أسامة عبد الحي.. نقيب ضد أطباء مصر يحتكر القرار وينحاز لسلطة السيسي

داود علي | منذ ٢٠ ساعة

12

طباعة

مشاركة

تواجه نقابة الأطباء المصريين أزمة جديدة عنوانها التحكم السلطوي والتفرد بالقرار عبر نقيب ينحاز للنظام برئاسة عبد الفتاح السيسي على حساب الأعضاء في هذا الجسم النقابي الذي يحاول الحفاظ على استقلاله. 

وفي خطوة احتجاجية، أعلن 5 من أعضاء مجلس نقابة الأطباء  المصريين استقالتهم في 3 يناير/ كانون الثاني 2025، احتجاجا على إصدار النقيب أسامة عبد الحي قرارا بتأجيل انعقاد الجمعية العمومية غير العادية، واتهموه بالانفراد بالقرار. 

وهؤلاء هم إبراهيم الزيات، وأحمد السيد، وطارق منصور، وأحمد علي، وأحمد الهواري. وكانت الجمعية مقررة الانعقاد في نفس يوم التأجيل الموافق 3 يناير والتي سبق ودعا إليها المجلس للتصدي لمشروع "المسؤولية الطبية" الذي يناقشه البرلمان. 

وقد تسبب المشروع في غضب قطاع عريض من الأطباء المصريين، الذين يعيشون مرحلة صعبة في ظل ما يتعرضون له من ظروف مهنية ومادية غير عادية، تدفعهم للهجرة بأعداد كبيرة إلى خارج البلاد. 

وبينما كان الأطباء ينتظرون من نقابتهم عقد الجمعية لحمايتهم وإقرار حقهم، في مواجهة الحكومة، فوجئوا بالنقيب أسامة عبد الحي يقرر بشكل أحادي التأجيل، ما عدوه انسحابا من المعركة، وتماهيا مع خط النظام. 

خاصة أن التأجيل جاء بعد يوم واحد من تصريح مثير لوزير الصحة المصري خالد عبد الغفار، عندما وجه رسالة حادة ولاذعة لنقابة الأطباء قال فيها: "الدولة أقوى من أي حد (أحد)، علشان (لأجل) تخاف منه، لا جمعية ولا سوشيال ميديا". 

ولطالما نظر إلى عبد الحي على أنه جزء من منظومة السلطة للسيطرة على النقابات المهنية وتحجيم دورها، خاصة نقابة الأطباء والمهندسين والصحفيين وغيرها.

سبب الأزمة 

وتشهد الساحة الطبية في مصر أزمة على وقع قانون "المسؤولية الطبية" الذي تحاول الحكومة وأحزاب النظام تمريره عبر البرلمان.

وكانت النقابة أكدت قبل التأجيل أنها حققت بعض التعديلات المهمة على مشروع القانون.

منها إلغاء عقوبة الحبس في الأخطاء المهنية، وإلغاء الحبس الاحتياطي للأطباء، وتوضيح تعريف "الخطأ الطبي" و"الخطأ الطبي الجسيم". 

ويشتمل مشروع القانون الجديد على 30 مادة، من بينها مادتان سببتا خلافات بين النواب والأطباء (في النسخة الأولى) إذ أجازتا الحبس للأطباء.

وتنص المادة "27" من مشروع القانون على "غرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تتجاوز مليون جنيه، لكل من ارتكب خطأ طبيا سبب ضررا محققا لمستحق الخدمة". 

كذلك "الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تتجاوز خمس سنين، وغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه ولا تتجاوز مليون جنيه، إذا وقعت الجريمة نتيجة خطأ طبي جسيم".

ومن المواد التي اعترض عليها الأطباء المادة (18) الخاصة باختصاص اللجنة العليا للمسؤولية الطبية وسلامة المريض، والتي تتبع رئيس مجلس الوزراء.

بحيث تكون اللجنة العليا هي الخبير الفني الوحيد لجهات التحقيق أو المحاكمة في القضايا المتعلقة بالمسؤولية الطبية، بينما يريد الأطباء وجود جهات أخرى منها لجنة مستقلة تابعة للنقابة. 

ورغم أن النقيب أسامة عبد الحي يزعم نجاحه في تعديل مواد الحبس في القانون، فقد انتقد أمين عام نقابة الأطباء محمد فريد، تلك التعديلات، ورأى أن إلغاء أو حذف مادة الحبس الاحتياطي من القانون، شيء غير مؤثر على الإطلاق.

وعلل ذلك أنه “يدفع الجهة القضائية والتنفيذية للاستناد للقانون العام، في توقيع الحبس الاحتياطي على الطبيب”.

وطالب بتضمين مادة تنص على عدم جواز الحبس الاحتياطي في قضايا الممارسة المهنية". 

وكذلك طالب بـ "عدم توقيع عقوبة السجن على الأخطاء الطبية غير الجسيمة، والاكتفاء بصرف تعويض مادي للمريض والأهل لدفع الضرر". 

