نتيجة طوفان الأقصى.. هكذا صارت هجرة اليهود حبلا ملفوفا حول عنق إسرائيل
بصورة لافتة، تتواصل هجرة آلاف اليهود من إسرائيل للخارج بحثا عن الأمان عقب إطاحة عملية "طوفان الأقصى" بأسطورة "الاستقرار والأمان" التي روجت لها تل أبيب وشجعت يهود العالم عبرها للهجرة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وذكرت "مجلة زمان" الإسرائيلية أن هيئة السكان والهجرة تقدر أن 370 ألف شخص غادروا إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، موعد بدء عملية المقاومة الفلسطينية التي زلزلت الاحتلال ومواطنيه.
هجرة سلبية
وقالت المجلة، في تقرير لها نشر بتاريخ 8 ديسمبر 2023 إن حوالي 600 ألف إسرائيلي سافروا إلى الخارج لقضاء العطلات قبل طوفان الأقصى، ولم يعد منهم ما يقدر بنحو 470 ألفا.
وأضافت المجلة: "لذلك هناك هجرة سلبية لنحو نصف مليون شخص، وهذا لا يشمل آلاف العمال الأجانب واللاجئين والدبلوماسيين الذين غادروا البلاد".
وأشارت المجلة الإسرائيلية إلى أن العدوان الإسرائيلي على غزة أدى إلى انخفاض كبير في الهجرة الطبيعية إلى إسرائيل.
اللافت أنه مع تأكيد تقارير صحفية إسرائيلية وانتشار صور من المطارات الإسرائيلية لحجم الرحلات المغادرة إسرائيل، عمدت حكومة بنيامين نتنياهو كعادتها لمحاولة التغطية على الهجرة السلبية عبر بروباغندا مضللة.
إذ نشر حساب "إسرائيل بالعربية" بتاريخ 12 ديسمبر 2023 على مواقع التواصل الاجتماعي صورا تزعم أنها لوصول أكثر من ألفي يهودي إلى إسرائيل خلال شهرين.
وزعم الحساب أن من بين هؤلاء "قادمين جددا من دول عربية وإسلامية"، ونقل عن مصادر في وزارة الهجرة قولها إن هذا العدد "يفوق معدل عدد القادمين الجدد إلى البلاد الذي يرتفع بشكل مطرد كل عام".
كما نقل الحساب عن وزارة الهجرة قولها: إن "العديد من القادمين الجدد يعبرون عن رغبتهم في التطوع للخدمة في صفوف الجيش الإسرائيلي أو للخدمة المدنية".
وبالبحث يتضح أن الصور قديمة وهي قبل بدء عملية "طوفان الأقصى"، حيث نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية في 16 أغسطس/ آب 2023 وعنونتها حينها بأنها لحظة وصول 215 مهاجرا جديدا من دول أميركا الشمالية إلى إسرائيل، على متن رحلة وصلت مطار بن غوريون في تل أبيب.
لجوء وتحذيرات
موجة الهجرة المستمرة من إسرائيل للخارج، باتت مرصودة ومتتبعة من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية المحلية.
فقد ذكرت القناة "12" أن العديد من الإسرائيليين قدموا طلبات لجوء لعدد من الدول بعد عملية "طوفان الأقصى".
وبحسب تقرير القناة المنشور في 13 ديسمبر 2023، يكفي أن يكون لدى الشخص جواز سفر إسرائيلي للحصول على موافقة على الإقامة في البرتغال والعمل بشكل قانوني.
وأشارت إلى أن السهولة التي تتوفر بها تأشيرات اللاجئين في البرتغال جذبت العديد من الإسرائيليين نحو هذا البلد إذ إنه كل ما عليهم فعله هو إحضار جواز سفرهم الصالح إلى مكتب الهجرة في لشبونة والقول: "أنا من إسرائيل وأطلب اللجوء".
بعد ذلك، "تُؤخذ بصمات الأصابع البيومترية وسيتم التقاط الصورة. في النهاية، سيتم إعطاء صفحة تؤكد طلب اللجوء، والذي سيكون أيضا تصريح عمل. وفي غضون يوم واحد، سيتم الانتهاء من العملية. وبعد بضعة أشهر، سيتم منح تأشيرة لمدة خمس سنوات"، كما ذكرت القناة 12.
وأضافت أن العديد من الإسرائيليين الذين يطلبون اللجوء في البرتغال وصلوا إلى وضع أصبحوا فيه "غير قادرين على مواجهة فكرة البقاء في إسرائيل".
