ميقاتي بالخلفية.. ما تفاصيل "صفقة" تسليم عبد الرحمن القرضاوي للإمارات؟
"الحكومة اللبنانية تسعى للحصول على دعم مالي لإعادة الإعمار من الإمارات"
مع ظهور معادلات جديدة في المنطقة عقب خسارة "حزب الله" معركة إسناد غزة ضد إسرائيل وقبوله بوقف إطلاق النار، سلمت حكومة لبنان المعارض المصري عبد الرحمن نجل العلامة الراحل يوسف القرضاوي، إلى الإمارات، وسط تكهنات بوجود "صفقة" في الخلفية.
قرار تسليم القرضاوي الابن للإمارات، مثير للشبهات بصفته "قرارا سياسيا"، لا "قضائيا"، حيث واكبته تطورات مريبة، وهي من المرات القليلة والنادرة التي يغلق فيها ملف أحد المطلوبين خلال 10 أيام فقط في لبنان.
أيضا الاستناد في عملية اعتقاله لقرار من "مجلس وزراء الداخلية العرب"، وإسراع الإمارات بنقله لسجونها بطائرة خاصة، ثم إغلاق حسابه على موقع إكس، الذي يقع مقره في دبي، كلها أمور أثارت تساؤلات عريضة.
قرار سياسي لا قضائي
كانت مسارعة حكومة لبنان في اعتقال القرضاوي يوم 28 ديسمبر/ كانون الأول 2024، في نفس يوم مغادرته سوريا ووصوله بيروت، وبالتزامن مع بلاغ نيابة الإمارات، مريبا.
وجاء تسليم حكومة ميقاتي له بسرعة البرق للإمارات، لحرمانه من فرصة الاستئناف القانوني، ليؤكد "البعد السياسي" الذي يتناقض مع المواد القانونية التي تمنع تسليمه، والشبهات العديدة حول وجود "صفقة" لتسليمه، و"ثمن" دفعته أبوظبي.
فقد ظهر من مسوغات ودوافع، صياغة "محضر مجلس وزراء لبنان"، بخصوص تسليم عبد الرحمن يوسف للإمارات، أن السبب سياسي لا قانوني، وأن قرار التسليم النهائي ليس قضائيا، بل حكوميا شخصيا، ما يشي بوجود صفقة ما.
وبحسب المحضر لا تجمع لبنان والإمارات معاهدة لها قوة القانون ترعى أحكام الاسترداد وتبادل المجرمين، واكتفى وزير الإعلام اللبناني بتبرير تسليم القرضاوي بأن التهم الموجهة إليه من النيابة الاتحادية الإماراتية مجرمة أيضا في القانون اللبناني.
المحضر ذاته، ظهرت فيه خمس فضائح أو عورات قانونية من العيار الثقيل على الأقل: أولها، الحديث عن "استرداد" الإمارات لعبد الرحمن وهو لا يحمل جنسيتها ولم يكن يقيم على أراضيها.
والثاني، الإقرار بعدم وجود اتفاقية لتسليم المطلوبين بين لبنان والإمارات، والثالث، الإقرار بأن تهمته تتعلق بآراء كتبها على وسائل التواصل، أي "حرية تعبير" لا جريمة جنائية، لكنها تهمة في الإمارات ستعرضه للسجن، وفق "العفو الدولية".
والرابع أن مسؤولي الإمارات اتصلوا وتعهدوا بمعاملة حسنة لعبد الرحمن وتمكينه من حقوق التقاضي كاملة، رغم عدم وجود قضاء مستقل أو عادل في الإمارات، ما يؤكد الضغوط لتسليمه.
والخامس، تبرير مسوغ تسليمه بأن الإمارات "وعدت بالتعامل بالمثل في حالات مشابهة".
وبدا أن كيل حكومة ميقاتي المديح للإمارات في محضر اجتماع تسليم عبد الرحمن، ولسجلها الناصع المزعوم في حقوق الإنسان، والزعم أن هذا منحها رئاسة لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة هو "عربون" لما دفعته الإمارات، مقابل صفقة لا علاقة لها بالقوانين.
وطرح قرار التسليم أسئلة حول خلفيات موافقة لبنان على نقله للإمارات، رغم عدم وجود اتفاق قضائي لتبادل المطلوبين بين البلدين، لكن مصدرا وزاريا لبنانيا برر هذا بأن القرار "استند إلى مذكرة توقيف صادرة عن مجلس وزراء الداخلية العرب.
وقال لصحيفة "الشرق الأوسط" في 8 يناير/كانون الثاني 2025، إن قرار وزراء الداخلية العرب "يلزم لبنان بتلبية الطلب الإماراتي، لكون لبنان عضوا في هذا المجلس وموقعاً على اتفاقياته".
وبرر وزير الإعلام اللبناني زياد مكاري لـ"بي بي سي" في 8 يناير محضر جلسة الحكومة اللبنانية بتسليم القرضاوي بـ "أمر قبض دولي صادر عن النيابة العامة الاتحادية الإماراتية بتاريخ 29 ديسمبر كانون الأول عام 2024".
