محطة للوقود أم قاعدة عسكرية؟.. حقيقة شرط روسيا لإمداد جيش السودان بالسلاح

12

طباعة

مشاركة

تحلم روسيا منذ عام 2017 بالحصول على قاعدة عسكرية بحرية في بورتسودان، المطلة على البحر الأحمر أحد أكثر الممرات المائية أهمية في العالم، ضمن سعيها لمواجهة النفوذ الغربي بالشرق الأوسط.

خلال حكم الرئيس السابق عمر البشير، وقبل الحرب الأهلية الحالية بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع، حاولت روسيا توقيع اتفاق مع السودان لإنشاء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، لكن الضغوط الأميركية والحرب عرقلا هذه الخطوة.

الآن وفي ظل بناء موسكو منظومة دفاعية متكاملة في إفريقيا، تحمل اسم الفيلق الإفريقي، لتحل محل القوات الفرنسية والأميركية في 6 دول إفريقية على الأقل، تتزايد الحاجة الروسية لقاعدة في السودان.

الجديد هو كشف ياسر العطا، القيادي الكبير بالجيش السوداني، في 25 مايو/أيار 2024 لوكالة "رويترز" أن روسيا طلبت إقامة "محطة تزويد بالوقود" في البحر الأحمر مقابل توفير أسلحة وذخيرة للجيش، معلنا أن اتفاقيات في هذا الصدد سيتم توقيعها قريبا.

محطة أم قاعدة؟

العطا، وهو عضو مجلس السيادة الانتقالي ومساعد القائد العام للقوات المسلحة، قال لرويترز: "روسيا طلبت نقطة تزود على البحر الأحمر مقابل إمدادنا بالأسلحة والذخائر".

وفي حوار مع قناة "الحدث" السعودية في 25 مايو، أكد العطا مجددا موافقة حكومة الجيش على منح روسيا هذه "المحطة"، التي يراها محللون سودانيون "قاعدة عسكرية" على البحر الأحمر.

مصادر دبلوماسية سودانية قالت لـ"الاستقلال" إن الحديث يدور حول "قاعدة عسكرية" لا مجرد محطة وقود ولكن الجيش السوداني يخفف من وقع الخبر كي يتفادى ضغوطا أميركية.

أوضحت المصادر أن محطة وقود للسفن البحرية الروسية وربما طائرات موسكو يعني قاعدة عسكرية بها قوات روسية تحمي هذه المحطة.

وأكدت أن روسيا ترى الوقت الحالي هو الأنسب لـ"ابتزاز" الجيش السوداني بعتاد عسكري نوعي يساعده في حسم الحرب ضد الدعم السريع، الذي يتلقى عتادا حديثا من الإمارات، مقابل قاعدة عسكرية تستكمل تجهيزات روسيا اللوجستية في إفريقيا.

وأضافت أن روسيا تعمل على زيادة نفوذها في الشرق الأوسط وإفريقيا معا، وتكثف نشاطها لإنجاز سلسلة قواعد عسكرية بحرية وبرية في المنطقة، وسط تصعيد لافت مع الغرب.

المصادر أشارت أيضا إلى أن الهدف ربما يكون تحويل قاعدة روسية في بورتسودان على البحر الأحمر لمحطة وقود تبادلية ومتوازية مع قاعدة روسيا في ميناء طرطوس السوري، لتزويد سفنها الحربية بالوقود والسلاح اللازمين.

ولن تجد موسكو أفضل وقت للضغط على الجيش السوداني لطلب هذه القاعدة في السودان فورا سوى الوقت الراهن الذي يشهد حاجة السودان للسلاح بأي ثمن لئلا يخسر أكثر مما خسر ويرغب في إنهاء دائرة الحرب الأهلية بالبلاد المتواصلة منذ أكثر من سنة.

فكرة القاعدة

والهدف الفعلي من هذه الخطوة تنفيذ اتفاقات سابقة بقاعدة عسكرية روسية لأن روسيا بحاجة شديدة لقاعدة في السودان على البحر الأحمر ضمن منافستها الشرسة مع أميركا وفرنسا، بعدما نقلت حرب أوكرانيا الصراع بين روسيا والغرب لمرحلة تصعيد خطيرة.