بدورها ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن البيانات تظهر انخفاضا كبيرا في عدد المهاجرين اليهود إلى إسرائيل منذ بداية أكتوبر 2023، بنحو 50 في المئة مقارنة مع بداية العام.
وبحسب البيانات، انخفضت الهجرة إلى إسرائيل بنسبة 70 بالمئة في نوفمبر مقارنة بالأشهر السابقة من عام 2023.
وعلى الرغم من اختلاف وجهات السفر الإسرائيليين حول العالم بحثا عن "الأمان" بعيدا عن إسرائيل.
إلا أن الحكومة الإسرائيلية، حثت مواطنيها، بتاريخ 3 نوفمبر 2023 على إعادة النظر في الرحلات إلى الخارج وتوخي المزيد من الحذر إذا كانوا خارج البلاد بالفعل، مشيرة إلى زيادة العداء تجاه اليهود والإسرائيليين.
وقال بيان مشترك صادر عن مكتب رئيس الوزراء ووزارة الخارجية الإسرائيلية، إن "الاعتداءات التي تهدد الحياة ومعاداة السامية والتحريض تصاعدت بشكل ملحوظ في العديد من البلدان، منذ أن شنت إسرائيل حملتها في غزة".
وسبق ذلك إصدار إسرائيل "تحذير سفر على أعلى مستوى" لمنطقة داغستان الروسية بعد أن اقتحم مئات من الداغستانيين، معظمهم من الشباب، مبنى الركاب في المطار وعلى المدرج بحثا عن اليهود الذين وصلوا للتو على متن رحلة جوية من تل أبيب.
ثم عادت إسرائيل ورفعت في 5 ديسمبر 2023 مستوى التحذير من السفر ليشمل حوالي 80 دولة حول العالم.
وحث مجلس الأمن القومي الإسرائيلي في بيان له الإسرائيليين على التفكير بعناية فيما يتعلق بحاجتهم للسفر إلى الخارج واتباع التوصيات الأمنية.
كما دعت المسافرين الإسرائيليين إلى تجنب أي مظهر من مظاهر هويتهم اليهودية أو الإسرائيلية أثناء وجودهم في الخارج.
وبموجب التوجيهات الأمنية الجديدة، تم تصنيف الدول العربية ومنطقة شمال القوقاز على أنها مناطق عالية الخطورة.
ويشمل التحذير من المستوى الثاني من اليقظة المتزايدة دولا في أوروبا الغربية مثل المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وروسيا والبرازيل والأرجنتين وأستراليا.
وقال مجلس الأمن القومي إن تحذير المستوى الثالث بتجنب السفر غير الضروري يشمل دولا مثل جنوب إفريقيا وإريتريا وأوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان وقيرغيزستان.
لا مكان آمن
ومثل تلك التحذيرات يراها مراقبون أنها خطوة مقصودة لكبح عمليات "طوفان الهجرة" من إسرائيل للخارج لأول مرة في تاريخها.
فمثل هذه الدعوة لحكومة بنيامين نتنياهو تحاول أن تظهر للإسرائيليين أنه لم يعد في العالم مكان آمن، وأن إسرائيل ستبقى الأكثر أمنا رغم "طوفان الأقصى".
إذ باتت الحكومة الإسرائيلية تتحسب وفق مراقبين لتفاقم الأعباء الاقتصادية والمعنوية عليها؛ نتيجة فرار العمال وتجمد عمل بعض الشركات، فضلا عن تنامي ظاهرة الهجرة السلبية.
لاسيما أن إسرائيل تتغذى منذ قيامها عام 1948 على موجات الهجرة القادمة إليها من أنحاء العالم، وبالتالي يشكل تراجع الهجرة مع موجات المغادرين منها، خطرا حقيقيا على وجود هذا الكيان.
ولهذا فقد كثفت عائلات إسرائيلية ورجال وسيدات أعمال من أصحاب الجنسية المزدوجة، ومن يملكون جوازات سفر أجنبية أو من لا يملكون سوى الجواز الإسرائيلي البحث عقب "طوفان الأقصى" عن أفضل الوجهات وأسهلها لهم.
وأكثر شاهد على ذلك هو أن حملة "نغادر البلاد معا" الداعية إلى مغادرة إسرائيل، كثفت نشاطها خلال شهر نوفمبر 2023 ودعت عبر شبكات التواصل الاجتماعي العائلات الإسرائيلية إلى البحث عن وجهة حول العالم، للإقامة المؤقتة أو الاستقرار، مع توفير فرص عمل والاستثمار بمشروعات تجارية.