وزعم أنه "معمم عنه أمر توقيف مؤقت صادر من مجلس وزراء الداخلية العرب بنفس التاريخ بطلب من الإمارات، يتهمه بنشر أخبار كاذبة وإشاعات عبر الإنترنت من شأنها إثارة الرأي العام وتكدير الأمن العام"، في إشارة إلى فيديو القرضاوي من المسجد الأموي.
وأظهرت هذه الواقعة استغلال الإمارات وجود أحد جلاديها على رئاسة الإنتربول (اللواء أحمد ناصر الريسي) كرئيس الإنتربول العربي، لإصدار مذكرة توقيف عبد الرحمن القرضاوي.
فوفقا لمحامي عبد الرحمن القرضاوي، "محمد صبلوح"، البلاغ الإماراتي صادر عن نائب عام إماراتي ولم تصدر أي مذكرة توقيف من الإمارات بحقه أو أي حكم، كما لا يوجد أي اتفاقية تبادل بين لبنان والإمارات، ما يمنع تسليمه للإمارات خصوصا.
صبلوح قال لصحف لبنانية إن "المادة 41 من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي تنص على استثناء الجرائم ذات الطابع السياسي من التعاون القضائي بين الدول العربية، وإن كانت الجرائم الملاحق بها هي جرائم لها صبغة سياسية فلا يجوز فيها التسليم على تقدير أنه من الممكن أن يشكل خطرا على حياة المطلوب".
لذا قال بعد تسليم القرضاوي الابن للإمارات: "سنقوم بالادعاء على مسؤولين لبنانيين أمام النظام القضائي العالمي الخاص لمخالفتهم الاتفاقيات الدولية وتعريض حياة المعارضين للخطر".
ويقول الدكتور "طارق شندب"، أستاذ القانون الجنائي والدولي اللبناني إن ما جرى "لعبة مصالح ضيقة ومالية"، ما يؤكد أن حكومة لبنان عبارة عن "مليشيات وفساد يتخذون قرارات مخالفة للدستور وللقانون الدولي لتحقيق مصالح ومكاسب مادية".
ويشير إلى أن قرار تسليم يوسف القرضاوي الصادر عن مجلس الوزراء "يترتب عليه تبعيات قانونية كبيرة يجب أن يتحملها كل من شارك في اتخاذ ذلك القرار المعيب والمشين من الناحية القانونية".
المقاول "ميقاتي"
وميقاتي رجل أعمال ومعروف بصفقات تجارية، يشاركه فيها خليجيون، وأمواله تدار داخل الإمارات، كما ظهر اسمه في فضائح مالية عالمية، أشهرها “باندورا”.
ولأنه هو المسؤول الأول عن القرار، فقد وجهت له أصابع الاتهام بإبرام صفقة مالية مع أبوظبي لتسليم نجل القرضاوي.
فقد ظهر اسم "ميقاتي" في قضايا الفساد التي تم نشرها تحت اسم "وثائق باندورا"، مع طحنون بن زايد، رئيس مخابرات الإمارات، والخاصة بتهريب أموال بجزر بريطانية للتهريب الضريبي.
و"وثائق باندورا" عنوان "تحقيق" أجراه "الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين"، في أكتوبر/تشرين الأول 2021، ويتهم مئات السياسيين وأقاربهم في أرجاء العالم بارتكاب "مخالفات مالية".
ومن خلاله كشف 650 مراسلا صحفيا، وثائق سرية، ثروات وممتلكات وأموال سرية لـ 35 من القادة الحاليين والسابقين، وأكثر من 300 مسؤول حكومي، أغلبها مخفي عبر شركات "أوفشور" التي تستهدف إخفاء أموال وثروات فاسدة لأكثر من 90 دولة.
وكان من بينهم 12 مسؤولا عربيا، أبرزهم حكام الإمارات، ونجيب ميقاتي رئيس وزراء لبنان الحالي، الذي لا يُستبعد، وفق هذه الوثائق، أن تكون الإمارات أخفت أموالا له في صورة رشا عن صفقة عبد الرحمن في شركات بجزر "فيرجن" البريطانية والبهاماس.
وكشفت "وثائق باندورا" قيام "كل المسؤولين تقريبا في لبنان، من المستويات المختلفة، حاليين وسابقين، بافتتاح شركات وهمية وإدارة أصول وأموال مهربة، أبرزهم رئيس الوزراء الحالي نجيب ميقاتي.
وكشفت الوثائق أن ميقاتي هو مالك شركة "هيسفيل" للاستثمار التي أنشئت في بنما عام 1994، والتي تمتلك عقارات في موناكو أحدها بأكثر من 10 ملايين دولار.
وبحسب آخر تصنيف لمجلة “فوربس” الأميركية لأثرياء العالم، أبريل/نيسان 2024، برز اسم ميقاتي، كأغنى شخصية في البلاد بثروة مقدرة بـ 2.8 مليار دولار (كانت 5 ثم 3.5 مليارات سابقا).
