مودي يخسر 63 مقعدا برلمانيا رغم تصدره الانتخابات الهندية.. ما التداعيات؟
"يحتكر الأغنياء الذين يمثلون واحدا بالمئة من سكان الهند أكثر من 40 بالمئة من ثروتها"
بعد انتخابات ماراثونية شارك فيها 640 مليون شخص على مدار سبعة أسابيع، حقق “التحالف الوطني الديمقراطي الهندي” بزعامة الحزب الهندوسي المتطرف بهاراتيا جاناتا بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي فوزا بطعم الهزيمة.
وحصل حزب بهاراتيا جاناتا على 240 مقعدا من أصل 543، مقارنة بـ 303 مقاعد فاز بها قبل خمس سنوات، ما يعني أنه سيضطر للتحالف مع أحزاب أخرى، من أجل تشكيل حكومة ائتلافية.
وشكلت نتيجة الانتخابات صدمة بعد أن توقعت استطلاعات الرأي قبل أيام فوزا ساحقا لتحالف حزب بهاراتيا جاناتا، لدرجة أن مودي صرح بأنه "قادر على تحقيق الفوز بـ400 مقعد من مقاعد البرلمان".
وأرجع معهد دراسات إيطالي تراجع الحزب إلى انشغاله بالخلافات الدينية وخطاباته المعادية للمسلمين خلال حملته الانتخابية وعدم حله للمشاكل الحقيقية التي يعاني منها المواطن الهندي وأبرزها عدم مساواة وارتفاع معدل البطالة.
فوز بطعم الهزيمة
وقال "معهد الدراسات السياسية الدولية" إن حزب بهاراتيا جاناتا خسر مقاعد مقارنة بعام 2019 خلافًا للتوقعات ويحتاج إلى أن يتحالف مع أحزاب أخرى للوصول إلى أغلبية 272 مقعدًا الضرورية للحكم .
بينما حقق تحالف أحزاب المعارضة "الهند"، أداء أفضل وفاقت نتائجه التوقعات بفوزه بإجمالي 234 مقعدا.
وصف المعهد النتائج بمثابة "زلزال للمشهد السياسي الهندي لا سيما وأن مودي وحزب بهاراتيا جاناتا الذي وصل إلى السلطة في عام 2014، تمتعا طيلة هذه السنوات بدعم شعبي قوي".
بينما على الطرف المقابل، بدت المعارضة وخاصة حزب المؤتمر الوطني الهندي، ضعيفة ومنقسمة وغير قادرة على المنافسة.
وبذلك أكد أن صورة البلاد التي تظهر من صناديق الاقتراع اليوم مختلفة تماما على ضوء ما حققته المعارضة التي عززت موقعها بفضل الأداء الممتاز للأحزاب الإقليمية، في حين يحصي حزب بهاراتيا جاناتا خسائره على الرغم من فوزه.
يحظى مودي بدعم حزبين إقليميين، وبفضلهما سيكون رئيساً للوزراء مجددا لولاية ثالثة إلا أن دوره يبدو الآن أكثر إثارة للجدل مما كان عليه في أي وقت مضى، وفق المعهد الإيطالي.
من جانبه، قال زعيم حزب المعارضة راهول غاندي إن الناخبين "عاقبوا غطرسة حزب بهاراتيا جاناتا"، مشددًا على أن هذا النصر يعد بمثابة "هزيمة سياسية وأخلاقية".
وأشار المعهد إلى أن أكبر المفاجآت التي حدثت للحزب الهندوسي خلال هذه الانتخابات "تتعلق بلا شك بولاية أوتار براديش، معقل الحركة التي تحكمها منذ عام 2017".
وفي تعريفه لهذه الولاية، قال إنها الأكثر اكتظاظا بالسكان في الهند إذ يقطنها أكثر من 240 مليون نسمة وهي "بمثابة مؤشر لبقية البلاد، كما أن وزنها السياسي حاسم بالنسبة للسياسة الوطنية".
وأفاد بأن حزب مودي يكافح في تلك الولاية، التي كان يتوقع أن يحقق فيها فوزا ساحقا، للحصول على نصف المقاعد الثمانين التي تنافس عليها ضد أحزاب المعارضة.
