مصالح متقاطعة.. كيف يسعى "الناتو" لتوسيع نفوذه في أميركا اللاتينية؟

2 months ago

12

طباعة

مشاركة

العلاقات الروسية مع دول أميركا اللاتينية، تخترقه محاولات حلف شمال الأطلسي (الناتو) توسيع نفوذه مع تلك الدول.

وناقش مدير قسم أميركا اللاتينية بوزارة الخارجية الروسية، ألكسندر شيتينين، في مقابلة مع صحيفة “إزفيستيا”، أهمية التعاون مع دول المنطقة "لمواجهة الضغوط الغربية".  

تعاون متعدد

وأشارت الصحيفة الروسية إلى أنه في بداية يونيو/ حزيران 2024، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أنها تعمل على دراسة إمكانية تنظيم “قمة روسيا- أميركا اللاتينية”.

وبهذا الشأن، أوضح شيتينين أنه "لم يُعلن رسميا عن هذه القمة حتى الآن"، قائلا إن "هذا لا يعني أننا لا ندفع بفكرة الحوار السياسي والتعاون مع دول المنطقة".

وتابع الدبلوماسي: "بالنسبة لنا، أميركا اللاتينية هي قارة صديقة تاريخيا، حيث تربطنا بها عقود من التعاون المتبادل المثمر وجاذبية ثقافية متبادلة وتشابك في المصير الإنساني". 

وأظهر شيتينين تقديره بأن "المنطقة أُعلنت منطقة سلام عام 2014، وأن وضعها كمنطقة خالية من الأسلحة النووية قد أُكد في عام 1967". 

ولكن حاليا، "تمر المنطقة بأوقات عصيبة"، كما لفتت الصحيفة، “أن "هناك مشكلات خطيرة مرتبطة بنظام الإدارة الحكومية وتمويل التنمية، كما يُلاحظ وجود تدخل وضغوط مدمرة من الخارج”.

وكل هذا -بحسب الدبلوماسي- "يؤثر على فعالية التعاون بين الدول وعلى العمليات التكاملية في أميركا اللاتينية".

وفي هذا السياق، أعرب شيتينين عن "استعداد روسيا لتطوير العلاقات والتعاون مع دول أميركا اللاتينية في إطار متعدد الأطراف وبقدر استعدادهم لذلك". 

وتوقع في الوقت نفسه أن الطرفين “سيصلان إلى إمكانية تنظيم فعالية متعددة الأطراف في الوقت المناسب”. 

وذكرت الصحيفة أنه في عام 2023، نُظمت فعالية مماثلة على المستوى البرلماني، حيث عُقد مؤتمر برلماني دولي بين روسيا وأميركا اللاتينية.

على جانب آخر، قالت "إزفيستيا" إن “البرازيل والصين اقترحتا مبادرة سلمية” لإنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا. 

وأضافت أن "العديد من دول منطقة أميركا اللاتينية تشدد على الحوار بمشاركة روسيا كوسيلة وحيدة ممكنة لتسوية الأزمة".

وتساءلت الصحيفة: “كيف تقيّم روسيا دور دول منطقة أميركا اللاتينية في حل النزاع؟”

وإحابة على هذا السؤال، أكد شيتينين بداية أن "روسيا تثمن بشكل إيجابي السعي الصادق للدول في المساهمة بتسوية سياسية ودبلوماسية للأزمة".

وأوضح أن "الدولة تدرس بعناية المقترحات التي تأتي من مختلف الدول، بما في ذلك من أميركا اللاتينية الصديقة لها".

ومعظم هذه المبادرات -بحسب ما ورد عنه- "تتضمن تقييمات مشابهة جدا لرؤية روسيا للوضع، وتستند إلى فهم الأسباب الجيوسياسية الأساسية للنزاع".

تباين الموقف

وبالحديث خصيصا عن الأرجنتين كدولة ترغب في التعاون مع الناتو، تساءلت صحيفة إزفيستيا: “كيف تقيم روسيا رغبتها في التعاون مع الناتو كحليف عالمي؟ وبالنظر إلى أن كولومبيا لديها نفس الوضع، هل ترون تهديدا متمثلا في احتمالية توسع الحلف في منطقة أميركا اللاتينية؟”

أجاب شيتينين: "إننا نلاحظ زيادة جهود واشنطن وحلفائها في الناتو لمد نفوذ هذا التحالف إلى ما بعد المنطقة الأطلسية الأوروبية، بما في ذلك أميركا اللاتينية".

وأضاف أنه "توجد برامج للناتو تشمل تقديم الدعم في إصلاح الهياكل الأمنية وتدريب المتخصصين وإعادة تسليح القوات، مع التركيز على شراء النماذج الغربية وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة". 

وهذه البرامج -في رأيه- "تعكس سعي العسكريين الأميركيين للتأثير على تشكيل الأجندة السياسية والاقتصادية للدول اللاتينية في علاقاتها مع دول المنطقة". 

وفي هذا السياق، لفت الدبلوماسي إلى أن توسع الناتو نحو الشرق "قد دمر بنية الأمن الأوروبي".

وفي الوقت نفسه، أكد شيتينين على أن "روسيا ترى بوضوح محاولة التحالف مد نفوذه إلى منطقة الهندي- الهادئ". 