حيث تسعى موسكو لتثبيت وجودها ونفوذها في البحرين المتوسط والأحمر عبر سلسلة قواعد في سوريا والسودان.

ويرجح خبراء أن يسمح الاتفاق لروسيا بإنشاء قاعدة بحرية تضم ما يصل إلى 300 جندي روسي، وأربع سفن بحرية، بما في ذلك سفن تعمل بالطاقة النووية، في ميناء بورتسودان الإستراتيجي على البحر الأحمر، حيث مقر حكومة الجيش السوداني حاليا.

يعود تاريخ هذه القاعدة التي تريدها روسيا إلى نوفمبر/تشرين ثاني 2017 حين طرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئيس على السودان السابق عمر البشير، خلال زيارته لموسكو، فكرة هذه القاعدة العسكرية الروسية.

وفي 4 ديسمبر/كانون أول 2017، زعم رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي "فيكتور بونداريف" أن السودان هو الذي طلب من روسيا إنشاء قاعدة عسكرية على ساحله على البحر الأحمر.

قال للصحفيين إن بلدان المنطقة تقوم باختيارنا كشركاء إستراتيجيين لها بمبادرات تسمح بتوسيع الوجود العسكري الروسي على أراضيها"، مرجحا تزايد الوجود العسكري الروسي في بلدان منطقة الشرق الأوسط.

وكان الاتفاق الذي تم توقيعه حينئذ، يسمح للبحرية الروسية بإقامة قاعدة عسكرية في مدينة بورتسودان لمدة 25 عاما مع تمديد تلقائي لمدة 10 سنوات بحال لم يعترض أي من الجانبين.

وحين تأخر التنفيذ، قال قادة الجيش السوداني إن هذه الخطة قيد المراجعة، لكنها لم تنفذ قط.

بعد ثلاثة سنوات، وفي 9 ديسمبر 2020 نشرت الوكالة الرسمية الروسية نص الاتفاقية السابقة مع السودان للضغط لتسريع تصديق البشير عليها.

ذكرت أن الاتفاقية نصت على إقامة منشأة بحرية روسية تضم قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية وقادرة على استقبال سفن حربية تعمل بالطاقة النووية، واستيعاب 300 عسكري ومدني، واستقبال أربع سفن حربية في وقت واحد. 

وقال "فيكتور بونداريف" قائد القوات الجوية الروسية السابق، إن القاعدة السودانية ستضمن وجود البحرية الروسية في البحر الأحمر والمحيط الهندي وتجنب سفنها رحلات طويلة للوصول إلى المنطقة.

دور حميدتي

مع تولي إدارة سودانية جديدة من العسكريين والمدنيين المنتمين للتيارات اليسارية والليبرالية، أعيد طرح الاتفاقية مرة أخرى من الجانب الروسي، وصادقت الحكومة السودانية الجديدة عليها في يوليو/ تموز 2019.

ثم صادق بوتين في 16 نوفمبر/تشرين ثاني 2020، على إنشاء القاعدة البحرية الروسية في السودان، والتي ستدخلها سفن تعمل بالطاقة النووية.

ونشرت الجريدة الرسمية الروسية، في 9 ديسمبر/كانون الأول 2020، نص الاتفاقية حول إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على البحر الأحمر، بهدف "تعزيز السلام والأمن في المنطقة ولا تستهدف أي طرف آخر"، بحسب مقدمة الاتفاقية.

بعد مرور عام دون تدشينها، عادت صحف سودانية لتشير لإلغاء اتفاقية إنشاء قاعدة روسية في بورتسودان، لكن رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، نفي في 9 يونيو/حزيران 2021، إلغاء فكرة إنشاء القاعدة.

وعقب انهيار حكم البشير وتوثيق قائد الدعم السريع حمدان دقلو (حميدتي) علاقته مع الإمارات وروسيا على خلفية شراء الأولى الذهب السوداني وحماية قوات الثانية الخاصة (فاغنر) مناجم الذهب ووضع قدم روسيا هناك.

طورت روسيا علاقات مع قوات الدعم السريع شبه العسكرية التي لها علاقات أيضا مع مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة وزار حميدتي روسيا وعاد ليعلن في 3 مارس/آذار 2022 إقامة قاعدة روسية في السودان، لكن هذا التطور أيضا تعطل.