رسالة حادة  

وكتب الدكتور أحمد الهواري (أحد أعضاء مجلس النقابة الذين تقدموا باستقالتهم)، على صفحته بموقع “فيسبوك”: "يشهد الله أنني كنت من الرافضين لقرار تأجيل الجمعية العمومية للأطباء، واحتراما لزملائي ولحقهم عليا أتقدم باستقالتي من مجلس النقابة العامة لأطباء مصر".

ثم وجه رسالة حادة إلى أسامة عبد الحي، قال فيها: "كلمة أخيرة للسيد النقيب والمجموعة التي انفردت بالقرارات في الفترة الأخيرة، لا يشرفني الاستمرار أو العمل معكم". 

وأعادت أزمة نقابة الأطباء الحالية الجدل عن دور مؤسسة الرئاسة وتخوفاتها من الدور المتصاعد للنقابات عموما والمهنية خصوصا، بوصفها كانت اللاعب الأبرز المعارض لسياسات النظام الحالي، بعد انزواء المعارضة والأحزاب السياسية. 

ولا تزال أزمة نقابة الأطباء عصية على الحل، رغم دفع النظام على مدار السنوات الماضية بآليات محددة للتعامل معها، في ضوء حالات الغضب والتمرد التي يبديها الأطباء من حين إلى آخر، بما يشكل ضغطا مستمرا على السلطات.

وسبق أن صعدت نقابة الأطباء بعد الاعتداءات المستمرة والمتكررة من قبل رجال الشرطة على الطواقم الطبية، ما دفع لعقد جمعيات عمومية طارئة، طالب بعضها بإقالة وزير الصحة.

ويحاول النظام الحالي استنساخ تجربة رئيس النظام المصري المخلوع محمد حسني مبارك في التعامل مع ملف نقابة الأطباء من خلال السيطرة عليها ودعم مؤيديه لعضوية مجالس النقابات فضلا عن منصب النقيب. 

ونجحت السلطة في دعم أحد مؤيديها البارزين وهو أسامة عبد الحي للفوز بمنصب نقيب الأطباء.

متهم بالفساد 

وفي تعليقه على الأزمة، قال الدكتور مصطفى جاويش، وهو مسؤول سابق في وزارة الصحة المصرية، وكان عضوا في مجلس نقابة الأطباء لمدة 20 عاما: "إن وجود أسامة عبد الحي على رأس النقابة، دليل على فساد النظام واستخفافه بالأطباء". 

وأضاف في حديث لـ “الاستقلال”: “عبد الحي من رجال الأمن الوطني في النقابة، وهو محسوب على الجهات الأمنية منذ زمن بعيد، ومتورط في قضايا فساد”.

إذ “توجد عليه قضية فساد وقد صدر فيها حكم ضده مع آخرين ومعروضة على الاستئناف حاليا”، وفق ما قال جاويش، دون وجود تفاصيل منشورة عن الأمر في وسائل الإعلام.

وتابع: "عموما موقفه في اتخاذ قرار فردي دون الرجوع لمجلس النقابة المكون من 24 عضوا يكفى لبيان فساده وانسياقه الكامل من قبل النظام". 

وبين جاويش أن “عبد الحي ترشح على قائمة المستقبل التابعة للأمن الوطني كما انتشر عنها خلال الانتخابات”.

وأشار إلى أن الجهة الأمنية المذكورة، استخدمت عبد الحي سلاحا ضد الدكتور الراحل أسامة رسلان رحمه الله، الذي كان أمينا للأطباء، ثم أمينا عاما لاتحاد الأطباء العرب، وكان شخصية توافقية تتمتع باستقلالية ويجله جميع الأطباء. 

وأورد أنه “لم يكن رسلان على هوى الأجهزة الأمنية، خاصة أن فترته شهدت صدامات متعددة بين الأطباء والحكومة، وكان منحازا بشكل مطلق للأطباء”.

أما أسامة عبد الحي فهو يد وذراع الأمن، حتى وإن قال غير ذلك، فمواقفه واضحة، و"قد رأينا كيف تعامل مع قانون خطير مثل المسؤولية الطبية، حيث أظهر تضامنه، وفي اللحظة الحاسمة تراجع وتبنى موقف النظام"، وفق قوله. 

وأوضح أنه "بالعودة إلى تاريخ عبد الحي، فلا نغفل أنه شغل سابقا منصب رئيس الهيئة التأديبية لنقابة الأطباء، وكان بمثابة سيف مسلط على الأطباء الذين يحاولون معارضة النظام أو المعروفين باتخاذ اتجاهات مناوئة له".

كما تسبب عبد الحي في إحالة مجموعة كبيرة من الأطباء للتحقيق وعرضهم على الهيئة التأديبية التي كان يقودها، وفرض عليهم عقوبات رادعة بعضها وصل إلى الوقف والغرامة والحرمان من حقوق أساسية، وفق جاويش.