ورغم أن حملة "نغادر البلاد معا" قد أطلقت تزامنا مع صعود اليمين المتطرف والأحزاب الدينية وتولي بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة عام 2022، إلا أن عملية "طوفان الأقصى" أحيت الفكرة.
حيث عمد منظموها إلى عرض مساعدتهم على كل من يحمل الجواز الإسرائيلي، وليس على من يمتلك جنسية مزدوجة وبحوزته جواز سفر أجنبي فقط.
وتضم مجموعة الحملة في تطبيق "واتساب" 676 مشاركا، غالبيتهم من الإسرائيليين، وبعضهم من اليهود الموجودين خارج البلاد، ويمكثون في دول مختلفة حول العالم، خاصة في أوروبا وكندا وأميركا.
وتعد هذه المجموعة كأنها لجنة قبول الطلبات والاستفسارات من الإسرائيليين الراغبين بمغادرة البلاد، وتحوّل طلباتهم إلى الجهات ذات الاختصاص، التي توفر خدمات استصدار التأشيرة وتوفير المسكن وتسهيل فرص العمل والاستثمار والمغادرة إلى 48 دولة حول العالم.
على صفحة "نغادر البلاد معا" بفيسبوك علقت آية رعايا عقب "طوفان الأقصى" بالقول: "بدأت أفكر في المغادرة لبضعة أشهر بسبب الوضع، نمتلك جوازات سفر إسرائيلية فقط ومدخرات قدرها 300 ألفا، وطفلتي تبلغ من العمر 3 سنوات، وزوجي في قلق حقيقي، يقول إنها ستتحول لحرب عالمية، وعلينا الهروب لأطول فترة ممكنة".
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أعلنت الممثلة وصانعة الأفلام يولا بينيفولسكي، عبر فيديو، أنها تقدمت بطلب التنازل عن جنسيتها الإسرائيلية "نتيجة لإحساس انعدام الأمن الطويل الذي عاشته في إسرائيل"، وسط تكرار الحروب والمعارك مع الجيران، إضافة إلى اعتراضها على ما يجري بغزة.
حالة طوارئ
ويرى الصحفي أحمد إبراهيم أن "طوفان الأقصى أسقط شعار الأمان الذي يعد المغناطيس الذي جذب به الكيان الإسرائيلي المهاجرين طوال العقود الماضية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة".
وأضاف لـ"الاستقلال" قائلا: "إن المشاهد من داخل مستوطنات غلاف غزة باتت صعبة النسيان من قبل الإسرائيليين كونها ستبقى أياما سوداء بذاكرتهم؛ مما دفع بالكثيرين منهم للتفكير بالهجرة من إسرائيل والبحث عن حياة جديدة بعد الخرق الأمني الكبير الذي فاجأ العالم قبل الإسرائيليين أنفسهم".
ورأى إبراهيم أن "إسرائيل دخلت في حالة طوارئ دائمة وستقف على قدميها لمنع تكرار ربما طوفان الأقصى2 وخاصة مع تواصل عمليات التجنيد والتسليح للإسرائيليين وكأن الإسرائيلي بات ملزما بالدفاع عن نفسه".
واستدرك قائلا: "إن الآثار الاقتصادية على إسرائيل التي تكبدتها عقب طوفان الأقصى والرد بقصف غزة، والواقع الأمني المجهول الذي يسود إسرائيل، سيشجع الكثيرين على الهجرة العكسية".
وقبل عملية "طوفان الأقصى" كانت الحكومة الإسرائيلية تعمل على برامج لتشجيع الهجرة إلى إسرائيل على الرغم من أن الأخيرة لا تزال في المراحل المبكرة جدا من موجة الهجرة الناشئة.
إذ إن الوكالة اليهودية ووزارة الهجرة والاندماج بإسرائيل كانتا تتحدثان عن علامات أولية على موجة من الهجرة إلى إسرائيل في أعقاب تصاعد الحوادث "المعادية للسامية" التي يعيشها اليهود في العالم.
وردا على موجات الهجرة العكسية وأضرارها على الاقتصاد، بدأت شركات عقارية بإسرائيل في تنظيم مؤتمرات افتراضية وحملات بالخارج لتشجيع اليهود من جديد على الهجرة إلى إسرائيل عبر فرص استثمارية مميزة.
لكن يبدو أن فكرة السفر إلى إسرائيل مستقبلا سواء للعمل أو السكن أوالتعليم توقفت وبات البعض يأخذ مسافة كبيرة من التفكير قبل اتخاذ قرار السفر عقب "طوفان الأقصى"، وفق مراقبين.