حينئذ علق "كاميرون هدسون"، أحد كبار مساعدي المبعوث الأميركي إلى السودان والذي يعمل الآن باحثا بالمجلس الأطلسي، مفسرا ذلك بقوله على إكس إن "حميدتي بدأ مزايدة عروض أسعار لقواعد بالسودان".

لكن اتفاق القاعدة تعرقل مجددا حين ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" في 2 مارس/آذار 2022 أن المسؤولين الأميركيين يشعرون بقلق متزايد من اقتراب تأجير السودان قاعدة على البحر الأحمر لروسيا، مشيرة إلى أن "هذا الاتفاق بذلت الولايات المتحدة قصارى جهدها لإلغائه".

نقلت عن الجنرال المتقاعد مارك هيكس، الذي قاد وحدات العمليات الخاصة الأميركية في إفريقيا إن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى لتوسيع نفوذه في أي مكان، لذا يتاجر الجنرال حميدتي بشغف لبيع قاعدة روسية في بورتسودان تدعم العسكر.

أكدت أن القلق الأميركي من قاعدة روسية في السودان، جزء من منافسة القوى العظمى على النفوذ والموقع العسكري في إفريقيا وحول العالم، وسعي موسكو لنهب ذهب السودان عبر مرتزقة فاغنر.

حينئذ قالت مجلة "فورين بوليسي" في15 يوليو 2022 إن آمال روسيا تبددت في إنشاء قاعدة بحرية في مدينة بورتسودان المطلة على البحر الأحمر، أحد أكثر الممرات المائية ازدحاما في العالم، انهارت، وفقا لمسؤولين في الاستخبارات الأميركية.

وذكرت المجلة الأميركية أن هذه "الانتكاسة" مثلت نصراً محدوداً للولايات المتحدة في الوقت الذي تسعى فيه إلى الحد من تأثير أكبر منافسيها الجيوسياسيين في إفريقيا، حيث تسعى روسيا والصين إلى توسيع نفوذهما من خلال تعميق التعاون الأمني مع الحكومات الإفريقية.

ويبدو أن موسكو عادت الآن لتنقل الرهان من حميدتي للجيش السوداني في ظل أنباء تقدمه في المعارك ولأنه الجيش الرسمي والذي يسيطر على بورتسودان، لذا جاءت تصريحات الجنرال "العطا" التي تشير لإحياء الاتفاق.

وسبق أن زار السودان في 29 أبريل/نيسان 2024، نائب وزير الخارجية الروسي وهو أيضا ممثل خاص للشرق الأوسط وإفريقيا، ميخائيل بوجدانوف في إشارة لدعم الجيش السوداني للتمهيد لهذا الاتفاق.

والتقى بوجدانوف، بقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في مدينة بورتسودان على البحر الأحمر، وهي قاعدة للجيش بحسب وكالة "رويترز".

وقبلها التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في الخرطوم فبراير/شباط 2024 للغرض ذاته.

وبدأت روسيا بالفعل تسليم وقود الديزل إلى السودان منذ 11 أبريل/نيسان 2024، حسبما أظهرت بيانات مجموعة بورصات لندن، وفق "رويترز".

رفض قاعدة إيرانية

وقبل ذلك ضغطت واشنطن على السودان لإجهاض طلب إيراني للسماح ببناء قاعدة بحرية إيرانية دائمة على ساحل البحر الأحمر، ورفضت الخرطوم الطلب الإيراني، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في 3 مارس/آذار 2024.

وجاء الطلب الإيراني بعدما كشف صحفيون ومحللون سودانيون أن إيران ألقت بثقلها في الحرب الحالية بالسودان ودعمت الجيش بقوة خاصة عبر طائرات مسيرة قلبت موازين المعركة، وربما هذا ما دفعها للطموح لطلب القاعدة العسكرية.

وقال الصحفي السوداني عبد الماجد عبد الحميد، في تدوينة عبر فيسبوك، إن إيران وافقت على توفير الدعم العسكري للسودان دون تردد.

وأضاف أن "طهران لم تتأخر عن تزويد السودان بالمسيرات والذخائر بينما رفضت عواصم عربية (شقيقة) مرور طائرات كانت تحمل شحنات أسلحة ومعدات عسكرية أخرى اشتراها السودان من حر ماله ".

