رغم تورطها العلني في حرب السودان.. هكذا تغطي أميركا على انحرافات الإمارات

داود علي | منذ ٥ أشهر

12

طباعة

مشاركة

في الأيام الأخيرة قبل رحيلها رسميا في 20 يناير/ كانون الثاني 2025، وصلت رسالة تشريعية أميركية إلى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لردع دولة الإمارات لإيقاف دورها السلبي في الحرب المتواصلة بالسودان.

لكن كما فعل طوال 4 سنوات، غض البيت الأبيض طرفه عن هذا التحرك، زاعما أن “الإمارات تعهدت بعدم إرسال السلاح مجددا إلى هناك”، ليواصل بذلك تواطؤه المفضوح في حرب السودان.

رسالة الكونغرس 

وفي 17 ديسمبر/ كانون الأول 2024، أرسلت قيادات الكونغرس، رسالة إلى الرئيس بايدن، تدعوه لاتخاذ إجراءات عاجلة لاستهداف الأطراف الخارجية المتورطة في الصراع في السودان.

وأرسل الرسالة ووقع عليها كل من مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، وجيمس إيريش، كبير الجمهوريين، وكريستوفر كونز، ممثل لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ.

إضافة إلى مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ، وهم تود يونغ، وكوري أ. بوكر، ومايكل راوندز.

وجاء الرسالة: "نحث إدارتكم على اتخاذ إجراءات عاجلة لاستهداف الأطراف الخارجية والكيانات التجارية، التي تغذي الفظائع المروعة في الصراع السوداني، بما في ذلك تهريب الذهب من السودان إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، ودول أخرى".

وأكملت: "كما نحث إدارتكم على التنسيق العاجل مع الحلفاء والشركاء لتعزيز الاستجابة الدولية للنزاع، بما في ذلك من خلال التحقيقات المتعددة الأطراف وفرض العقوبات لضمان محاسبة جميع الأطراف المسؤولة".

وتضمنت: "نحث إدارتكم على زيادة الضغط على شركات إماراتية يحتمل أن تكون قد انتهكت العقوبات الأميركية المفروضة على السودان". 

غسيل الأموال 

ومما تطرقت إليه رسالة قادة مجلس الشيوخ، أن قوات الدعم السريع تسيطر على أغنى مناجم الذهب السودانية، بما في ذلك جبل عامر.

وقالت: "إن هذه القوات وقائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي) رسخت هيمنتها على تجارة الذهب السودانية، من خلال شركات وهمية وبنوك متمركزة في السودان والإمارات. 

وذكرت أن هذه الشركات استخدمت لتمويل الأسلحة والدعاية والتحالفات مع الجماعات المسلحة (المرتزقة) لتغذية الحرب. 

وأضاف: "الذهب السوداني يصدر بشكل رئيس إلى الإمارات، ولكن الحجم الحقيقي يظل غامضا بسبب التهريب والتقليل الكبير من القيمة".

وتابعت: "قطاع الذهب الإماراتي لا يزال عرضة لغسيل الأموال على الرغم من إزالة الإمارات من قائمة (المراقبة الرمادية) لمجموعة العمل المالي (FATF) في فبراير 2024".

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، ففي اليوم التالي 18 ديسمبر 2024، أرسل "بريت ماكغورك"، مسؤول ملف الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي رسالة إلى الكونغرس.

قال فيها: "أبلغت الإمارات إدارة البيت الأبيض أنها لا تنقل الآن أي أسلحة إلى قوات الدعم السريع ولن تفعل ذلك في المستقبل".

ثم عقب: "ستعمل الإدارة مع الإدارات والوكالات ذات الصلة لمراقبة مؤشرات مصداقية وموثوقية هذه الضمانات التي قدمتها الإمارات". 

وقف شحنات سلاح

وتعليقا على هذه المراسلات، ذكرت وكالة "رويترز" في 19 ديسمبر، أن القانون الأميركي يفرض مراجعة الكونغرس للصفقات الكبيرة للأسلحة. 

كما يستطيع أعضاء مجلس الشيوخ فرض عمليات تصويت على مشروعات قرارات بالرفض والتي قد تمنع مثل هذه المبيعات. 

ورغم أن القانون لا يسمح لأعضاء مجلس النواب ببدء عمليات تصويت كتلك، لكن يتعين إجازة القرارات في مجلسي الكونغرس، وقد تنجو من حق النقض الرئاسي، لتدخل حيز التنفيذ.

وذكرت أن الجيش السوداني اتهم الإمارات بتقديم الأسلحة والدعم لقوات الدعم السريع في الحرب الدائرة منذ 18 شهرا في السودان. 

ثم تطرقت إلى أن المشرعين الأميركيين سيسعون في الفترة القادمة إلى إجراء تصويت، على قرار برفض بيع أسلحة هجومية إلى الإمارات، بما في ذلك صواريخ بقيمة 1.2 مليار دولار. 

