراوح غالبا ما بين 225 و400 كيلوفولط.

وأشار إلى أن هذا التوجه يأتي في إطار استثمار الطاقة الكهربائية المنتجة من الطاقات المتجددة في المغرب، سواء لتصديرها نحو دول الشمال؛ كأوروبا، أو نحو دول الجنوب الإفريقي عبر موريتانيا.

وذكر الخبير أن موريتانيا، من جهة أخرى، تبذل جهودا كبيرة في مجال توفير الكهرباء لدعم القطاعات الاقتصادية والتنموية.

وزاد: "ومع ذلك، لا يزال أكثر من 40 بالمئة من المواطنين في موريتانيا غير قادرين على الوصول إلى الكهرباء بسبب محدودية إنتاج القطاع الكهربائي، والتي تعود إلى أسباب اقتصادية وجغرافية متعددة".

ونبه ملاوي إلى أن "هذا التكامل مع المغرب عبر الربط الكهربائي يهدف إلى تسريع العملية التنموية في موريتانيا، من خلال تبادل فائض الكهرباء الناتج عن المجمعات الطاقية المتجددة في المغرب"، مؤكدا أن "هذا التعاون يتيح لموريتانيا الاستفادة من هذا الفائض لدعم الصيرورة التنموية التي تطمح إلى تحقيقها".

كما لفت الخبير إلى أن كلا من المغرب وموريتانيا يتقاسمان طموحات بيئية كبيرة؛ حيث يسعيان نحو إنتاج الكهرباء من مصادر متجددة.

موضحا أن "المغرب قد حدد هدفا يتمثل في إنتاج أكثر من 52 بالمئة من احتياجاته الكهربائية من الطاقات المتجددة بحلول عام 2030، بينما تسعى موريتانيا لتحقيق نسبة تقارب 50 بالمئة من الكهرباء من مصادر متجددة، ما يمثل زيادة بنحو 40 بالمئة عما كانت عليه في السنوات الأخيرة".

وأبرز ملاوي أن هذا المشروع سيكون بمثابة لبنة في تعزيز العلاقات السياسية والتقارب الإقليمي الذي أعلن عنه المغرب في إطار "الخطة الأطلسية"، التي تهدف إلى تجميع دول غرب إفريقيا في إطار التبادلات التجارية عبر مجموعة من المشاريع، من بينها أنبوب الغاز الطبيعي الذي يمر من نيجيريا عبر عدة دول، مرورا بموريتانيا ثم المغرب وصولا إلى أوروبا.

وخلص الخبير أن هذا الخط سيعزز من التنمية، حيث يعتمد العديد من القطاعات مثل الصناعة، والحياة اليومية، والرعاية الصحية، والنقل، والتعليم على الكهرباء. وبالتالي، فإن هذا الربط الكهربائي سيعزز التنمية خصوصا في الدول الإفريقية، بما في ذلك موريتانيا.

وأوضح ملاوي أن هذا الخط الكهربائي سيكون أكثر فائدة لموريتانيا في المدى القريب، في انتظار تنفيذ مشاريع أخرى قد تسهم في تعزيز قدرة موريتانيا على تلبية احتياجاتها من الكهرباء.