سجال سياسي في لبنان.. لماذا عادت المناكفات مع الثنائي الشيعي؟

4 months ago

12

طباعة

مشاركة

عاد السجال والمناكفات السياسية بين القوى اللبنانية المعارضة والثنائي الشيعي (حزب الله- حركة أمل بقيادة نبيه بري) حول العقدة الكبرى المتمثلة في انتخاب رئيس جديد للبلاد والتي زادت حدتها بعد معارك الجنوب مع إسرائيل.

ومع تمسك "الثنائي الشيعي" برئيس تيار المردة سليمان فرنجية كمرشحها الوحيد للرئاسة ووصفه من قبل حزب الله بأنه "مطمئن للمقاومة"، تسعى القوى اللبنانية إلى تسريع عقد جلسة برلمانية لانتخاب رئيس الجمهورية.

وتنتقد تلك القوى إمساك "حزب الله" الداخل في تبادل لإطلاق النار مع إسرائيل منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بقرار "السلم والحرب"، ورفضه وحليفه الوثيق حركة أمل "المبادرات" الرامية لتفعيل جلسات البرلمان من جديد من أجل إنهاء الفراغ الرئاسي.

فمنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون نهاية أكتوبر 2022، فشل البرلمان 12 مرة في انتخاب رئيس على وقع انقسام سياسي يزداد حدة بين حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد، وخصومه.

سجال التعطيل

وتتمثل عقدة الملف الرئاسي بعدم حظوة أي فريق سياسي في البلاد بأكثرية تمكنه منفردا من إيصال مرشحه إلى قصر بعبدا الرئاسي في بيروت.

وفي الوقت الراهن، يشترط "الثنائي الشيعي" أي دعوة لجلسة نيابية بأن يسبقها "حوار" يرأسه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، على أن ينتهي الحوار بتوافق على اسم رئيس للبلاد ويجرى التوجه بعدها للهيئة العامة لانتخابه.

لكن ما تزال قوى المعارضة، ترفض ذلك "الحوار" الذي يتضمن 10 أيام كحد أقصى من المناقشات، يجرى خلالها التفاهم على اسم مرشح رئاسي أو اثنين أو ثلاثة، قبل التوجه بعدها إلى دعوة النواب لجلسة برلمانية لانتخاب الرئيس.

وفي محاولة جديدة من قوى المعارضة لتحميل "الثنائي الشيعي" مسؤولية التعطيل الرئاسي وتداعيات الحرب القائمة في الجنوب على البلاد، فقد طرحت أخيرا تلك القوى ما سميت بـ"مبادرة المعارضة الرئاسية" لإنجاز الاستحقاق الرئاسي.

وتنص مبادرة المعارضة على اقتراحين، هما، أن يلتقي النواب في البرلمان، ويقومون بالتشاور فيما بينهم، بما لا يتعارض مع الدستور، على ألا تتعدى مدة التشاور 48 ساعة، يذهب بعدها النواب، بغض النظر عن نتائج المشاورات، إلى جلسة انتخاب مفتوحة بدورات متتالية حتى انتخاب الرئيس دون إقفال محضر الجلسة، ويلتزم جميع الفرقاء بتأمين النصاب".

ويفرض الدستور اللبناني انتخاب رئيس الجمهورية من الطائفة المسيحية المارونية بأكثرية الثلثين في الدورة الأولى، أي 86 نائبا، وبأغلبية النصف زائد واحد، أي 65 نائبا في الدورات اللاحقة.

أما الاقتراح الثاني، فنص على "دعوة رئيس البرلمان إلى جلسة انتخاب، ويترأسها وفقا لصلاحياته الدستورية، فإذا لم يتم الانتخاب خلال الدورة الأولى، تبقى الجلسة مفتوحة، ويقوم النواب والكتل بالتشاور خارج القاعة لمدة أقصاها 48 ساعة، على أن يعودوا إلى القاعة للاقتراع، في دورات متتالية بمعدل 4 دورات يوميا، دون انقطاع، ودون إقفال محضر الجلسة، وذلك إلى حين انتخاب رئيس، ويلتزم جميع الفرقاء أيضا بحضور الدورات وتأمين النصاب".

إلا أن "الثنائي الشيعي" رفض التجاوب مع تلك المبادرة من خلال عدم الاجتماع مع ممثليها أسوة ببقية التيارات والأحزاب التي التقت مع نواب المبادرة.

إذ إن اللقاء بين قوى المعارضة و"الثنائي الشيعي" الذي كان مقررا في يوليو 2024 لمناقشة تلك المبادرة جرى تأجيله من قبل "الثنائي".