ويبدو أنه كان يشير لمصر التي تردد أنها غاضبة من تحالف البرهان مع الإسلاميين لضرب حميدتي وضغطت عليها الإمارات بأموال رأس الحكمة لتستدعي البرهان وتحذره من ذلك.

وكان حصول إيران على هذه القاعدة سيعطي لطهران ميزة مراقبة حركة المرور البحرية من وإلى قناة السويس، وكذلك بالنسبة لإسرائيل ما سيغضب مصر وأميركا وفق محللين.

وقال الكاتب الأميركي كاميرون هدسون المتخصص في الشئون الإفريقية يقول إن رفض السودان إعطاء إيران قاعدة بحرية على البحر الأحمر لجمع المعلومات الاستخبارية، جاء لعدم استعداء الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل أكبر. 

تداعيات الاتفاق 

يبدو أن الجيش السوداني بدأ يتحرك وفق قاعدة أنه ليس لديه ما يخسره، وأن أميركا التي راهن عليها منذ الانقلاب على البشير، لم تعطه شيئا ولم تدعمه لا اقتصاديا ولا عسكريا، حتى بعدما قبل البرهان، التطبيع مع إسرائيل.

بالمقابل، دعمت روسيا السودان بالسلاح والوقود، ويحتاجها جيش السودان لدعمه عسكريا في مواجهة خذلان أميركا له، ما قد يضمن لها تصديق السودان على اتفاقية القاعدة البحرية.

حيث قدمت روسيا دعما عسكريا للسودان وقررت إعفاءه من 19 مليون دولار كانت ديونا عسكرية، كما منحته 3 شاحنات قمح خلال مايو 2024 وهناك تعاون سوداني روسي  في مجال المعادن.

لذا يمكن الحديث عن تداعيات داخلية للاتفاق العسكري الروسي السوداني، تتعلق بتحسين قدرات جيش السودان على مواجهة الدعم السريع والسلاح الأميركي الذي تسلمه له الإمارات، وتوفير إمكانيات قوية لعدم هزيمته كي تضمن بقاء القاعدة.

وتداعيات أخرى دولية تتعلق بتغيير موازين القوى السياسية والعسكرية في منطقة حوض البحر الأحمر، حيث ستؤدي النقلة الروسية على رقعة الشطرنج مع أميركا، بهذه القاعدة البحرية لتغيير في موازين القوى لصالح موسكو.

لكن مراقبين لصراع النفوذ الأميركي الروسي في القارة الإفريقية يرجحون ألا تستسلم واشنطن، مع توجه الجيش السوداني نحو روسيا، وتعود لمحاولة إحياء نفوذها في السودان، كي لا تخسر موقعه الإستراتيجي.

وتحاول في الوقت ذاته منع روسيا من الحصول على موطئ قدم، وربما قاعدة عسكرية لها في البحر الأحمر عبر إغراء عسكر السودان بمزايا اقتصادية وربما عسكرية.

وتلمح مجلة "إيكونوميست" البريطانية في تحليل يوم 24 مايو/أيار 2024 أن الحرب في السودان التي نسيها العالم ربما تكون وراء لجوء كل فريق من المتصارعين الجيش والدعم السريع للحصول على أي دعم خارجي وتقديم أي تنازلات.

أوضحت أن التداعيات الداخلية تمتد خارج حدود السودان، أي تزيد المطامع فيه، فهو لديه موانئ قريبة من القرن الإفريقي، ويطل على ممرات الشحن المؤدية إلى مضيق باب المندب، الذي يمر من خلاله حوالي 10 بالمئة من التجارة البحرية في العالم. 

المجلة أشارت أيضا إلى تحليل أجرته شركة التحليلات العالمية Chart beat كشف أن كابوس السودان لا يحظى باهتمام كبير في وسائل الإعلام. 

حيث تظهر البيانات أن التغطية الإخبارية للسودان 2023 بلغت ذروتها في أبريل 2023، مع بداية الحرب، حيث نُشرت 7000 مقالة في حوالي 3000 مؤسسة إعلامية في 70 دولة. 

لكن منذ بداية عام 2024، بلغ متوسط المنشور عن حرب السودان 600 مقالة فقط في الشهر، عالميا بينما حظيت تغطية الصراعات في غزة وأوكرانيا بقرابة 100 ألف قصة شهريا لكل منهما.