وتساءل الدبلوماسي: “هل هناك حاجة لمثل هذا التوسع الزاحف في أميركا اللاتينية؟” قائلا إن "الإجابة على هذا السؤال يجب أن تأتي من دول أميركا اللاتينية نفسها".

ولفت النظر إلى أحداث التاريخ القريب، مثل النزاع المسلح عام 1982 حول جزر المالوين، مسلطا الضوء على "تباين أولويات سياسة الولايات المتحدة ضمن إطار الناتو، رغم التعاطف الذي كانت تعبر عنه واشنطن تجاه حكومة الأرجنتين في تلك السنوات".

في المقابل، شدد شيتينين على أن "روسيا لديها نهج مختلف في التعامل مع المنطقة".

وأردف: "فعلى عكس الولايات المتحدة والناتو، لا تعد روسيا أميركا اللاتينية منطقة للعبة الجيوسياسية". 

وتابع: “بشكل خاص، تعد الحكومة الروسية الأرجنتين واحدة من شركائها الرئيسين في أميركا اللاتينية، إذ تمتد علاقاتهما على مدى 140 عاما”.

حضور "بريكس"

وبعد سؤاله عن "إمكانية إجراء روسيا مناورات عسكرية، كالتي تتم مع كوبا وفنزويلا، مع دول أخرى في المنطقة"، أشار شيتينين إلى أن البلاد تطور بالفعل التعاون في المجال العسكري. 

وأعرب عن امتنانه لكوبا وفنزويلا على حسن الاستقبال خلال زيارة صيف 2024 والتدريبات التي أجرتها فرق السفن من الأسطولين الشمالي والبلطيقي التابعين للبحرية الروسية. 

وشدد شيتينين على أن "روسيا مستعدة للتعاون مع أولئك الذين يهتمون بهذا النوع من التدريبات، ووفقا لما يتناسب مع مصالحها المتبادلة".

وبذكره أن موسكو تجري مفاوضات مع عدد من دول أميركا اللاتينية بشأن التخلي عن الدولار في التعاملات الدولية، خصوصا مع كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا، تساءلت الصحيفة: “هل هناك خطة لزيادة عدد الدول التي ستستخدم روسيا معها العملات الوطنية في المعاملات؟”

وأجاب الدبلوماسي قائلا إن "الوضع الماكرو-اقتصادي الحالي يوضح بجلاء أن النظام الحالي للتعاملات الدولية لم يعد يلبي احتياجات اليوم". 

لذا، يرى شيتينين أن "الانتقال إلى نظم بديلة للتسويات واستخدام عملات أخرى، سواء كانت وطنية أو دولية، هو ضرورة موضوعية".

"وهذه المهمة ليست سهلة"، كما أكد شيتينين، إذ "تشارك جميع الدول في النظام العالمي والإقليمي للعلاقات الاقتصادية. والمعايير الحالية لهذه العلاقات، المبنية على العملات الأساسية السائدة، تُعد نظاما من الاستقرار للاقتصاد العالمي". 

لكن هذا الاستقرار -وفق ما يقوله الدبلوماسي- "لا يمكن أن يستمر إلا بشرط الحفاظ على الثقة في الاقتصاد الأميركي". 

وهنا، يظهر السؤال الحقيقي من وجهة نظر الصحيفة: “كيف يمكن الحفاظ على هذه الثقة، خاصة في ظل تزايد الدين العام الأميركي؟”

ونتيجة لذلك، ذهب شيتينين إلى أن "التحليل الموضوعي يشير إلى الحاجة لنظام جديد أكثر استقلالية للتسويات، لا يرتبط حصريا بالدولار أو بأي عملة واحدة أخرى، بحيث يلبي مصالح التنمية الاقتصادية للدول، بما في ذلك الدول اللاتينية، وفي النهاية يعزز سيادتها".

وأوضح أن "روسيا تواصل العمل على بناء مثل هذا النظام، بما في ذلك مع شركائها من أميركا اللاتينية". 

ويشمل ذلك -بحسب شيتينين- الترويج لنظام الدفع الروسي "مير" في دول المنطقة وتوسيع شبكة الحسابات المراسلة بالعملات الوطنية، من خلال ربط دول أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي بنظام تبادل الرسائل المالية لبنك روسيا وإقامة اتصالات مصرفية مباشرة.

وبالحديث عن بطاقات نظام الدفع الروسي، ذكرت الصحيفة أنها أصبحت تعمل في فنزويلا وكوبا، متسائلة “ما هي الدول التالية في أميركا اللاتينية التي ستنضم إلى القائمة؟”

وأوضح الدبلوماسي الروسي أن هذه المسألة مازالت قيد المناقشة، مؤكدا أنه "سيُعلن عن الأمر إذا حدث أي تطور فيه".

واختتمت "إزفيستيا"  تقريرها متسائلة “هل دعت روسيا أحدا من قادة أميركا اللاتينية للمشاركة في قمة البريكس في قازان عاصمة جمهورية تتارستان، في الفترة ما بين 22 و24 من أكتوبر/تشرين الأول 2024؟”

وأجاب شيتينين قائلا إن "الدعوات أُرسلت، وإنهم يأملون في روسيا أن يحضر القمة ممثلون من عدد من دول أميركا اللاتينية، بالإضافة إلى البرازيل التي هي بالفعل عضو في البريكس".