"مناورة للمعارضة"

وعقب ذلك، تقدم نواب المعارضة، بعريضة وقعها 31 نائبا في 22 يوليو 2024 طالبوا فيها رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعقد جلسة مناقشة حول مسألة الحرب القائمة جنوب لبنان وتداعياتها على هذا البلد خشية "توسع رقعتها في ظل استمرار تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية يعيد إنتاج السلطة وانتظام المؤسسات التي تقوم بدورها الدستوري".

وطالب النواب بوضع "حد للأعمال العسكرية كافة خارج إطار الدولة وأجهزتها التي تنطلق من الأراضي اللبنانية ومن أي جهة كانت".

وكذلك "إعلان حالة الطوارئ في الجنوب وتسليم الجيش اللبناني زمام الأمور فيه، وتكليف الجيش اللبناني بالتصدي لأي اعتداء على الأراضي اللبنانية".

كما دعت العريضة إلى "التحرك على الصعيد الدبلوماسي من أجل العودة الى اتفاقية الهدنة الموقعة عام 1949 وتطبيق القرار 1701 كاملا".

والقرار 1701 تبناه مجلس الأمن الدولي في 11 أغسطس/آب 2006، وطالب بوقف العمليات القتالية، بعد حرب مدمرة استمرت 33 يوما بين "حزب الله" والجيش الإسرائيلي.

كما طالب بإيجاد منطقة بين الخط الأزرق الفاصل بين لبنان وإسرائيل، ونهر الليطاني (جنوب)، تكون خالية من أي مسلحين ومعدات حربية وأسلحة، ما عدا تلك التابعة للجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة المؤقتة "اليونيفيل".

وشهدت الأيام الأخيرة مهاجمة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع خصم حزب الله الأبرز في البلاد، لمواقف نبيه بري من مسألة الاستحقاق الرئاسي والدعوة إلى الحوار.

وآخر فصول السجال مع بري، إصدار جعجع بيانا في 19 يوليو 2024 ردا على كلام منقول لرئيس البرلمان في إحدى الصحف المحلية "إن أيسر الطرق إلى انتخاب رئيس الجمهورية هي الحوار"، وذلك تزامنا مع طلب كتلة "التنمية والتحرير" البرلمانية التي يرأسها بري تأجيل اللقاء مع نواب المعارضة لشرح مبادرتهم وخارطة طريقهم لانتخاب رئيس.

وقال جعجع ردا على قول بري: "لم أجد لها أثرا على الإطلاق في أي مادة من مواد الدستور، في حين أن أيسر الطرق لانتخاب رئيس للجمهورية وأسلمها وأكثرها دستورية، كانت وتبقى، الدعوة فورا وحكما لجلسة مفتوحة بدورات متتالية".

ومضى يقول: "دولة الرئيس بري، طبق الدستور وادع إلى جلسة مفتوحة بدورات متتالية، وكفى تضييعا للوقت وتمييعا للحقائق وتمديدا لمعاناة اللبنانيين".

وتدعو أغلبية القوى اللبنانية إلى تحديد جلسة جديدة لانتخاب رئيس للجمهورية، بينما يرفض الثنائي الشيعي هذه الدعوة ويصر نبيه بري على خوض حوار يسبق الجلسة، الأمر الذي ترفضه تلك القوى على تقدير أن هذا خارج ما ينص عليه الدستور وهي محاولة من الثنائي لرفض أي خيار رئاسي لا يوافقون عليه.

وضمن هذا السياق، أشار موقع "النشرة" المحلي، إلى أن "الثنائي يبرر موقفه بالقول إن ما قدمته المعارضة لا يرقى أصلا إلى مستوى مبادرة، بل هو أقرب إلى المناورة التي تهدف إلى رمي كرة المسؤولية لدى الطرف الآخر بكل بساطة، ويشير إلى أن من يريد تقديم مبادرة يجب أن يوفر لها فرص النجاح، بدل الاستمرار في استفزازه والتصويب عليه، كما يفعل حزب القوات اللبنانية بشكل خاص". 

وأضاف الموقع: "لكن، مقابل تبريرات الثنائي، ثمة من يستغرب موقفه، بتقدير أن ما يظهر منه هو أن الطرف الذي لم يترك مناسبة إلا وطالب فيها بالحوار والتشاور، وأصر على أن اللبنانيين محكومون بالجلوس على طاولة واحدة، هو الذي يرفض اليوم الجلوس على هذه الطاولة، بل ثمة من يذهب أبعد من ذلك، بالقول إنه بموقفه الممانع للحوار عمليا، كشف زيف شعاراته، وثبت معادلته الحقيقية: إما تسيرون بمرشحنا، أو لا انتخابات".