ولفت إلى أن الأمر "الأكثر غرابة" هو أن حزب بهاراتيا جاناتا تراجع في دائرة فايز آباد الانتخابية التي تضم معبد رام في مدينة أيوديا الذي افتتحه مودي في يناير.
وكان المعبد، الذي بني على أنقاض مسجد بابري الذي هدمته حشود قومية هندوسية عام 1992، محور حملة رئيس الوزراء وسط اتهامات من المعارضة آنذاك باستخدامه لتحقيق مكاسب سياسية.
وقد تفوق في هذه الدائرة الانتخابية ائتلاف المعارضة، ولا سيما حزب ساماجوادي وحزب المؤتمر الوطني الهندي بزعامة راهول غاندي.
من جانبهم، توقع العديد من الهنود فوزا مريحا لمودي في الانتخابات التي قدمت إلى حد ما على أنها استفتاء على العشر سنوات التي قضاها في السلطة.
فيما كان قد كشف مسؤولون حكوميون عن برنامج إصلاحي طموح وطرحوا إمكانية تغيير الدستور.
ظلم اقتصادي
وبحسب المعهد الإيطالي، تعد الهند واحدة من أسرع الاقتصادات نموًا في العالم منذ نهاية جائحة كوفيد، وكان ناتجها المحلي الإجمالي قد نما بنسبة 7.6 بالمئة في عام 2023.
وقد أعرب رئيس الوزراء عن نيته تحويل البلاد إلى ثالث أكبر اقتصاد في العالم والخامس بحلول عام 2047.
وفي الواقع، ارتفاع معدل البطالة خاصة بين الشباب، والتضخم وزيادة عدم المساواة بين الفئات الأكثر فقرا والمليارديرات "فاحشي الثراء" والمقربين من مودي، دفعت الناخبين إلى عدم التصويت لحزب بهاراتيا جاناتا.
ووفقاً لتقرير حديث صادر عن مختبر "عدم المساواة العالمي"، يحتكر الأغنياء الذين يمثلون واحدا بالمئة من سكان الهند أكثر من 40 بالمئة من ثروتها.
وأظهر التقرير أن عدم المساواة نما خلال عشر سنوات من حكم مودي وحزبه الهندوسي ليتجاوز ما كان عليه خلال الحكم الاستعماري البريطاني.
وعن أسباب تراجع الحزب في الانتخابات، أرجع المعهد الإيطالي الفوز الذي كان أقل من التوقعات إلى تصرفات الحزب القومي الهندوسي نفسه.
معاداة المسلمين
وأوضح المعهد أن حملته الانتخابية ركزت على الخلافات المتعلقة بالانقسامات الدينية والطائفية بدلًا من تسليط الضوء على إنجازات الحكومة، على غرار تحسين البنية التحتية أو سن سياسات لفائدة مناخ الأعمال أو العمل على تحسين صورته الدولية.
واستشهد بخطاب مودي الأخير أمام جمع من أنصاره خلال الحملة، الذي قال فيه إن الأحزاب المعارضة ستعيد توزيع ثروات المواطنين الهندوس على المسلمين واصفا أفراد هذه الأقلية بـ"الدخلاء".
وقد وصف بعض المراقبين تصريحاته بأنها معادية للإسلام وحذروا المسلمين الهنود الذين توجهوا إلى صناديق الاقتراع بأعداد كبيرة من صعود حزب بهاراتيا جاناتا.
وجزم المعهد بأن رئيس الوزراء الهندي وحزبه يخرجان "ضعفاء" من هذا التصويت رغم فوز مودي بولاية ثالثة وهو ما لم يحدث منذ عهد زعيم حركة الاستقلال جواهر لال نهرو.
ويتوقع أن يواجهوا معارضة أقوى ومتماسكة أكثر في المستقبل لا سيما وأنهما يبدوان في حالة ضعف لأول مرة منذ عشر سنوات.
وقال إن هذه النتائج قد تؤدي إلى تحفيز الحكومة الجديدة لإعطاء الأولوية القصوى للتحديات الاقتصادية والاجتماعية الهائلة التي تواجهها الهند، وفي مقدمتها خلق الملايين من فرص العمل والحد من عدم المساواة.