خاصة وأن المناقشات الأخيرة داخل الكونغرس أشارت إلي أنه بغير دعم الإمارات، لن تتمتع قوات الدعم السريع بنفس القدرات لخوض هذه الحرب، مما يجعل الضغط والتفاوض ووقف إطلاق النار بديلا أكثر ترجيحا.

لا يعول عليه

وتعليقا على المشهد، قال الصحفي السوداني محمد نصر، إن حراك المشرعين الأميركيين جاء متأخرا جدا ولا يعول عليه كثيرا في ظل وصول الحرب إلى هذه الدرجة المعقدة، وفي ظل الاستعدادات لتولي إدارة دونالد ترامب المهمة من منطلق أجندتها الخاصة. 

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن “هناك عشرات التقارير والقرارات الأممية التي اتهمت الإمارات بإرسال الأسلحة والمرتزقة للدعم السريع”.

وتابع: تلك الأسلحة استخدمت ضد ملايين المدنيين، مثلما أورد تقرير نيويورك تايمز قبل عام، وتقارير منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش المتعاقبة، والتي كانت ممهورة بالأدلة والقرائن. 

وشدد نصر على أنه لا يتوقع أن تتخذ أي خطوة ضد الإمارات لأمور تتجاوز الوضع السوداني، فالإمارات شريك أمني قوي بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل، ولعبت أدوارا استخباراتية في عدد من أماكن النزاع المهمة مثل غزة وسوريا واليمن.

وأكمل لقد وصل الأمر أن الإمارات كانت تحظى بفرص الحصول على صفقة الطائرات الأميركية "إف-35" وهي صفقة إستراتيجية لم تورد إلى أي نظام في الشرق الأوسط سوى إسرائيل.

وأوضح أن الذي أوقف الصفقة في المحطات الأخيرة هي الشراكة الدفاعية بين الإمارات والصين، وخشية واشنطن أن تتسرب تكنولوجيا تلك الطائرات إلى غريمتها الآسيوية العملاقة. 

وأكد أن موقف المشرعين الأميركيين ربما يأتي في ظل ضغط لمنع تفاقم الأزمة بشكل أكبر، لكنه ليس علاجا حاسما للكارثة التي يشهدها السودان على مرأى ومسمع من العالم، مثله مثل غزة.

وقود الحرب

وتعد الإمارات وقود الحرب الأهلية السودانية التي بدأت في منتصف أبريل/ نيسان 2023، وهو ما أكده عديد من التقارير الدولية.

منها ما قالته وكالة "رويترز" البريطانية في 13 ديسمبر 2024، إن بيانات الرحلات الجوية وصور أقمار اصطناعية تظهر باستمرار هبوط طائرات شحن قادمة من الإمارات على مهبط صغير للطائرات في تشاد.

وأتبعت: "خبراء من الأمم المتحدة ودبلوماسيون أوردوا أنه استخدم لنقل أسلحة عبر الحدود إلى السودان". 

وكانت بيانات للرحلات الجوية ووثائق لشركات فحصتها رويترز أشارت إلى أن 86 رحلة جوية على الأقل من الإمارات توجهت إلى مهبط للطائرات في أم جرس في شرق تشاد منذ اندلاع الحرب.

وبينت أن ثلاثة أرباع هذه الطائرات تديرها شركات طيران تتهمها الأمم المتحدة بنقل أسلحة قادمة من الإمارات إلى ليبيا.

وفي يناير/كانون الثاني 2024 أقر تقرير للجنة خبراء للأمم المتحدة، بأن أبوظبي قدمت إمدادات عسكرية عبر مهبط طائرات في تشاد لقوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش السوداني.

وعلق المحلل البارز في "مرصد الصراع في السودان" جاستن لينش، والذي راجع تحليل رويترز للرحلات الجوية، قائلا: "إن الدعم اللوجستي يساعد في كسب الحروب، والإمارات استخدمت شبكة الطائرات لتسهيل وصول الأسلحة باستمرار إلى قوات الدعم السريع".

وأتبع: "الأسلحة الإماراتية غيرت ميزان القوى في الصراع في السودان، وأطالت أمد الحرب وزادت من أعداد الضحايا المدنيين".

وقال المتحدث باسم جيش السودان العميد الركن نبيل عبد الله، لرويترز إن إمداد الدعم السريع بأسلحة إماراتية "ليست اتهامات وإنما حقائق ملموسة".

وأضاف: "تدفق الأسلحة والمعدات من قبل الإمارات بهذه الطريقة لمليشيا الدعم السريع المتمردة لم ينقطع منذ اندلاع هذه الحرب، ونحن في القوات المسلحة قدمنا الكثير من الأدلة التي تثبت هذا التورط الإماراتي".

وأوضح: "تمثلت الإمدادات في أسلحة ومعدات وأدوية إماراتية، في صورة شحنات مساعدات عليها شارة هذه الدولة، واستطعنا الحصول عليها في الكثير من المواقع التي سيطرت عليها قواتنا وكانت تحت أيدي المتمردين".