"تلويح بالعصيان"

وأمام ذلك، يرى كثير من المراقبين أن القرار حول تمرير انتخابات رئاسية لم يتخذه حزب الله بعد، رغم دفع القوى السياسية المناهضة لحزب الله إلى الذهاب نحو الخيار "الثالث" والذي يعني طرح أسماء جديدة للترشح للرئاسة ليس بينهم فرنجية. 

ونقلت صحيفة "اللواء" المحلية عن مصادر وصفتها بـ"الموثوقة داخل الثنائي الشيعي" قولها في 23 يوليو 2024 إن "المبادرات الحالية ما هي إلا مضيعة للوقت، فلا خطوات جدية للحل، ولا تغيير في مواقف القوى المسيحية مما يجرى، وعليه يتراجع الملف الرئاسي إلى أسفل السلّم في الاهتمامات المحلية"، في إشارة إلى تمسك الثنائي الشيعي بمرشحه سليمان فرنجية.

وحراك القوى اللبنانية لسد الشغور الرئاسي، يتماشى مع الوضع الأمني في الجنوب، ولا سيما مع تزايد التوتر يوما بعد يوم بين حزب الله وإسرائيل، مما يثير مخاوف من احتمال نشوب "حرب شاملة" قد تشمل اجتياحا بريا إسرائيليا.

وأمام حالة الاستعصاء الرئاسي في لبنان خرج النائب أشرف ريفي ودعا المعارضة لإعلان "العصيان المدني والانتقال إلى مرحلة مختلفة في التعاطي مع مَن يرفضون أن يكونوا شركاء متساوين بوطن واحد".

وكتب ريفي، في منشور على حسابه عبر منصة "إكس" في 20 يوليو 2024: "المهزلة: من يدعو للحوار يرفض اللقاء بوفد المعارضة".

وأضاف ريفي وهو عضو كتلة "تجدد" البرلمانية، "انكشاف الممانعة التي تريد الهيمنة ولا تؤمن بالشراكة"، في إشارة إلى "الثنائي الشيعي".

ويرى أشرف ريفي وهو لواء سني شغل منصب وزير العدل سابقا، والمعروف بمواقفه الجريئة أمام حزب الله، أن مبادرة المعارضة الأخيرة هي بمثابة "صرخة لبنانية وطنية كبيرة بوجه حزب الله".

 وفي حديث مع صحيفة "الأنباء" الكويتية، قال ريفي في 23 يوليو، إن "قوى المعارضة تدرك أنها تخوض ضد المنظومة الإيرانية في لبنان، مواجهة سياسية غير تقليدية، وتعي أن نضالها لن يصل بين ليلة وضحاها إلى تحرير لبنان من قبضة الحرس الثوري ممثلة بسلاح حزب الله ومن خلفه قوى الممانعة، لكنها حتى الساعة تمكنت أقله من وضع النقاط على الحروف في قراءة موحدة أمام الرأي العام المحلي والدولي، بأن لبنان لن يكون لا ولاية إيرانية ولا حتى حديقة خلفية لثقافة الموت والدمار والتخلف والعزلة عن الحضن العربي".

وأضاف ريفي قائلا: "إن المعارضة لا تملك الأكثرية المطلقة في مجلس النواب، لكنها تملك ما يكفي من قدرات سياسية ونيابية لتعطيل مشاريع الذراع الإيرانية المتلطية تحت الهوية اللبنانية، ومنعها من الإمساك مجددا بمصير لبنان واللبنانيين".

وعن مصير الاستحقاق الرئاسي في ظل المواجهات السياسية بين المعارضة و"الثنائي الشيعي" قال ريفي "ما دام حزب الله مُصرا على ترشيح سليمان فرنجية وعلى حوار تضليلي، وفرض أعراف جديدة غير دستورية، فلن تشهد قبة البرلمان في وقت قريب انتهاء عمر الشغور الرئاسي".

ولفت ريفي إلى أنه يجري اتصالات ولقاءات مع قوى المعارضة كافة، "لرسم إطار جديد لإستراتيجية التعامل مع حزب الله وفريقه، وقوامه توسيع دائرة المواجهة السياسية، حتى وإن اضطر الأمر للوصول إلى حد العصيان المدني".