وجاء "ميقاتي" في المركز 14 من 28 من أبرز أثرياء الشرق الأوسط لعام 2024، وتبعه شقيقه "طه ميقاتي"، بثروة قدرت بـ 2.8 مليار دولار في المركز التاسع إقليميا.
ووجهت اتهامات بـ"ثراء غير مشروع أدى إلى مراكمته ثروة مالية"، ضد ميقاتي، في فرنسا، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية 4 أبريل/نيسان 2024.
وجاء في نص الدعوى، من جانب منظمة "شيربا" غير الحكومية لمكافحة الجريمة المالية و"تجمع ضحايا الممارسات الاحتيالية والإجرامية في لبنان"، اتهامات لميقاتي بجرائم مالية تشمل "غسل الأموال والتآمر".
ودفعت هذه الحقائق عن فساد "ميقاتي"، صحفيين وسياسيين للحديث عن احتمالات استغلال الإمارات له في صفقة تسليم "عبد الرحمن"، مقابل ثمن غير معلن.
وأكدوا أن هذه القضية تكشف مدى تضخم الترهيب الإماراتي ماليا وسياسيا وأمنيا، مستغلا هشاشة وضعف الحكومة اللبنانية ورئيسها ومخالفتهم للقوانين ولأبسط القيم والمعايير الحقوقية.
اتفاقات واختلافات
كان لافتا حديث صحيفة "المدن" اللبنانية في 8 يناير/كانون الثاني 2025، عن أن "ضغوط وإغراءات تسليم "القرضاوي"، دخل على خطها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري.
ونقلت عن مصادر أن الحريري طلب من ميقاتي ومسؤولين آخرين بالدولة العمل لتسليم القرضاوي للإمارات، رغم نفي مصادر قريبة من الحريري ذلك بشكل كامل للصحيفة.
الصحيفة اللبنانية أكدت أنه "بعد توقيف القرضاوي في لبنان، حضر رئيس جهاز الحماية الشخصية للحريري "عبد العرب" إلى بيروت، والتقى برئيس الحكومة ميقاتي، ليبلغه بمطلب الحريري، وهو ترحيل القرضاوي للإمارات وتسليمه للسلطات الإماراتية لمعاقبته"، ثم حذفت هذه الفقرة من تقريرها لاحقا!
وقالت إنه بعد توقيف القرضاوي في لبنان، تكثفت الاتصالات من قبل دول عديدة لتسلمه، إلى أن قررت الحكومة تسليمه إلى الإمارات، وحضر اسم الحريري وبعض المقربين منه، الذين عملوا على الإشراف على إجراءات الترحيل.
وأنه بسبب هذه الضغوط ميقاتي تحرك، وطلب من القضاء اللبناني الإسراع في متابعة الملف وإنهائه في مدة زمنية قصيرة جدا، وتجاهل كل الضغوط الدولية التي تناولت هذا الموضوع ومن بينها تُركيا وقطر.
ومعروف أن الحريري، رجل الخليج، ومرشح بقوة ليكون رئيس الوزراء اللبناني الجديد بعد انهيار نفوذ حزب الله، والاتفاق على تزكية قائد الجيش جوزيف عون رئيسا توافقيا، بضغوط خليجية وأميركية ودولية، وفق مصادر لبنانية لـ "الاستقلال".
ووقع ميقاتي المرسوم الوزاري الذي يقضي بتسليم القرضاوي للإمارات، وتذرع بالتوصية القضائية التي تسلمها من المدعي العام، جمال الحجار التي زعم فيها أن الجرم المُلاحق به القرضاوي "ليس متعلقا بآرائه السياسية"!
وحُول المرسوم الوزاري خلال ساعات قليلة للنيابة العامة، وبدأت إجراءات ترحيل القرضاوي، ونقل مساء 8 يناير للأمن العام وجرى نقله في حراسة مشددة لمطار بيروت ترحيله على متن طائرة خاصة إلى الإمارات.
أحد أسباب صفقة تسليم القرضاوي المحتملة للإمارات، هو محاولة الحكومة اللبنانية تحقيق مصالحها السياسية والحصول على دعم مالي لإعادة الإعمار من الإمارات، بجانب تسوية ملف المعتقلين اللبنانيين في الإمارات، حسبما تشير المصادر اللبنانية.
ففي أعقاب الحرب مع إسرائيل تدمرت أجزاء كبيرة من جنوب لبنان وأن جزءا من الصفقة هو وعود بتوفير أموال لإعادة الإعمار، وهذا ما عجل بتسليم القرضاوي ورفض أي تدخلات تحدث عنها أتراك وعلماء.
وفي مطلع أكتوبر 2024، قال ميقاتي إن المنحة التي أمر بها محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، بتقديم 100 مليون دولار لإغاثة الشعب اللبناني "مقدرة"، وقال: "شكرا محمد بن زايد"، بحسب صحيفة "الخليج".
وفي السياق كشف الداعية محمد الصغير رفض نجيب ميقاتي لقاء وفد من علماء لبنان لحثه على عدم تسليم القرضاوي للإمارات.